أسندت ظهرها إلى الجدار
و طأطأت رأسها نحو الأرض ...
كانت تجول بعينيها .... كانت تبحث عن شيء أضاعته
كان بصرها ضعيفا ...
كانت تذرف دمعها في صمت ....كانت تتالم في صمت
كان دمعها يمتزج بطعم الدم المبعثر حولها....
كان يلمحها من بعيد....
اقترب منها... شيئا ... فشيئا
هو يجلس قربها الآن....
هي لم تنتبه لوجوده....
لازال ينظر اليها .... يبدو حزينا من اجلها
يود لو يطوقها بذراعيه
كان يود أن يقترب اكثر...
تردد ...ثم تراجع وراح يمتشق قلمه و يكتب في دفتره الصغير
كان يحاول أن يداري حزنه الكبير...
لم يرفع رأسه الذي دسه بين ثنايا دفتره وهو يكتب ويكتب و يكتب
و كأنها هي آلهة الكتابة التي كانت تلهمه فيكتب أكثر فأكثر فأكثر
توقف برهة....لمحها تحاول الوقوف...
كانت تبحث عن عصا تتوكأ عليها...
أسرع نحوها ....أمسك بيدها ثم قال لها: هل لي أن أساعدك؟
نظرت اليه و في عينيها استوطن حزن كبير.... كبير
ابتسمت ابتسامة ممزوجة طعمها بطعم العلقم ...ثم اردفت قائلة: أيها الغريب، ايساعد الغريب الغريب؟
عجبا لهذه الدنيا ...
كيف تعطيك بيد ....و تحرمك بالاخرى
أتعلم ايها الغريب ... أن لي ابناء لكنهم عاقين
ينظرون الي ... يتفرجون من بعيد ... يتحسرون على حالي
منشغلون عني بالجري وراء الكراسي... و المشاريع و الحملات الانتخابية
يتسابقون الى تكديس اموالهم في البنوك الاجنبية
وعندما يتعبون تجدهم كالانعام منساقون الى دور اللهو
يقارعون كؤوس الخمر
واصواتهم تتعالى تصل عنان السماء
مجتمعون حول طاولة القمار
يتشجارون كالصغار...
و عندما يتعبون مرة اخرى...
تجدهم يتسارعون للظفر بمقعد في حفل ساهر تقيمه سيدة العفن العربي و اميرة العهر العربي
وغيرهن كثيرات...
انظر ايها الغريب الى جرحي الذي لا ضفاف له....
انظر الى جسدي كيف انتهك عرضه...
صرت جارية لمن كنت سيدتهم
مد نظرك هناك اترى انهم صغاري ... حملتهم هذه الاحشاء
انظر كيف يسبحون في برك الدماء
انظر كيف تحتضر فلسطين و سوريا و الباقين
لكني ام عاجزة مبتورة الذراعين ....
فاجبني بحق الله: هل يساعد الغريب الغريب؟
أن التي امامك بقايا امراة
تعرت من الانوثة ... تعرت من كل شي
لم تعد بحاجة الى اثواب الحرير ...
لم تعد بحاجة الى مساحيق التجميل الى العطور الى ....
ان التي امامك اطلال جرح ..
هي خيال فرح راح يمشي فوق مسامات الوجع
هي رماد خريطة .... كانت تسمى من قبل الوطن
أيعقل ان تكون عروبتي لعنة من لعنات هذا الزمن؟
دعني ايها الغريب امضي في شاني...
وامض انت بعيدا...
لكنها قبل ان تنصرف التفتت اليه و قالت: من انت ايها الغريب؟
نسيت ان اسالك من انت .... اود شكرك
قال لها بعدما صار طعم الكلام مالحا في فمه:
انا يا سيدتي هو التاريخ
انا ذاكرتك المعطوبة
انا ذاكرتك المشوهة
انا ايضا ابنك سواءا اعترفت بذلك ام لم تعترف

حقا انت موهوبة
ربنا يوفقك

جميل ما قرأت وكان حالي يرى أحوال هذا الزمن الذي ظلت فيه الاحوال تشكى إلى الله

لكي مني كل التحايا والتقدير ..

في انتظار ما تكتبين لنا من جديد ..

رائعة دوما كما عهدناكي

أنا غريب في هذا العالم.
أنا شاعر أنظم ما تنثره الحياة
وأنثر ما تنظمه.
ولهذا أنا غريب وسأبقى غريبًا حتى تخطفني المنايا وتحملني إلى وطني...
جبران خليل جبران