منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارقضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جلال فتحى سيد
عضو شرف
عضو شرف
جلال فتحى سيد

القيمة الأصلية

البلد :
مصر

عدد المساهمات :
465

نقاط :
649

تاريخ التسجيل :
24/01/2011


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي Empty
مُساهمةموضوع: قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي   قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2011-03-27, 22:37


أبو أوس إبراهيم الشمسان


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي








مطبعة المدني: جدة
1407ﻫ- 1987م







إهداء

إلى والدتي..
ليس كفاءً لحنانك المتعدي لكل وصف، لكنه من لوازم حقوقك عليّ










مقدمة


لقضية التعدي واللزوم أهمية خاصة في الدرس النحوي، وذلك لاتصالها الوثيق بأصل من أصول التفكير النحوي عند النحويين، وهو الانطلاق في الدرس من نظرية العامل. وليس التعدي واللزوم في جانب من جوانبه إلا وصفًا لعمل الفعل في المفعول به، فالفعل الذي يعمل هو المتعدي والذي لا يعمل هو اللازم.
وربما باشر النحويون درس القضية في فصول خصصت للتعدي واللزوم –على نحو ما فعل سيبويه- أو عرضوا لها في درس الفعل أو درس المفعول به. على أن جملة القضايا المتصلة بالتعدي واللزوم نجدها مفرقة في تضاعيف المطولات النحوية.
ونحاول في هذا الكتاب-ما أمكننا- جمع هذه القضايا في حيز واحد والاجتهاد في تصنيفها.
ولهذا الصنيع أهمية في نظرنا وهي مناقشة بعض القضايا والخلوص فيها إلى رأي.
وحيث إن العمل في هذا الباب لا يهدف إلى دراسة القضية في كتب النحو دراسة تاريخية فإنا قد ضربنا صفحًا عن بعض ملامح هذا الدرس، مثل قضية المصطلحات وتعددها وتنوعها، فذلك داخل –في ظننا- في الجانب التأليفي الذي نستبعده من هذه الدراسة.
وقد قسمنا هذا الكتاب إلى فصلين:
الفصل الأول: المتعدي واللازم، وهو يضم مبحثين: الأول قضايا مشتركة ويهتم بمفهوم المتعدي واللازم ومعايير التمييز بينهما، ثم تقسيم النحويين للفعل من حيث التعدي واللزوم. والثاني الفعل المتعدي ويهتم بدرس وسائل التعدي، وأنماط الفعل المتعدي.
والفصل الثاني: من قضايا التعدي واللزوم. ويضم بعض قضاياهما مثل: تعدية اللازم، ما يتعدى ولا يتعدى، المبني للمجهول، التضمين.


الفصل الأول
المتعدي واللازم
المبحث الأول: قضايا مشتركة
1- مفهوم المتعدي واللازم
يمتاز الفعل المتعدي من اللازم بأنه ينفرد بتعديه إلى مفعول به مباشر دون وساطة من حرف جر، أما غير المفعول به فقد اتفق النحويون على أن اللازم والمتعدي في التعدي إليها سواء، فاللازم يتعدى إلى (المصدر) قال سيبويه: " واعلم أن الفعل الذي لا يتعدى الفاعل يتعدى إلى اسم الحدثان"( ). ويتعدى إلى ظرف الزمان، قال سيبويه: "ويتعدى إلى الزمان"( )، ويتعدى إلى ظرف المكان، قال سيبويه: "ويتعدى إلى ما اشتق من لفظه اسمًا للمكان وإلى المكان"( ). أما عن تعدي الأفعال المتعدية إليها فقال سيبويه: "واعلم أن هذه الأفعال إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدى، تعدت إلى جميع ما يتعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل"( )، وتفسير ذلك عنده "لأنها لمّا انتهت صارت بمنْزلة ما لا يتعدى"( ) وقال " لمّا انتهت"لأن الفعل قد يتعدى إلى هذه الأشياء تعديه إلى المفعول به، فقد قال في موضع سابق: "وتقول: ذهبت أمس وسأذهب غدًا، فإن شئت لم تجعلهما ظرفًا فهو يجوز في كل شيء من أسماء الزمان، كما جاز في كل شيء من أسماء الحدث"( )، ويشرح السيرافي هذا بقوله: "يعني أنه يجوز أن تجعل الظروف من الزمان مفعولاً على السعة، كما جاز أن تجعل المصادر مفعولة على السعة. والمفعول على السعة يراد به أن يجعل بمنْزلة المفعول به كزيد وعمرو"( ).
ويذهب سيبويه إلى أن سبب جواز تعدي اللازم إلى المصدر هو أن الفعل يدل على المصدر والزمن، ودلالته على المصدر من حيث مادته "ألا ترى أن قولك: قد ذهب، بمنْزلة قولك قد كان منه ذهاب"( )، أما دلالته على الزمن فمن حيث صيغته"لأنه بني لما مضى منه وما لم يمض، فإذا قال: ذهب، فهو دليل على أن الحدث فيما مضى من الزمان، وإذا قال: سيذهب، فإنه دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان"( ) أما المكان فـ"لأنه إذا قال: ذهب، أو قعد، فقد علم أن للحدث مكانًا وإن لم يذكره، كما علم أنه قد كان ذهاب"( )، وجاء التعليل على نحو من ذلك عند ابن السراج "فإن قال قائل فلابد لهذه الأفعال من أن تلاقي المكان وأن تكون فيه، قيل: هذا لابد منه لكل فعل، والمتعدي وغير المتعدي في هذا سواء، وإنما علمنا محيط بأن ذلك كذلك، لأن الفعل يصنع ليدل على المكان كما صيغ ليدل على المصدر والزمان"( )، ومن هذه المفعولات المشتركة أيضًا الحال( ) على أن ما تشترك به الأفعال اللازمة والمتعدية من المفعولات أكثر مما ذكره سيبويه والمبرد( ) وابن السراج( )، قال السيرافي: "فأما الأشياء التي تشترك في تعدي الأفعال إليها وعملها فيها، فهي المصادر وظروف الزمان والمكان والحال والمفعول له"( )، وينبه السيرافي إلى أنه ليست كل هذه المفعولات يذكرها النحويون. ثم يبين العلة في ذلك، فيقول: "والنحويون يذكرون تعدي الأفعال إلى أربعة من الستة واشتراكها فيها وهي المصادر وظروف الزمان وظروف المكان والحال. ولم يذكروا المفعول معه ولا المفعول له مع هذه الأربعة، وذلك أن كل فعل لابد له من مصدر وظرف زمان وظرف مكان وحال، وقد يخلو من المفعول له والمفعول معه، وذلك أن المفعول له هو الذي أوقع الفعل من أجله وهو الغرض الداعي للفاعل إلى إيقاع الفعل، والمفعول معه هو الذي يشارك الفاعل ويلابسه فيه"( )، وتابع السيرافي في ذكر الستة ابن بابشاذ( )، وترك الجرجاني منها المفعول معه( )، واقتصر ابن عصفور على الأربعة( ).
والمهم في هذا المقام أن "المفعول به: هو الفارق بين المتعدي من الأفعال وغير المتعدي"( ).
2-معايير التمييز بين المتعدي واللازم
يمكن القول على وجه التقريب إن النحويين استعانوا بجملة من المعايير في سبيل تمييز المتعدي من اللازم، وسوف نحاول أن نعرض لهذه المعايير على نحو موجز.
أولاً: بناء الفعل
نظر النحويون في أبنية الأفعال وعلاقاتها في التعدي واللزوم، فوجدوا أنها يمكن أن تصنف في ثلاث مجموعات: أبنية مشتركة بين المتعدي واللازم، وأبنية خاصة باللازم، وأبنية خاصة بالمتعدي.
1-الأبنية المشتركة بين المتعدي واللازم
ذكر سيبويه( ) أن للمجرد أربعة أوزان: ثلاثة منها مشتركة بين المتعدي واللازم وهي:

البناء الفعل المتعدي الفعل اللازم
فَعَلَ:يَفْعِل ضرب يضرِب جلس يجلِس
فَعَلَ:يَفْعُل قتل يقتُل وقعد يقعُد
فَعِلَ:يَفْعَل لقِم يلقم ركِن يركن


أما المزيد فأبنيته المشتركة هي:

البناء المتعدي معنى الفعل اللازم معنى الفعل
فَيْعَلَ بيطر الدابة( ) من البطر وهو الشق بيقر( ) هلك
فَوْعَلَ صومع الثريد( ) حوقل( ) كبروضعف
فَعْوَلَ دهور المتاع( ) هرول( ) مشى مسرعًا
فَعْلَى قلسى الرجلَ( ) ألبسه القلنسوة عنظى( ) تكلم بقبح
أَفْعَلَ أكرم( ) أبطأ( )
فَعَّلَ كسّرته( ) سبّح( ) قال سبحان الله
فاعَلَ ضارب( ) سافر( )
تَفَعَّل تلقَّف( ) تأثَّم( ) تجنب الإثم
تَفاعَلَ تقاضيته( ) تغافل( )
افْتَعَلَ اكتسب( ) افتقر( )
اسْتَفْعَلَ استحسن( ) استقدم( ) تقدّم
افْعَوَّلَ اعلوطته( ) تعلق بعنقه اخروط ( ) طال
افْعَوْعَلَ احلولى( ) اغدودن النبت واخشوشن( ) اخضر النبت

والرباعي أيضًا من المشترك بين التعدي واللزوم:
(فَعْلَلَ) المتعدي نحو: دحرجته وصعررته( )، واللازم نحو: قرقر( ).
2-الأبنية الخاصة باللازم
(فَعُلَ: يَفْعُل) هذا بناء خاص باللازم نحو كرُم يكرُم. قال سيبويه : "ليس في الكلام فعُلته متعدّيًا"( ).
هذا في المجرد، وأما في المزيد فانفرد اللازم بالأبنية التاية:

(اِنْفَعَلَ) قال سيبويه: "فمن ذلك انفعلت ليس في الكلام انفعلته، نحو: انطلقت وانكمشت وانجردت وانسللت".
(افْعَلَّ) قال المبرد: "وهو فعل لا يتعدى الفاعل، لأن أصل هذا الفعل إنما هو لما يحدث في الفاعل نحو: احمرّ، واعورّ"( ).
(افْعالَّ) نحو: اشهابَّ، اسوادَّ.
(تَفَعْلَلَ) قال المبرد:"وذلك نحو: تدحرج وتسرهف، وهذا مثال لا يتعدى لأنه في معنى الانفعال، وذلك قولك: دحرجته فتدحرج وسرهفته فتسرهف"( ).وسرهفته أي أحسنت غذاءه.
(تَفَعْلَتَ) نحو: تعفرت( ).
(افْعَلَلَّ) اطمأنَّ واقشعرَّ( ).
(افْعَنْلَلَ) نحو:اقعنسس واحرنجم( ). واقعنسس أي تأخر نحو الخلف، واحرنجم أي اجتمع.
(افْعَنْلَى) نحو:احرنبى الديك( ) واحرنبى أي تهيّأ للغضب والشرّ
قال سيبويه: "وليس في الكلام افْعَنْلَلْتُه وافْعَنْلَيْتُه ولا افْعالَلْتُه ولا افْعَلَلْته"( ).
وقد عد ابن جني هذا البناء من المشترك بين المتعدي واللازم، فقد جاء عنده الفعلان: اغرندى واسرندى متعديين واستشهد بقوله:
قَدْ جَعَلَ النُّعاسُ يَغْرَنْدِينِي أَدْفَعُهُ عَنِّي وَيَسْرَنْدِينِي( )
وقد نقل ابن عصفور قول ابن جني هذا، ورده مؤيدًا قول سيبويه، واتهم الرجز بأنه مصنوع متابعة لأبي بكر الزبيدي في ذلك( ).
3-أبنية أكثر ما تجيء لازمة
جاء في الممتع لابن عصفور " تَفَعْلَلَ، وتَفَيْعَلَ، و تَفَعْلَى، وتَفَعْنَلَ، وتَفَوعَلَ، و تَمَفْعَلَ، وتَفَعْوَلَ: أكثر ما تجيء غير متعدية؛ لأنها مطاوعة للفعل الذي دخلت عليه التاء في الغالب، نحو: دحرجته فتدحرج، ومدرعته فتمدرع، وكذلك باقيها فكان الغالب عليها –لذلك- عدم التعدي حتى تكون كـ(انْفَعَلَ)"( ). وقد مرّ بنا عد المبرد (تَفَعْلَلَ) لازمًا.
4-أبنية الفعل المتعدي
(فَعْنَلَ) يكون متعديًا نحو قلنس( )
(فَعْلَلَ) "ولا يكون إلا متعديًا نحو جلببه وشملله، إلا أن يكون رباعيًّا فإنه يكون متعديًا وغير متعد"( ).
(تَفْعَلَ) "ولا يكون إلا متعديًا نحو (يرنأ لحيته)"( ). أي صبغها باليرنأ وهو الحناء.
ثانيًا: المجالات الدلالية
وعلى نحو ما نظر النحويون في بناء الفعل نظروا في دلالته، وقد حصر ابن السراج مجالات الفعل اللازم في ثلاثة مجالات( ):
1-أفعال الخلقة، قال: "أما الذي هو خلقة فنحو: اسودّ، واحمرّ، واعورّ، واشهابّ، وطال، وما أشبه ذلك".
2-"حركة للجسم في ذاته وهيئة له"، قال: "وأما حركة الجسم بغير ملاقاة لشيء آخر فنحو: قام وقعد وسار وغار، ألا ترى أن هذه الأفعال مصوغة لحركة الجسم وهيئته في ذاته".
3-أفعال النفس، قال: "وأما أفعال النفس التي لا تتعداها فنحو: كرُم، وظرُف، وفكر، وغضِب، وخبر، وبطِر، وملُح، وحسُن، وسمح، وما أشبه ذلك".
أما الفعل المتعدي "فكل حركة للجسم كانت ملاقية لغيرها، وما أشبه ذلك من أفعال النفس وأفعال الحواس من الخمس، كلها متعدية ملاقية نحو: نظرت وشممت وسمعت وذُقت ولمِست، وجميع ما كان في معانيهن فهو متعد"( ).
ولا يكاد النحويون الذين عرضوا لمثل هذا يختلفون كثيرًا عن طريقة ابن السراج( ).

ثالثًا: قياس الفعل على مثله وضده
ويعرف لزوم الفعل أو تعديه بقياسه على مثله، فالفعل (دخل) لازم؛ لأن مثله (غار) لازم، قال ابن السراج: "و(دخلت) مثل (غرت) إذا أتيت الغور، فإن وجب أن يكون (دخلت) متعديًا وجب أن يتعدى (غرت)"( ). وتابع الفارسي( ) ابن السراج في ذلك. وبين الجرجاني في (المقتصد) وجه الاستدلال بـ(مثل الفعل) فقال: "واللفظان الكائنان بمعنى واحد متى ثبت لأحدهما أمر معنوي وجب ثباته للآخر لا محالة، إذ لا يتصور اتفاقهما في المعنى مع الاختلاف في شيء مما يعود إلى الحقيقة. والتعدي معنى في الفعل ووصف لازم له فكيف يجوز أن يكون موجودًا في (دخلت) وغير موجود في (غرت) الكائن في معناه"( ).
وعلى نحو ما يستدل بمثل الفعل يستدل بضده، يقول ابن السراج: "ودليل آخر أنك لا ترى فعلا من الأفعال يكون متعديًا إلا كان مضاده متعديًا، وإن كان غير متعد كان مضاده غير متعد، فمن ذلك: تحرك وسكن، فتحرك غير متعد وخرج ضد دخل، وخرج غير متعد، فواجب أن يكون دخل غير متعد"( ).
وقبل أن ننتقل إلى ذكر ما بعد هذا، نحب أن نذكر ملاحظة بسيطة وهي أن هذا متصل بالجانب الدلالي من القضية، إذ يفترض هذا المعيار معرفة أفعال لازمة أو متعدية على وجه التحديد، ويصلح هذا المعيار لمعرفة الأفعال المشتبه فيها أو التي تستخدم متعدية مرة ولازمة مرة، وذلك في السياق، فقد يبعث هذا على الحيرة وعدم الجزم بأصل الفعل آلتعدي هو أم اللزوم.
رابعًا: السؤال عن الفعل
ذكر ابن السراج أن مما يميز به المتعدي من اللازم صيغة السؤال عن الفعل، قال: "واعلم أن هذا إنما قيل له مفعول به، لأنه لمّا قال القائل: ضرب، وقتل، قيل له: هذا الفعل بمن وقع؟ فقال: بزيد أو بعمرو، فهذا إنما يكون في المتعدي نحو ما ذكرنا، ولا يقال فيما لا يتعدى، نحو: قام وقعد، لا يقال هذا القيام بمن وقع؟ ولا هذا القعود بمن حلّ، وإنما يقال: متى كان القيام؟ وفي أي وقت؟ وأين كان؟ وفي أي موضع؟"( ).
خامسًا: النقل بالهمزة
وأضاف الفارسي أن الفعل يستدل على لزومه بنقله بالهمزة، فما يقبل النقل فهو اللازم( )، ورد الجرجاني هذا الاستدلال بقوله: "وأما استدلال الشيخ أبي عليّ بأنك تنقله بالهمزة فتقول: أدخلته وبحرف الجر تقول: دخلت به، فليس له وجه؛ لأن النقل بالهمزة يكون في المتعدي وغير المتعدي"( ).
سادسًا:مصدر الفعل
يذهب النحويون إلى أن مصدر المتعدي يجيء على (فَعْل) واللازم على (فُعُول)( ). عقد سيبويه بابًا سماه(هذا بناء الأفعال التي هي أعمال تعداك إلى غيرك وتوقعها به ومصادرها)، قال فيه: "فالأفعال تكون من هذا على ثلاثة أبنية: على فعَل يفعُل، وفعَل يفعِل، وفعِل يفعَل. ويكون المصدر فَعْلاً والاسم فاعلاً"( ).
هذا بالنسبة للمتعدي، أما اللازم فقال عنه "وأما كلّ عمل لم يتعد إلى منصوب فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى، ويكون الاسم فاعلاً والمصدر يكون فُعولاً"( ). ولكن الأفعال لا تلتزم بهذه القسمة، فسيبويه يذكر أن من المتعدي ما قد يأتي على فُعُول( )، ومن اللازم ما يأتي على فَعْل، قال: "وقد قالوا في بعض مصادر هذا، فجاءوا به على فَعْل كما جاءوا ببعض مصادر الأول على فُعُول"( ).
ورغم هذا يستدل الفارسي بمجيء مصدر الفعل على (فُعُول) على لزومه( ).
وقد تنبه الجرجاني إلى ما ذكره سيبويه، فحاول أن يجد مخرجًا لهذا الأمر حتى تسلم صحة الاستدلال، فقال: وفُعُول من مصادر غير المتعدي. فأما ما جاء من نحو: جَحَدَه جُحودًا، وشكره شُكورًا، ولزمه لُزومًا، ونَهَكَه المرض نُهُوكًا، ووَردَه وُرودًا؛ فشاذ كشذوذ فَعْل فيما لا يتعدى نحو: سَكَتَ سَكْتًا، وهَدَأَ هَدْأً، وعَجِزَ عَجْزًا؛ والشواذ لا يعمل عليها. وقد أتى في بعض ذلك غير فُعُول وهو الجَحْد، والشُّكْر، والنَّهْك. ولم يقل: دخلت الدار دَخْلاً، فقد دلّ هذا على أن دخلت موضوع على غير التعدي، ولهذا قال في ولجته: أن التقدير ولجت فيه، لأجل أنه يقال: وُلُوجًا"( ).
وقد انتهت بعض الدراسات الحديثة التي أقيمت على الشعر الجاهلي، إلى أن الواقع الوصفي لمصادره كشف أنّ المصادر التي جاءت على (فَعْل) تمثل المتعدي واللازم دون تقيد بسماع أو قياس، وأيدت الدراسة مذهب الفراء الذي يذهب فيه إلى أن الاستعمال اللهجي له دور في مجيء المصدر على (فَعْل) أو (فُعُول) فالأولى حجازية والثانية لنجد( ).
و(فَعْل) مصدر "كثير الشيوع فهو يستوعب جميع أبواب الفعل، كما أنه يأتي من المتعدي واللازم، وبهذا تكون قضية السماعي والقياسي قضية افتراضية ارتبطت بالقواعد التي وضعها النحاة ولم تحتكم إلى الواقع الوصفي للغة، وحتى لا تنكسر قاعدتهم في أن (فَعْل) المصدر القياسي في المتعدي نجدهم يسلكون مسالك شتى في تفسير ما جاء مخالفًا"( ).
وبمراجعة الملحق بأمثلة المصادر في الشعر الجاهلي الذي تضمنته الدراسة المشار إليها آنفًا، وجدنا أن أمثلة ما جاء على فَعْل من المتعدي واللازم تكاد تكون متعادلة، أما أمثلة ما جاء على (فُعُول) من اللازم فتزيد على المتعدي، وهذا ما قررته الدراسة أيضًا حيث قالت الباحثة: "وأما في الشعر الجاهلي فقد كثرت فُعُول في اللازم"( ).
والذي نريد الانتهاء إليه، أن هذا المعيار لا يكفي منفردًا للدلالة على تعدي الفعل أو لزومه.
سابعًا:اسم المفعول
ويمتاز المتعدي من اللازم بأن المتعدي "هو ما يصلح أن يبنى منه اسم المفعول"، أما اللازم فهو "ما لا يصلح ذلك فيه"( ). وذكر ابن مالك أن المتعدي ما يُصاغ منه اسم مفعول تام( ). "أي بغير حرف جر"( ).
ويمكن القول إن هذا المعيار وحده لا يكفي‘ إذ بناء اسم مفعول تام أو غير تام ينطلق أساسًا من تحديد تعدي الفعل أو لزومه، أما من الناحية اللفظية البحتة فلا مانع من بناء اسم المفعول منها، تقول: مضروب ومجلوس، ولكن الذي يمنع من استعمال (مجلوس) إلا مع حرف الجر معرفتك بلزوم الفعل. ولا يقصد بالمعرفة؛ النظرية، بل المقصود بها المهارة اللغوية المكتسبة.
ثامنًا: ضمير النصب المتصل
ذكر ابن مالك أن من مميزات المتعدي من اللازم صحة أن يصل ضمير نصب بالفعل، راجع إلى غير مصدر الفعل قال ابن مالك:
عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ هَا غَيْرَ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ( )
قال المرادي: "وإنما احترز عن (هاء) المصدر لأنها تتصل بالمتعدي واللازم فليست عاملة لواحد منها"، أما ضمير ظرفي الزمان والمكان فإنه لا يتصل باللازم حتى ينصب توسعًا نصب المفعول به، أما المتصل بكان في نحو (كنته) فلم ينبه ابن مالك عليه لوضوحه، وكان وأخواتها مشبهة بالمتعدي وربما أطلق على خبرها المفعول( ).
3-تقسيم الأفعال من حيث التعدي واللزوم
لم يعن سيبويه ولا المبرد من بعده بأمر تقسيم الفعل من حيث التعدي واللزوم عناية المتأخرين من بعدهما، وهذا راجع إلى حداثة الناحية التأليفية في ذلك الوقت المبكر. وهذه الملاحظة لا تقف عند قضية التعدي واللزوم وإنما تنسحب على كل القضايا اللغوية عندهما.
أفرد سيبويه لكل نوع من الأفعال بابًا خاصًّا، فجعل للازم بابًا وللمتعدي إلى مفعول بابًا وهكذا، ويسلك سيبويه مسلكًا غريبًا في تسميته لهذه الأبواب أيضًا، حيث نجده يسمي باب الفعل اللازم على هذا النحو (باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول)( ). ولكن هذه الغرابة تنتهي إذا أدركنا أن سيبويه يريد أن يفرق بين الأفعال المبنية للمعلوم والأفعال المبنية للمجهول، فمن أجل هذا جعل الأولى تحت الفاعل، فقال (باب الفاعل)، وجعل الثانية تحت (المفعول) لأن الفعل في الأولى يكون مسندًا للفاعل، وفي الثانية يكون مسندًا للمفعول، وقد سمي الفعل المبني للمجهول في الكتب النحوية بتسميتين: إما المبني للمفعول أو المبني لما لم يسم فاعله. ولذلك نجد سيبويه في دراسة تعدية (كان) يجعل الباب تحت (الفعل) لأن (كان) لا لبس فيها فهي لا تبنى للمفعول، لأنها لا يجوز الاقتصار على فاعلها كما يقول سيبويه.
ويمكن أن ننتهي من ملاحظتنا لحديث سيبويه عن الأفعال إلى أن هناك ثلاث مجموعات من الأفعال:
1-مجموعة لم يصنفها سيبويه في تعد أو لزوم، وهي: أفعال الرجاء والشروع والمقاربة.
2-مجموعة الأفعال اللازمة.
3-مجموعة الأفعال المتعدية.
وسيبويه يذكر تحت المتعدي أقسامًا هي:
1-المتعدي إلى واحد "هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعول"( ).
2-المتعدي إلى اثنين "هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين، فإن شئت اقتصرت على المفعول الأول، وإن شئت تعدى إلى الثاني كما تعدى إلى الأول"( ).
3-المتعدي إلى اثنين ( مبتدأ وخبر) "هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين، وليس لك أن تقتصر على أحد المفعولين دون الآخر"( ).
4-المتعدي إلى ثلاثة "هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين( ) ولا يجوز أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلاثة"( ).
ثم يتناول سيبويه في بابين الفعل المتعدي لمفعولين ولثلاثة بعد بنائه للمجهول فينتج عن ذلك:
1-المتعدي لواحد "هذا باب المفعول الذي تعداه فعله إلى مفعول"( ).
2-المتعدي إلى اثنين "هذا باب المفعول الذي تعداه فعله إلى مفعولين، وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر"( ).
ثم يدرس (كان وأخواتها) في باب اسمه (هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد)( ).
وهذه شجرة بتقسيم الفعل عند سيبويه:

