فوئد نحوية (1)

* عند توكيد الضمير المرفوع المتصل - مستترا كان أو بارزا - بالنفس أو بالعين يجب توكيده أولا بالضمير المنفصل , فنقول مثلا : محمد خرج هو نفسه (أو : عينـه) - المحمدان سافرا هما أنفسهما (أو : أعينهما) - المحمدون لعبوا هم أنفسهم (أو : أعينهم) ، وقد وجب ذلك خوفا من اللبس في بعض المواضع , كما لو قلنا : الفتاة ذهبت نفسها , أو : ذهبت عينها ، إذ يحتمل المعنى أن نفسها ذهبت أي : ماتت , وعينها ذهبت أي : عورت , فإذا أتينا بالضمير المنفصل وقلنا : الفتاة ذهبت هي نفسها ... زال هذا الاحتمال , وأمن اللبس , وإن كان هذا في بعض المواضع إلا أنهم أوجبوا الفصل في الباب كله .

* التوكيد بنون التوكيد الثقيلة أشد من التوكيد بالخفيفة؛ بدليل قوله تعالى: { لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ }(يوسف: من الآية32) ؛ فقد جاءت النون المؤكدة مشددة في "ليسجنن"؛ لأن امرأة العزيز كانت أشد حرصا على سجنه، من أن يكون صاغرا.

* الفعل الماضي لا يؤكد بنوني التوكيد مطلقا ؛ لأن التوكيد للحث ، فهما يخلصان مدخولهما للاستقبال، وهذا ينافي الماضي ، وأما "دامنَّ" المؤكدة بنون التوكيد الثقيلة في قول الشاعر:
دَامَنَّ سَعْدُكِ لو رَحِمْتِ مُتَيَّما ** لولاكِ لمْ يكُ للصَّبابةِ جَانِحا
فضرورةٌ شاذة، سهَّلَها ما في الفعل من معنى الطلَب – فهو بمعنى افعلْ - ، فعومل معاملة الأمر.

* اسم الفعل هو : لفظ يقول مقام الفعل في الدلالة على معناه ، وفي عمله ، دون أن يتأثر بالعوامل ، ودون أن يقبل شيئا من علامات الفعل ، نحو : (شتان) وينوب عن : افترق - (وَيْ) وينوب عن : أعجب - (صه) وينوب عن : اسكت ... والفائدة من وضعه هو قصد المبالغة ، فالذي يقول : (هيهات) كأنه يقول : بعد كثيرا جداً ، والذي يقول : ( أوًه ) كأنه يقول : أتوجع كثيرا ..... وهكذا .

*(شَتَّانَ) اسم فعل بمعني " افترق " ، ويكون الافتراق في الأمور المعنوية ، كالعلم والتقوى والشجاعة ، نقول : شتان زيد ومحمد في الفهم ، شتان الإيثار والأثَرَة ..... ولا يقال : شتان اللاعبان عن الكرة ، أو : شتان المتحاربان عن مكان القتال ...

* القلب المكاني من الظواهر اللغوية الواضحة في اللغة العربية، ونلاحظها كثيرا في اللغة العامية ، إذ يستسهل العامة نطق بعض الألفاظ بعد قلب بعض حروفها مكان بعضها الآخر، فيقولون مثلا : (أهبل) في (أبله) – (مرسح) في (مسرح) – (جواز) في (زواج) – (اتلوى) في (التوى) – (جنزبيل) في (زنجبيل) – (خفس) في (خسف) – (صقّف) في (صفّق) – (فحر) في (حفر) .... ويكون وزن (أهبل) : ألفع ، و(مرسح) : معفل ، و(جواز) : عفال .... وهكذا. وكذلك نلاحظها في لغة الأطفال اليومية الذين يصعب عليهم نطق بعض الألفاظ التي يسمعونها، فيقولون مثلا: (بلن) في: (لبن) ...

