أدى التقدم العلمي إلى اهتمام متزايد بقضية المصطلحات , وأدرك العلماء الكبار في الحضارة الأوربية في القرن الثامن عشر أهمية توحيد المصطلحات في تخصصاتهم , ومن أهم هذه الجهود ما قام به لينيه linne ( 1735م ) في مجال العلوم البيلوجية , ومورفو morveau في مجال الكيمياء ( 1782م ) , وكان العمل في مجال المصطلحات في القرن الثامن عشر محدداً بالإطار القومي في داخل القارة الأوربية , وقد أدى هذا التعاون العلمي بين أصحاب التخصص الواحد من أبناء الدول الأوربية ذات اللغات المتعددة إلى الاهتمام بوضع المعايير الدولية , وذلك في مؤتمر علماء النبات ( 1867م ) , ومؤتمر علماء الحيوان ( 1889م ) , ومؤتمر علماء الكيمياء ( 1892م) , وكلها في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر .
وفي القرن العشرين كثرت المؤسسات المعنية بقضايا المصطلحات على المستوى القومي والروحي , ولكن التحول الكبير في تأريخ المؤسسات القائمة حدث في عصر الحاسب الآلي , وظهرت ضرورة إيجاد مؤسسات جديدة على المستوى الدولي لتلبية المتطلبات المعاصرة في مجالات المصطلحات , وهكذا نشأت بنوك المصطلحات في عدد كبير من الدول وفي مقدمتها بنك المصطلحات الكندي , والبنك التابع للجماعة الأوربية , وبنك المصطلحات الخاص بشركة سيمنس الألمانية في ميونخ .
علم المصطلح من أحدث أفرع علم اللغة التطبيقي , يتناول الأسس العلمية لوضع المصطلحات وتوحيدها , كان فوستر قد حدد مكان علم المصطلح بين أفرع المعرفة بأنه يربط علم اللغة بالمنطق , وبعلم الوجود , وبعلم المعلومات , وبفروع العلم المختلفة , كان هذا التحديد في زمن اقتصر فيه علم اللغة على البحوث الأساسية في الأصوات وبنية الكلمة وبنية الجملة , وما أن تكوّن علم اللغة التطبيقي حتى أتخذ علم المصطلح مكانة بوصفه أحد الأفرع المهمة إلى جانب التخطيط اللغوي , والترجمة وتعليم اللغة لأبناء اللغات الأخرى وتحليل الأخطاء .
حدد فوستر مجالات علم المصطلح العام , أو النظرية العامة لعلم المصطلح تحديداً اتسعت مجالاته بتقدم هذا العلم , ويتناول علم المصطلح العام طبيعة المفاهيم , وخصائص المفاهيم , وعلاقات المفاهيم , ووصف المفاهيم ( التعريف والشرح ) , وطبيعة المصطلحات , ومكونات المصطلحات , وعلاقتها الممكنة , واختصارات المصطلحات , والعلاقات , والرموز , والتخصص الدائم , والواضح للرموز اللغوية , وأنماط الكلمات , والمصطلحات وتوحيد المفاهيم , والمصطلحات , ومفاتيح المصطلحات الدولية , وتدوين المصطلحات , ومعجمات المصطلحات , والمداخل الفكرية , ومداخل الكلمات , وتتابع المداخل , وتوسيع المداخل , وعناصر معطيات المفردات , ومناهج إعداد معجمات المصطلحات , وهذه القضايا المنهجية عامة لا ترتبط بلغة مفردة أو بموضوع بعينه ولهذا فهي من علم المصطلح العام . أما علم المصطلح الخاص فيضمن تلك القواعد الخاصة بالمصطلحات في لغة مفردة مثل اللغة العربية , أو الفرنسية , أو الألمانية , وهذا التميز بين علم المصطلح العام وعلم المصطلح الخاص يوازي التمييز بين علم اللغة العام وعلم اللغة الخاص بلغة واحدة .
وعلم المصطلح فرع من أفرع علم اللغة التطبيقي , ولهذا تختلف المنطلقات الأساسية لعلم المصطلح عن المنطلقات العامة للبحوث اللغوية الأساسية ولكنها تتفق مع الأهداف اللغوية التطبيقية , ويتضح ذلك من الجوانب الآتية :
1- ينطلق العمل في علم المصطلح من المفاهيم بعد تحديدها تحديداً دقيقاً , ولهذا فهو لا يصدر عن المصطلحات نفسها بوصفها واقعاً لغوياً , ولكنه يصدر عن المفاهيم المحددة محاولاً إيجاد المصطلحات الدقيقة الدالة عليها .
2- يقتصر علم المصطلح على بحث المفردات , وهو يركز على المصطلحات الدالة على مفاهيم , والتي تفيد في التعبير عن هذه المفاهيم , أما علم اللغة الحديث فيبحث مجالات أخرى منها بناء الجملة , والأصوات .
3- علم المصطلح ذو منطلق تزامني , ومعنى هذا أنه لا يبحث تاريخ كل مفهوم أو مصطلح بل يبحث الحالة المعاصرة لنظم المفاهيم ويحدد علاقتها القائمة ويبحث لها عن مصطلحات دالة متميزة , ولعلم اللغة مناهج متعددة منها المناهج الوصفية والتاريخية والمقارنة والتقابلية .
4- تتكون المصطلحات عن طريق الاتفاق .
5- يتجاوز علم المصطلح الوصفية إلى المعيارية , ومن هذا الجانب فهو يختلف عن علم اللغة بالمعنى الأساسي , فعلم اللغة في مناهجه المختلفة ليس معياريا وعلم المصطلح ذو هدف معياري .
6- علم المصطلح جزء من التنمية اللغوية , وله أهمية في تنمية اللغات الوطنية الكبرى في أفريقيا واسيا .
7- يعتني علم المصطلح بالكلمة المكتوبة ولها عنده المكانة الأولى , في حين أن البحث اللغوي ينطلق أساساً من الصيغة المنطوقة وذلك باعتبار اللغة في المقام الأول ظاهرة منطوقة مسموعة .
8- يقوم علم المصطلح بتحديد قيمة مكونات المصطلح , ويتضمن التوحيد المعياري للمصطلحات اختيار المناسب ووضع المصطلح المنشود .
9- علم المصطلح ذو أفق عالمي مثل علم اللغة بصفة عامة , يتطلب التوحيد المعياري للمصطلحات أسساً ونظرية عامة ؛ ولهذا فإن التعاون الدولي الوثيق هادف إلى أن يطور أسساً شاملة لعلم المصطلح ومناهج دقيقة لصناعة معاجم المصطلحات من أجل تقنين العمل في هذا المجال .
10-يتطلب علم المصطلح أن تعرض المصطلحات في مجالات محددة , وكذلك تكون مصطلحات المجال الواحد متتابعة على أساس فكري وفي التراث العربي تطبيقات كثيرة لفكرة عرض المفردات مصنفة في موضوعات وأشهرها المخصص لابن سيدة .
11-علم المصطلح له علاقات بالعلوم الأخرى تختلف إلى حد كبير عن العلاقات بين علم اللغة العام وباقي فروع العلم . فهناك صلة بين علم اللغة العام وعلم النفس أثمرت نشوء علم اللغة النفسي , وصلة أخرى مع علم الاجتماع نشأ عنها علم اللغة الاجتماعي , ولكن النظرية العامة لعلم المصطلح تجعله يتضمن مكونات من المنطق وعلم الوجود وعلم المعلومات .
_----------------------------------------
عن كتاب علم المصطلح , للدكتور محمود فهمي حجازي .