الفعل عند سيبويه


غير متعد وغير لازم متعدي غير متعد للفاعل إلى مفعول


متعد للفاعل إلى المفعول متعد للمفعول إلى المفعول متعد لاسم الفاعل إلى اسم المفعول


متعد إلى واحد متعد إلى اثنين متعد إلى ثلاثة

متعد إلى واحد متعد إلى اثنين

ملاحظات:
1- عدم وصف أفعال الرجاء والشروع والمقاربة بتعد أو لزوم.
2- جعل المبني للمجهول قسيمًا للمبني للمعلوم في التعدي.
3- إهمال المبني للمجهول من المتعدي لواحد، الذي يصير بعد البناء بلا مفعول منصوب.
4- إدخال (كان وأخواتها).
ويتفق المبرد مع سيبويه في الشكل العام للتقسيم، فهو مثله لا يصف أفعال الرجاء والشروع والمقاربة بتعد أو لزوم، وهو أيضًا يدخل (كان وأخواتها) في التعدي، ولكنه يختلف عنه في أنه لم يتطرق إلى الفعل المبني للمجهول أثناء تصنيف الأفعال في (باب مخارج الأفعال واختلاف أحوالها وهي عشرة أنحاء)( ) ويختلف أيضًا في تقسيمات داخلية في الفعل اللازم والمتعدي وفيما يلي مشجر بتقسيمات المبرد:
الفعل عند المبرد


أفعال(غير متعدية وغير لازمة) فعل لازم فعل متعد


فعل حقيقي فعل على فعُل فعل مستعار
(قام) (كرُم)

مسند إلى الفاعل مجازًا فعل مطاوع
(سقط الحائط) (انكسر)

متعد إلى واحد متعد إلى مفعول


فعل واصل مؤثر فعل غير واصل متعد لمفعول واسم الفاعل والمفعول شيء واحد(كان وأخواتها)

يجوز الاقتصار على أحد مفعوليه (كسا وأخواتها) لا يجوز الاقتصار على أحد مفعوليه (ظن وأخواتها)

متعد إلى ثلاثة

نأتي بعد هذا إلى ابن السراج( ) حيث نجد أن (كان وأخواتها) أخرجت من دائرة التعدي واللزوم، وانضمت بذلك إلى أفعال الرجاء والشروع والمقاربة.لم يتابع المبردَ في تفريعات الفعل اللازم. أما المتعدي فقسمه ثلاثة أقسام على نحو تقسيمه عند سيبويه والمبرد، وقسم (المتعدي إلى اثنين) إلى نوعين ما يجوز فيه الاقتصار على أحد مفعوليه، وما لا يجوز فيه ذلك، وفيما يلي شجرة بتقسيم الفعل عنده:
الفعل عند ابن السراج


متعد غير متعد أفعال غير متعدية وغير لازمة (كان وأخواتها، أفعال الرجاء، الشروع، المقاربة)


متعد إلى واحد متعد إلى اثنين متعد إلى ثلاثة


يجوز الاقتصار على أحد مفعوليه لا يجوز الاقتصار على أحد مفعوليه

ويمكن أن نلاحظ الآتي:
1-أن الشجرة تتسم بالبساطة بالقياس إلى الشجرتين السابقتين.
2-أنها قسمة ثلاثية كقسمة سيبويه والمبرد: متعد، غير متعد، لا يوصف بأيهما.
3-أن المتعدي إلى واحد لا يتضمن الفعل اللازم المعدى بحرف جر.
ويبدو أن هذه الصورة من التقسيم وجدت قبولاً عند فريق من النحويين، حيث نصادفها عند الفارسي( ) والزبيدي( ) والجرجاني( ) والزمخشري( ) وابن الخشاب( ) والمطرزي( ) وابن معط( ) وابن مالك( ).
ولكن هذه القسمة تجد نوعًا من التغير عند ابن جني حيث ينظر إلى الأفعال المتعدية على أنها قسمان: قسم يتعدى بحرف جر وقسم يتعدى بنفسه( )، وتابعه في ذلك ابن بابشاذ( )، ونجد الشلوبيني يطلق على المتعدي بنفسه المتعدي المطلق، أما المتعدي بحرف الجر فهو المقيد أي المتعدي بحرف جر( ). وعند ابن عصفور يبلغ التقسيم الثلاثي أوجه من حيث التفريعات( ). ونعرض الآن شجرتين تمقل الأولى متابعة النحويين لابن السراج كما يظهر ابن معط، وتمثل الأخرى القسمة التي بلغت أوجها كما يظهر عند ابن عصفور وهذه أولاً شجرة ابن معط:

الفعل عند ابن السراج


متعد لازم لا يوصف بتعد ولا لزوم


إلى مفعول إلى مفعولين إلى ثلاثة مفاعيل


يتعدى إلى أحدهما بإسقاط الجار يتعدى إليهما بنفسه


ما يجوز الاقتصار فيه على أحد المفعولين ما لا يجوز الاقتصار فيه على أحد المفعولين

وهذه شجرة تقسيم الفعل عند ابن عصفور:

الفعل عند ابن السراج


لازم متعد غير موصف بتعد ولا لزوم


متعد إلى مفعول متعد إلى مفعولين متعد إلى ثلاثة مفاعيل


متعد بنفسه متعد بحرف متعد بنفسه أو بحرف


متعد بنفسه متعد بنفسه وبحرف جر

يجوز الاقتصار فيه على أحد مفعوليه لا يجوز الاقتصار فيه على أحد مفعوليه

ملاحظات على شجرة ابن عصفور:
1-القسمة ثلاثية.
2-تقسيم المتعدي إلى مفعول واحد على ثلاثة أقسام.
3-إدخال اللازم المعدى بحرف تحت المتعدي إلى مفعول.
4-تفريع المتعدي إلى اثنين: إلى متعد بنفسه، ومتعد بنفسه وبحرف جر.
5-الفعل المتعدي بنفسه أو بحرف جر –ولا يعد ابن عصفور أحدهما متولدًا من الآخر( )- جعله لذلك قسيمًا للمتعدي بنفسه وللمتعدي بحرف الجر.
نأتي بعد هذا إلى ابن هشام الذي يصف عمله بقوله: "وقد قسمت الفعل بحسب المفعول به تقسيمًا بديعًا، فذكرت أنه سبعة أنواع"( ). وسوف نضع شجرة تبين هذه القسمة السباعية أو الثمانية إذا أضفنا إليها الأفعال التي لا تعد لازمة ولا متعدية.




تقسيم الفعل عند ابن هشام


ما لا يوصف بتعد ولا لزوم ما لا يطلب مفعولا به البتة ما يتعدى إلى واحد دائمًا بالجار متعد لواحد بنفسه دائمًا ما يتعدى بنفسه أو بحرف جر ما يتعدى تارة ولا يتعدى تارة ما يتعدى إلى ثلاثة


ما يتعدى تارة ولا يتعدى أخرى ما يتعدى دائمًا


ما يتعدى إلى ثاني المفعولين بنْزع الخافض ما أول مفعوليه فاعل في المعنى ما يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر


ملاحظات:
1-أهمل ابن هشام نمط: المتعدي إلى مفعول وبحرف جر. وقد ذكره ابن عصفور.
2-جعله القسم الأول لا يطلب مفعولاً البتة فيه تحكم. فلسنا نجد فرقًا في السلوك بين: انصرف زيد بالمال، ومررت بزيد، فكلاهما يتعدى بالباء، وهو قد جعل (انصرف) في القسم الأول، و(مرّ) في الثاني.
3-تنبه إلى ما يوصف بالتعدي تارة واللزوم تارة أخرى.
4-هناك اضطراب في التصنيف حيث جعل تحت المتعدي إلى مفعولين ما يتعدى تارة إلى مفعولين ولا يتعدى تارة أخرى، فحقه أن يكون تحت النمط الخامس وهو ما يتعدى ولا يتعدى.
5-استفاد من ابن عصفور النمط (ما يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف جرّ).
6-استفاد من ابن السراج في تقسيم المتعدي إلى اثنين تعديًا دائمًا على ثلاثة أقسام، مع بعض الاختلاف.
7-لم يقسم (المتعدي إلى مفعولين) إلى قسميه الشائعين عند النحويين وهما: ما يجوز الاقتصار على أحد مفعوليه، وما لا يجوز الاقتصار على أحد مفعوليه.
ومهما يكن من أمر هذه القسمة التي تبدو متعددة في ظاهرها فإنها، فيما نظن، يمكن أن ترتد إلى أربعة أقسام فقط، وبهذا تكون قسمة رباعية في مقابل القسمة الثلاثية التي شهدناها عند النحويين مثل ابن عصفور. وهذه القسمة الرباعية هي: ما لا يطلب مفعولاً، وما يتعدى، ما لا يوصف بتعد أو لزوم، ما يتعدى تارة وتارة لا يتعدى لا بنفسه ولا بحرف جر. ويذكر لنا السيوطي في (الهمع) قسمة رباعية هي: "الفعل أربعة أقسام: لازم، ومتعد، وواسطة: لا يوصف بلزوم ولا تعد وهو الناقص: كان وكاد وأخواتهما، وما يوصف بهما، أي باللزوم والتعدي معًا، لاستعماله بالوجهين كشكر ونصح على الأصح فإنه يقال شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له، ومثله: كلته وكلت له، ووزنته ووزنت له، وعددته وعددت له. ولما تساوى فيه الاستعمالان صار قسيمًا برأسه. ومنهم من أنكره وقال: أصله أن يستعمل بحرف الجر، وكثر فيه الأصل والفرع، وصححه ابن عصفور"( ).
وواضح أن بين القسمتين اختلافًا، فالسيوطي يلخص على وجه التقريب أقسام الفعل عند ابن عصفور، ومحط الاختلاف هو القسم الرابع وهو الفعل الموصوف بالتعدي واللزوم، فهناك اختلاف في المفهوم فالفعل (شكر) عند ابن عصفور والسيوطي من الأفعال اللازمة المتعدية أو الموصوفة باللزوم والتعدي، ولكن ابن هشام لا يمثل بمثل هذا الفعل وإنما يمثل بالفعل (فغر) يقال: فغر فوه، وفغر زيد فاه( ). ويذهب ابن هشام إلى أن من الأفعال ما لا يتعدى البتة لا بنفسه ولا بحرف جر وهذا مذهب لم أصادفه عند غيره.
ولما نقلناه عن السيوطي أهمية خاصة، فهو ينص على القسم الذي لا يوصف بتعد أو لزوم، وهو القسم الذي يضم (كان وكاد وأخواتهما).
أما النحويون عمومًا فهم لا يذكرون أثناء قسمتهم للفعل القسم الذي لا يوصف بتعد ولا لزوم، ولذلك أضفناه إلى قسمتهم كل مرّة.


عدل سابقا من قبل جلال فتحى سيد في 2011-03-27, 23:16 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جلال فتحى سيد
عضو شرف
عضو شرف
جلال فتحى سيد

القيمة الأصلية

البلد :
مصر

عدد المساهمات :
465

نقاط :
649

تاريخ التسجيل :
24/01/2011


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي Empty
مُساهمةموضوع: قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي   قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2011-03-27, 22:45

