شادي مجلي سكر *
البلد : المملكة الأردنية الهاشمية عدد المساهمات : 7 نقاط : 21 تاريخ التسجيل : 05/10/2010 المهنة : مدرس
| موضوع: روافد علم الأصوات 2015-11-13, 17:34 | |
| يعد علم الأصوات علم جديد قديم ، جديد لأنه واحد من فروع علم اللسانيات الذي لم يمضي على تأسيسه في مطلع هذا القرن على يد العالم اللغوي فردينان دوسوسور . و قديم لأنه واحد من العلوم التي تقوم عليها كل لغة ، فاللغة عند ابن جني كما قال في كتابه الخصائص : ( عبارة عن أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ) ، و الصوت كما قال الجاحظ في كتابه البيان و التبين : ( هو آلة اللفظ و الجوهر الذي يقوم به التقطيع ، و به يوجد التأليف ، و لن تكون حركات اللسان لفظا و لا كلاما موزونا و لا منثورا إلا بظهور الصوت ، و لا تكون الحروف كلاما إلا بالتقطيع و التأليف ) . وما جاء في مؤلفات القدماء يدل على قدم هذا العلم ، فقد ورد في كتاب ( فن الشعر: أرسطو طاليس ) فقد ورد في ثنايا هذا الكتاب بعض الملاحظات المتناثرة عن علم الأصوات ، و ما ورد عند الرومان من أمثال : بريسكيان و ترنتيانوس ، أما الهنود فقد كان لهم باع طويل في تأسيس علم الأصوات فهم أكثر الشعوب اتساعا و أعمق أثرا في آرائهم الصوتية ، و هم أول من نظر إلى الدراسات الصوتية على أنها فرع مستقل من فروع علم اللغة . و جاء بعد ذلك علماء العرب المسلمون ، فخطوا خطوات واسعة في مجال الدراسات الصوتية ، و شهد لهم بذلك بعض الدراسين الغربيين حتى قال بعضهم من أمثال برغشتراسر ( مستشرق ألماني ) في كتابه التطور النحوي للغة العربية : ( لم يسبق الأورببيين في هذا العلم إلا قومان العرب و الهنود ) ، و قول العالم الانجليزي فيرث : ( إن علم الأصوات قد نما و شب في خدمة لغتين مقدستين هما السنسكريتية و العربية ) ، و مع أن علم الأصوات لم يعرف بهذا الاسم عند العرب إلا في مرحلة متأخرة ، فإنه لم يغب عن مصنفات علماء اللغة العرب من أمثال ابن جني و سيبويه فيكاد لا يخلو مصنف من هذه مصنفات إلا و كان لعلم الأصوات نصيبا من الدراسة ، فكان هذا العلم ممزوجا في الدراسات النحوية و الصرفية و البلاغية . و يمكن أن نصنف العلوم أو الروافد التي ساعدت في تطور علم الأصوات في النقاط التالية : أولا : العلوم العربية : النحوية و الصرفية و البلاغية و العروضية لقد كان لمعجم العين الذي ألفه الخليل بن أحمد الفراهيدي الفضل في تأسيس علم الأصوات لأن هذا الكتاب بني على أساس صوتي ، لذلك يعد الفراهيدي أول من قدم دراسة صوتية منظمة في تاريخ الفكر اللغوي عند العرب ، و لا عجب في ذلك لأن الخليل هو صاحب علم العروض و له باع طويل بالموسيقى ، فهو يعد أول من ذاق الحروف ليتعرف على مخارجها . و بعد ذلك جاء كتاب سيبويه حتى يستكمل ما بناه الفراهيدي ، فقد أضاف على الدراسات الصوتية الكثير من الدقة و الأهمية فكان منها ما يتعلق باللهجات و المقايسة بينها و الاستدلال لها ، و منها ما يعرض للقراءات حتى أنه استأثر في كتابه باب الإدغام و الذي استهله سيبويه بذكر عدد الحروف العربية ، و مخارجها ، و مموسها ، و مجهورها ، و أصولها ، و فروعها ، و ما إلى ذلك فيما يتعلق بمكونات النظام الصوتي للغة العربية ليغدو أساسا و مرجعا في دراسة هذا العلم . ثم توالت الدراسات الصوتية بعد سيبويه لنجد أحد تلاميذته يؤلف كتابا بعنوان ( الأصوات ) لقطرب النحوي ، و كتاب ( الأصوات ) للأخفش و ليعقوب بن السكيت ، و كتاب ( الصوت و البحة ) ليحيى بن ماسويه ، و على الرغم من هذه الدراسات إلا أن ابن جني هو أول من أفرد الدراسة الصوتية بمؤلف مستقل ، و نظر إليها على أنها علم مستقل بحد ذاته في كتابه ( سر صناعة الإعراب ) و الذي بسط فيه الكلام على حروف العربية و مخارجها ، و صفاتها ، و أحوالها ، و ما يعرض لها عن نغيير يؤدي إلى اعلال أو ابدال أو إدغام أو النقل أو الحذف ، و فرق بين