* المراد بتداخل اللغات: أن جماعة كانت تنطق بحركة ، وأخرى تنطق بحركة أخري، ثم تتداخل اللغتان فتظهر لغة ثالثة. نحو: رَكَن يَرْكُن (بفتح الكاف في الماضي وضمها في المضارع) ورَكِن يَرْكَن (بكسر الكاف في الماضي وفتحها في المضارع) لغتان ، ثم أخذوا الماضي من أحدهما والمضارع من الأخر ، فقالوا : "رَكَن يَرْكَن " (بفتح الكاف في الماضي والمضارع أيضا) فظهرت لغة ثالثة.

* صيغة الزمان والمكان والمصدر الميميّ واسم المفعول واحدة في غير الثلاثي ، والتمييز بينها بالقرائن فإن دل اللفظ على حدث كان مصدراً ميمياً، وإن دل على مكان كان اسم مكان، وإن دل على زمان كان اسم زمان، وإن وقع عليه الحدث كان اسم مفعول. نحو: يجتمع الرجال للتشاور مُجْتَمَعا، (مصدر ميمي)، أي: اجتماعا - المسجد مُجْتَمَع المحفّظين، (اسم مكان)، أي: مكان اجتماع المحفّظين - يوم الجمعة مجتمعنا ، (اسم زمان) أي: وقت اجتماعنا - المكتب مُجْتَمَع فيه، (اسم مفعول)، لوجود شبه جملة بعده.

* اسم الجنس نوعان :
الأول : اسم جنس الإفرادي ، وهو : ما دل على القليل والكثير من جنس واحد بلفظ واحد ، مثل : ماء وتراب وزيت وخل ... ومثل المصادر كالضرب والشرب والذهاب والقعود ... فالماء – مثلاً – يطلق على النقطة الواحدة، كما يطلق على ماء البحر كله .
الثاني : اسم جنس الجمعي، وهو : ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالباً ، فاللفظ الدال على الجمع يكون بغير التاء واللفظ الدال على الواحد يكون بالتاء ، نحو : كلم وكلمة - شجر وشجرة - بقر وبقرة – ورق وورقة .... وأحياناً يفرق بينه وبين واحده بالياء المشددة نحو : روم وروميّّ - زنج وزنجيّ - ترك وتركيّ... وأحياناً يكون اللفظ الدال على الجمع مقترناً بالتاء والمفرد خالياً منها – عكس المشهور – نحو : كمأة و كمء (والكمأ : نوع من النبات) ، وهذا النوع في العربية نادر جداً.

* الموازين في اللغة العربية ثلاثة:
- الميزان العروضي: وهو خاص بالشعر العربي، ومن خلاله نعرف صحيح أوزان الشعر العربي وفاسدها وما يعتريها من الزحافات والعلل ، وواضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي .
- الميزان التصغيري: وهو خاص بالتغييرات التي تطرأ على بنية الكلمة عند تصغيرها ، وأوزان ثلاثة ، هي : فُعَيْلٌ ، وفُعَيْعِلٌ ، وفُعَيْعِيلٌ ، وواضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي أيضا .
- الميزان الصرفي: وهو خاص بأبنية الكلمات ومعرفة أحوالها من حيث : الحركات والسكنات ، والأصول والزوائد ، والتقديم والتأخير ، والحذف وعدمه .... والوزن التصريقي يختلف عن الوزن التصغيري في أنه يكون مرآة للكلمة فيُصور بصورتها، نحو: صَالِح : فَاعِل – أَحْمَد : أَفْعَل – كَرِيم : فَعِيل ... أما التصغيري فتكون له صورة واحد للمصغرين من الصيغة الواحدة ، فمثلا تصغير الكلمات السابقة هو : صُوَيْلِح – أُحَيْمِد – كُرَيِّم ...وكلها على وزن واحد هو: فُعَيْعِل .

بوركت أيتها الأستاذة الفاضلة / صمت اللغة
وبورك مرورك الكريم