الباب السادس:الفلسفة الوجودية
أولا: أصول الفلسفة الوجودية
تعد مؤلفات سورين كيركجارد (1813-1855) من أهم المؤثرات على الفلسفة الوجودية وإن كان مغمورا في عصره، حيث تميز بمهاجمته للفلسفة الهيجلية، كما يؤكد أولية الوجود على الماهية، وهو معارض للعقل إلى أقصى حد.
إلى جانب تأثير كيركجارد نجد الفينومينولوجيا حيث ينتهجها كل من هيدجر ومارسل و سارتر.
كذلك فإن الوجودية تأثرت تأثرا واضحا بفلسفة الحياة، ويمكن اعتبار برجسون ودلتاي وعلى الأخص نيتشه أسلافا للوجودية.
وأخيرا فإن الميتافيزيقا الجديدة لها دور هام في تكون الفلسفة الوجودية.
وربما خضع ياسبرز خضوعا قويا للنزعة المثالية حين يحاول الوصول إلى الوجود ذاته.
ثانيا: الخصائص المشتركة بين الفلاسفة الوجودين
1-منبع الفلسفة الوجودية عندهم هي التجربة الحية المعاشة/تجربة وجودية وهي تختلف من فيلسوف وجودي إلى أخر وبالتالي فهي تحمل طابعا شخصيا فتجربة ياسبرز تأخذ شكل "هشاشة الوجود" وتجربة هيدجر شكل "السير نحو الموت".......
2-الموضوع الرئيسي للبحث الفلسفي هو "الوجود" وهو يدل على الطريقة الخاصة بالإنسان في الوجود.
3- يتصور الوجوديون الوجود على نحو فاعلي نشط، فلا "يكون" لأن فعل الكينونة يدل على السكون، وإنما هو يخلق نفسه بنفسه في حرية، بعبارة أخرى هو "يصير". إن الوجود دائما غير يكتمل ، إنه شروع واستقبال.
4- الفرق بين هذا الاتجاه الفاعلي عند الوجوديين و الاتجاه الفاعلي عند فلاسفة الحياة يقوم في أن الوجوديين يعتبرون الإنسان ذاتية خالصة، وليس تجسيدا لتيار حيوي أشمل، ويضاف إلى هذا أن الوجوديين يفهمون الذاتية بمعناها الخلاق: فالإنسان يخلق نفسه بنفسه، إنه هو هو حريته هو.
5- ومع هذا فإن الإنسان هو الحقيقة الناقصة المفتوحة فهو على رباط دائم مع البشر.
6- ويرفض كل الوجوديين الفصل بين الذات والموضوع، و يقللون من قيمة المعرفة العقلية في ميدان الفلسفة، ويعتبرون المعرفة الحقة لا تكتسب بوسيلة العقل، بل ينبغي التعامل مع الواقع ، هذا التعامل والخبرة تتم عن طريق القلق.
وعلى الرغم من هذه الاشتراكات فإن نقاط الاختلاف بينهم عميقة.
12*-مارتن هيدجر:
يعد هيدجر فيلسوفا شديد الأصالة ، ومن أكثر الفلاسفة صعوبة من حيث القراءة ذلك لاعتماده على مصطلحات من اختراعه حتى يتمكن من التعبير عن مفاهيمه.
يرى هيدجر أن لدينا فهما عاما مشتركا ولكنه غامض عن الوجود، والواقع أن الوجود ليس شبيها بالمتواجد، إنما هو الذي يحدد المتواجد، ويسمي هيدجر المتواجد الإنساني باسم "الموجود- هناك" وهو يمثل نقطة البدء المعلنة للبحث الفلسفي عنده.
إن ماهية "الموجود- هناك" تتحدد في كينونته المتعينة وهي التي تفسره دائما ، ولا يمكننا بغير هذا أن نعرف هذه الماهية .
*الفهم الوجودي=فهم السؤال الخاص بالكينونة
* الفهم الموجودي=تحليل مجموع بنية الموجودات.
ويعتبر هيدجر أن الفينومينولوجيا هي المنهج الوحيد المناسب لتحليل الوجود، فهي تقوم بدور علم التأويل ، وهي تدرس الكينونة من أجل تفسير تركيبها وتكوينها.
13*جون بول سارتر:
من الجلي أن سارتر يسير على إثر هيدجر،ويبدو أنه وقع تحت تأثير نيتشه من جوانب متعددة،من جهة أخرى فإن سارتر يقيم خطوطه الرئيسية مستعينا بالمنهج الفينومينولوجي، ومن الظاهر أن عددا من أفكار سارتر مصدرها هيجل.
*يرى سارتر أن كل ما يوجد يوجد على ما هو عليه فعلا، فما يمكن قوله عن الوجود أنه موجود، أنه يوجد في ذاته ، أنه هو ما هو و حسب.
*يرى أن الوجود يسبق الماهية.
*من أنواع الوجود:"الموجود في ذاته" ، "الموجود لأجل ذاته"، فالأول ممتلئ جامد والثاني مخصص بالإنسان ويعلن أن هذا الأخير ينجذب إلى ثلاثة ميولات: ميله نحو العدم، ميله نحو الآخر ،ميله نحو الوجود،أما الانجذاب الأول فيتمثل في الوعي والحرية، و الانجذاب الثاني فيتمثل في "الوجود لأجل الآخر".
14*جابريال مارسال:
يتميز جابريال مارسال إلى جانب كارل ياسبرز ب:قبولهم إلى جوار التعالي الأفقي ، نوعا آخر من التعالي وهو التعالي الرأسي "الاتجاه نحو الإله".
15* كارل ياسبرز:
كان من بين الذين قدموا نظاما فلسفيا مكتملا، كما تميز باقترابه من الميتافيزيقا، ويتميز فكره بأنه أكثر اعتدالا، وكانت لغته بسيطة.
ويعتقد ياسبرز أننا نستطيع التحدث عن الوجود بثلاث معاني:
-الوجود من حيث هو كائن.
- الوجود من حيث هو ما لأجل ذاته.
- ما هو في ذاته/التعالي.
ورغم هذا فإننا لا نستطيع إيجاد الوجود كله.
ملاحظات ختامية عن الفلسفة الوجودية:
نميز في الفلسفة الوجودية بين سمتين: الإجابة عن الأسئلة الحارقة عن مصير الإنسان، ثم هي تضم إلى ذلك تحليلا جديدا عن الوجود الإنسان وفق قاعدة أنطولوجية وميتافيزيقية.
أما ما يؤخذ على الفلسفة الوجودية أنها حصرت الفلسفة في نطاق مسائل المصير مغفلين بذلك العقل.
إن تحليلات الوجوديين تحليلات أساسية في مواجهة الوضعية من جهة والمثالية من جهة أخرى، حيث دفعوا الوضعيين دفعا ناجحا بأنه لا يمكن اختزال الموجود الإنساني إلى المادة، كما قرروا في مقابل المثالية بأسبقية الوجود على الفكر و بحجج بليغة.
غير أنهم الغوا في الاشتغال بذواتهم