- جلال فتحى سيد كتب:
- أولا أشكر السابق جهدهم فى الموضوع كاتبه ومجيبه ولى نظر عند المجيب الفاضل الأخ محمد الحميدى ، اعتبر الكاتب عنوانه إشكالية وهى بحق إشكالية ورفض المجيب العنوان مبرهنا على ذلك بقوله ((لكنه لم يكن أبداً إشكاليا، فالإشكالية تلبس في المفهوم المقصود، وهي بعيدة عنه.)) ، أعتقد أنها من أهم الإشكاليات التى نحن بصددها ففى رسالتى للماجستير اتخذت فى الجزء التمهيدى منها مبحثا كان بعنوان ثلاثية الخلاف فى علم النص ، تناولت فيها ثلاث إشكاليات كانت على التوالى 1ـ إشكالية النص فى ذاته 2ـ إشكالية النص والجملة 3ـ إشكالية النص والخطاب ، ولقد عولت كثيرا فى ظهور المصطلحات المتعددة لمفهوم واحد فلا يجوز أن نطلق على فاكهة مثل البطيخ مصطلحى البطيخ والتفاح على الفاكهة ذاتها فى آن واحد وفى بلد واحد ، لذلك فقد كان للبعد الجغرافى أثر كبير فى تعدد المصطلحات للمفهوم الواحد ، فلقد ظهر مصطلح النص فى أوربا فى الوقت ذاته الذى ظهر فيه مصطلح الخطاب فى أميركا للمفهوم ذاته ، وعقليا ومن منطلق تبادل الثقافات إذا كان مصطلح الخطاب فى أميركا يدل على مفهوم يختلف عن مفهوم النص فى أوربا كان حتما أن يظهر علم آخر فى أوربا اسمه علم الخطاب جنبا إلى جنبا مع علم النص وآخر فى أميركا يسمى علم النص جنبا إلى جنب مع علم الخطاب
تحياتى للجميع ، إن كان من خطأ فقوموه .
أهلا بك عزيزي الأستاذ الفاضل/ جلال
ثم إن المحاورة تثري العقل، وتأخذ باليد إلى جادة الصواب.
أتفق معك في كلامك تماماً حول النص والخطاب، والآليات التي يجب التعامل معهما، وإن كان الخطاب تنويعاً في مفهوم النص، وزيادة العناصر غير اللغوية، والتزم المنطق الحجاجي للغة؛ ترسماً يصل بنا إلى أثر النص ( الخطاب ) على المتلقي.
الحديث يدور، ويتساوق حول السياق؛ المنجب للنص، فليس هناك من إشكالية مطروحة في هذا الباب، بل الكل اتفق على مفهوم السياق بجزئيه اللغوي والمقامي، وما التسميات سوى تفرُّعٍ للأصل المصطلحي المؤدي إلى المفهوم.
وبمناسبة الحديث عن هذا الجانب، أود طرح كلمة قصيرة، لعل صدرك يتسع للمقام فيها.
بداية نشير إلى أن مبحث السياق، مبحث قديم؛ منذ صدر الإسلام، وقد تشكل معناه بحسب استخدامه، فهناك المبحث اللغوي ( دلالة السياق ص46 وما بعدها )، والمبحث البلاغي، والمبحث التفسيري، والمبحث الأصولي.
فالمبحث اللغوي أتى ليحدد معنى الكلمة الواحدة باعتبار السياق الذي ترد فيه، أو ما يمكن تسميته سياق النص ( السابق ص50 )، ولو وجد في النص محذوف ما، فيتم تقديره؛ لإتمام المعنى، والوصول إلى الدلالة ( السابق ص54-55 )، وهنا يبرز النوع الثاني من السياق؛ سياق الموقف، أو السياق الاجتماعي ( مدخل إلى علم اللغة ص159 ) ، أو الحال ( علم اللغة للسعران ص310-311 )، أو القرينة الدالة ( دلالة السياق ص60-61 ).
ثم، إن كلمة السياق التبست بكلمة أخرى هي كلمة ( السباق )، وباتت الكلمتان مترادفتين على نحوٍ ما ( السابق ص56-57 ).