المبحث الثاني: الفعل المتعدي
1-وسائل التعدي
جدير بهذا المبحث أن ينضم إلى مبحث الاشتقاق بعامة وبوسائل توليد الألفاظ بعضها من بعض، فوسائل التعدي ما هي إلا بيان لكيفيات يولد بها لفظ جديد من لفظ سابق عليه من حيث اللفظ، ويكون بعد ذلك نظيرًا له من حيث الاستعمال. ونبه الأستاذ عباس حسن إلى أن هذه الوسائل متشابهة في تعدية الفعل اللازم، وتختلف في أن كل واحدة تفيد مع التعدية معنى خاصًّا، فواحدة تفيد جعل الفاعل مفعولا به كهمزة النقل، وواحدة تفيد التكرار والتمهل كالتضعيف، وثالثة تفيد المشاركة( ). ولكن هذا القول ليس على إطلاقه فهو مخالف لمذهب الجمهور، قال السيوطي: "ادعى الجمهور أن معناهما أي الهمزة والتضعيف أو الهمزة والباء في التعدية واحد، فلا يفهم هذا التضعيف تكرارًا ولا مبالغة، ولا مصاحبة"( ).
وقد تبين النحويون من هذه الوسائل:
أولاً: التعدي بالهمزة
يقول أبوعلي الفارسيّ: "الأفعال التي لا تتعدى إلى مفعول إذا نقلت بالهمزة تعدت إلى مفعول، والمتعدية إلى مفعول إذا نقلت بالهمزة تعدت إلى مفعولين"( ). ومن قبل فرّق سيبويه من حيث المعنى بين صيغة اللازم (فَعَلَ) والمتعدي بالهمزة (أفعل) ومرد هذا الفرق إلى ما يطرأ على الصيغة من معنى التصيير، يقول سيبويه: "تقول: دخل وخرج وجلس. فإذا أخبرت أن غيره صيّره إلى شيء من هذا قلت: أخرجه وأدخله وأجلسه".
وتقول فزع وأفزعته، وخاف، وأخفته، وجال وأجلته وجاء أجأته، فأكثر ما يكون على فَعَلَ إذا أردت أن غيره أدخله في ذلك يبنى الفعل منه على أفعلت. ومن ذلك مكُث وأمكثته"( ).
ومعنى الصيغة عند المبرد (الجعل) وهذا مستفاد منن قول الخليل، وهو أنك قلت "أدخلته أردت جعلته داخلاً"( )، يقول المبرد؛ "تقول خرج زيد فإذا فعل به ذلك غيره، قلت: أخرجه عبدالله، أي: جعله يخرج"( ). وللعلاقة بين الصيغتين عنده تأصيل وتفريع "فإنهما (أفعلته) داخلة على فَعَلَ. تقول عطا يعطو إذا تناول، وأعطيته أنا: ناولته، فالأصل ذا، وما كان سواه فداخل عليه، تقول: ألبسته فلبس وأطعمته فطعم"( ).
قد ذكرنا في موضع آخر أن السهيلي حاول وضع ضابط لمعرفة ما ينقل من الأفعال، وهذا الضابط هو حصول صفة في الفاعل "لأنك إذا قلت: أفعلته؛ فإنما معناه: جعلته على هذه الصفة. وقلما ينكسر هذا الأصل في غير المتعدي إذا كان ثلاثيًّا نحو قعد وأقعدته، وطال وأطلته، وأما المتعدي فمنه ما يحصل للفاعل منه صفة في نفسه ولا يكون اعتماده في الثاني على المفعول فيجوز نقله، مثل: طعِم زيد الخبز وأطعمه، وكذلك جرِع الماء وأجرعه، وكذلك بلع وشمَّ وسمِع لأنها كلها يحصل منها للفاعل صفة في نفسه غير خارجة عنه، ولذلك جاءت أو أكثرها على فعِل مشابه لباب فزِع وحذِر وحزِن ومرِض. إلى غير ذلك مما له أثر في باطن الفاعل وغموض معنى فيه، ومن هذا النحو: لبِس الثوبَ وألبسه إياه؛ لأن الفعل –وإن كان متعديًا- فحاصل معناه في نفس الفاعل، كأنه لم يفعل بالثوب شيئًا وإنما فعل بنفسه، ولذلك جاء على فعِل في مقابلة (تعرى)"( )، وأورد أمثلة للأفعال التي لا تنقل فقال "وأما أكل وأخذ وضرب فلا تنقل؛ لأن الفعل واقع بالمفعول، ظاهر أثره فيه غير حاصل في الفاعل منه صفة، فلا تقول: أضربت زيدًا عمرًا، ولا أقتلته خالدًا؛ لأنك لم تجعله على صفة في نفسه كما تقدم"( ).
ولكن ثمة بعض الأفعال التي احتاج السهيلي إلى تخريجها مثل (كَسِيَ) على (فعِل) فهو لم يعد بالهمزة كما عدي (لبِس)، ويفسر السهيلي ذلك بأن الكسوة ستر للعورة، ولذلك جاء على وزن سترته وحجبته( ) ولكن هذين الفعلين لا يقابلهما فعلان لازمان كما يقابل (كسا) المتعدي، الفعل (كسِيَ) اللازم. ولعل تعدي الأفعال لا يأخذ منحى واحدًا فهذا الفعل عند ابن جني منقول بدون همزة التعدية( ) وسوف نأتي إلى ذلك في موضعه.
ومن هذه الأفعال الفعل (أعطى)، ولكي يستقيم له منهجه نفى أن يكون (أعطى) بمعنى أخذ فهو يفسر: أعطيت زيدًا درهمًا بـ(جعلته عاطيًا له)( ). وقاس عليه (أنلت) المنقولة من (نال) المتعدية؛ لأنه "لا ينبئ إلا عن وصول إلى المفعول دون تأثير فيه ولا وقوع ظاهر به، ألا ترى إلى قوله سبحانه ﴿لَن يَّنَلَ اللَّه لُحُومُهَا﴾ [37-الحج]، ولو كان فعلاً مؤثرًا في مفعول لم يجز هذا إنما هو منبئ عن الوصول فقط"( ).
واختلف في التعدي بالهمزة من حيث السماع والقياس، وقد أورد لنا السيوطي أقوال النحويين في ذلك( ):
1-أنه سماعي في اللازم والمتعدي وعليه المبرد.
2-قياسي فيهما، وعليه الأخفش والفارسي. ولذا نجد الاستعمال عند الفارسي "أضربت زيدًا عمرًا"( ).
3-قال سيبويه: قياس في اللازم سماع في المتعدي( ).
4-قياسي مطلقًا في غير باب علِم وعليه أبو عمرو.
5-قياسي فيما يحدث الفعلية أي يكسب فاعله صفة من نفسه لم تكن فيه قبل الفعل، نحو: قام وقعد، فيقال: أقمته وأقعدته، أي جعلته على هذه الصفة. سماع فيما ليس كذلك، نحو: أشربت( ) زيدًا ماءً، فلا يقاس عليه: أذبحته الكبش، أي: جعلته يذبحه؛ لأنه الفاعل له يصير على هيئة لم يكن عليها. وهذا ما عليه السهيلي فهو يقول: "فلا تقول أضربت زيدًا عمرًا ولا أقتلته خالدًا؛ لأنك لا تجعله على صفة في نفسه"( ).
ثانيًا: التعدي بالتضعيف
ويتعدى الفعل بالتضعيف تضعيف العين، كما تعدى بالهمزة، قال سيبويه
"وقد يجيئ الشيء على فعلت فيشرك أفعلت، كما أنهما قد يشتركان في غير هذا وذلك قولك فرِح وفرّحته، وإن شئت أفرحته. وغرم وغرمته، وأغرمته إن شئت كما تقول: فزّعته وأفزعته. وتقول ملُح وملّحته، وسمعنا من العرب من يقول: أملحته، كما تقول: أفزعته. وقالوا: ظرُف وظرّفته، ونبُل ونبّلته, ولا يستنكر أفعلت فيهما، ولكن هذا أكثر واستُغني به"( ).
ومثّل لذلك سيبويه بأمثلة أخرى مثل: أفرحت وفرّحت، أنزلت ونزّلت، وكثّرهم وأكثرهم، وقلّلهم وأقلهم( ). وقال في موضع آخر: "وقالوا: أسقيته في معنى سقّيته، فدخلت على فعّلت كما تدخل فعّلت عليها، يعني في فرّحت ونحوها"( ). وظاهر مذهب سيبويه أن بعض الأفعال يُعدى بالهمزة ويجوز تعديته بالتضعيف مثل (فزِع بالهمز أفزعته) ويجوز (فزّعته)، ومن الأفعال ما يعدى بالتضعيف ويجوز تعديته بالهمزة مثل الفعل (فرِح بالتضعيف فرّحته) ويجوز أيضًا (أفرحته). ويفهم أن (فعَّل) قد يغني عن (أفعل).
ولا يظهر في هذه الأمثلة شيء من الاختلاف الدلالي بين تعدية الفعل بالهمزة وتعديته بالتضعيف، ولكن الاستعمال اللغوي ربما فرق بين التعديتين، فاستفاد من كل صيغة لتعبر عن دلالة مختلفة.
عبر سيبويه عن ذلك قال: "وقد يجيء فعّلت وأفعلت في معنى واحد مشتركين كما جاء فيما صيرته فاعلاً ونحوه، وذلك وعّزت إليه وأوعزت، وخبّرت وأخبرت، وسمّيت وأسميت. وقد يجيئان مفترقين، مثل علّمته وأعلمته، فعلّمت: أدبت، وأعلمت: آذنت، وآذنت: أعلمت، وأذّنت: النداء، والتصويت بإعلان، وبعض العرب تجري أذّنت وآذنت مجرى سمّيت وأسميت"( ).
وقال في موضع آخر: "وكان أبو عمرو أيضًا يفرق بين نزّلت وأنزلت"( ). وذكر ابن قتيبة أن الكسائي يفرق بينهما( ). وجاء في الهمع ما يفيد أن بين التعدي بالهمزة والتعدي بالتضعيف فرقًا، وأن التعدية بالهمزة لا تدل على تكرير، وبالتضعيف تدل عليه. ورُدَّ بقوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ﭐلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ﴾ [140-النساء] الآية. وهو إشارة إلى قوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ﭐلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ [68-الأنعام] وهي آية واحدة( ), وبقوله: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ﭐلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [32-الفرقان]"( ).
ومن المحدثين من درس صيغتي (فعل وأفعل) في القرآن( )، وهو يسمي الأولى يقينية Factitive والثانية سببيةCausative ويتلخص الفرق بينهما في أربع نقاط:
1-ينقل الفاعل في (F) الشيء دون معونة الشيء نفسه إلى وضع أو حال جديد. أما الفاعل في (C) فيجعل المفعول فاعلاً فعليًّا للعمل أو الحدث.
2- يعبر في الفعل اليقيني (F) عن نمط لحظي (أو على الأقل غير دائم) من الحدث، ولكن السببِيّ (C) نمط دائم.
3- الفعل في (F) يحدث على أنه عادة. أما في السببِيّ (C) فيحدث على أنه مناسبة عارضة.
4- الحدث في اليقيني (F) بالنسبة للمفعول حادثة. ولكنه مع السببِي (C) أساسي.
ثالثًا:المتعدي ببناء الفعل على الفاعل
جاء في الشافية: "وفاعل لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقًا بالآخر للمشاركة صريحًا، فيجيء العكس ضمنًا نحو ضاربته وشاركته، ومن ثم جاء غير المتعدي متعديًا نحو كارمته وشاعرته، والمتعدي إلى واحد مغاير للفاعل متعديًا إلى اثنين نحو جاذبته الثوب بخلاف شاتمته"( ). ويفهم من شرح الجاربردي أن (فاعل) تدل على حدوث الفعل من طرفين وينسب الحدث إلى أحدهما صراحة بإسناد الفعل إليه، أما نسبته إلى الثاني فإنما تكون متضمنة، فقولك (ضارب زيد عمرًا) فيه نسبة للضرب إلى زيد متعلقًا بعمرو نسبة صريحة، وفيه نسبة للضرب إلى عمرو متعلقًا بزيد نسبة متضمنة، ومن أجل التعلق بآخر فإن غير المتعدي إذا نقل إلى فاعل جاء متعديًا نحو كارمته فإن أصله لازم وقد تعدى بعد نقله. والمتعدي إلى مفعول واحد إن لم يصلح مفعوله لمشاركة الفاعل في المفاعلة فإنه لابد من الإتيان له بمفعول مشارك لفاعله وبذا يصير الفعل متعديًا إلى مفعولين، نحو: جاذبته الثوب، فإن مفعول جذب وهو الثوب لا يصلح لمشاركة الفاعل. أما في حالة صلاحيته فيكتفى به، ويظل الفعل متعديًا إلى مفعول واحد، نحو: شاتمت زيدًا( ).
رابعًا:بناء الفعل على استفعل
جاء في الممتع "استفعل: تكون متعدية وغير متعدية. فالمتعدية، نحو (استحسنت الشيء) وغير المتعدية نحو (استقدم) و(استأخر). وتكون مبنية من فعل متعد وغير متعد. فالمبنية من متعد نحو (استعصم) و(استعلم) هما مبنيان من (عصم) و(علم). والمبنية من غير المتعدي نحو: (استحسن) و0استقبح) هما مبنيان من (حسن) و(قبح)"( ).
خامسًا: بناء الفعل على وزن المغالبة
مر بنا أن (فاعل) يدل على المشاركة وهذا معنى قول سيبويه: "اعلم أنك إذا قلت فاعلته، فقد كان من غيرك إليك مثل ما كان منك إليه حين قلت (فاعلته)( ). ويبنى على هذا البناء من الأفعال ما أصولها متعدية أو لازمة مثل (ضارب) من المتعدي (ضَرَبَ) و(كارم) من اللازم (كَرُمَ).
فإذا أريد التعبير عن غلبة الفاعل "فالغالب من ذا يقع على فعَل يَفْعُل"( ). وقد كان تعبير سيبويه عن ذلك قوله: "فإذا كنت أنت فعلت قلت: كارمني فكَرمته، واعلم أن يَفْعَل من هذا الباب على مثال يَخْرُج"( ). واستثنى سيبويه بعض الأفعال قال: "إلا ما كان من الياء مثل رميت وبعت، وما كان من باب وعد فإن ذلك لا يكون إلا على أفعِله؛ لأنه "يختلف ولا يجيء إلا على يًفْعِل". ويذهب إلى أن هذا البناء لا يطرد في كل فعل، قال: "وليس في كل شيء يكون هذا. ألا ترى أنك لا تقول: نازعني فنَزعته، استُغني عنها بغلبته وأشباه ذلك"( ).
وربما جاء المضارع على (يَفْعَل)، جاء في الخصائص "وحكى الكسائي: فاخرني ففخَرْتُه أفخَرُه –بفتح الخاء- وحكاها أبو زيد أَفْخُرُه-بالضم-"( ). واستغرب ابن جني إجماع العرب على مجيء عين مضارع فعلته إذا كان من فاعلني مضمومة البتة( ).
ووجه الاستغراب هو خص المضارع بالضم. والقياس عنده مجيء مضارع فعَل المتعدي بالكسر نحو: ضرَب يضرِب. وذلك أنه يذهب إلى أنهم بنوا مضارع ما ماضيه على فعَل على يفعُل ويفعِل؛ لأن كل واحدة من الضمة والكسرة مخالفة للفتحة، وهو يرى أنى(يفعُل) فيما ماضيه فعَل في غير المتعدي أقيس من يفعِل، فضرب يضرِب أقيس من قتَل يقتُل، وقعَد يقعُد أقيس من جلَس يجلِس، والسبب عنده أن يفعُل إنما هي في الأصل لما لا يتعدى، نحو كرُم يكرُم( ). فكان الأولى –مادام هناك إمكانان- اختيار ما يقتضيه القياس في مضارع فعَل وهو يفعِل( ).
وعلة ذلك عنده "أن هذا موضع معناه الاعتلاء والغلبة، فدخله بذلك معنى الطبيعة والنحيزة التي تغلب ولا تغلب، وتلازم ولا تفارق. وتلك الأفعال بابها فعُل: يفعُل، نحو: فقُه يفقُه إذا أجاد الفقه، وعلُم يعلُم إذا أجاد العلم. وروينا عن أحمد بن يحيى عن الكوفيين ضرُبت اليد يدُه، على وجه المبالغة"، ثم قال"فلما كان قولهم كارمني فكرَمته أكرُمه وبابه صائر إلى معنى فعُلت أفعُل أتاه الضم من هناك"( ). وأثار ابن جني سؤلاً في هذا المقام وأجاب عنه فقال:"فإن قلت فهلا لما دخله هذا المعنى تمموا فيه الشبه، فقالوا ضرُبته أضرُبه، وفخُرته أفخُره ونحو ذلك؟ قيل: منع من ذلك أن فعُلت لا يتعدى إلى المفعول به أبدًا، ويفعُل قد يكون في المتعدي كما يكون في غيره"( ).
وزعم عباس حسن أن المجمع قرر قياسية هذا البناء اعتمادًا على كثرة ما سمع منه واعتمادًا على قول ابن جني. ولم نجد للمجمع قرارًا في الموضع الذي نص عليه من مجلة المجمع( ).
سادسًا:التعدي بدون همزة
يشير سيبويه إلى بعض الأفعال اللازمة التي جاء المتعدي منها على المجرد حيث لم ينقل بالهمزة أو التضعيف من أدوات النقل قال: "وتقول: فتَن الرجلُ وفتنْتُه، وحزِن وحزَنته، ورجَع ورجعته"( )، وذكر قولاً للخليل مفاده أن هذه الصيغة تختلف عن الصيغة المنقولة من حيث الدلالة قال "وزعم الخليل أنك حيث قلت فَتَنْتُه وحزَنْتُه لم ترد أن تقول: جعلته حزينًا وجعلته فاتنًا، كما أنك حين قلت: أدخلته أردت جعلته داخلاً، ولكنك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنًا وفتنة، فقلت فتنته كما قلت كحلته، أي جعلت فيه كحلاً، ودهنته جعلت فيه دهنًا، فجئت بفعلته على حدة ولم ترد بفعلته ههنا تغيير قوله حزِن وفتَن. ولو أردت ذلك لقلت أحزنته وأفتنته. وفتن من فتنته كحزن من حزنته"( ). ويرى سيبويه استعمال هذه الأفعال منقولة قال: "وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته وأرجعته وأعورت عينه، أرادوا جعلته حزينًا وفاتنًا، فغيروا فعل كما فعلوا ذلك في الباب الأول"( ).
ويذهب المبرد إلى أن أمثال هذه الأفعال إنما تعدى على حذف الزوائد قال "فأما طرحَتِ البئر وطرحْتها، وغاض الماء وغِضْته، وكسب زيد درهمًا وكسبَه- فهو على هذا بحذف الزوائد"( ).
أما ابن جني فله رأي أكثر وضوحًا وهو ذهابه إلى أن بعض الأفعال تنقل بالمثال لا بالهمزة يقول ابن جني "فأما كسِيَ زيد ثوبًا، وكسوته ثوبًا، فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال، ألا تراه نقل من فعِل إلى فعَل. وإنما جاز نقله بفعَل لما كان فعَل وأفعل كثيرًا ما يعتقبان على المعنى الواحد نحو جدَّ في الأمر وأجد وصددته عن كذا وأصددته وقصر عن الشيء وأقصر وسحته الله وأسحته ونحو ذلك. فلما كانت فعَل وأفعل على ما ذكرنا من الاعتقاب والتعاوض، ونقل بأفعل نقل أيضًا فعِل بفعَل، نحو كسي وكسَوته، وشتِرت عينه وشتَرتها، وعارت وعرتها، ونحو ذلك"( ). وستجد هذه القضية مزيدًا من البحث في مكانه إن شاء الله.
سابعًا: التعدي بالتضمين
عد الأشموني التضمين مما يصير به اللازم متعديًا ومثل لذلك بقوله تعالى:﴿وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ ﭐلنِّكَاحِ﴾[235-البقرة]، "أي: لا تنووا؛ لأن عزم لا يتعدى إلا بعلى، تقول عزمت على كذا، لا عزمت كذا ومنه رحبتكم الطاعة، وطلع بشر اليمن، أي وسعتكم وبلغ اليمن"( ).
وسنقف عند التضمين في موضع آخر إن شاء الله.
ثامنًا: التعدي بحرف الجر
نفهم من بعض أقوال سيبويه أن الفعل اللازم يتعدى بحرف الجر، ولذلك فالاسم المجرور في موضع نصب، يقول سيبويه: "وإذا قلت: مررت بزيد وعمرًا مررت به، نصبت وكان الوجه، لأنك بدأت بالفعل ولم تبتدئ اسمًا تبنيه عليه، ولكنك قلت: فعلت ثم بنيت عليه المفعول وإن كان الفعل لا يصل إليه إلا بحرف الإضافة؛ فكأنك قلت: مررت زيدًا. ولولا أنه كذلك ما كان وجه الكلام زيدًا مررت به، وقمت وعمرًا مررت به ونحو ذلك قولك خشنت بصدره، فالصدر في موضع نصب وقد عملت الباء"( ).
وثمة خلاف بين النحويين حول تعدي الفعل بالهمزة وحرف الجر خصوصًا -الباء- فمن النحويين من يذهب إلى أن التعديتين متساويتان من حيث المعنى، ومنهم من يذهب إلى أن ثمة خلافًا من حيث المعنى.
أما سيبويه فالذي يفهم من قوله أن التعدي بالحرف كالتعدي بالهمزة، فلذا قد يجتزأ بالحرف عنه قال سيبويه: "وتقول غفلت، أي صرت غافلاً، وأغفلت إذا أجزت أنك تركت شيئًا ووصلَت غفلتك إليه. وإن شئت قلت: غفل عنه فاجتزأت بعنه عن أغفلته، لأنك إذا قلت عنه فقد جزت بالذي وصلت غفلتك إليه. ومثل هذا: لطف به وألطف غيره، ولطف به كغفل عنه، وألطفه كأغفله"( ).
ويصرح ابن فارس بأن باء التعدية في مثل ذهبت به بمعنى "أذهبته"( )، ويذهب ابن بابشاذ إلى أن المثال المشهور "مررت بزيد" هو في مقابلة أمررت زيدًا( )، منصرفًا عن المعنى الآخر لهذا المثال وهو ألصقت مروري بزيد، أي: أن معنى الاصطحاب غير مفهوم هنا، ولعل الذي دعاه إلى قول ذلك هو الإيمان الشديد بتساوي المعنى في التعديتين: الهمزية والبائية.
ينسب ابن عصفور إلى المبرد( ) التفريق من حيث المعنى بين الهمزة والباء، يقول ابن عصفور "وهي عندنا بمعنى الهمزة خلافًا للمبرد، فإنه يفرق بينهما في المعنى، فإذا قلت: أقمت زيدًا، فالمعنى جعلته يقوم ولا يلزمك أن تقوم معه، وإذا قلت: قمت بزيد فالمعنى جعلته يقوم وقمت معه، فما بعد الباء يشترك عنده مع الفاعل فعله. وليس كذلك المفعول المنقول بالهمزة"( ).
ويخالف الفارسي مذهب المبرد ويورد من الشواهد ما يعده الجرجاني ردًّا على مخالفه، وأفاض الجرجاني في بسط القضية والاحتجاج لها، فبدأ بأن ذكر أن للتعدي بالباء في نحو "ذهبت بزيد" وجهين: أحدهما أن تريد أنك صاحبته( ) واستشهد بقول امرئ القيس:
خَليلَيَّ مُرّا بي عَلى أُمِّ جُندَبِ نُقَضِّ لُباناتِ الفُؤادِ المُعَذَّبِ
والثاني: أنك لا تكون صاحبته وإنما نجيته وأزلته عن مكانه، ثم ذكر الآية التي استشهد بها أبو علي الفارسي وهي قوله تعالى: ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ﴾[43-النور] ثم قال: إن الأبصار ليست أشخاصًا ولا البرق كذلك، ولذلك يمتنع تصور المصاحبة، وإنما المعنى أن البرق يكاد يزيل نور البصر. وعليه "فلا فصل بين أن تقول: ذهب ببصره، وبين أن تقول: أذهب بصره، وإذا كان الأمر على هذا ثبت أن الباء والهمزة بمنْزلة واحدة، وأن المصاحبة لا تجب في واحد منها، فكما أنك إذا قلت أذهبت زيدًا لم يجب أن تكون صاحبته كذلك إذا قلت: ذهبت بزيد، وإنما ذلك على الجواز في الموضعين". ثم ذكر أن أبا علي قد أورد الآية ردًّا على مخالفيه ثم ذكر الرأي المخالف فقال:"إن الباء توجب المصاحبة وأنك لا تقول: ذهبت بزيد حتى تكون صحبته، لأجل أنه لو كان يوجب المصاحبة لوجب أن لا يجيء فيما يستحيل فيه ذلك، ألا ترى أنك لا تقدر على أن تقول: إن البصر صاحب البرق. فإن قلت إن المعنى أن البرق يزول فيزول معه الإبصار حتى كأنهما يتصاحبان على المجاز، فالجواب: أن هذا يبطل بقولهم: ذهبت الشمس ببصره، لأنه يعلم أن البصر مع بقاء الشمس زال وأنهما لم يتصاحبا في الانقطاع، ولو كان الأمر على هذا لوجب أن لا يقال: ذهب البرق ببصره، إلا بعد أن يزول البرق والبصر في زمان واحد. وهذا تعسف بارد"( ). ثم ذكر الآية الأخرى وهي قوله تعالى: ﴿مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾[76-القصص] ثم قال: "فقوله ناءت العصبة بمنْزلة قولك: ثقلت في نهوضها، وإذا قلت: ناءت المفاتيح بالعصبة، كان بمنْزلة قولك أثقلتهم، فهو مثل قولك ذهبت الشمس ببصره وأذهبته"( ) ويفهم من البيت( ) ما يفهم من الآيتين فالمعنى تجعلنا نحل، فالشاعر "يذكر أنهم مروا بالمرأة وصادقوها في الموضع المذكور فشوقتهم وملكت قلوبهم حتى كادت تحلهم عن ظهورهم. وليس المعنى أنها كانت معهم فصاحبتهم في الحلول حتى تقول: إن قوله تحل بنا بمعنى تحل معنا. كما تقول في ذهبت بزيد: إن المعنى ذهبت معه"( ).
أما ابن عصفور فبعد أن ساق قول المبرد ذكر حجة من ردوا قوله فقد احتجوا بقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾[20-البقرة].
والحجة في ذلك أن اللَّه لا يوصف بأنه ذهب مع سمعهم وأبصارهم. ونقض ابن عصفور هذه الحجة بأن هناك احتمالين( ): الأول كون فاعل ذهب (البرق)، أي لذهب البرق مع سمعهم وأبصارهم، والاحتمال الثاني كون الله وصف نفسه على معنى يليق به سبحانه، كما وصف نفسه سبحانه بالمجيء في قوله ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾[22-الفجر].
ولكن ابن عصفور نقض قول المبرد ببيت امرئ القيس الذي استشهد به من قبل الفارسي. وهذه الأقوال من قبل النحويين أمور لا ينتهي منها العجب، وكأنهم يغفلون عن طبيعة اللغة وسلوكها وانتقالها من الاستعمال الحقيقي إلى المجازي، ولا أدري لِمَ غفل عبدالقاهر عن هذا الأمر فلم يبين المسألة على حقيقتها.
إن التركيب (مررت بزيد) يمكن أن يكون له ثلاثة استعمالات ويتحدد أحدها حسب السياق. أما الأول فعند التعبير عن التصاق المرور به، وفي هذه الحال الفاعل متحرك وزيد ساكن أو في حكم الساكن. والثاني مررت مصطحبًا إيّاه، فهو شريك في المرور، والثالث جعلته يمر فالفاعل ساكن ومدخول الباء متحرك. أما الأول فلا خلاف حوله، وإنما الخلاف في الثاني والثالث، وموطن الخلاف أنهما متفقان أي أن في كل منهما مصاحبة أم أن الثالث لا مصاحبة فيه؟ رأينا المبرد يذهب إلى وجود المصاحبة في الثالث والفارسي يرد ذلك، وإذا تمعنا في المسألة لا نجد هناك خلافًا، بل اختلافًا في النظرة إلى التركيب، فالمبرد ينظر إلى التركيب من حيث المنشأ والأصل، أما الفارسي فهو ينظر إلى التركيب الناحية الوظيفية أي من الناحية الإشارية المباشرة. وإذا أدركنا هذا عرفنا أن المبرد لا يمكن أن يقع في ذهنه أن في قوله تعالى ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾[20-البقرة] دلالة على مصاحبة الله لسمعهم. ولكنه يشير إلى حقيقة مثل هذا التركيب وأصله، والأصل أن الذي يصطحب الشيء إنما يزيله وينقله من موضعه حقيقة، ثم استعمل مثل هذا التركيب للتعبير عن إزالة الأشياء الحقيقة أو غير الحقيقة أو المعنوية، وإن لم يحدث انتقال وهذا استعمال مجازي ليس غريبًا عن اللغة واستعمالاتها. ومن ذلك إسناد الفعل إلى ما لا يفعل في الحقيقة، مثل انكسر الغصن. فهذا التركيب يفترض أن الغصن قد كسر نفسه وهذا في الظاهر مستحيل، ولكن اللغة العريقة تحمل في ثناياها فلسفة أصحابها، فليس بعيدًا أن أصحاب اللغة كانوا ينسبون إلى الأشياء الأفعال مثل نسبتها إلى الإنسان نفسه، ويبدو لنا أن الحاجة إلى صيغة تعبر عن كسرِ مجهولٍ الغصنَ جاءت حديثة بعض الحداثة؛ ولذلك جاءت قياسية دقيقة محددة وذات بنية تمتاز من بنية الفعل المبنى للمعلوم.
الذي نريد أن ننتهي إليه أن التركيب مثل: ذهبت به يدل من حيث التركيب الأساسي على المصاحبة، ولكنه من الناحية الوظيفة المباشرة يدل على ما تدل عليه الصيغة المهموزة.
