الباب الثالث:الفلسفات المثالية
تناقص تأثير الفلسفات المثالية منذ الربع الثاني من القرن العشرين إلى درجة كبيرة، ولهذا سنعرض بإيجاز لبعض أقطابها.
8*-بندتو كروتشيه:
يعد كروتشيه فيلسوفا هيجليا في جوهره، حيث أخذ من الفلسفة الهيجلية قضاياها و مواقفها الأساسية، ثم وضعها في ثوب من نسجه، و هو متأثر بالفلسفة الوضعية أيضا.
ويمكن القول إن كروتشيه هو في المحل الأول مؤرخ لتاريخ الفنون وناقد أدبي، ثم هو فيلسوف في المحل الثاني، وقد اشتهر بثلاثيته الرائعة "فلسفة العقل" التي تحوي مذهبا في فلسفة الأخلاق والجمال، ويتميز أسلوب كروتشيه بالوضوح الشديد.
ويعتقد كروتشيه بوجود نوعين من المعرفة فحسب: المعرفة الحدسية/الإسطيقية والمعرفة التصورية/المنطقية.
-التركيب الإستيطيقي عند كروتشيه :
تعد الإستيطيقا من أهم ما قدمه كروتشيه أصالة وتجديدا،وتعني علم الحدس الحسي، ومن خصائص الحدس الإستيطيقي أنه لا يمكن فصله عن التعبير.
ويقيم نوعا من التمييز بين نشاط الفنان نشاط وغير الفنان، حين يقدم رأيه القائل بأن الفن تركيب قبلي(مستقل عن الحس وسابق عليه) مزدوج، كما أن كروتشيه لم يكن يعتبر الفن واقعة فيزيقية،حيث أن الفن حقيقة بينما الوقائع الفيزيقية ما هي إلا تكوينات من خلق العقل ،كما يعتبر كروتشيه أنه من غير الصواب أن نحكم على لفنان من حيث هو فنان من وجهة نظر أخلاقية، إن الشاعر في فعل الخلق هو أخلاقي دائما، لأنه يقوم بوظيفة أخلاقية مقدسة.
9*-الفلسفة الكانتية الجديدة:
هي حركة ألمانية خالصة ازدهرت في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى،لكنها أخذت في التراجع بعد الحرب العالمية الثانية، وجاءت الاتجاهات الفينومينولوجية والوجودية و الميتافيزيقية لتحتل مكانها.
ويشترك الكانتيون الجدد في مجموعة من المفاهيم:
1- ينتسبون جميعا إلى كانت، فهم يرفضون تبعا له المنهج النفسي، والميتافيزيقا، وكل منهج تجريبي ينبغي أن يحل محله في الفلسفة المنهج المتعالي.
2- جميعهم تصوريون مثل كانت، فهم ينكرون وجود الحدس العقلي.
3- جميعهم مثاليون في نظرية لمعرفة " إن الموجود لا يوجد في ذاته إنما الفكر هو الذي يوجده".
ورغم أوجه الإتفاق هذه فإنهم يرون أن فهم كانت يعني تعديه.
أما نقاط الاختلاف الأساسية فتكمن في كون مثاليتهم أكثر تطرفا من مثالية كانت ، كما أنهم في مذهبهم العقلي أكثر تطرفا أيضا.
ملاحظات انتقادية للفلسفات المثالية:
إن المثاليون أدركوا في حدة ومضاء ما عمي عنه التجريبيون:
1- إن العقل يختلف اختلافا جذريا عن المادة.
2- إن القانون المنطقي أو الأخلاقي لا يمكن أن يقوم على عملية نفسية.
3- إن المعرفة ليس مجرد استقبال سلبي للإنطباعات.
ولكن ما يؤخذ عليهم هو النظرة الواحدية والعقلانية الخالصة، كما أن فهمهم القاصر للمادة جعلهم يختزلونها إلى مجرد وهم‘ أضف إلى ذلك أنهم، كالتجريبيين، غير قادرين على تقديم حلول لمشكلات الإنسان من حيث هو إنسان.