الحرف و الكلمة ، و الحروف الفروع المستحسنة و المستقبحة ، و مزج الحروف و تنافرها إلى غير ذلك من فروع ، نستنتج من ذلك أن ابن جني كان رائدا بحق للدراسات الصوتية ، فلم يقتصر جهد ابن جني في مجال الدراسات الصوتية فقط في كتابه ( سر صناعة الإعراب ) و إنما تعدى بذلك إلى كتابه ( الخصائص ) و الذي تضمن في طياته مادة صوتية غنية . ثم توالت الدراسات الصوتية في كتب علماء اللغة من أمثال الجاحظ فقد تحدث اللثغة و الصوت و نسج الكلمة العربية و تردد الحروف فيها ، كذالك الخفاجي في كتابه ( سر الفصاحة ) ، و ما أن نصل إلى كتب المتأخرين من النحاة و اللغويين من أمثال السكاكي فقد ورد في كتابه ( مفتاح العلوم ) بعض المحاولات عن دراسة أصوات اللغة و من رسم بدائي لأعضاء النطق . ثانيا : العلماء و الفلاسفة و الحكماء يعد الفيلسوف العربي ( الكندي ) أول من برز في ميدان الدراسات الصوتية فقد كان له باع طويل و متميز في علم الأصوات فقد ورد عنه رسالته في استخراج المعمى حيث تكلم على تردد حروف العربية و دورانها في الكلام معتمدا على إحصاء صنفه بنفسه ، و قسمها إلى صوائت و صوامت ، و ذكر قانونا لغويا عاما يسري على كل اللغات و هو كون المصوتات أكثر الحروف ترددا ، و نبه على اشتمال المصوتة على المصوتات العظام ، و هي حروف المد ، و المصوتات الصغار ، و هي الحركات ، ثم بسط الكلام على نسيج الكلمة العربية باستفاضة ، إذ أورد ما يقرب من مئة قانون من قوانين ائتلاف الحروف و اختلافها أو تنافرها . و في رسالة ثانية له و التي بعنوان ( رسالة اللثغة ) ذكر فيها كل ما يتعلق بأمراض النطق و علاقتها بالحروف و تحدث عن أسباب اللثغة و ما يعرض للسان من التشنج أو الاسترخاء و وصف مخارج الحروف للعربية و هيئات النطق بها وصفا تشريحيا فيزيائيا على نحو يختلف عما عهدناه عند سيبويه ، ثم حدد حروف اللثغة ، و سمى أعراضها و أنواعها و ختم الكلام بعللها . ثم يأتي بعد ذلك الفارابي فقد ورد في كتابه ( الموسيقى الكبير ) على الكثير من الدراسات الصوتية من ذلك كلامه على حدوث الصوت و النغم ، و ربط بين المبدأ الطبيعي لحودث الصوت و كيفية حدوث الكلام ، و عنايته بدرجة الصوت و إشارته إلى وجوب استعمال الآلآت للقيام ببعض القياسات التي يصعب تحديدها بالسمع . و جاء في ( رسالة الموسيقى ) لإخوان الصفا ، فقد اشتملت هذه الرسالة عدة فصول في كيفية ادراك القوة السامعة للأصوات ، فيه كلام على الأصوات ، و أنواعها ، و مصدرها ، و ما هيتها ، و نغمتها . و جاء ابن سينا فجمع هذا كله في رسالته ( أسباب حدوث الحروف ) والتي عالج فيها أصوات اللغة ، و قد جاء حديثه هذا بشكل متكامل فقد تحدث عن كنه أسرار الصوت و أسبابه و تحدث عن وصف مخارج الحروف و صفاتها وربط بين أصوات الطبيعة و أصوات الحروف ، و لا تخلو كتب ابن سينا إلا و قد تحدث فيها عن الأصوات من مثل كتاب ( القانون و الشفاء ) . ثالثا : علم التجويد و القراءات القرآنية لقد وجد في مصنفات علماء القراءة و التجويد الكثير من الاسهامات في مجال علم الأصوات و التي ساعدت على تطور هذا العلم ، و ذلك من أجل الدقة في تأدية كلمات القرآن الكريم قراءة و تدوينا إلى حد جعل بعض الباحثين يذهبون إلى أن هذه العلوم قد انفردت بالدرس الصوتي و أغنته ، و ذلك لأن علم الأصوات قد استفاد من علم النحو عامة و من كتب سيبويه خاصة يقول برغشتراسر : ( كان علم الأصوات في بدايته جزءا من النحو ، ثم استفاد أهل الأداء و المقرئون ، و زادوا في تفصيلاته كثيرة مأخوذة من القرآن الكريم ) ، و يعد هذا علم التجويد الجانب التطبيقي و الوظيفي لكل ما سبق ذكره من دراسات صوتية . المصادر و المراجع : - هلال ، عبد الغفار حامد : ( 1996م ) ، أصوات اللغة العربية ، الطبعة الثالثة ، ( القاهرة ، مكتبة وهبة ) . - بشر ، كمال محمد : ( 1987 م ) ، الأصوات العربية ، ( القاهرة ، مكتبة الشباب ) .
|
|