والذي يظهر لي أنه عند استعمال التركيبين للدلالة على الفعل الحقيقي وهو (الذهاب) أي الحركة الانتقالية المعروفة تمتاز كل واحدة من الأخرىى فقولي: أذهبته أي جعلته يذهب، أي جعلته يقوم بهذه الحركة الانتقالية دون أن أنتقل أنا معه ولكن ذهبت به، فأنا قد قمت بالانتقال وصحبته فاكتسب بهذا المشاركة في الفعل.
أما عند استعمال الذهاب للدلالة على الزوال والفناء وما يتصل بهذا من الأفعال التي يكون الذهاب معها مجازًا وليس حركة انتقالية، فإن الملاحظ أن خصوصية الدلالة التركيبية تتوارى ولذلك يتساويان لأنهما يؤولان إلى محصلة واحدة، وهي الزوال أو الذهاب المجازي.
ويبدو أن حساسية النحويين تجاه النص القرآني قد أربكتهم في بعض الأحيان، نحس ذلك من تأسيسهم لرفض مقولة المبرد على أنه لا يمكن تصور ذهاب الله مع سمعهم وأبصارهم، ثم مرة أخرى في محاولة تخريج الآية عند ابن عصفور حيث سلك بذلك مسلكين أحدهما تحويل طريق الإسناد والثاني الاستعانة بطريقة (أهل السنة والجماعة) الذين يثبتون لله صفاته على نحو يليق به خروجًا من مشابهة الخالق للمخلوق. وإذا كنا قد نجد لهم عذرًا فإنا لا نجد لابن عصفور وغيره من النحويين من عذر حينما يحصرون اللغة في مأزل من التعبير الحقيقي دون أن ينظروا إلى إمكاناتها المتجددة المعتمدة على المجاز، أما بالنسبة للقرآن فمن العجيب أن يكون الاستعمال المجازي فيه مشكلاً عندهم؛ ذلك أن القرآن نَزل باللغة العربية، وهذا يعني أنه يعبر بها بكل ما فيها من إمكانات مجازية وحقيقية وبكل ما فيها من ألفاظ أصلية أو دخيلة، وبكل ما تحتويه من مفاهيم ودلالات. وليس أعجب من هؤلاء إلا الذين يريدون تطويع هذا النص لمفاهيم عصرية لم تكن واردة في ذلك الوقت، فبرغم ما نكتشفه من حقائق علمية سيظلّ التصور الإنساني اليومي هو المنبع الذي تستقي منه اللغة. ولو أن القرآن فجأ القوم بلغة ذات مفاهيم غريبة كل الغرابة عنهم لتعذر عليهم الفهم. والذي نريد الانتهاء إليه أنه في الاستعمال الحقيقي للأفعال، يكون هناك اختلاف واضح بين التعدية بالهمزة والتعدية بالحرف، وفي الاستعمال المجازي يستعملان لأداء معنى واحد وإن يكن كل تركيب يلقى ظلالاً، مستمدًا من أصله، على المعنى. وربما لذلك حصر الرضي هذا اللون من الأداء بالباء وحدهاا مع بعض الأفعال، حيث نجده يقرر أنه لا يفيد شيء من حروف الفعل معنى الفعل إلا الباء وذلك أيضًا في بعض المواضع، نحو ذهبت بزيد بخلاف مررت به( ). وهذا يعني أن مررت به لا يعني أمررته خلافًا لما ورد عند ابن بابشاذ( ).
ونأتي بعد هذا إلى قضية يثيرها تعاقب الهمزة والباء وهي قضية خلافية يذهب فيها الجمهور إلى عدم جواز الجمع بين الهمزة والباء، قال الفراء: "ومن شأن العرب أن تقول: أذْهبْت بصرَه، بالألف إذا أسقطوا الباء. فإذا أظهروا الباء أسقطوا الألف من (أذهبْت)"( )، وقال ابن درستويه في الكلام على باب الفعل اللازم: "وحق هذا الباب أن تتعاقب فيه حروف الجر، وهمزة النقل الداخلتان في أول الفعل وآخره وأن لا يجتمعا فيه، لأن إحداهما تنوب عن الأخرى"( ). ويبدو أن هذا الأمر ليس على إطلاقه فهذا الفراء نفسه يروي بعض القراءات التي تجمع بين الهمزة والباء، قال: "وقد قرأ بعض القراء( ) ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يُذْهَبُ بِالأَبْصَارِ﴾ [43-النور] بضم الياء، والباء في الكلام. وقرأ بعضهم( ): ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَآءَ تَنْبُتُ بِالْدُّهْنِ﴾[20-المؤمنون]( ). وحاول الفراء تفسير هذه القراءات على عدّ الباء زائدة، قال: "فترى-والله أعلم- أن الذين ضموا على معنى الألف شبهوا دخول الباء وخروجها من هذين الحرفين بقولهم خذ الخطام، وتعلقت بزيد، وتعلقت زيدًا. فهو كثير في الكلام والشعر، ولست أستحب ذلك لقلته"( ). وصرح بزيادتها أبوعبيدة قال: "مجازه تنبت الدهن والباء من حروف الزوائد وفي آية أخرى ﴿وَمَن يُّرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾[25-الحجّ] مجازه يريد فيه إلحادًا قال الراجز:
نحن بنو جعدة أصحاب الفَلَجْ
نضرب بالبيض ونرجو بالفرَجْ
أي نرجو الفرج"( ).
تاسعًا:التعدي بحذف حرف الجر
تحدث سيبويه عن هذه القضية في كلامه على الفعل المتعدي إلى مفعولين وأورد على ذلك شواهد، وقال: "وإنما فصل هذا أنها أفعال توصل بحروف الإضافة، فتقول: اخترت فلانًا من الرجال، وسميته بفلان، كما تقول: عرفته بهذه العلامة وأوضحته بها، واستغفرَ الله من ذلك، فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل"( ).
وليس حذف حرف الجر قياسيًّا بل هو سماعي وهذا ما يفهم من قوله: "وليست استغفر الله ذنبًا، وأمرتك الخير، أكثر في كلامهم جميعًا، وإنما يتكلم بها بعضهم"( ). وقال أيضًا: "وليس كل فعل يفعل به هذا"( )، ونص على ذلك ابن السراج، قال: "واعلم أنه ليس كل فعل يتعدى بحرف جر لك أن تحذف حرف الجر منه وتعدي الفعل، وإنما هذا يجوز فيما استعملوه وأخذ سماعًا عنهم"( ). يستثنى من ذلك حذف الجار مع إن وأن إذ يكاد يجمع النحويون على جوازه( ) وكان حذفها حسنًا لطول الصلة( )، "والطول يستدعي التخفيف"، ولكن من النحويين من يذهب إلى قياسيته بشروط، قال ابن عصفور: "وزعم علي بن سليمان الأخفش أنه يجوز حذف حرف الجر إذا تعين موضع الحذف والمحذوف، قياسًا على ما جاء من ذلك نحو: بريت القلمَ السكينَ، يريد بالسكينِ، لأنه قد تعين المحذوف وهو الباء وموضع الحذف وهو السكين"( ).
ويشترط السهيلي بشرطين:
الأول: "اتصال الفعل بالمجرور، فإن تباعد لم يكن بدّ من الباء، نحو قولك: (أمرت الرجل يوم الجمعة بالخير) يقبح حذف الباء، لأن المعنى الذي من أجله حذفت الباء ليس بلفظ، وإنما هو معنى الكلمة وهو ما تضمنه من معنى كلفتك فلم يقو على الحذف إلا مع القرب من الاسم كما كان ذلك في (اخترت)، وقد تقدم، ألا ترى إلى قوله سبحانه وتعالى: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ ﭐسْتَكْبَرُواْ مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِيِنَ ﭐسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ﴾[75-الأعراف] كيف أعاد حرف الجر في البدل لما طال الأول بالصلة. وكذلك قوله: ﴿يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ﭐلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا﴾[61-البقرة]، على أحد القولين فإذا أعيد حرف الجر مع البدل لطول الاسم الأول، فإثبات الحرف من نحو: (أمرتك الخير) إذا طال الاسم أجدر"( ).
الثاني:"أن يكون المأمور به حدثًا، فإذا كان جسمًا أو جوهرًا، لم تحذف (الباء) من نحو: (أمرتك الخير)، ولا تقول: (أمرتك زيدًا) لأن الأمر في الحقيقة ليس به ولا للتكليف به متعلق، وإنما تدخل (الباء) عليه مجازًا كأنك قلت (أمرتك بضرب زيد أو إكرامه) ثم حذفت"( ).
ويشير السهيلي إلى حالة يبدو فيها عدم جواز حذف الحرف رغم توفر الشرطين، يقول: "وأما نهيتك عن الشر، فلا يجوز حذف الحرف الجار فتقول: نهيتك الشر؛ لأن ليس في ضمن الكلام ما يتضمن النصب، والنهي عن الشيء إبعاد عنه وكفّ وزجر وكل هذه المعاني متعدية بعن، فلم يكن بدّ منها، بخلاف الأمر فإنه إغراء بالشيء وإلزامه به، فمن ثمّ تعدى بالباء، وهو أيضًا بمعنى التكليف والإلزام، فمن ثم جاز إسقاط الياء"( ). وأورد السيوطي شرط الأخفش الصغير، ثم أورد شرطي السهيلي بعد صيغة تمريض (قيل)( )وبناء على شرطي الأخفش الصغير يمتنع "نحو: رغبت الأمر لا يجوز لأنه لا يعلم هل أردت رغبت في الأمر أو عن الأمر، وكذلك لا يجوز اخترت أخوتك الزيدين، لأنه لا يعلم هل أردت اخترت أخوتك من الزيدين أو الزيدين من أخوتك، فلم يتعين موضع الحذف"( ).
أما ابن عصفور فإنه لم يجوّز الحذف وإن بشروط قال: "والصحيح أنه لا يجوز شيء من ذلك، وإن وجد الشرطان فيه لقلة ما جاء من ذلك إذ لا يحفظ منه إلا الأفعال التي ذكرناها"( ).
والأفعال التي يقصدها ابن عصفور هي التي وردت في قوله: "أو في أفعال مسموعة تحفظ ولا يقاس عليها، وهي: اختار، واستغفر، وسمّى، وكنّى: بمعنى سمّى، وأمر"( ) وزاد السيوطي أفعالاً أخرى( ).
ولكن لماذا الحذف؟ يقول السهيلي في الكلام على تعدية الفعل (اختار) بحذف الحرف في مثل: اخترت الرجال زيدًا "والأصل في هذا التعدي بحرف الجر وهو (من) لأن المعنى إخراج شيء من شيء، وإنما حذف لتضمن الفعل معنى فعل آخر متعد، كأنك حين قلت: اخترت الرجال أردت نخلت الرجالل ونقدتهم فأخذت منهم زيدًا، فمن ههنا أسقط حرف الجر كما أسقط حرف الجر في (أمرتك الخير) إذا كان تكليفًا كأنك قلت كلفتك هذا الأمر"( ).
وقبل أن نغادر هذه القضية يجب أن نسجل بعض الملاحظات التي نراها مهمة:
1-إن الشروط التي ذكرها النحويون تمثل نوعًا من التحكم في ظاهرة متصلة بالجانب الإبداعي والخَلْقيّ من اللغة، وحيلولة دون تغير اللغة حسب احتياجها.
2-القول بحذف حرف الجر ليس إلا تفسيرًا لورود بعض الأفعال متعدية بدون حرف الجر، فهو تفسير للظاهرة ولكنه ليس قانونًا لغويًّا.
3-هناك فرق بين الضمائم من الأفعال وحروف الجر، فالضميمة (رغب في) هي في ظني أساسية أما (رغب عن) فهي فرعية تكونت من الفعل (رغب) و(عن) التي تتضام مع أفعال أخرى مثل انصرف، وصدّ، وابتعد، وانحرف، وكل ما فيه دلالة على الترك والمجاوزة، ولكنها تضامت مع الفعل (رغب) لتضاد المعنى الأول (رغب في)، فإذا ورد الفعل بدون الحرف أحسب أنه ينصرف إلى الدلالة الأساسية القوية، فحين أقول: رغبت الشيء، فإن المعاني التي ترد إلى الذهن هي أردت الشيء وطلبت الشيء. ومما يستأنس به أن الاستعمال اللهجي قد أبقى على (رغب في) مستمرة وأهمل (رغب عن) ثم استعمل (رغب) بدون حرف.
ومثل هذا يقال عن المثال الذي منع السهيلي الحذف فيه وهو (نهيتك عن الشر) فلو أن المثال استعمل على: نهيتك الشر، لم نستغرب هذا؛ لأن هناك تضامًا قويًّا بين (نهى) و(عن) وبسبب هذا تكون الدلالة مع الحرف متضمنة حتى بعد حذفه، لأن النهي لا يكون إلا عن شيء.
4-ماذا نقبل من الحذف، وماذا نرد؟ والإجابة عن ذلك صعبة، ولكن يمكن القول إن ما يحدث من ذلك في الأعمال الفنية يقبل في إطارها على أنه استعمال خاص، وأما ما يرد في لغة التواصل واللغة الإشارية فهو يخضع للذوق العام وللشيوع في الاستعمال.
عاشرًا: التعدي بتضعيف اللام
جاء في الهمع: "قيل وبتضعيف اللام نحو: صعّر خدَّه وصعررته. قال أبوحيان: وهو غريب"( ).
حادي عشر:التعدي بشبه المتعدي
جاء في الهمع: "وفي (نصبه) –أي الفعل اللازم – اسمًا (تشبيهًا بالمتعدي خلف) فأجازه بعض المتأخرين قياسًا على تشبيه الصفة بالمشبه باسم الفاعل المتعدي، نحو: زيد تفقأ الشحم، وأصله: تفقأ شحمه، فأضمرت في تفقأ ونصبت (الشحم) تشبيهًا بالمفعول به واستدل بما روي في الحديث: (كانت امرأة تهراق الدماء) ومنعه الشلوبين، وقال: لا يكون ذلك إلا في الصفات. وقد تأولوا الأثر على أنه [هكذا] إسقاط حرف الجر، أو على إضمار فعل، أي: بالدماء، أو يهريق الله الدماء منها. قال أبوحيان: وهذا هو الصحيح إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب"( ).
ويجدر بنا بعد هذا التفصيل في وسائل التعدي القول إنه يجب التمييز بين هذه الوسائل إذ لا يمكن عدّها في مقام واحد، فالتعدي بالهمزة والتضعيف للعين أو اللام أو مجيء الفعل على صيغة فاعل، أو استفعل كل ذلك لا يعدى الفعل اللازم في نظرنا، وإنما يصاغ عليها أفعال متعدية تمتاز من اللازمة، أما ما يتعدى به اللازم إلى المفعول فهو حرف الجر، فمع حرف الجر يمكن القول إن هذا فعل لازم قد تعدى إلى المفعول بحرف الجر، ويتفرع من هذا أيضًا التعدي على نزع الخافض، وإن لم يكن هذا في الحقيقة وسيلة للتعدي وإنما هو تفسير لبعض الاستعمالات والتراكيب المسموعة فهو ليس قياسيًّا، ويغلب اتصاله بلغة الخلق الأدبي التي توظف مثل هذه الاستعمالات، ومنها أيضًا التضمين الذي يتعدى به الفعل اللازم أيضًا، ويلاحظ أن كل هذه الوسائل التي ذكرناها وهي التعدي بالحرف وبنْزعه وبالتضمين كلها مرهونة بالسياق ولا يتغير معها تركيب الفعل الصرفي وإنما يظل على حاله السابقة، أما الوسائل التي أشرنا إلى أنها ليست في الحقيقة من معديات اللازم فهي تغير شكل الفعل وتدخل في بنائه الصرفي، والفعل يعد متعديًا في السياق وخارجه أيضًا بل لعل هذه الوسائل لا تحمي الفعل أن يرتد إلى اللزوم بالتضمين وهو أيضًا موقف سياقي.
وقد ميز ابن بابشاذ بين التعدي بحرف الجر والتعدي بالهمزة، فسمى الأول تعدي إضافة، وسمى الثاني تعدي بنية( ).
2-أنماط الفعل المتعدي
(أ)المتعدي إلى مفعول
ذكر الجرجاني "أن الفعل المتعدي يكون على ضربين أن يكون مصوغًا عليه وذلك نحو: ضربت وقتلت وعلمت وظننت. والثاني أن لا يكون كذلك، ويكون منقولاً إلى التعدي بزيادة وذلك ما تقدم من نحو أذهبته وفرحته"( ). والجرجاني هنا أشار إلى بعض وسائل النقل عند حديثه عما يتعدى بالنقل، وهي الأفعال المتحولة من اللزوم بطرق النقل والتعدية التي اهتم النحويون بذكرها. وسوف نأتي إلى ذكرها في موضعه.
وقد مثّل سيبويه في باب الفعل المتعدي إلى واحد للنوع الأول فقط.
ويختلف النحويون في تحديد ما يدخل تحت هذا الباب وما يخرج فقد يتسع حتى يدخل تحته المتعدي بحرف جر وإن يكن في الأصل لازمًا وقد يلحق به ما وصف عندهم بأنه يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف جر( ). وقد يضيق حتى لا يضم سوى المتعدي إلى مفعول واحد بنفسه، على نحو ما رأينا عند ابن هشام.
وقد لاحظ اللغويون والنحويون أن الفعل قد تتعدد استعمالاته، فتجد من الأفعال ما يستعمل تارة لازمًا وتارة متعديًا. والفعل المتعدي قد يستعمل تارة متعديًا إلى مفعول وتارة إلى مفعولين، وبيّن النحويون أن للدلالة أثرًا في ذلك حيث أن كل استعمال يوازي دلالة محددة. من ذلك الفعلان (رأى، ووجد) فإذا قصد رؤية العين ووجدان الضالة فالفعل متعد إلى واحد على نحو ما يتعدى فعل مثل (ضرب) أما إذا أردتهما قلبيين أي بمعنى (علم) فإنهما يتعديان إلى مفعولين ومن أجل ذلك ساغ للأعمى أن يقول: رأيت زيدًا الصالح، والفعل (علم) أيضًا قد يعني المعرفة فقط مثل الفعل (عرف) ولذا يتعدى إلى واحد ومن ذلك قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ﭐلَّذِينَ ﭐعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾[65-البقرة]. وقال سبحانه ﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ﭐلله يَعْلَمُهُمْ﴾[60-الأنفال]، فهي ههنا بمنْزلة عرفت( ). من ذلك الفعل (دعا) فهو يستعمل متعديًا إلى واحد إذا أريد الدلالة على الدعوة إلى أمر ولكنه يتعدى إلى اثنين إذا استعملته استعمال الفعل (سمّى) فتقول: دعوته عبدالله، والأصل في هذا الفعل تعديه إلى المفعول الأول بنفسه تعديًا مباشرًا، وإلى الثاني بوساطة من حرف الجر وهو الباء (دعوته بعبد الله) ثم حذف الحرف ونصب الاسم( ).
يفهم إذن أن عدد المفعولات مرهون بما يقتضيه الفعل من ذلك، فالمتعدي إلى واحد إنما تعدى إلى واحد "لأن معناه لا يقتضي إلا واحدًا، ألا ترى أن الإبصار يقتضي مبصرًا، والشم يقتضي مشمومًا والذوق يقتضي مذوقًا..."( ).
ولا تنتهي العلاقة بين الفعل والمفعول عند عدد المفعول بل تمتد إلى نوع المفعول، فما يتعدى إلى مفعول قد لا يتعدى إلى آخر، فالفعل (سمع) إنما يتعدى إلى مسموع، "ولما اقتضى مسموعًا لم يجز أن يقال سمعت زيدًا؛ لأن زيدًا ليس مما يسمع، فتحتاج أن تقول سمعت قراءة زيد لأن القراءة مسموعة"( ).
أما قوله تعالى ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ﴾[72-الشعراء] فقد عدّاه إلى الكاف والميم التي هي للمخاطبين وليسوا بمسموعين ففيه وجهان:
الأول: حذف مضاف هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون.
والثاني: أن الظرف من (إذ تدعون) لما كان مضافًا إلى تدعون كان فيه ما يسد ذلك المسد من المفعول المسموع. أما قوله تعالى ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ﭐسْتَجَابُواْ لَكُمْ﴾[14-فاطر] فلا إشكال فيه لأن مفعول (لا يسمعوا) هو دعاءكم ومفعول (لو سمعوا) محذوف: لو سمعوا دعاءكم( ).
ولعل ملاحظة التلازم بين الفعل ومفعوله هي التي دفعت المبرد إلى تقسيم الفعل تقسيمًا يعتمد على درجة تأثير الفعل في المفعول في الحقيقة، قسم المبرد الأفعال فذكر أن "من الأفعال ما يتعدى الفاعل إلى مفعول واحد وفعله واصل مؤثر كقولك: ضربت زيدًا وكسرت الشيء يا فتى ... ومن هذه المتعدية إلى مفعول ما يكون غير واصل نحو ذكرت زيدًا وشتمت عمرًا وأضحكت خالدًا. فهذا نوع آخر"( ).
ولم يقف هذا التقسيم عند حدود الدلالة على نحو ما رأينا عند المبرد، ولكنه انتقل إلى مستوى اللفظ، فنجد ابن عصفور يفرق بين هذين النوعين ليس على مستوى الدلالة فقط، وإنما على مستوى التركيب فهو في معرض تعريفه للفعل المتعدي إلى واحد، يقول: "فالذي يتعدى إلى واحد بنفسه هو الذي يطلب مفعولاً به واحدًا ويكون ذلك المفعول يحل به الفعل نحو: ضربت زيدًا، ألا ترى أن ضربت تطلب مضروبًا؛ زيدًا أو غيره، ويكون ذلك المضروب قد حلّ به الضرب، فإن قيل: فإنك تقول: ذكرت زيدًا وتوصل ذكرت إلى زيد بنفسه والذكر لا يحلّ بزيد، فالجواب: أن الأشخاص لا تذكر فإذا قلت: ذكرت زيدًا فإنما هو على حذف مضاف، تقديره: ذكرت أمر زيد أو شأنه أو قصته، والذكر يحلّ بشأن زيد وقصته أي يتسلط عليهما"( ).
ويسهل حشد طائفة من الأفعال المتعدية لا أظن من السهل تخريجها على نحو ما خرج ابن عصفور استعمال الفعل (ذكر) ومثل هذه الأفعال: أحب وأبغض وأنكر وحسد، وكره. أما الفعل المنقول فهو يثير عندهم خلافًا، أما سيبويه فهو لا يقول باطراده فهو يقول "ليس كل فعل يتعدى الفاعل، ولا يتعدى إلى مفعولين"( ). ويشرح السيرافي هذا النص بقوله: "الفعل في الأصل على ضربين: منه ما يتعدى نحو ضرب زيد عمرًا، ومنه: لا يتعدى نحو جلس وقام، وهذا معنى قوله كما أنه ليس كل فعل يتعدى الفاعل، وقوله ولا يتعدى إلى مفعولين كأنه قال: ولا كل فعل يتعدى إلى مفعولين، بل منه ما يتعدى إلى مفعول ومنه ما يتعدى إلى مفعولين"( ).
وحاول السهيلي أن يضع ضابطًا لتحديد ما ينقل من الأفعال سواء من اللازم إلى المتعدي أم من المتعدي لواحد إلى المتعدي إلى اثنين، قال: "ولكني أشير لك إلى أصل ينبني عليه هذا الباب، وهو أن تنظر إلى كل فعل حصل منه في الفاعل صفة ما فهو الذي يجوز فيه النقل، لأنك إذا قلت: أفعلته، فإنما معناه: جعلته على هذه الصفة. وقلما ينكر هذا الأصل في غير المتعدي إذا كان ثلاثيًّا، نحو: قعد وأقعدته، وطال وأطلته"( ).
(ب)المتعدي إلى مفعولين
رأينا أن النحويين قسموا الفعل المتعدي إلى مفعولين قسمين رئيسيين أحدهما: الأفعال التي يجوز الاقتصار منها على مفعول واحد. والآخر: الأفعال التي لا يجوز الاقتصار معها على مفعول. وربما قسمت على أساس آخر وهو أفعال تنصب مفعولين ليسا في الأصل (مبتدأً وخبرًا)، وأفعال تنصب مفعولين أصلهما (مبتدأ وخبر). وسوف نبدأ بالكلام على النوع الأول ثم الثاني.
لم يشر سيبويه في كلامه على ما يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما مبتدأً وخبرًا؛ إلى أن هذه الأفعال يختلف بعضها عن بعض، ولكنا ندرك ذلك من ضربه للأمثلة، حيث مثل بالفعلين أعطى وكسا، ثم فرع على ذلك بقوله "ومن ذلك" وذكر أفعالاً مثل (اختار) و(استغفر) وذكر أن مثل هذه الأفعال تتعدى إلى المفعول الثاني بحذف حرف الجر( ).
ولكنا نجد في فترة لاحقة من عمر النحو العربي محاولة لتقسيم أفعال هذا النوع، نجد ذلك عند ابن بابشاذ حيث يقسمها إلى ما يأتي:
1-أصله التعدي إلى اثنين: كسوت زيدًا جبة.
2-أصله التعدي إلى واحد ثم دخلت الهمزة فعدته إلى آخر، مثل: أعطيت زيدًا درهمًا. أصله من عطوت زيدًا. يقال: عطوت إذا تناولت. وعطوته: إذا ناولته. ثم أدخلت الهمزة فعديته إلى مفعول آخر على حدّ: ضربت زيدًا وأضربت زيدًا عمرًا.
3-ومنها ما يتعدى إلى واحد وإلى آخر بحرف جر، ثم اتسع في حرف الجر بالحذف فتسلط الفعل على ذلك المفعول فنصبه( ).
وإذا علمنا أن الفعل يتعدى إلى اثنين بالتضعيف فإنه يكون لنا بذلك قسم رابع، هو ما أصله التعدي إلى واحد ثم عدي بتضعيف العين( ).
والفرق بين الأفعال المنقولة والمعداة بإسقاط حرف الجر، أن المفعول الأول في المنقولة فاعل في الثاني، فالمتعدي إلى مفعولين عند السيرافي يشتمل على وجهين من التعدي: الأول "أن يتعدى الفعل إلى مفعولين وأحد المفعولين فاعل، والآخر يكون مفعولاً يصل إليه من غير توسط حرف جر وذلك قولك: أعطى عبدالله زيدًا درهمًا. وذلك أن زيدًا قد أخذ الدرهم وهو فاعل به الأخذ"( ).
والثاني "أن يتعدى الفعل إلى مفعول بغير حرف جر ويتصل بآخر، ولم يكن المفعول في الأصل فاعلاً بالذي فيه حرف الجر، فنُزع حرف الجر من الثاني فيصل الفعل إليه. وذلك قولك: اخترت الرجال عبدالله"( ).
والنحويون يختلفون في موقفهم التصنيفي من هذه الأفعال فنجد أن الفعل (كسا) منقول عند ابن جني بالمثال( ) ولكنه عند ابن بابشاذ مما وضع أصلاً على التعدي إلى اثنين( ) والفعلان (أعطى) و(كسا) جعلا عند سيبويه في حيز واحد على ما يظهر، ولذا عالجهما السيرافي من بعده معالجة واحدة( ). وعد السهيلي الفعل (أعطى) منقولاً من الفعل (عطا) ويرى أن معنى الفعل (عطا) "أشار للتناول وليس معناه الأخذ"( ) وهذا بخلاف ما ذهب إليه السيرافي من قبل إلى معنى الفعل (عطا) أخذ( ) فمعنى التركيب: أعطيت زيدًا درهمًا، عند السيرافي: جعلت زيدًا يأخذ درهمًا، أما عند السهيلي "فقالوا: أعطيت زيدًا درهمًا، أي جعلته عاطيًا له"( )والذي جعل السهيلي يقول ذلك هو نظريته في المنقول وهي أنه لا ينقل إلا ما كان في الفاعل منه صفة.
وعدّ سيبويه الفعل (استغفر) مما يتعدى إلى المفعول الثاني بنَزع الخافض( )واستشهد بقول الشاعر:
اسْتَغْفِرُ الله ذنبًا لستُ محصيَه ربَّ العبادِ إليهِ الوجهُ والعملُ
أي "استغفر الله من ذلك، فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل"( ) وتابع سيبويه في ذلك جمهرة من النحويين، ولكن الجرجاني خالفهم ونبه إلى وهمهم في ذلك، قال بعد إيراد شاهد سيبويه: "وهذا قول صاحب الكتاب وجميع العلماء بعده في استغفرت والأمر فيه لعمري عجيب، فإنا إذا تأملنا ما عليه الكلام وجدنا استغفرت على غير ما أصلوه، وذاك أن استغفرت بمعنى سألت الله أن يغفر والسين والتاء إذا كانا بمعنى الطلب والسؤال كان مجراهما مجرى همزة النقل في إفادة الفعل مفعولاً، تقول: (نطق زيد) فتراه غير متعد، فإذا قلت: استنطقت زيدًا، حصل مفعول كما يحصل إذا قلت: أنطقت زيدًا، وكذا تقول: كتب ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جلال فتحى سيد
عضو شرف
عضو شرف
جلال فتحى سيد