أما المبحث البلاغي ( راجع السابق ص62 وما بعدها )، فاهتم اهتماماً بالغاً بالمقام ( دلالة السياق عند الأصوليين ص64 )، أو الحال ( دلالة السياق ص64 / والسابق ص68 وانظر تفريعات الحال: مقتضى/ قرينة/ شاهد/ بساط، الحال)، إذ جاء في تعريف البلاغيين للبلاغة " مطابقة الكلام لمقتضى الحال " ( نفس المرجع والصفحة / والسابق نفس الصفحة )؛ والحال هنا: كل ما يحيط بالمتكلم، أو ما يُشار إليه بسياق الموقف ( علم الدلالة لأحمد عمر ص71 ).
ولهم كلمتهم المشهورة الواردة في بيتٍ للحطيئة ( دلالة السياق للطلحي ص68 ):
تَحَنَّنْ عليَّ هَدَاكَ المَلِيْكُ فإِنَّ لِكُل مَقَامٍ مَقَالاً
حيث ذهبت مثلاً في قولهم ( لكل مقام مقال، ولكل دهر رجال ) ( مجمع الأمثال للميداني، ج3 ص113 ).
عبارة لكل مقام مقال عند البلاغيين والأدباء والنقاد، تحدد مدى أهمية مراعاة السياق، أو المقام في بيان دلالة العملية اللغوية ( علم الدلالة التطبيقي لنهر ص277 )؛ وصولا إلى المعنى.
لقد كان المفسرون من أسبق العلماء الذين اهتموا بالسياق، واستعانوا به وسيلة مهمة من وسائل الكشف عن المعنى المراد للشارع الحكيم ( دلالة السياق للطلحي ص82 )، مستفيدين من المقام، أو قرائن الحال ( السابق ص83 )؛ كأسباب النزول ( السابق ص85 ).
ومع هذا السبق، فقد أكدوا على أهمية السياق في فهم القرآن، وأنه لازم في التفسير ( السابق ص88 )، كما شددوا على زمان ومكان النزول، وتم اعتبارهما جزءاً من السياق ( السابق ص91 ).
الأصوليون هم علماء أصول الفقه أو الفقهاء الذين تحدثوا عن الأدلة الشرعية للأحكام الفقهية، وقد اهتم هذا الفريق من العلماء بالسياق اهتماما كبيراً، واعتدوا به وسيلة للكشف عن المعنى المراد ( السابق ص106 )، وأول من أشار إلى السياق كان الشافعي ( السابق نفس الصفحة )، وعندما تطلق لفظة أصول، فالمراد منها الدليل " غالباً " ( السابق ص107 ).
كذلك وجد علماء الأصول في المذهب الحنفي " أن الدلالة تأتي من جهة اللغة عن طريق المعنى بدلالة سياق الكلام ومقصوده " ( في علم اللغة لطليمات ص204 )، وقد " حدد علماء الأصول القرائن اللفظية وغير اللفظية التي يمكن بواسطتها ( تخصيص الدلالة ) وقصدوا بالقرائن اللفظية ما يسمى اليوم بـ ( السياق اللغوي ) " ( علم الدلالة التطبيقي لنهر ص35 )، ورأوا أن من وسائل تخصيص الدلالة ( غير اللفظية ): السياق الثقافي، والاجتماعي، والأعراف والعادات، وكل ما يتضمنه السياق العام الذي تجري فيه اللغة تواصلاً ( السابق ص36 ).
في العصر الحاضر، أو الحديث، فإننا نستطيع القول ليس فقط بأهمية السياق، بل بكثرة النظريات التي استلهمته ( دلالة السياق للطلحي ص136 وما بعدها ) بداية من دي سوسير ( السابق ص137 )، وصولاً إلى جاكبسون ( السابق ص144 )، ثم المرحلة الأهم مع فيرث، وتلامذته ( السابق ص157 وما بعدها )، وظهور المدرسة الأمريكية بريادة بلومفيلد ( السابق ص148 ).