القيمة الأصلية

البلد :
مصر

عدد المساهمات :
465

نقاط :
649

تاريخ التسجيل :
24/01/2011


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي Empty
مُساهمةموضوع: رد   قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2011-03-27, 23:02

استنطقت زيدًا، حصل مفعول كما يحصل إذا قلت: أنطقت زيدًا، وكذا تقول: كتب الكتابَ، واستكتب زيدًا الكتابَ، فيتعدى إلى مفعولين، بعد أن كان متعديًا إلى واحد، وغفر فعل يتعدى إلى مفعول واحد كالذنب بغير حرف تقول: غفر الله ذنبه، واللهم اغفر ذنبي. فلو كان استغفرت الله ذنبًا، مثل اخترت الرجال زيدًا في كونه موضوعًا على التعدي بحرف الجر في الأصل، لوجب أن يكون ذلك مستعملاً في غفرت أيضًا على حال، فيقال غفر الله من ذنبه، واللهم اغفر من ذنبٍ، وذلك ما لا خلاف في امتناعه، كيف وقد اختلفا في قوله تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُم مِّنْ ذُنُبِكُمْ﴾[4-نوح] فقال صاحب الكتاب إن المفعول محذوف نحو يغفر بعضًا من ذنوبكم وجعل أبو الحسن (من) مزيدة ولم يحمله أحد منهما على أن يكون متعديًا بمن إذ كان بمنْزلة ستر في التعدي، وإذا كان الأمر على هذه الجملة كان تعدية استغفرت بمن فرعًا وكائنًا من باب الحمل على المعنى والنظير، كقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ ﭐلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾[63-النور] الأصل يخالفون أمره، لكن لما كان فيه معنى يعدلون وينحرفون عدي بعن، فكذلك استغفرت لما كان فيه معنى تبت وأنبت عدي بمن. "فإذا قيل استغفرت الله ذنبًا كان بمنْزلة أن يقال: خالفت أمر زيد، في جريه على أصله وموضوعه. فكيف يجوز أن يجري مجرى أخذت الذي لا يصح له معنى حتى تقدر تعديه بمن؟ هذا كما تراه في غاية الوضوح فلا أدري كيف استمروا على عدّه في هذا الباب، وما عذرهم فيه؟ اللهم إلا أن يقال: إنه وإن كان مستحقًّا في أصله أن يتعدى بغير من، فإنهم لمّا تأولوا فيه معنى وأجروه مجراه صار التعدي بمن أصلاً فيه، فلمّا حذف في بعض المواضع، كان حكمه حكم اخترت في كونه معدولاً به عن التعدي بمن إلى تناول الاسم بنفسه، هذا ما يمكن أن يقال فيه والله أعلم بالصواب"( ).
وتابع ابن الطراوة الجرجاني في ذلك( ). وممن أخذ بهذا القول السهيلي وأبوحيان وابن هشام( ).
وقد تساءل السهيلي في مطلع كلامه على المتعدي المنقول نحو: أعطي زيد عمرًا درهمًا، فقال: "وهذا وأشباه المنقول الذي صيّر فاعله مفعولاً. وقد اختلفوا أهو قياس مستتب في جميع الأفعال أم لا؟ وليس مذهب سيبويه فيه طرد القياس في جميع الأفعال، وهو الصحيح"( ). وقد سبق أن سقنا قول سيبويه الذي يذهب فيه إلى أنه ليس كل فعل لازم يتعدى تعديًا مباشرًا إلى مفعول، وليس كل فعل متعد يتعدى إلى مفعولين( ). وقد سقنا اختلاف موقف النحويين في ذلك في موضع سابق.
وعلى نحو اختلافهم في قياسية تعدي الفعل بالهمزة إلى مفعولين، اختلفوا في قضية حذف الجار وتعدي الفعل إلى المفعول الثاني. وقد سقنا تفصيل هذا الخلاف بما يغني عن الإعادة.
ومما يتصل بهذا قضيةُ ترتيب المفعولات.
هناك خلاف في ترتيب المفعولات المباشرة وغير المباشرة، حيث يذهب السيرافي والفارسي إلى تقديم المفعول المباشر فالمفعول غير المباشر، قال السيرافي: "وذلك قولك: اخترت الرجال عبدالله، والأصل اخترت عبدالله من الرجال"( ). وسمى الفارسي المفعول الذي يتعدى إليه الفعل بحرف الجر المفعول الثاني( )، ونجد الكلام صريحًا على رتبة المفعولات عند الجرجاني قال: "فالمتقدم في الرتبة هو المنصوب كقولك أخرجت زيدًا من الرجال وميزت زيدًا من الرجال"( )، ولكن المفعول غير المباشر أي المجرور قد يتقدم لفظًا، وقد تنبه الجرجاني إلى ذلك وأشار إليه بقوله: "فإن قدمت من الرجال، كان النية التأخير، كما أنك إذ قلت: أخذت منك درهمًا، كان مرتبة الدرهم قبل مرتبة منك، وإنما يقدم من في نحو هذا لأن البيان فيه فيعنى به"( ).
وإذا حذف حرف الجرّ فإن ذلك لا يغير في الرتبة شيئًا فما كان في الأصل مجرورًا رتبته متأخرة، قال الجرجاني: "وإذا حذف من فقيل: اخترت الرجال زيدًا، جرى مجرى أعطيت زيدًا درهمًا، في الظاهر. وعلى ذلك قوله تعالى ﴿وَﭐخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً﴾[155-الأعراف] الأصل من قومه. فالمفعول الصحيح هو زيد في المسألة وفي الآية سبعين رجلاً، ألا ترى أن الاختيار وقع عليه ولم يقع على القوم والرجال،وإنما التبس بهم من حيث كان الاختيار منهم فقط"( ) وصرح ابن السيد البطليوسي أيضًا بتقديم المفعول المباشر، قال: "ومرتبة المفعول الذي يتعدى إليه الفعل بغير واسطة قبل المفعول الذي يتعدى إليه بواسطة"( )، أما في حالة المفعولين المنصوبين فالمتقدم هو الفاعل في المعنى، قال:"وإذا تعدى الفعل إلى مفعولين، والأول منهما فاعل في الثاني في المعنى، كقولك (كسوت زيدًا ثوبًا) فمرتبة الذي هو فاعل في المعنى مقدمة على مرتبة الذي هو مفعول به"( ).
أما السهيلي فيذهب مذهبًا آخر، حيث يقول: "الاختيار تقديم الاسم المجرور إذا لم يسقط حرف الجر. ويجوز فيه التأخير، تقول: (اخترت من الرجال عشرة)، ولو قدمت العشرة لم يحسن؛ لأن المخاطب يتوهم أن المجرور في موضع النعت للعشرة وليس في موضع المفعول الثاني، وأيضًا فإن الرجال معرفة فتقديمه أحق بالاهتمام، كما لزم تقديم المجرور الذي هو خبر عن النكرة من قولك (في الدار رجل) يكون المجرور معرفة فكأنه المخبر عنه"( ).
والحالة التي يشير إليها السهيلي فرعية، فالقول إذن بتأخير المفعول غير المباشر ما لم يكن تأخيره ملبسًا فإذا خيف اللبس وجب التقديم.
ثمّ ذكر السهيلي أنه إذا حذف الحرف من مثل (اخترت من الرجال عشرة) فإنه يتعين تقديم الاسم المنصوب على نزع الخافض فلا تقول: اخترت عشرة الرجال( ). وقد لاحظنا أن المثال الذي طرح عند السيرافي على هذا، ويعلل السهيلي لهذا بقوله: "والحكمة في ذلك أن المعنى الذي من أجله حذف حرف الجر هو معنى غير لفظ، فلم يقو على حذف الجر إلا بعد اتصاله به وقربه منه. ولوجه آخر أيضًا وهو أن القليل الذي اختير من الكثير إذا كان مما يتبعض ثم ولي الفعل الذي هو (اخترت) يوهم أنه مختار منه أيضًا؛ لأن كل ما يتبعض يجوز أن يختار منه وأن يختار، فألزموه التأخير وقدموا الاسم المختار منه"( ).
وجوّز السهيلي على قلة ما لا يتبعض نحو: زيد وعمرو، واستشهد بقول الفرزدق:
وَمِنّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجَالَ سَماحَةً وَخَيْرًا إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ
ودعوى حذف حرف الجر للاتصال بالفعل والقرب منه منقوضة بقوله: (أمرتك الخيرَ).
واضطر السهيلي إلى تعليل تأخير المفعول غير المباشر مع فعل آخر هو (استغفر) فقرر أن هذا الفعل يخالف الفعل (اختار) في أن الاسم المنصوب على نزع الخافض يتأخر معه فيقال: استغفر زيد ربه ذنبه. والسبب في ذلك أن هذا الفعل في الأصل يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وليس بحرف الجر، يقول: "وأما هذه فالأصل فيها سقوط حرف الجر، وأن يكون (الذنب) مفعولاً بالغفران الذي لا يتعدى بحرف؛ لأنه من (غفرت الشيءَ) إذا غطيته وسترته، مع أن الاسم الأول هو فاعل في الحقيقة، وليس كذلك (زيدًا) و(سبعين رجلاً) في باب (اختار) فلذلك لا تقول( ) استغفر زيد ذنبه ربَّه، في جيد الكلام"( ).
ولذا فعلى الرغم من أنه حذف منه الخافض تأخر عن المفعول المباشر بخلاف اختار، وشرح السهيلي العلة في تعدية الفعل بالحرف وهو في الأصل يتعدى بنفسه، وردّ ذلك إلى المعنى الذي تطلب وجود الحرف، وكنا قد نقلنا قوله في موضع سابق.
وتجد قضية رتبة المفعولين المنصوبين تعميقًا أكثر عند ابن مالك ومن بعده شراح ألفيته، فالترتيب يقضي بكون الأصل في التقديم للفاعل في المعنى، ولكن هذا الأصل يجوز العدول عنه( ). ويتعين التزام الأصل إذا خيف اللبس، نحو (أعطيت زيدًا عمرًا) وكون الثاني محصورًا نحو: ما أعطيت زيدًا إلا درهمًا، وكون الأول ضميرًا متصلاً والثاني ظاهرًا، نحو قوله تعالى ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾[1-الكوثر] ويتعين ترك الأصل إذا كان الفاعل في المعنى محصورًا نحو: ما أعطيت الدرهم إلا زيدًا، أو ظاهرًا، والثاني ضميرًا متصلاً، نحو: الدرهم أعطيته زيدًا، أو ملتبسًا بضمير الثاني، نحو: أسكنت الدار بانيها( ).
ومما تطرق إليه النحويون في تعدي الفعل إلى مفعولين قضية حذف أحد المفعولين أو كليهما، ولأن الحديث يشمل النوع الآخر من الفعل المتعدي إلى اثنين فسوف نرجئ هذا الحديث إلى ما بعد الكلام على هذا النوع.
سمى السيرافي هذه الأفعال بأفعال القلوب وعددها عنده سبعه: ظن، حسب، خال، رأى، (إذا أردت به وجود القلب)، زعم، علم( ). ولكنها تتضاعف عند ابن بابشاذ حيث يضيف: "نُبّئت، أُنْبئت، أُريت، أُعلمت، حُدّثت، أُخبرت، خُبّرت"( )، وواضح أنه أدخل ما حول على طريقة البناء للمجهول.
وتمتاز هذه الأفعال من مجموعة النوع الأول بأمرين:
الأول: أن هذين المفعولين إنما هما مبتدأ وخبر.
والثاني: أنه لا يجوز الاقتصار على أحد مفعوليها؛ ولذلك ذكرهاا سيبويه في باب ترجمته "هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين، وليس لك أن تقتصر على أحد المفعولين دون الآخر"( ). ووصفها ابن السراج بأنها أفعال غير مؤثرة( ). وقد أدرك النحويون أن هذه الأفعال إنما تتجه بعملها إلى المفعول الثاني؛ لأن "المخاطب والمخاطب في المفعول الأول سواء وإنما الفائدة في المفعول الثاني"( )، ولذا كان "الاعتماد بهذه الأفعال على المفعول الثاني الذي كان خبرًا للمفعول الأول، وذلك أنك إذا قلت: حسبت زيدًا منطلقًا. فأنت لم تشك في زيد، وإنما شككت في انطلاقه هل وقع أم لا"( ).
أساس كلام ابن السراج والسيرافي من بعده إنما كان على كلام سيبويه الذي يعلل فيه السبب في عدم جواز الاقتصار على أحد مفعولي هذه الأفعال، قال سيبويه: "وإنما منعك أن تقتصر على أحد المفعولين ههنا أنك إنما أردت أن تبين ما استقر عندك من حال المفعول الأول، يقينًا كان أو شكًّا، وذكرت الأول لتعلم الذي تضيف إليه ما استقر له عندك من هو: فإنما ذكرت ظننت ونحوه لتجعل خبر المفعول الأول يقينًا أو شكًّا، ولم ترد أن تجعل الأول فيه الشك أو تقيم عليه في اليقين"( ).
ويزيد هذا وضوحًا قول ابن الحاجب "هذه الأفعال التي تسمى أفعال القلوب تدخل على الجملة الاسمية فتنصب الجزئين على المفعولية، لأنهما متعلقاها على الحقيقة؛ لأنها متعلق بالنسب، ولا تكون نسبة إلا من جزءين، فلذلك افتقرت إلى جزءين، وفائدتها الإعلام بما يخبر عنه أعلم هو أم ظن( )؟".
ولعل هذا النسب والتلازم بين الجزئين هو الذي دعا الرضي إلى عدّ هذه الأفعال متعدية إلى مفعول واحد، قال: "أفعال القلوب في الحقيقة لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد وهو مضمون الجزء الثاني مضافًا إلى الأول، فالمعلوم في (علمت زيدًا قائمًا) قيام زيد- نصبهما لتعلقه بمضمونهما معًا، ولذا قل حذف أحدهما من دون الآخر"( )، وقال في موضع آخر يتحدث فيه عن الأفعال الداخلة مع الجملة الاسمية: "فإن اقتضى مفعولاً نصب جزئي الجملة لأن ثانيهما متضمن المفعول الحقيقي وأولهما ما يضاف إليه ذلك المفعول الحقيقي، إذ معنى (علمت زيدًا قائمًا) علمت قيام زيد، فأعرب الجزئين إعراب الاسم الواحد أي ذلك المفعول الحقيقي، فلذا يدخل على هذين الجزئين (إنّ)"( ).
وعلى هذا أسس دفاعه عن الفراء الذي يذهب إلى أنه قد يقوم الضمير واسم الإشارة مقام مفعولي ظنّ، تقول لمن قال: أظن زيدًا قائمًا، أنا أيضًا أظنه أو أظن هذا، ورد ذلك بأن الضمير واسم الإشارة بمعنى المصدر، أي ظننت الظن وهو مذهب سيبويه( ). ولكن الرضي لا يرى مانعًا من قول الفراء( ). وذهب السهيلي إلى أبعد من مذهب الرضي حيث رأى أن حقّ هذا الفعل أن يلغى، قال السهيلي: "وأما نصب (علمت) و(ظننت)، فليس هنا مفعولان في الحقيقة، إنما هو المبتدأ والخبر، وهو حديث إما معلوم وإما مظنون، فكان حقّ الاسم الأول أن يرتفع بالابتداء والثاني بالخبر، ويلغي الفعل؛ لأنه لا تأثير له في الاسم، وإنما التأثير لعرفت المتعلقة بالاسم المفرد تعيينًا وتمييزًا، ولكنهم أرادوا تشبث (علمت) بالجملة التي هي الحديث، كيلا يتوهم الانقطاع بين المبتدأ وما قبله؛ لأن الابتداء عامل في الاسم وقاطع له مما قبله، وهم يريدون إعلام المخاطب بأن هذا الحديث معلوم، فكان إعمال (علمت) فيه ونصبه له إظهارًا لتشبثها، ولم يكن عملها في أحد الاسمين أولى من الآخر، فعملت فيهما معًا"( ).
يكون حذف المفعول على نحوين:
1-أن يحذف وهو مراد ملحوظ، فيكون سقوطه لضرب من التخفيف وهو في حكم المنطوق به( ).
2-أن تحذفه معرضًا عنه البتة، وذلك أن يكون الغرض الإخبار بوقوع الفعل من الفاعل من غير تعرض لمن وقع به الفعل، فيصير من قبيل الأفعال اللازمة نحو: ظرف وشرق وقام وقعد( ).
وابن عصفور يسمى النوع الأول: حذف اختصار، ويسمى النوع الثاني:حذف اقتصار.
ويتفق النحويون على أن الأفعال غير الناصبة لما أصله مبتدأ وخبر يجوز حذف مفعوليها وحذف إحداهما وإبقاء الآخر حذف اختصار وحذف اقتصار( ).
أما الأفعال الناصبة لما أصله مبتدأ وخبر، فإنه يجوز حذف مفعوليها اختصارًا ومنه قول الكميت:
بِأيِّ كِتَابٍ أَم بِأيَّةِ سُنَّةٍ تَرَى حُبَّهُم عَارًا عَلَيَّ وتَحسَبُ
يريد وتحسب حبهم عارًا فحذف لدلالة ما تقدم( ).
أما حذفهما اقتصارًا فذكر ابن عصفور أن فيه ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب سيبويه، قال "وأما ظننت ذاك فإنما جاز السكوت عليه لأنك قد تقول: ظننت، فتقتصر كما تقول: ذهبت، ثم تعمله في الظن كما تعمل ذهبت في الذهاب فذاك ههنا هو الظن، كأنك قلت: ظننت ذاك الظن، وكذلك خلت وحسبت"( )، وعلى هذا جمهور النحويين. وقد رجحه ابن عصفور( ).
الثاني: مذهب الأخفش، ومن أخذ بمذهبه، جاء في المقتصد: "وذهب أبو الحسن إلى امتناع جواز السكوت على الفاعل في باب ظننت وعلمت. وحكى الشيخ (أبوالحسين) أن الشيخ أبا علي كان يحتج له بأنهم قد أجروا هذه الأفعال مجرى القسم، فأجابوها بما يجاب به القسم في نحو قوله تعالى ﴿وَظَنُّواْ مَالَهُم مِّن مَّحِيصٍ﴾[48-فصلت]. وقول الشاعر:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتِي إِنَّ الْمَنَايَا لاَ تَطِيشُ سِهَامُهَا
فكما أنه لا يجوز أن يقتصر على القسم ويسكت عن المقسم عليه، فكذلك لا يسوغ أن يذكر الفاعل في هذه الأفعال من غير المفعول فهذا تقريب"( ).
ورد الجرجاني هذا القول مرجحًا قول سيبويه، ذاهبًا إلى أن جواز السكوت على الفاعل ليس من جهة إجازته في وضع واستعمال، وإنما ذلك شيء أجازته الحقيقة من حيث أن الفائدة تحصل بالخبر والمخبر عنه، فما تجاوز ذلك فهو زيادة. وبالنظر إلى هذه الأفعال نجد السكوت على فاعلها مستعمل في نحو (من يسمعْ يخلْ)، ونحو قول أحد المحدثين وهو أبو فراس الحمداني:
وَلَقَدْ ظَنَنْتُ بِكَ الظُّنُو نَ؛ لأَنَّهُ مَنْ ضَنَّ ظَنَّا
وفي قوله تعالى ﴿وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ ﭐلسُّوءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾[12-الفتح] والظن في هذه الآية مصدر وليس بمفعول. والوجه في قول أبي الحسن واحتجاج الشيخ أبي على حمله على الأغلب، أي أن هذه الأفعال لما كانت تفيد اعتراض أمر من الأمور في الخاطر على حد الترجح بين الكينونة وعدمها أو تقرره أو ثباته في النفس، وجب أن يكون ذلك الأمر مذكورًا لتحصل الفائدة. كما أن القسم لما كان يؤتى به لتوكيد أمر لزم ذكر ذلك، ولكن إذا حصلت الفائدة دون ذكر ما تتناوله الأفعال. جاز والقسم المحتج به يذكر فعله من غير جواب في نحو: فعلان يحلف في اليوم ألف مرة( ).
ورد ابن عصفور بأن العرب لا تضمنها معنى القسم على اللزوم، وإذا امتنع الحذف بدخول معنى القسم فما يمنع من حذفهما إذا لم يتضمن معنى القسم( ).
الثالث: مذهب الأعلم وهو يفرق بين الأفعال فيجوزه مع ظن وما في معناها ويمنعه مع علم وما في معناها. وحجة الأعلم ومن أخذ بمذهبه "أن كل كلام مبني على الفائدة، فإذا لم توجد فائدة لم يجز التكلم به، قال: فإذا قلت: ظننت، كان مفيدًا؛ لأن الإنسان قد يخلو من الظن فيفيدنا بقوله ظننت، كان مفيدًا لأن الإنسان قد يخلو من الظن فيفيدنا بقوله ظننت، أنه قد وقع منه ظن، وإذا قلت: علمت كان غير مفيد لأنه معلوم أن الإنسان لا يخلو من علم، إذ له أشياء يعلمها بالضرورة كعلمه أن الاثنين أكثر من واحد"( ).
وردّ ابن عصفور هذا بقوله: "وهذا الذي ذهب إليه فاسد بل الصحيح أنه يجوز: علمت وتحذف المفعولين حذف اقتصار؛ لأن الكلام إذا أمكن حمله مع ما فيه فائدة كان أولى. فإذا قال: علمت، علمنا أنه أراد أنه وقع منه علم ما لم يكن يعلم إذ حمله على غير ذلك غير مفيد"( ).
ثم تحدث ابن عصفور عن حذف أحد المفعولين، فأما الحذف اختصارًا فجوزه على قلة واستشهد بقول عنترة:
وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ مِنِّي بِنْزِلَةِ الْمُحِبِّ الْمُكْرَمِ
تقديره فلا تظني غيره كائنًا أو واقعًا. "أما الاقتصار فلا يجوز أصلاً ولا خلاف في منعه بين أحد من النحويين"( ).
وسبب المنع هو ما يقوله سيبويه من "أنك إنما أردت أن تبين ما استقر عندك من حال المفعول الأول يقينًا أو شكًّا، وذكرت الأول لتعلم الذي تضيف إليه ما استقر له عندك من هو"( ).
وقال المبرد "ولا يجوز الاقتصار على بعض مفعولاتها دون بعض لأن المعنى يبطل العبارة عنه؛ لأن المفعولين ابتداء وخبر والمفعول الأول كان فاعلاً فألزمه ذلك الفعل غيره، وصار كقولك دخل زيد في الدار وأدخلته إياها أنا"( ).
(ج)الفعل المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل
جاء في الكتاب "هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين، ولا يجوز أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلاثة، لأن المفعول ههنا كالفاعل في الباب الأول الذي قبله في المعنى، وذلك قولك: أرى الله بشرًا زيدًا أباك، ونبّأت زيدًا عمرًا أبا فلان، وأعلم الله زيدًا عمرًا خيرًا منك"( ). "وهو من باب الفعل المتعدي إلى مفعولين ولكنك جعلت الفاعل في ذلك الفعل مفعولاً بأنه كان يعلم فجعل غيره أعلمه"( ). وقال أبوعلي الفارسي: "هذا الباب منقول بالهمزة أو بتضعيف العين في الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر"( ). ويلحق بالمتعدية ما ليس منقولاً مثل أنبأ ونبّأ، قال أبوعلي "وإنما تعدى أنبأ ونبّأ إلى ثلاثة مفعولين، لأن النبأ الخبر والإخبار إعلام، فأجرى مجرى أعلمت في التعدي"( ). ولا يجيز أبوعلي مثل: "أعلم الله زيدًا عمرًا خالدًا، لأن المفعول الثالث في هذا الباب هو الثاني في المعنى"( )، ولكن الجملة تصح إذا كان المراد أحد معنيين. الأول: حمل الكلام على المعنى كأنك تقول: عمرو خالد أي يسد مسده، وذلك على التشبيه. والثاني: كون الرجل له اسمان، يكون معروفًا عند قوم بعمرو وعند غيرهم بخالد. أو يكون للرجل اسم ولقب( ). وقسم الزمخشري المتعدي إلى ثلاثة أقسام:
1-منقول بالهمزة عن المتعدي إلى مفعولين وهو فعلان: أعلم وأرى. وأجاز الأخفش أظنن، وأحسب وأخال، وأزعم.
2-متعد إلى واحد وأجري مجرى أعلم لموافقته له في معناه، وهو خمسة أفعال: أنبأ، نبّأ، أخبر، خبّر، حدّث.
3-متعد إلى مفعولين وإلى الظرف المتسع فيه كقولك: أعطيت عبدالله ثوبًا اليوم، وسرق زيد عبدالله الثوبَ الليلة. ومن النحويين من أبى الاتساع في الظرف في الأفعال ذات المفعولين( ).
وفصل ابن عصفور الكلام في حذف المفعول من المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل، فبين أنه إما أن تحذف مفعولاته أو اثنان منها ويبقى واحد، أو يحذف واحد ويبقى اثنان( ).
ويجوز حذفها كلها اختصارًا واقتصارًا. تقول مختصرًا: أعلمت. جوابًا لمن سأل: هل أعلمت زيدَا عمرًا منطلقًا؟ وتقول مقتصرًا: أعلمت. إذا أردت الإخبار بمطلق الإعلام منك. وأما حذف اثنين منها أو واحد فجائز على الاختصار، وأما على الاقتصار فغير جائز، خشية التباس أعلمت المتعدية إلى ثلاثة بأعلمت المتعدية إلى اثنين المنقولة من علم بمعنى عرف فإذا حذفت واحدًا لم تدر هل هي أعلمت المنقولة فلا حذف أم المتعدية إلى ثلاثة، فيكون حذف، وكذلك إذا قلت: أعلمت زيدًا، لم تدر هل المتعدية إلى اثنين حذف منها واحد، أم المتعدية إلى ثلاثة حذف منها اثنان، ولم يجز في أخوات (أعلم)لأنها حملت عليها. هذا مذهب سيبويه( ) وأجاز غيره:أعلمت زيدًا، إذا قدرته المفعول الأول لا الثاني أو الثالث؛ لأن الثاني والثالث لا يستغني أحدهما عن الآخر وأجازوا أعلمت زيدًا أخاك على أن يكون الثاني والثالث لا الأول والثاني. وابن عصفور يمنع ذلك كله( ).






الفصل الثاني
من قضايا التعدي واللزوم
1- تعدية اللازم
بيّن السيرافي في شرحه للكتاب أن سيبويه يجعل المفعول الذي تدل صيغة الفعل عليه أقوى من المفعول الذي لا تدل صيغة الفعل عليه( ). ولهذا تعدى الفعل اللازم إلى هذه المفعولات التي تدل عليها صيغة الفعل عليه اثنان المصدر وظروف الزمان( )، قال سيبويه عن تعدي اللازم إلى المصدر "واعلم أن الفعل الذي لا يتعدى الفاعل يتعدى إلى اسم الحدثان الذي أخذ منه، لأنه إنما يذكر ليدل على الحدث. ألا ترى أن قولك قد ذهب بمنْزلة قولك قد كان منه ذهاب؟ وإذا قلت: ضرب عبدالله لم يستبن أن المفعول زيد أو عمرو، ولا يدل على صنف كما أن ذهب قد دلّ على صنف وهو الذهاب، وذلك كقولك ذهب عبدالله الذهاب الشديد( ). إذن هناك علاقة دلالية شديدة بين الفعل ومنصوبه وهو المصدر فهو متضمن لمعناه وإن لم يذكر وهو إن ذكر يدل على نوع الحدث أو عدده، وليس كذلك المفعول به الذي لا يتضمنه الفعل. وإذا كان بين المصدر والفعل علاقة من حيث الدلالة المعجمية حيث يشتركان في المادة ويدل الفعل بمادته على المصدر فإنه يدل على الزمن ببنائه، قال سيبويه "ويتعدى إلى الزمان، نحو قولك: ذهب؛ لأنه بني لما مضى منه وما لم يمض، فإذا قال: ذهب، فهو دليل على أن الحدث فيما مضى من الزمان، وإذا قال: سيذهب، فإنه دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان، ففيه بيان ما مضى وما لم يمض منه، كما أن فيه استدلالاً على وقوع الحدث. وذلك قولك: قعد شهرين وسأذهب غدًا"( ).
ويتعدى اللازم أيضًا إلى نوع آخر من المفاعيل له علاقة دلالية به وهو اسم المكان المشتق من لفظه والعلاقة إذن دلالية ولفظية، والفعل وإن لم يدل بلفظه على هذا المفعول، فإن هذا المفعول من لوازمه أو أنّ الفعل مما يقتضيه، ويتعدى أيضًا إلى ما دلّ على المكان بشكل عامّ كلفظ: مكان، وجه. قال سيبويه: "ويتعدى إلى ما اشتق من لفظه اسمًا للمكان وإلى المكان؛ لأنه إذا قال ذهب أو قعد فقد علم أن للحدث مكانًا وإن لم يذكره كما علم أنه قد كان ذهاب، وذلك قولك: ذهبت المذهب البعيد، وجلست مجلسًا حسنًا، وقعدت مقعدًا كريمًا. وقعدت المكان الذي رأيت، وذهبت وجهًا من الوجوه"( ).
ويدخل في هذا تعدي اللازم إلى المسافة المكانية المقيسة من نحو تعديه إلى الزمن المؤقت، فذكر سيبويه أنه يتعدى إلى ما كان وقتًا في الأمكنة، كما يتعدى إلى ما كان وقتًا في الأزمنة، لأنه وقت يقع في المكان ولا يختص به مكان واحد، نحو: ذهبت فرسخين وسرت الميلين كما تقول ذهبت شهرين وسرت اليومين( ).
ولكن مستعملي اللغة لا يلزمون هذه القواعد أو يقفون عندها بل يذهبون إلى أبعد من ذلك كما لاحظ سيبويه، حيث يجدهم يعدون الفعل اللازم إلى أسماء لا دلالة في الأفعال عليها، قال: "وقد قال بعضهم ذهبت الشام، يشبه بالمبهم( ) إذ كان مكانًا يقع عليه المكان والمذهب. وهذا شاذ؛ لأنه ليس في ذهب دليل على الشام، وفيه دليل على المذهب والمكان. ومثل ذهبت الشام، دخلت البيت"( ). والسبب في شذوذ مثل هذا أنَّ "الأماكن إلى الأناسي ونحوهم أقرب ألا ترى أنهم يخصونها بأسماء كزيد وعمرو، وفي قولهم مكة وعمان ونحوهما، ويكون منها خِلَق لا تكون لكل مكان ولا فيه كالجبل والوادي والبحر، والدهر ليس كذلك. والأماكن لها جثة. وإنما الدهر مضيّ الليل والنهار فهو إلى الفعل أقرب"( ). فحق هذه الأسماء الدالة على الأماكن غير مبهمة أن يتعدى إليها اللازم بحرف الجر، ولكن الحرف حذف وعدي الفعل تعدية مباشرة كأن هذه الأسماء ظروف مكان، ذلك ما ذكره سيبويه في (باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار)( )، قال: ومن ذلك قول عامر بن الطفيل:
فَلأَبغِيَنَّكُمُ قَنًا وَعَوارِضًا وَلأُقْبِلَنَّ الخَيلَ لابَةَ ضَرْغَدِ
قال سيبويه: يريد بقنا وعوارض، ولكنه حذف وأوصل الفعل. ومن ذلك قول ساعدة:
لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعسِلُ مَتنُهُ فيهِ كَما عَسَلَ الطِريقَ الثَّعْلَبُ
يريده: في الطريق( ).
وقال أيضًا:"وأما دخلته دخولاً وولجته ولوجًا، فإنما هي ولجت فيه ودخلت فيه، ولكنه ألقى (في) استخفافًا، كما قالوا:نبئت زيدًا، وإنما يريد نبئت عن زيد"( ). وقد أثارت هذه الأسماء التي تعدى إليها اللازم تعديه إلى الظروف بعض جدل نحوي ذكر طرفًا منه ابن السراج قال "وقد اختلف النحويون في دخلت البيت هل هو متعد أو غير متعد، وإنما التبس عليهم ذلك لاستعمال العرب له بغير حرف الجر في كثير من المواضع"( )، ولذلك ذهب أبو عمر الجرمي إلى أن الفعل (دخل) من الأفعال التي تتعدى ولا تتعدى( ). ويعد ابن السراج الفعل لازمًا موافقًا بذلك سيبويه ويؤيد مذهبه مرادفه (غار) غير متعد، ومضاده غير متعد وهو خرج"( ). وتابعه الفارسي في الإيضاح، وزاد أدلة أخرى منها أن مصدره على فعول، وأنك قد تنقله بالهمزة وبحرف الجر( ). وردّ الجرجانيّ استلال الفارسيّ بنقل الفعل بالهمزة وبحرف الجر بأنّ هذا ليس خاصًّا باللازم دون المتعدي( ). واستدل السيرافي على لزوم (دخل) بأنك تقول: (دخلت في الأمر) ولا تعديه فتقول: دخلت الأمر( ). وجادل فريق من النحويين في أن العرب قالت: ذهبت الشام، لأن معناه اليسار وبه سمي شأمة، كقولك يسرة، ولو قلت: ذهبت شأمة، وذهبت الشأمة واليسار، جاز. ورد السيرافي هذا المذهب بأنه يلزم قائله إجازة ذلك في العالية ونجد؛ لأنها مأخوذة من الاتفاع فهي مثل ذهب فلان فوق( ).
2-ما يتعدى ولا يتعدى
رأينا أن النحويين جعلوا بعض الأفعال في قسم منفصل عن قسمي المتعدي واللازم، وهو القسم الذي توصف الأفعال فيه بالتعدي واللزوم، أي أنها تسلك في اللغة سلوكين؛ سلوك المتعدية وسلوك اللازمة. وتصب في هذا القسم الأفعال المتعدية في الأصل ثم أخذت في السلوك سلوك اللازم، والأفعال اللازمة في الأصل ثم أخذت في السلوك سلوك المتعدي. ومن هذه الأفعال ما يتعدى بنفسه تارة وما يتعدى بحرف جرّ تارة أخرى. وقد خصص بعض اللغويين أبوابًا تضمم هذا النوع من الأفعال، كابن قتيبة في (أدب الكاتب)، مثل "باب أفعل الشيء في نفسه وأفعل الشيء غيره"، و"باب فعل الشيء وفعل الشيء غيره"( )، ومن المحدثين هاشم طه شلاش الذي قام على إعداد معجم يضم الأفعال المتعدية اللازمة، وقد والى نشره في مجلة المورد العراقية (نشر القسم الأول من المعجم في العدد الأول من مجلة المورد سنة 1982م). وجعل العمل فيه على قسمين: القسم الأول، وتناول به بيان الأفعال التي تلزم وتتعدى بأنفسها بلا حذف ولا زيادة، وفي القسم الثاني تناول الأفعال التي تتعدى بأنفسها وبحروف الجر أصالة، على أساس أن التعدي لغة واللزوم لغة أخرى. وتناول أيضًا الأفعال التي تتعدى بحروف الجر أصلاً، وتتعدى بأنفسها عرضًا، وأدخل فيها أيضًا ما يتعدى إلى مفعول ثان على نزع الخافض( ).
أشار سيبويه إلى النوع الأول من الأفعال وهي الأفعال التي تستعمل لازمة وتستعمل متعدية، وضرب لها أمثلة في قوله: "وتقول فَتَنَ الرجلُ وفتنتُه، وحزِنَ وحزَنتُه، ورجَعَ ورجعْته"( ).
وقال أيضًا: "ومثل حزِن وحزَنته عوِرت عينُه وعُرتُها، وزعموا أن بعضهم يقول سوِدت عينُه وسُدتها، كما قالوا عورت عينه وعرتها. وقد اختلفوا في هذا البيت فقال بعضهم[نصيب بن رباح]:
سَوِتُ فَلَم أَمْلِكْ سَوادِي وَتَحتَهُ قَميصٌ مِنَ القُوهِيِّ بِيضٌ بَنائِقُه
وقال بعضهم سُدتُ يعني فَعُلتُ"( ). وقال أيضًا: "ومثل فتَنَ وفتنته جبرَتْ يده وجبرتُها وركضَتِ الدابةُ وركضتُها، ونزحتِ الركيّةُ ونزحتُها وسار الدابَّةُ وسرتُها. وقالوا رجس الرجلُ ورجستُه، ونقص الدرهمُ ونقصته، ومثله غاض الماءُ وغضتُه"( ). وقال أيضًا "ويقال أبان الشيء نفسُه وأبنتُه، واستبان واستبنتُه. والمعنى واحد. وذا هاهنا بمنْزلة حزِن وحزنته في فعلت، وكذلك بيّن وبيَّنته"( ). ورصد ابن جني هذه الظاهرة في الخصائص وحاول تعليلها، وقال ابن جني: "وهذا الباب الذي نحن فيه ليس بلفظ تبع لفظًا، بل هو قائم برأسه. وذلك قولهم: غاض الماءُ وغضته سوّوا بين المتعدي وغير المتعدي"( )، ثم أورد طائفة من الأفعال ثم حاول التعليل فقال "فهذا كله شاذّ عن القياس وإن كان مطردًا في الاستعمال، إلاّ أن له عندي وجهًا لأجله جاز. وهو أنَّ كل فاعل غير القديم سبحانه فإنما الفعل منه شيء أعيره وأ‘طيه وأقدر عليه، فهو وإن كان فاعلاً فإنما لمّا كان معانًا مقدرًا صار كأن فعله لغيره...فلما كان قولهم غاض الماءُ أن غيره أغاضه وإن جرى لفظ الفعل له، تجاوزت العرب ذلك إلى أن أظهرت هناك فعلاً بلفظ الأول متعديًا؛ لأنه قد كان فاعله في وقت فعله إياه إنما هو مشاء إليه أو معان عليه. فخرج اللفظان لما ذكرنا خروجًا واحدًا فاعرفه"( ).
وعلى ما يتسم به تفسير ابن جني من غموض فإنه لا يصلح تفسيرًا لطائفة أخرى من الأفعال، مثل: أضاءت النارُ وأضاءت غيرَها، فهذا المثال يختلف عن غاض الماءُ وغضت الماء. ولعل الرجوع إلى سبب واحد في تفسير هذه الظاهرة لا يغني. وقد رددنا مثل هذه الظاهرة إلى أكثر من سبب، منها حذف المفعول مع الأفعال التي تشبه الأفعال الانعكاسية في وظيفتها، ومنها الاستخدام اللهجي الذي يفضل استعمال الصيغة غير المهموزة، فيستعمل الصيغة المجردة متعدية مقابل استعمال لهجي آخر يستعمل الصيغة المزيدة التي تدل زيادتها على التعدي. ومن هذه الأسباب أيضًا حذف حرف الجر فيتعدى الفعل بنفسه. ومن هذا التغير الدلالي الذي يجعل فعلاً مثل (كفر) المتعدي بنفسه فعلاً متعديًا بحرف جر حينما يعني الكفر المقابل للإيمان( ).
وهذه الطائفة من الأفعال لم تثر جدلاً بين النحويين ظاهرًا بخلاف الطائفة الأخرى، وهي التي رأى النحويون أنها تجيء تارة متعدية بنفسها وبحرف جرّ تارة أخرى، ولذلك جعلت قسمًا برأسه قال ابن عصفور: "وإنما جعل هذا قسمًا برأسه، ولم يجعل من القسمين لأنه قد وجد الفعل يصل تارة بنفسه، وتارة بحرف جرّ، ولم يستعمل أحدهما أكثر من الآخر"( ).
وهذه الأفعال مثل: شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له. ذكر ابن بايشاذ أن هذا اللون من استعمال موقوف على السماع وأن فيه مذهبين؛ الأول: أن الأصل فيها تعديها بحروف الجر ثم حذف الجار فتعدى الفعل( ). فقد ذهب سيبويه إلى أن أفعالاً مثل سميته زيدًا إنما دخلتها الباء في قولك سميته بزيد وكنيته بزيد على نحو ما دخلت في عرفته بزيد قال "فإنما تدخل في سميت وكنيته على حد ما دخلت في عرفته بزيد فهذه الحروف كان أصلها في الاستعمال أن توصل بحرف الإضافة"( ). والمذهب الثاني: أنهما لغتان بمعنى واحد لغة قوم يعدون هذا الفعل بواسطة ولغة آخرين بنفسه( ). أما المذهب الثالث فهو ما نجده في شرح الكافية للرضي وقد فصل في القضية كلها، فنظر في الأفعال وذهب إلى أن هذه الأفعال-إذا تساوت في الاستعمال، وكان كل واحد منهما غالبًا نحو نصحتك ونصحت لك- متعدية مطلقًا إذ معناه مع اللام هو معناه من دونها والتعدي واللزوم بحسب المعنى، وهو بلا لام متعد إجماعًا، فكذا مع اللام فهي إذن زائدة كما في (ردِف لكم) إلا أنها مطردة الزيادة في نحو نصحت وشكرت دون ردِف. وإن كان تعدي الفعل بنفسه قليلاً، نحو: أقسمت الله، أو كان مختصًّا بنوع من المفاعيل كاختصاص (دخل) بالأمكنة فهو لازم حذف منه حرف الجر، وإن كان تعديها بالحرف قليلاً فهو متعد والحرف زائد كما في يقرأن بالسور( ).
ويذهب الجرجاني إلى أن تعدية المتعدي بحرف إنما هي زيادة لفظية "ألا ترى أن علمت لا يتعدى بالجار تقول علمت زيدًا منطلقًا، وعلمت زيدًا، وأما قولهم علمت بزيد، فالباء مزيدة مثلها في بأنن الله، وكذاا قولهم ألقى بيده قال الله تعالى ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [195-البقرة] الأصل ألقى يده"( ).
ولكن كل تعدية للمتعدي بحرف الجر على زيادة حرف الجر، فهذا سيبويه يقول: "وتقول ظننت به، جعلته موضع ظنك كما تقول نزلت به ونزلت عليه. ولو كانت الباء زائدة، بمنْزلتها في قوله عز وجل ﴿كَفَى بِالله﴾ لم يجز السكت عليها، فكأنك قلت: ظننت في الدار. ومثله شككت فيه"( ).وهذا من قبيل تعدية المفعول المطلق وقد فصلنا هذا في كتاب (الفعل في القرآن الكريم: تعديته ولزومه).
وهناك مذهب متقدم مشهور هو مذهب ابن درستويه الذي يذهب فيه إلى أن الأفعال مثل نصحت وشكرت إنما تتعدى إلى مفعولين يتعدى الفعل إلى أحدهما بنفسه وإلى الآخر بحرف الجر، وتقول شكرت لفلان فعلَه ونصحت لفلان رأيَه، قال: "وليس في الدنيا عربي ولا نحوي يزيد اللام في هذا المفعول الذي يتعدى إليه"( ). ويبدو أن الجرجاني قد تابع ابن درستويه في مذهبه فهو يرد وَزَنْته وكِلْته إلى وزنتُ له وكلتُ له، وفي قوله تعالى ﴿وَإِذَا كَلُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ﴾[3-المطففين] قال "والمعنى كالوا لهم أو وزنوا لهم، ولم يذكر المكيل والموزون"( ). ولكن حذف حرف الجر قد يكون له وظيفة دلالية تتعدى طلب الاختصار أو الاقتصاد في القول، وهذا ما أشار إليه الجرجاني أيضًا في قوله "وأما قولهم كسبته كذا، فهذه المنْزلة من حيث أن الأصل كسبت له، ولكن بينه وبين ما مضى فرقًا وهو أنه إذا حذف منه اللام له معنى لا يكون مع اللام، تقول كسبت زيدًا مالاً، فيكون المكسوب أخص به منه إذا قلت كسبت لزيدٍ مالاً، ألا ترى أنك قد تقول: كسبت له مالاً بمعنى أن المال لك وفي حكمك، لكنك كسبته لأجله حتى ينتفع به أو تنفقه عليه، كقولهم فلان يكسب المال لأطفاله، مثل يجمع لهم وليس كذلك كسبته مالاً؛ لأنه يدل على أن المال له وفي حكمه"( ). وممن تابع ابن درستويه أيضًا السهيلي الذي أسهب في الكلام على هذه الأفعال، قال "أصل هذا الفعل أن كل فعل يقتضي مفعولاً ويطلبه، فلا يصل إلى ما بعده إلا بحرف الجر ثم قد يحذف المفعول لعلم السامع به ويبقى المجرور. وربما تضمن الفعل معنى فعل آخر متعد بغير حرف، فيسقط حرف الجر من أجله. وربما كان الفعل يتعدى بغير حرف وفي ضمن الكلام ما يطلب الحرف، فيدخل الحرف من أجله"( ). ثم ضرب مثالاً للحالة الأولى، فقال: "فالأول نحو (نصحت لزيدٍ) و(شكرت له) و(كِلتُ له) المفعول في هذا كله محذوف والفعل واصل إلى ما بعده بحرف"( )، ثم فصل القول على (نصح) فقال: "لأن (نصحت) مأخوذ من قولك (نصح الخائط الثوبَ) إذا أصلحه وضم بعضه إلى بعض ثم استعير في الرأي، فقالوا: نصحت له رأيَه. والتوبة النصوح إنما هي لما تخرمه من الدين كنصح الثوب، ولكنهم يقولون: نصحت زيدًا فيسقطون الحرف؛ لأن النصيحة متضمنة للإرشاد، فكأنهم قالوا: (أرشدت زيدًا)( ). فالسهيلي إذن يبين المراحل التي مرّ بها الفعل (نصح)، وهي:
نصحت لزيد رأيه (بحذف المفعول)← نصحت لزيد (بحذف الجار)← نصحت زيدًا
ومثله الفعل (شكر):
شكرت لزيد فعلَه (بحذف المفعول)← شكرت لزيد (بحذف الجار)← شكرت زيدًا
أما كلت لزيد ووزنت له فمفعولهما غير (زيد) لأن مطلوبهما ما يُكال أو يُوزن، فالأصل دخول اللام ثم قد تحذف لتضمن معنى المبايعة والمعارضة، فإنك إذا قلت: كلت لزيد، أخبرت بكيل الطعام. وإذا قلت: كلت زيدًا، أخبرت مع الكيل بمعاملة ومبايعة، كأنك قلت: بايعت زيدًا بالكيل، أما قولهم (سمع الله لمن حمده) فمفعوله محذوف؛ لأنه قول واللام على بابها وتؤذن بمعنى زائد وهو الاستجابة المقارنة للسمع( )، وهذا مثل قوله تعالى ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ ردِف لَكُمْ﴾[72-النمل] ليست اللام لام المفعول، كما زعموا ولا هي زائدة ولكن (ردِف) فعل متعدٍ ومفعوله غير هذا الاسم كما كان مفعول سمع غير المجرور ومعنى ردف تبع وجاء على الأثر فلو حمل مع المجرور لكان المعنى غير صحيح ولكن المعنى: ردف لكم استعجالكم وقولكم؛ لأنهم قالوا (متى هذا الوعد) ثم حذف المفعول الذي هو القول والاستعجال اتكالاً على فهم السامع، ودلت اللام على الحذف لمنعها الاسم الذي دخلت عليه أن يكون مفعولاً أذنت بفائدة أخرى وهي (عجل لكم)( ). ولكن هذه النظرة لم تجد هوًى متأخري النحويين، فهذا ابن عصفور يذكر قول ابن دُرستويهِ ويرده بقوله "وهذا فاسد لأنه دعوى لا دليل عليها، ولو كان كما ذهب إليه لسمع في موضع من المواضع: نصحت لزيد رأيه، فتوصل نصحت إلى منصوب بعد المجرور فإذا لم يسمع ذلك دليل على فساده"( ). وأيّد القول الذي يذهب إلى أن أصل الفعل (نصح) أن يتعدى باللام ثم حذف الحرف وكثر فيه الأصل والفرع، والسبب أن النصح لا يحل بزيد، أما إذا كان الفعل يحل بالمفعول مثل (مسحت رأسي، ومسحت برأسي) فحرف الجر زائد( ). ويستند هذا القول إلى أنه لا يتصور أن يوجد فعل تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف جر؛ لأنه محال أن يكون قويًّا ضعيفًا في حال واحدة، ولا المفعول محلاً للفعل وغير محل للفعل في حين واحد، وصحح ابن عصفور هذه الملاحظة، وعلى هذا فإنه عند تساوي الاستعمال في الفعل متعديًا بنفسه ومتعديًا بحرف فإن كل واحد منهما أصل بنفسه( ).
وقد يكون من أسباب تعدي الفعل التغير الوظيفي والدلالي للفعل، ومثال ذلك ما ذكره السيرافي من أن قول العرب "ما جاءت حاجتك" أنهم أجروها مجرى صارت. وجعلوا لها اسمًا وخبرًا، كما كان ذلك في باب (كان وأخواتها)، فجعلوا (ما) مبتدأ وجعلوا في (جاءت) ضمير (ما)، وجعلوا ذلك الضمير اسم (جاءت) وجعلوا (حاجتك) خبر (جاءت) فصار بمنْزلة: هند كانت أختَك، وأنثوا (جاءت) لتأنيث معنى (ما)، وقال: إنّ استعمال هذا الفعل هذا الاستعمال ليس معروفًا إلا في هذا المثال( ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جلال فتحى سيد
عضو شرف
عضو شرف
جلال فتحى سيد

القيمة الأصلية

البلد :
مصر

عدد المساهمات :
465

نقاط :
649

تاريخ التسجيل :
24/01/2011


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي Empty
مُساهمةموضوع: رد   قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2011-03-27, 23:10

3-المبني للمفعول(للمجهول)
1-"حكم ما لم يسم فاعله أن يبنى الفعل للمفعول ويحذف الفاعل ويقام المفعول مُقامَه"( ).
2-ونائب الفاعل كالفاعل فهو في مقامه فالفعل مسند إليه، ولذلك يجوز تقدم المفعول عليه كتقدمه على الفاعل قال سيبويه:"وإن شئت قدمت وأخرت فقلت: كُسي الثوبَ زيدٌ، وأُعطيَ المالَ عبدُالله، كما قلت: ضرب زيدًا عبدُالله، فأمره في هذا كأمر الفاعل"( )، وتكون معه مطابقة الفعل، قال المبرد: "ولو قلت: ضُرب هندٌ وشُتم جاريتُك لم يصح حتى تقول ضُربتْ هندٌ وشُتمت جاريتُك،؛ لأن هندًا والجاريةَ مؤنثات على الحقيقة، فلا بد من علامة التأنيث"( ).
3- هناك أفعال تبنى للمفعول لا مقابل لها مع ى الفاعل، قال سيبويه: "هذا باب ما جاء فُعِل منه على غير فَعَلْته وذلك نحو: جُنَّ وسُلَّ وزُكِمَ ووُرِدَ، وذهب إلى أنه استُغني بالمبني للمفعول عن المبني للفاعل كما استغني بتَرك من ودَع"( ).
وقد خلق هذا خلافًا بين النحويين، فذهب بعضهم إلى أن صيغة المبني للمفعول قائمة برأسها مستشهدًا بما ذكره سيبويه من الأمثلة( ). والجمهور على أنه محول عن المبني للفاعل. قال ابن السيد: "واستدلوا على ذلك بقول العرب (قد بُويع زيد وسُير خالد) فصححوا (الواو) ولم يقلبوها ياءً كما قلبوها في (سيِّد) و(ميِّت) قالوا فدلّ ذلك على أنه منقول من ساير وبايع ولو كان المفعول الذي لم يسم فاعله أصلاً غير منقول لوجب أن يقال بيع وسير، كما أن عور وصيد واجتوروا واعتونوا لما صحت حروف العلة فيها ولم تعتل، دلّ ذلك على أنها منقولة من اعورَّ وأصيد وتجاوروا وتعاونوا، وليست بأصول"( )، وصحح ابن عصفور كونه منقولا مستدلاً أولاً بأنه في بويع يجب إدغام الواو في الياء لاجتماعهما وسَبْق إحداهما بالسكون إذا عُدّا بناءً أصليًّا غير مغيّر، وعليه يجب القول بتغيره، وثانيًا بأنه في مثل (وُوريَ) فإن كان البناء أصليًّا غير مغيّر فإنه يجب قلب الواو الأولى همزة، فلما لم يقلبوها علم أنه بناء مغيّر واجتماعهما لازم( ).
5-ذكر ابن بابشاذ أن الأصل في الفعل أن يبنى للفاعل ولكنه يعدل به إلى البناء للمفعول لخمسة أسباب: للمخافة من ذكر الفاعل ولجلالته ولخساسته وللجهالة به وللاختصار والإيجاز( ). وبلغت عند ابن عصفور ثمانية أسباب، فذكر أن الفاعل يحذف للعلم به نحو: أُنزِل المطر، فمُنْزله معروف، وللجهل به، نحو: ضُرِبَ اللص، لم تذكر القاضي مع اللص، ولتحقيره نحو: طُعِن عُمَرُ، حقرت طاعنه فحذفته فلم تذكره مع عمرَ، لإبهامه نحو: ضرِب زيدٌ، للخوف منه أو عليه، نحو: ضُرِب الأميرُ أو لإقامة الوزن أو اتفاق القافية، نحو قول ذي الرمة:
وَأَدرَكَ المُتَبَقِّي مِن ثَميلَتِهِ وَمِن ثَمائِلِها وَاِستُنشِئَ الغَرَبُ
ولتقارب الأسجاع، ومثل لذلك ابن عصفور بقوله: "ونبذت الصنائع وجهل قدر المعروف"( )، ومثال توافق حركات الحروف الأخيرة في السجع: من حسن عمله، عرف فضله( ).
5-لما حذف الفاعل وأقيم المفعول مقامه وجب أن تكون المفعولات أنقص رتبة مما يتعدى إليه الفعل المتعدي( )، ولذلك قال سيبويه في المبني للمفعول من المتعدي إلى ثلاثة "لما كان الفاعل يتعدى إلى ثلاثة تعدى المفعول إلى اثنين"( )، وعلى هذا يصير المتعدي إلى واحد بعد البناء للمفعول لازمًا، والمتعدي إلى اثنين متعديًا إلى واحد، والمتعدي إلى ثلاثة متعديًا إلى اثنين( ).
وعلى الرغم من تقهقر هذه المفعولات ونقصانها فإن الفعل مثل (ضُرب زيدٌ) لا يأخذ مفعولاً ومثل (كُسِيَ زيدٌ ثوبًا) لا يتعدى إلى مفعول ثان؛ لأن نائب الفاعل لفظه لفظ الفاعل ومعناه معنى المفعول( ). ويتعدى الفعل المبني للمفعول إلى كل ما يتعدى إليه الفعل اللازم( ).
6-وقسم ابن عصفور الأفعال بالنسبة للبناء للمفعول ثلاثة أقسام:
1)قسم اتفق على أنه لا يجوز بناؤه للمفعول، وهو الجامد، نحو: نِعْمَ، بِئْسَ، عَسَى، فعل التعجب، ليس، حبّذا.
2)قسم مختلف فيه، وهو (كان وأخواتها).
3)قسم اتفق النحويون على جواز بنائه للمفعول وهو ما بقي من الأفعال المتصرفة( ).
وعلل لعدم بناء الجامدة أن هذا النوع من التصرف؛ وهي ممنوعة من التصرف، أما كان، فقد أجاز الفراء ذلك معها وردّه ابن عصفور بأن الخبر يبقى بلا مخبر عنه لا لفظًا ولا تقديرًا( ). ومذهب السيرافي حذف الاسم والخبر وإقام ضمير المصدر مقام المحذوف. وردّه ابن عصفور بأن كان الناقصة لا مصدر لها وذكر أن الفارسي منع من بنائها لما رأى من فساد ما ذكره الفراء والسيرافي( )، وكان ابن السراج يمنع بناءها أيضًا قال: "وهذا عندي لا يجوز من قبل أن كان فعل غير حقيقي، وإنما يدخل على المبتدأ والخبر فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقة، والمفعول غير مفعول على الصحة فليس فيه مفعول، يقوم مقام الفاعل لأنهما غير متغايرين إذ كان إلى شيء واحد؛ لأن الثاني هو الأول في المعنى"( ).
قال ابن عصفور: "والصحيح أنه يجوز بناؤها للمفعول، وهو مذهب سيبويه، لكن لابد من أن يكون في الكلام ظرف أو مجرور يقام مقام المحذوف، فتقول كين في الدار، فالأصل كان زيدًا قائمًا في الدار، على أن يكون في الدار متعلقًا بكان، حذف المرفوع لشبهه بالفاعل وحذف بحذفه الخبر، إذ لا يجوز بقاء الخبر دون مخبر عنه ثمّ أقيم المجرور مُقام المحذوف"( ). ولعله بهذا يعود إلى قول الكسائي السابق.
أما الأفعال المتصرفة الأخرى فكل ما يتعدى منها يجوز أن يبنى للمفعول، أما اللازم فقد أثار جدلاً بين النحويين، فبناؤه قضية خلافية، فذكر الزجاجي أن الفعل اللازم لا يجوز ردّه إلى ما لم يسم فاعله عند أكثر النحويين( )، أما عللُ من لا يجيز بناء اللازم للمفعول فمنها أنه ليس معه مفعول يقوم مقام الفاعل( )، و"لئلا يكون الفعل حديثًا عن غير محدث عنه، وذلك نحو: قام زيد، وقعد عمرو، لا تقول: قِيم ولا قُعِد"( ) إلا أن يتعدى الفعل بحرف جرّ فإنه يجوز( ).
وذكر الزجاجي أن سيبويه يذهب إلى إضمار المصدر مع الأفعال اللازمة، ورد ابن السيد هذا بأنه غير مشهور عنه، وأن أبا جعفر النحاس أنكره في (المقنع) وقال هذا القول غلط على سيبويه( ). والحق أن الذي يجيز إضمار المصدر هو المبرد، قال: "فمن ذلك أنك إذا قلت: سير بزيد فرسخًا-أضمرت السير، لأن (سير) يدل على السير، فلم تحتج إلى ذكره معه"( ).
وجاء في الحلل لابن السيد أن النحاس ذكر أن الفراء والكسائي وهشامًا أجازوه، وزعم الكسائي وهشام أن في (جلس) مجهولاً مضمرًا. وفسر ثعلب قولهما بأنه لما حذف الفاعل أسند الفعل إلى أحد ما يعمل فيه مما هو سوى المفعول به، يعني المصدر أو الوقت أو المكان فلم يعلم أيها هو المقصود؛ لأنه لم يظهر مع الفعل مرفوع به( ). وكان الفراء يزعم –في (جُلِسَ)- أن الفعل فارغ لا شيء فيه. قال أبوجعفر النحاس، فقيل له: وهل يخلو الفعل من الفاعل؟ فقال إذا شرطت إسقاط الفاعل وقلت لا تسمه، وجب أن لا يكون في الفعل ذكر إذ سقط فاعله. وكذلك يقول في ضُرب ضربًا إنه لا شيء مضمر في (ضُرِب) وكذلك (قُعِد قعودًا) تعدى أو لم يتعد، وكان الكسائس يعتقد أن هذا كله ضميرًا مجهولاً، والأشبه في هذا لمن أجازه أن يضمر مصدر الفعل فيقيمه مقام الفاعل المحذوف؛ لأن الفعل يدل على مصدره كما قال الزجاجي( ).
أما زعم الفراء فخطأ، والحجة أن الفعل يدل على مصدره فلا فائدة في إضماره ولا إظهاره، ورد عليهم بأن النحويين أجازوا إقامة المصدر في المتعدية إذا عدم المفعول به وكان المصدر منعوتًا محدودًا أو معرفًا، وعليه فإنه يجوز إقامة المصدر مع اللازمة فلا فرق بينهما، يؤكد هذا أن الموجب لإقامته إنما هو عدم المفعول به، وهذه العلة موجودة في الأفعال اللازمة، واحتجوا بأن معنى (جلس زيد) فعل جلوسًا وأحدثه، ف مانع إذن من القول (فُعِلَ الجلوسُ) كما أن ضُرِبَ بزيد الضربُ معناه: فُعل بزيد الضربُ، وقالوا إن المفعول ليس يرتفع بأنه أوقع به الفعلُ، كما أن الفاعل في العربية ليس يرتفع بأنه أوقع شيئًا أو أحدثه، وإنما يرتفع كل واحد منهما بالحديث عنه وإسناد الفعل إليه، فيجب على هذا أن يرتفع كل ما أسند إليه أو حدث عنه من مصدر أو ظرف سواء كان الفعل متعديًا أو غير متعد ولا وجه للتفريق. وقالوا لو أن ملكًا أو نظيره عهد ألا يُجلس أو يُضحك وقتًا من الأوقات لغرض له في ذلك دون أن يسمي جالسًا أو ضاحكًا لجاز ذلك( )؛ لأنه ليس معه مفعول يقوم مُقام الفاعل( )، و"لئلا يكون الفعل حديثًا عن غير محدّث عنه وذلك نحو قام زيد وقعد عمرو، لا تقول: قيم، ولا قُعد، لما ذكرت لك"( ) إلا أن يتعدى الفعل بحرف جرّ فإنه يجوز( ).
أما المفعولات التي تقام مقام الفاعل فهي: المفعول به، والمجرور، والمصدر، والظرف المكاني والزماني( ).والمفعول له، والمفعول معه( )، والحال والتمييز( ).
6-أولى المفعولات بالنيابة إذا اجتمعت المفعول به( )؛ لذلك لا جيز المبرد "أن تقيم المصدر مقام الفاعل إذا كان معه مفعول على الحقيقة"( ) غير أن ابن جني ذكر أن الأخفش أجاز نيابة المصدر مع وجود المفعول به. وقال إنه جائز قياسًا وإن لم يستعمل، ثم أورد بيتًا أنيب فيه الجار والمجرور مع وجود المفعول به وهو قول جرير:
وَلَو وَّلَدَتْ قفيرةُ جِروَ كلْبٍ لَسُبَّ بذلكَ الجروِ الكلابا
وعدّ هذا من أقبح الضرورة( ).
أما قوله تعالى ﴿لِيُجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[14-الجاثية] على قراءة أبي جعفر، فقومًا ليس معمولاً لِيُجْزَى بل لفعل مضمر يدل عليه يُجْزَى ومفعول يُجزَى ضمير المصدر المفهوم منه، ونظير ذلك قوله[لبيد بن ربيعة]:
لِيُبكَ يَزيدٌ ضارِعٌ لِخُصومَةٍ وَمُختَبِطٌ مِمّا تُطيحُ الطَوائِحُ
تقديره: يبكيه ضارع( ). وإن كان للفعل أكثر من مفعول مسرح-أي مباشر بلا حرف- فإن كانا متغايرين جاز الإسناد إلى أي منهما( ). قال المبرد: "فإن أظهرت زيدًا غير مجرور قلت أُعطِيَ زيدٌ درهمًا، وكُسيَ زيدٌ ثوبًا، فهذ الكلام الجيد. وقد يجوز أن تقول أُعطيَ زيدًا درهمٌ وكُسِي زيدًا ثوبٌ، لمّا كان الدرهم والثوب مفعولين كزيد جاز أن تقيمهما مقام الفاعل، وتنصب زيدًا؛ لأنه مفعول. فهذا مجاز والأول الوجه"( ).
والظاهر من كلام المبرد أن القضية اختيارية وأحسب أن القضية متعلقة بالمعنى والدلالة التي يراد إيصالها، فإسناد الفعل إلى أحد المفعولين الهدف منه الإخبار عن اتصافه بالفعل، ولذلك يسند إلى ما يراد اتصافه بذلك دون الآخر. وربما تقتضي الدلالة الإسناد إلى أحدهما على نحو إجباري؛ ولذلك نجد ابن السراج يشترط عدم اللبس على السامع، فلا يجوز في أُعطِيَ زيدٌ عمرًا، وزيد هو الآخذ أن يقال: أُعطي عمرٌو زيدًا، لأن كل واحد منهما يجوز أن يأخذ الثاني بخلاف الدرهم وما أشبه( ).
وكذلك يجوز إقامة المنصوب على نزع الخافض (المفعول غير المباشر) مع وجود المفعول المباشر قال المبرد "ومن قال هذا قال أدخل القبر زيدًا"( ).
ويبدو أن بعض النحويين إنما يفضلون الإسناد إلى ما هو فاعل في المعنى أو هو مفعول مباشر على نحو ما رأينا عند المبرد وابن السرج، وعلى نحو ما صرح بذلك الزمخشرى( )، أما عند ابن عصفور فإنه إن كان أحد المفعولين مسرّحًا لفظًا وتقديرًا والآخر مسرّحًا لفظًا (منصوبًا على نَزع الخافض) فإنه لا يجوز إنابة سوى المسرح لفظًا وتقديرًا، فلا تقول في: (أمرت زيدًا الخيرَ) أُمِرَ زيدًا الخيرُ( ).
أما المفعولان من باب (ظن وعلم) فمنع نيابة الثاني الزمخشري( )، وأجاز ابن عصفور نيابة أي منهما واختار الأول( )، واتفقا على منع إقامة الثالث من مفاعيل (أعلم)( )، وزاد ابن عصفور أن من الناس من أجاز إقامة كل واحد من المفعولات الثلاثة( ). فإن لم يكن للفعل مفعولاً مباشرًا (مسرّحًا على مصطلح ابن عصفور) واجتمع المصدر وظرف المكان والزمان والمجرور، جاز إقامة أيٍّ منها ولا يجعل بعض النحويين فرقًا بين هذه المفعولات( )، ولكن هناك من يجعل لبعضها الأولوية فالمبرد يذكر أن الأولى بالنيابة، ولذلك لا يجيز إنابة المصدر أو الظروف إلا إذا كان ثمة ما يمنع إنابة المجرورن وذلك نحو: سِير بزيد سيرٌ شديدٌ وضُرب بزيد عشرون سوطًا. المعنى: بسبب زيد ومن أجله. بل يذهب إلى أبعد من ذلك وهو أنه يجوز إسناد الفعل إلى المصدر المفهوم من لفظه فتقول مثلاً: سير بزيد فرسخًا على إضمار (السير) لدلالة (سير) عليه( ).
والجر لا يمنع المجرور من النيابة، قال المبرد: "وجائز أن تقيم المجرور مع المصدر والظروف مقام الفاعل، فتقول: سير بزيد فرسخًا، فلا يمنعه حرف الجر من أن يكون فاعلاً كما قال ما من أحد"( ).
ويعدل عن المجرور أيضًا إذا جعل المصدر أو الظروف مفعولات على السعة والسبب انشغال المجرور بحرف الجر( )، وكذلك إذا كان المصدر مختصًّا قال المبرد: "فإن وصفته فقلت: سيرًا شديدًا أو هيِّنًا، فالوجه الرفع، لأنك لما نعته قربته من الأسماء، وحدثت به فائدة لم تكن في سير"( ) بخلاف المصدر غير المختص فالوجه معه النصب "لأنك لم تفد بقولك (سيرًا) شيئًا لم يكن في سير أكثر من التوكيد"( )، ومثل المصدر المختص الظروف قال المبرد: "والظروف بهذه المنْزلة. لو قلت: سير بزيد مكانًا أو يومًا –لكان الوجه النصب. فإن قلت: يوم كذا، أو يومًا طيّبًا، أو مكانًا بعيدًا- اختير الرفع لما ذكرت لك"( ).
واختصر ابن عصفور القضية فذهب إلى أن المصدر المختص أولى بالنيابة لأن الفعل يتعدى إلى المصدر بنفسه وإلى المجرور بحرف جر، وإلى الظرف بتقدير (في)( ).
واختلفوا في (الجار والمجرور) فذهب المبرد إلى أن المناب هو المجرور( ), وذهب ابن جني إلى أنه حرف الجر وما عمل به( )، وذهب السيرافي إلى أنه حرف الجر المتصل بالاسم قال: وذلك سيرر بزيد السير الشديد، تقيم الباء مقام الفاعل( ).
7-تثير الأفعال الناصبة لمفعولين قضيتين عند النحويين وذلك بعد بنائها للمفعول: القضية الأولى هو الناصب للمفعول الثاني وفيه ثلاثة مذاهب( ):
الأول:مذهب سيبويه، العامل فيه فعل المفعول الذي لم يسم فاعله. قال في (كُسي عبدُالله الثوبَ، وأُعطيَ عبدُالله المالَ):"وانتصب الثوب والمال لأنهما مفعولان تعدّى إليهما فعل مفعول هو بمنْزلة الفاعل"( ).
الثاني:ذهب ٌوم إلى أن العامل فيه فعل الفاعل المحذوف، وحجتهم: أن نائب الفاعل لا حظَّ له من الفعل إنما الفعل لغيره، فكيف يصح أن يعدى فعله إلى المفعول الثاني وهو لم يفعل شيئًا( ).
وأيد ابن السيد مذهب سيبويه وخطّأ القول الآخر مستدلاً بالحجج التي نوردها موجزة:
أ)لا خلاف في إنْزال المفعول منْزلة الفاعل في الحديث عنه، فكما شبه بالحديث عنه وبإعرابه شبه في تعدية فعله إلى المفعول.
ب)صياغة بعض الأفعال للمفعول دون الفاعل، فدل على أنه باب مخصوص، وهو إن يكن منقولاً فقد حدث له حكم جديد.
ج)العامل في قول سيبويه موجود في المسالة وغير موجود فيها على قول مخالفه.
د)من المحال ذهاب العامل وبقاء عمله وحكمه قد ارتفع وصار لغيره( ).
واحتج مخالفو سيبويه بأن قالوا: هذا الباب منقول من باب الفعل المتعدي( ). وأجاب على احتجاجهم ابن السيد بقوله: هل يوجب النقل تغير الحكم. إذا كان يوجب ما الذي أوجب تغير الأول ولم يوجب تغير الثاني وإن كان لا يوجب لزمهم عدم تغيير المبتدأ والخبر بعد دخول كان عليهما. وفي (أعطيت زيدًا درهمًا) الدرهم معمول لزيد لأنه الآخذ. ولذا قال الفارسيّ عنه مفعول مفعول. فإذا كان يعمل مع وجود الفاعل ألا يعمل مع عدمه( ). ومما يبين استحالة قولهم إنهم لو زعموا في (ظُنَّ زيدٌ منطلقًا) أن العامل فعل الفاعل المحذوف فقد عدّوا الظنَّ إلى مفعول واحد وصار فعل الفاعل عاملاً في الاسم الواحد وفعل المفعول عاملاً في الاسم الثاني وكل منهما مفتقر إلى الثاني، وإذا كان فعل المفعول هو العامل فيهما معًا كان الظن متعديًا إلى مفعولين على باب المعلوم( ).
الثالث:قول أبي القاسم الزجاجي، وقد قال إن تقريبه على المتعلم أن تقول نصبته؛ لأنه خبر ما لم يسم فاعله ثم خشي أن يتعقب عليه كلامه، فقال: وليس هذا من ألفاظ البصريين ولكنه تقريب على المتعلم( ).
وردّ هذا ابن السيد ذاهبًا إلى أنه ليس في هذا تقريب على المتعلم، لأنه إذا كان خبرًا فالعامل فيه (أعطى) وهو مذهب سيبويه، والأقرب إلى فهم المتعلم القول بأنه مفعول ثانٍ فيكون قد انتظم المذهبان، مع أن ذكر الخبر هنا مشكل لأن الغالب في عادة النحويين أن لا يستعملوه إلا فيما كان داخلاً على مبتدأ ولو كانت المسألة (ظُنّ زيدٌ منطلقًا) لكان أشبه ويلزم عدّ خبرين في (أعلم زيد عمرًا خارجًا) وهذا تكلف لا حاجة له( ). وأشار ابن عصفور إلى هذه الأقوال، وقد يكون استفاد من أقوال ابن السيد وإن لم يفصل تفصيله( ).
والقضية الثانية: الخلاف في المعنى بعد إنابة المفعول الثاني، ففي مثل أُعطي درهمٌ زيدًا أنيب المفعول الذي ليس في الأصل فاعلاً، وفيه قولان؛ الأول: أن المعنى على ما كان عليه إلا أنك أقمت الثاني. والقول الثاني:أن المعنى ينعكس كأنك قلت: أخذ الدرهمُ زيدًا. وقد ردّه ابن عصفور، وفسر هذا المذهب بأنه متابعة لحكاية سيبويه قول العرب: أدخل فوه في الحجر، وإذا قلت أُدخل الحجرُ فاه، كان المعنى: أُدخل الحجرُ في فيه، وليس في الكلام قلب، فلما رأى سيبويه أن قد أدى القلب في هذه المسألة عند إقامة الثاني وهو الفم حمل كل مسألة يقام فيها الثاني، على القلب. ولا حجة في ذلك؛ لأن سيبويه حمله على ادعاء القلب في المسألة أمرٌ ضروري؛ لأن قولك (أدخلت فاه الحجر) إذا لم يكن مقلوبًا كان الحجر مفعولاً مسرّحًا لفظًا وتقديرًا، والفم مسرّح في اللفظ مقيد في التقدير، فلا يجوز إذا لم يرد القلب إلا إقامة الحجر؛ لأنه أولى، فلَمّا رأى العرب تقيم الفم وتترك الحجر علم أن المسألة مقلوبة وأن الأصل: أدخلت فاه الحجر، تريد في الحجر، حتى يكون الذي أقيم المسرّح لفظًا وتقديرًا وبقي المقيّد( ).
4-التضمين
هناك جملة من الظواهر اللغوية يقول النحويون –عند تفسيرها- بالتضمين.
الظاهرة الأولى: تعدي الفعل بحرف لا يتعدى به عادة. والنحويون يذهبون في تفسير هذه الظاهرة مذهبين؛ أحدهما: القول بدخول حرف على حرف أي إتيان حرف بمعنى حرف، وهذا هو المذهب الكوفي، ومذهب آخر هو القول: بأن الفعل قد ضمن معنى الفعل الذي يتعدى بالحرف المذكور عادة وقدد فصل هذا ابن جني في الخصائص، قال "اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه، وذلك كقول الله عزّ اسمه ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾[187-البقرة]، وأنت لا تقول: رفثت إلى المرأة وإنما تقول رفثت بها، أو معها، لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء وكنت تعدي أفضيت بـ(إلى) كقولك: أفضيت إلى المرأة، جئت بـ(إلى) مع الرفث، إيذانًا وإشعارًا أنه بمعناه"( ). وقد ضرب ابن جني بعد ذلك أمثلة كثيرة.
والظاهرة الثانية: تعدية اللازم بنفسه، ومثال ذلك عندهم قوله تعالى ﴿وَمَن يَّرْغَبُ عَن مِّلَةِ إِبْرَاهِيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَه﴾[130-البقرة]وقد خُرج تعدي (سفه) عدة تخريجات أحدها التضمين. ولذا فسّر الفعل عند أبي عبيدة بـ"أهلك نفسه وأوبقها"( )، وفي الكشاف "امتهنها واستخف بها"( ). والتفسير الثاني عدها تمييزًا، وهذا قول الفراء. قال: "العرب توقع سفِه على (نفسه) وهي معرفة، وكذلك قوله ﴿بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾[58-القصص] وهي من المعرفة كالنكرة؛ لأنه مفسر، والمفسر في أكثر الكلام نكرة، كقولك ضقت به ذرعًا"( ). أما القول الثالث فهو: "سفِه في نفسه فحذف الجار كقولهم: زيد ظنّي مقيم: أي في ظنّي"( ). وقد ذكر صاحب الكشاف الأقوال الثلاثة ورجح الأول( ). ويمكن القول إن الفعل (سفِه) لم يتعد؛ لأنه ضمن الفعل (أهلك) أو (امتهن) وإنما لتضمنه معنى الفعل (جعل) أي جعل نفسه كذلك، فقوله إلا من سفه نفسه، أي: إلا من جعل نفسه على هذه الحال. وتضمن هذا المعنى ليس غريبًا على اللغة بل هو أقرب إلى سلوكها فكثير من الأفعال اللازمة تنقل على صيغة(أفعل) أو (فعّل) وهذه الصيغة تتضمن معنى الفعل (جعل) فأخرجته: جعلته يخرج، وعلّمته: جعلته يعلم أو عالمًا.
ومثال ذلك أيضًا قوله تعالى ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ ﴾[235-البقرة] قال أبو حيان: "وانتصاب عقدة على المفعول به لتضمين تعزموا معنى ما يتعدى بنفسه، فضمن معنى تنووا، أو معنى تصححوا أو معنى توجبوا، أو معنى تباشروا، أو معنى تقطعوا، أي تبتوا. وقيل: انتصب عقدة على المصدر، ومعنى تعزموا: تعقدوا، وقيل: انتصب على إسقاط حرف الجر وهو على هذا التقدير ولا تعزموا على عقدة النكاح"( ). ويمثلون لذلك أيضًا بما ذكره الأشموني قال: "ومنه (أي التضمين) رحُبتكم الطاعة، وطلُع بشر اليمنَ، أي: وسِعتكم، وبلَغ اليمن"( ). والمتأمل لهذا المثال يرى أنهم قالوا بتضمن (رحُب) للفعل (وسِع) والفعل الأخير لازم في الأصل وتعديه كتعدي (رحُب) فلا يصح إذن جعل تضمنه سببًا للتعدي. والذي نراه أنسب في تفسير تعدي (رحُب) و(وسِع) هو القول بالحذف أي (رحُبت بكم الطاعة) و(رحُبت بكم الدار) وكل ذلك كناية عن اتساعها ورحابتها عند اشتمالها عليهم فكأنهم سبب في رحابتها. والفعل (وسِع) مثله أيضًا (فوسِعتكُم) أي (وسِعت بكم). ومثله الفعل (طلُع) فهو معدى على حذف حرف الجر (إلى) أي: طلُع إلى اليمن.
والظاهرة الثالثة: جعل المتعدي إلى مفعول واحد متعديًا إلى مفعولين، مثال ذلك، قوله تعالى ﴿وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُّكْفَرُهُ﴾[115-آل عمران]. جاء في الكشاف. فإن قلت: لم عدي إلى مفعولين وشكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحدة، فقول شكر النعمة وكفرها؟ قلت: ضمن معنى الحرمان فكأنه قيل: فلن تحرموه بمعنى فلن تحرموا جزاءه"( ).
والظاهرة الرابعة: جعل المتعدي لازمًا، مثال ذلك قوله تعالى ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُنَ عَنْ أَمْرِهِ﴾[63-النور]، وقد عدّ أبو عبيدة (عن) زائدة( ). وفسره الزمخشري على حذف مفعول من التركيب، فالأصل عنده خالفه عن أمره، قال "فحذف المفعول لأن الغرض ذكر المخالف والمخالف عنه"( )، أما عند العكبري: "الكلام محمول على المعنى، لأن معنى يخالفون يميلون ويعدلون"( )، وقد استشهد الأشموني بهذه الآية على التضمين ومعنى يخالفون عنده "أي: يخرجون"( )، ومن ذلك قوله تعالى ﴿وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾[28-الكهف] قال الزمخشري "يقال عداه إذا جاوزوه، ومنه قولهم عدا طوره وجاءني القوم عدا زيدًا، وإنما عدّي بعن لتضمن عدا معنى نبا، وعلا في قولك نبت عنه عينه، إذا اقتحمته ولم تعلق به. فإن قلت: أي غرض في هذا التضمين، وهلاّ قيل: ولا تعدهم عيناك أو لا تعل عيناك عنهم، قلت: الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى فذّ، ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم"( ). ويمكن القول إن هذا ليس من قبيل التضمين، ذلك أن الفعل (عدا: يعدو) لازم في الأصل، وهو يدل على حركة انتقال أفقية للفاعل ومن الطبعي تقييده بالحرف (عن) فيقال: عدا عنه، وبالحرف (على) فيقال: عدا عليه، ثم قد يحذف حرف الجر (عن) فيقال: عداه أي تجاوزه، وبهذا لا يكون في الآية موضع استشهاد إلا على الاستعمال الأصلي للفعل (عدا) مقيدا بالحرف. ومما يدل على ذلك نقل الفعل يقال: أعداه عليه أي نصره (اللسان مادة عدا) فأعداه جعله يعدو، وكذلك اعتدى عليه وهي فعل انعكاسيّ بمعنى أعدى نفسه عليه، ومثله تعدى أي عدّى نفسه.
وقد اهتم مجمع اللغة العربية بالقاهرة بالتضمين، فأعد بعض أعضائه بحوثًا في التضمين مثل البحث الذي قدمه حسين والي( ). ويضم هذا البحث آراء العلماء في التضمين وقد تضمن بشكل حرفي ما كتبه (يس) في حاشيته على التصريح 2: 4-7، وقد أورد عباس حسن هذا البحث وغيره وبعض المناقشات حوله في كتابه النحو الوافي( ). وقد عرف المجمع التضمين وقرر أنه قياسي وفيما يلي صيغة قرار المجمع: "التضمين أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو في معناه، فيعطَى حكمه في التعدية واللزوم ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة:
الأول: تحقق المناسبة بين الفعلين.
الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس.
الثالث: ملاءمة التضمين للذوق العربي.
ويوصي المجمع ألا يُلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي". وعلق عباس حسن على قرار المجمع هذا تعليقًا جيدًا، مفاده أن هذه الشروط هي شروط المجاز وأنكر العناء الذي تكبده المؤتمرون، وقال: إن المذاهب -على تشعبها وعنفها- لم تستطع إثبات أن اللفظ الذي جرى فيه التضمين ليس حقيقة لغوية أصلية. وألقى سؤالاً مهما وهو ما الدليل على أن تعدي كثير من الكلام المحتج به ولزومه ليس أصيلاً، وليس مجازًا، وإنما جاءت من التضمين؟ ثمّ سأل عن الذوق العربي ما هو؟ وكيف يحدد؟ وأنكر اقتصار التضمين على الفعل في قرار المجمع. وذهب إلى أن أدلة التضمين واهية. وانتهى إلى ترجيح القول بسماعيته. وحصر القول في التضمين في أمرين:
الأول: الألفاظ التي وصفت بالتضمين إن كانت قديمة في استعمالها من عصور الاستشهاد، فذلك دليل على أصالة معناها الحقيقي.
الثاني: ما بعد الاستشهاد غير محتاج إلى التضمين لاستغنائه بالمجاز وأنواعه المختلفة( ).
وأنا أوافق عباس حسن في بعض ما ذهب إليه، من ذلك إنكار عدّ التضمين قياسًا، وربط التضمين على نحو ما بالمجاز. أما ما أخالفه فيه فهو التفريق بين العصور، فاللغة لا تعرف عصر استشهاد وعصر غير استشهاد، فالنصوص اللغوية عبر العصور كلها شواهد على اللغة وتطورها. ونخالفه في عدِّه ما في عصر الاستشهاد حقيقيًا، وما بعد ذلك غير محتاج إلى التضمين.
وأنكرت قياسية التضمين لا لأنه سماعي بل لأنه ليس مما يوصف بأنه قياسي أو سماعي، والسبب أنه ليس قاعدة لغوية وليس قانونًا لغويًّا، وإنما هو وسيلة تفسير مثل (المجاز) و(القياس) و(السماع) و(التجريد) كل هذه المصطلحات تدل على طريقة التفكير التي يسلكها المنتج للغة، ولذلك يتساوى فيها الناس جميعًا وتتساوى فيها المستويات اللغوية، فقد تكون في شعر المتنبي، وقد تكون على لسان السوقي الذي لا يحسن الكلام بما يسمى لغة فصيحة فلغته فيها مجاز وفيها تضمين وفيها قياس. أما ربط التضمين بالمجاز فمن حيث أنهما يقومان على فكّ التلازم الذي يحدث عادة بين التركيب والمفاهيم وإعادة تركيبها تركيبًا خلقيًا جديدًا، مثال ذلك الفعل (أكل) يتلازم مع مفعولات مأكولة وفاعلين من الحيوان، فإذا فك هذا التلازم وخلق تلازم آخر حدث ما يسمى المجاز مثال ذلك: أكل الجمل العشب. (هذا حقيقي) ولكن: أكلت النار العشب (هذا مجاز) لأن الأكل ليس من أفعال النار وإنما فعلها الإحراق. ومثال ذلك: أكل الرجل حق أخيه. (فهذا مجاز لأن الحق ليس مما يؤكل). وكذلك يحدث في التلازم بين الأفعال وحروف الجر حيث نجد (رضي على) بدل (رضي عن)، وخلق تلازم بين فعل لازمم ومفعول مثل (سفِه نفسَه) فنجد أن الفعل (جعل) قد ضمن في الفعل (سفه).
والمتأمل في بعض الأمثلة التي يسردها النحويون للتضمين، قد يرى أنها ليست دالة حقيقية على ما يريدون، مثال ذلك: (هل لك إلى أن تزكى) يذهبون إلى تضمين أدعوك والحقيقة أن وجود (إلى) جاء بسبب (هل لك) لأن (هل لك) وظيفيًّا تساوى أدعوك ودائرة التأويل واسعة يمكن أن يقال إن التركيب العمقي له هكذا: (هل لك بأن تأتي إلى أن تزكى) ويمكن أن يكون غير هذا من التقدير. مثل: (هل لك رغبة بأن تأتي إلى أن تزكى).
وهناك حروف جرّ ذات دلالات أساسية مثل دلالة (إلى) على الاتجاه و(على) على الاستعلاء و(عن) على المجاوزة و(في) على الظرفية. وهذه الدلالات تحملها الحروف معها عند ارتباطها الجديد مع أفعال ليست مما ترتبط به عادة. ولذلك قال الكسائي: إن رضي عليه مثل سخط عليه.
متى يفك الاتباط بين الفعل وحرف الجر؟ يحدث هذا حينما يستعمل الفعل استعمالاً وظيفيًّا حيث ينسى معناه الأصلي الحقيقي، فإذا كان معنى رضي عنه أي تجاوز عنه وانصرف، فإن كثرة استعمالها المجازي في دلالة محددة جعل معنى التجاوز يتوارى ولم يبق إلا هذا المعنى المقابل للسخط فعدى الفعل بعلى؛ لأن مدخول الحرف تقع عليه نتيجة الفعل ويتحملها.
قرار المجمع عامل التضمين معاملة القاعدة المعيارية التي يمكن تطبيقها. وليس الأمر كذلك، فالتضمين من خصائص اللغة الفنية (فصيحة أو لهجية) أي هو متصل بالخلق الفني شأنه شأن المجاز، ولا أحسبه من خصائص اللغة الإشارية. ولذلك فليس أمامنا سوى أن نصفه فقط دون أن نقرر قياسيته أو سماعيته، إلا إذا كان المقصود بالقياسي إمكان الحدوث وبالسماعي أنه حدث ولا يقبل التكرار، مثل بعض الاستعمالات اللهجية القديمة التي لا تستعمل اليوم مثل استعمال (متى) حرف جر، فلا أحد يقول اليوم: خرجت متى بيتي!
التضمين والمجاز ليسا من قواعد اللغة كقواعد الإعراب والربط والرتبة وقواعد الصرف، بل هما يمثلان كسرًا للقاعدة، وبعد كثرة تداول ما فيه تضمين أو مجاز تنسى مخالفته للقاعدة. فمن المعروف أن المجازات بالاستعمال قد تصير حقائق أو كالحقائق.

















قائمة المصادر والمراجع
الأخفش؛ أبوالحسن سعيد بن مسعدة(215 ھ):
معاني القرآن، تحقيق: فائز فارس (ط2، الشركة الكويتية لصناعة الدفاتر والورق المحدودة/ الكويت، 1981م).
الأشموني؛ أبوالحسن علي نور الدين بن محمد(929 ھ):
منهاج السالك إلى ألفية ابن مالك (ط3، مطبعة النهضة المصرية/ القاهرة، 1970م).
البطليوسي؛ أبومحمد عبدالله بن محمد بن السيد (521 ھ):
كتاب الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل، تحقيق: سعيد عبدالكريم سعّودي (وزارة الثقافة/ بغداد، 1980م).
ابن بابشاذ؛ أبو الحسن طاهر بن أحمد (469 ھ):
شرح المقدمة المحسبة، تحق. خالد عبد الكريم (ط1 / الكويت 1976م).
الثبيتي، عيّاد عيد:
ابن الطراوة النحوي (ط1، نادي الطائف الأدبي/الطائف، 1983م).
الجرجاني؛ أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن (471ھ):
كتاب المقتصد في شرح الإيضاح، تحق. كاظم بحر المرجان (وزارة الثقافة والإعلام العراقية / بغداد 1982 م).
ابن جني؛ أبو الفتح عثمان (392ھ):
-الخصائص، تحق. محمد على النجار وآخرين ( مصطفى الحلبي / القاهرة،1954م).
-اللمع، تحق . فائز فارس ( ط 1 ، دار الكتب الثقافية / الكويت، 1972م).
-المنصف، تحقيق: إبراهيم مصطفى وعبدالله أمين (ط1، مصطفى الحلبي/ القاهرة، 1954م).
حسن؛ عباس:
النحو الوافي(دار المعارف بمصر/ القاهرة، 1973م).
ابن الحاجب؛ أبوعمرو عثمان (646 ھ):
شرح الوافية نظم الكافية، تحقيق موسى بناي علوان العليلي (الجامعة المستنصرية/ النجف الأشرف، 1980م).
أبوحيان؛ أثير الدين أبوعبدالله محمد بن يوسف (754 ھ):
-تفسير البحر المحيط (مط. السعادة/ القاهرة، 1329 ھ)مصورة مكتبة النهضة/ الرياض.
- تقريب المقرب، تحقيق: عفيف عبدالرحمن (ط1، دار المسيرة/ بيروت، 1982م).
-المبدع في التصريف، تحقيق: السيد عبدالحميد طلب (دار العروبة للنشر والتوزيع/ الكويت، 1982م).
ابن الخشاب؛ أبومحمد عبدالله بن محمد (567 ھ):
المرتجل، تحقيق: علي حيدر (دمشق، 1972م).
ابن درستويه؛ عبدالله بن جعفر (347 ھ):
تصحيح الفصيح، تحقيق: عبدالله الجبوري (وزارة الأوقاف/ بغداد، 1975م.).
الرضي؛ محمد بن الحسن الاستراباذي (686 ھ):
شرح الكافية(الشركة الصحافية العثمانية، 1310 ھ).
الزبيدي؛ أبوبكر محمد بن الحسن (379 ھ):
الواضح في علم العربية، تحقيق: أمين علي السيد(ط1، دار المعارف بمصر/ القاهرة، 1975م.).
الزجاج؛ أبوإسحاق إبراهيم بن السري بن سهل(311 ھ):
معاني القرآن وإعرابه، تحقيق: عبدالجليل عبده شلبي(المكتبة العصرية/ بيروت، 1973م.).
الزمخشري؛ أبو القاسم جار الله محمود بن عمر (538ھ):
-الكشاف (مصطفي الحلبى / القاهرة، 1966م) .
-المفصل في صنعة الإعراب، بعناية النعسانى ( ط 2، مصورة دار الجيل / بيروت عن طبعة سنة 1323ھ).
ابن السراج؛ أبو بكر محمد بن السري بن سهل (316ھ):
-الأصول في النحو، تحق. عبد الحسين الفتلي (مط . الأعظمي/ بغداد، 1973م).
-الموجز في النحو، تحق . مصطفى الشويمي وبن سالم دامرجي (ط مؤسسة أ. بدران/ بيروت، 1965م ).
السهيلي؛ أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالله (581 ھ):
نتائج الفكر في النحو، تحقيق: محمد إبراهيم البنا (جامعة قاريونس، 1978م.).
سيبويه؛ أبو بشر عمرو بن قنبر (180ھ):
الكتاب، تحق. عبد السلام محمد هارون (الهيئة المصرية العامة للكتاب/ القاهرة 1977م).
السيرافي؛ أبوسعيد الحسن بن عبدالله المرزبان(368 ھ):
شرح كتاب سيبويه، تحقيق: محمد حسن محمد يوسف (رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر/ 1978م.).
السيوطي؛ جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر (911ھ):
-همع الهوامع شرح جمع الجوامع، بعناية بدر الدين النعساني (ط 1، مطبعة السعادة/ القاهرة، 1327ھ) مصورة دار المعرفة/ بيروت.
-همع الهوامع شرح جمع الجوامع، تحق. عبد العال سالم مكرم (دار البحوث العلمية/ الكويت، 1975م).
الشلوبيني؛ أبوعلي عمر بن محمد بن عمر (645 ھ):
التوطئة، تحقيق: يوسف أحمد المطوع(دار التراث العربي/ القاهرة، 1973م).
الشمسان، أبو أوس إبراهيم:
الفعل في القرآن الكريم: تعديته ولزومه(ط1، جامعة الكويت/ الكويت، 1986م.).
أبو عبيدة؛ معمر بن المثنى التيمي (210ھ):
مجاز القرآن، تحق. محمد فؤاد سرگـين (ط2، مكتبة الخانجي/القاهرة، 1970 م ).
ابن عصفور؛ أبو الحسن على بن مؤمن بن محمد بن على (669ھ):
-شرح جمل الزجاجى، تحق، صاحب أبو جناح (وزارة الأوقاف / بغداد،1980م).
-المقرب، تحقيق: أحمد عبدالستار الجواري وعبدالله الجبوري(مطبعة العاني/ بغداد، 1971م.).
-الممتع في التصريف، تحقيق: فخر الدين قباوه(ط1، المكتبة العربية/ حلب، 1970م).
العكبري؛ أبوالبقاء عبدالله بن الحسين (616 ھ):
التبيان في إعراب القرآن، تحقيق: علي محمد البجاوي (عيسى البابي الحلبي/ القاهرة، 1976م.).
عمر؛ أحمد مختار وعبدالعال سالم مكرم:
معجم القراءات القرآنية (جامعة الكويت/الكويت، 1984م.).
ابن فارس؛ أبوالحسن أحمد بن فارس بن زكريا (395 ھ):
الصاحبي، تحقيق: مصطفى الشويمي، وسالم بن دامرجي (مؤسسة أ. بدران).
الفارسي؛ أبوعلي الحسن بن أحمد (377 ھ):
-الإيضاح العضدي، تحقيق:حسن الشاذلي فرهود(ط1، مط. دار التأليف/ القاهرة، 1966م).
-الحجة في علل القراءات السبع، تحقيق: علي النجدي ناصف وآخرين (الهيئة العامة للكتاب/ القاهرة، 1965م).
-المسائل البغداديات، تحقيق: عبدالفتاح إبراهيم أحمد العليمي(رسالة ماجستير-جامعة الأزهر، 1981م.).
ابن قتيبة؛ أبومحمد عبدالله بن مسلم (276 ھ):
أدب الكاتب (مط. بريل/ ليدن، 1900م.).
الكفوي؛ أيوب بن موسى الحسيني(1094 ھ):
الكليات، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري(وزارة الثقافة والإرشاد القومي/ دمشق، 1975م.).
المبرد؛ أبو العباس محمد بن يزيد (285ھ):
المقتضب، تحق. محمد عبد الخالق عضيمة (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية/ القاهرة 1965م).
المرادي، بدر الدين الحسن بن قاسم (749ھ):
-توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، تحقيق: عبدالرحمن علي سليمانن (ط1، مكتبة الكليات الأزهرية/ القاهرة، 1976م.).
-الجنى الداني في حروف المعاني، تحق. فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل (المكتبة العربية/ حلب 1973م).
المطرزي؛ أبوالفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي ( 610 ھ):
المصباح في علم النحو، تحقيق: عبدالحميد السيد طلب (ط1، مكتبة الشباب بالمنيرة/ القاهرة، د.ت.).
ابن معطي؛ أبوالحسن زين الدين يحيى (628 ھ):
الفصول الخمسون، تحقيق. محمود محمد الطناحي (ط1،عيسى البابي الحلبي/ القاهرة 1976م).
المنصور؛ وسمية عبدالمحسن:
أبنية المصدر في الشعر الجاهلي (ط1، جامعة الكويت/ الكويت، 1984م).
ابن مالك؛ محمد بن عبد الله (672ھ):
تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، تحق. محمد كامل بركات (دار الكاتب العربى/ القاهرة، 1976م).
ابن هشام؛ أبو محمد عبد الله جمال الدين بن أحمد بن عبد الله (671ھ):
شذور الذهب، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد(ط6، المكتبة التجارية الكبرى/ القاهرة، 1953م.).
ابن يعيش؛ أبو البقاء موفق الدين يعيش بن علي (643ھ):
شرح المفصل (دار الطباعة المنيرية/ القاهرة، د. ت.).
F. Leemhuis, The D and M stems in Koranic Arabic, 1977.
تحياتى لكم
انتهى
قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102 قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102 قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102 قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102
قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102 قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102 قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102 قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحلام لسانية
مشرف عام
مشرف عام
أحلام لسانية

القيمة الأصلية

البلد :
السعودية

عدد المساهمات :
1314

نقاط :
1860

تاريخ التسجيل :
24/05/2010

المهنة :
أستاذة


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي   قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2011-04-02, 16:18

شكرا لك أخ جلال وبارك الله بك

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نورة
.
.


القيمة الأصلية

عدد المساهمات :
85

نقاط :
109

تاريخ التسجيل :
23/01/2010


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي   قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2011-04-10, 02:15

بــاركك الله أخي الكريم جلال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جلال فتحى سيد
عضو شرف
عضو شرف
جلال فتحى سيد

القيمة الأصلية

البلد :
مصر

عدد المساهمات :
465

نقاط :
649

تاريخ التسجيل :
24/01/2011


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي Empty
مُساهمةموضوع: رد   قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي I_icon_minitime2011-04-10, 17:26

شكرا لمروركما
نورتما المقال
تحياتى للجميع
قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 902102
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» كتاب قضايا ألسنية
» قضايا النحو العربي .
» قضايا إبستيمولوجية في سسيولوجية الأدب
» طلب : قضايا معجمية , والبنى الزمنية
» قضايا صوتية دلالية في كتاب الخصائص لابن جني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللغة والنحو والبلاغة والأدب :: النحو والصرف-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


قضايا التعدي واللزوم في الدرس النَّحوي 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
مبادئ الحذف مدخل محمد الخطاب العربي النحو البخاري بلال النقد النص المعاصر اسماعيل الأشياء اللسانيات قواعد اللغة ننجز التداولية على ظاهرة كتاب الخيام العربية موقاي مجلة


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | الحصول على منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع