منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارالتحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. نادية رمضان النجار
*
*


القيمة الأصلية

البلد :
مصر

عدد المساهمات :
2

نقاط :
6

تاريخ التسجيل :
22/11/2015


التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 Empty
مُساهمةموضوع: التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1   التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 I_icon_minitime2016-06-11, 12:54

التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا"
أ.د. نادية رمضان النجار
أستاذ العلوم اللغوية بآداب حلوان

مفهوم الأسلوب لغةً: يطلق الأسلوب في اللغة على الطريق الممتد، ويقال للسطر من النخيل أسلوب، والأسلوب الطريق والوجه والمذهب، والأسلوب الفن، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول، أي أفانين منه. وفي اصطلاح القدماء: هو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير بها عن المعاني قصد الإيضاح والتأثير، أو هو العبارات اللفظية المنسّقة لأداء المعاني، يقول عبد القاهر "الأسلوب الضرب من النظم والطريقة فيه أن يعمد شاعر آخر إلى ذلك الأسلوب فيجيء به في شعره، فيُشبَّه بمن يقطع من أديمه نعلاً على مثال نعلٍ قد قطعها صاحبها، فيقال: (قد احتذى على مثاله)" ؛ وقد جاء ذلك في سياق تعريفه الاحتذاء عند الشعراء.
أما في اصطلاح المحدثين: فقد تعددت مفاهيمه: وذلك لكونه لم يقتصر على اللسانيات بل اُستعمل في مجالات عديدة، فمنهم من يفسر الأسلوب على أنه القدرة علي الاختيار من جانب المنشئ للنص؛ وهذا يسم الأسلوب بطابع المنشئ الثقافي واللغوي؛ ومن ثم قيل الأسلوب هو الرجل نفسه. ومنهم من يفسر الأسلوب على أنه أثر في القارئ أو المستمع ناتج عن الخصائص الداخلية للنص وهو ما يعرف بالتأثير العاطفي للأسلوب؛ فالأسلوب إذن مفهوم علائقي في المفهوم التأثيري كما هو في المفهوم التعبيري. ومنهم من يفسر الأسلوب على أنه تقليد لواقع ما في نص ما وهو يدور حول العلاقة بين الأسلوب والموضوع الممثل به، وهذا ما عرف بالتصور المحاكاتي للأسلوب. ومنهم من يفسر الأسلوب على أنه عدول في الأسلوب العادي؛ أو بمعنى آخر هو انحراف في الأسلوب، وهو يقوم على أساس المعيار النحوي، ويتمثل ذلك في نسقين هما خرق المعيار النحوي من جهة وتقييد أو تضييق لهذا المعيار بالاستعانة بقواعد إضافية من جهة أخرى، ويتسم هذا النهج بأنه يحتفظ بقيمة استكشافية في توضيح خصائص الأسلوب، هذا بالإضافة إلى أن هناك الأسلوب الإحصائي والأسلوب السياقي.
أما ما يعنينا في هذا البحث فهو انتهاج أسلوبية "شارل بالي" الذي يعد المؤسس الحقيقي للأسلوبية التي هي مجموعة من عناصر اللغة المؤثرة عاطفيًا على المستمع أو القارئ، ومهمة علم الأسلوب لديه هي البحث عن القيمة التأثيرية لعناصر اللغة المنظمة، والفاعلية المتبادلة بين العناصر التعبيرية التي تتلاقى لتشكيل نظام الوسائل اللغوية المعبرة؛ ومن ثم فالأسلوب يعني بدراسة العناصر التعبيرية للغة المنظمة من وجهة نظر محتواها التأثيري.
ويعد المسدي من أوائل الذين وضحوا مفهوم الأسلوبية من وجهة النظر اللسانية معرفًا إياها بأنها تعني: دراسة الخصائص اللغوية التي بها يتحول الخطاب عن سياقه الإخباري إلى وظيفته التأثيرية والجمالية، وهذا التعريف مستمد من مفهوم "جاكبسون" عن الأسلوب الذي عرفه بأنه البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيًا وهكذا فالأسلوبية تعالج النص من خلال مادته الأساسية وهي اللغة، وبواسطتها يتم ملاحظة الظواهر اللغوية البارزة، وربط هذه الظواهر بأسبابها ومسبباتها، وعلاقتها بكاتب النص.
عناصره: يرتكز التحليل الأسلوبي على ثلاثة عناصر:
1. جزء لغوي، ويتعامل مع التعبيرات لغويًا.
2. جزء عملي، ويتعامل مع المؤلف، والقاريء، والسياق التاريخي، وموضوع الحديث.
3. جزء جمالي أدبي، ويرتبط بالتأثير على القارئ، وبالشرح الأدبي والتقديم.
فالنص المدروس هنا هو سورة "يوسف" يتوفر فيها الجزء اللغوي، وذلك من خلال تحليل الجمل واختيار الألفاظ، وبيان بعض المؤثرات الأسلوبية، كما يتوفر فيها الجانب الجمالي المتمثل في تأثر القارئ بالسورة ومدى انفعاله بها؛ وذلك من خلال المؤثرات الجمالية من استعارة، أو تخييل، أو توكيد، وتقديم وتأخير... إلخ. كما يتوفر فيها الجزء العملي المتمثل في أسباب النزول من كونها نزلت تسلية للرسول  عما يلقى من عناء المشركين، أو كونها نزلت ردًا على سؤال النبي  عن سبب مجيء "يعقوب"  إلى مصر... إلى غير ذلك من الأسباب؛ وهكذا اجتمعت العناصر الثلاثة في النص مجال البحث، وإن كان ليس من الضروري توافر الجوانب كلها في كل نص يدرس على الرغم من أن التحليل الأسلوبي يهدف إلى تفاعل الأجزاء الثلاثة منهجيًا بصفة عامة؛ إلا أننا في هذا البحث سنعمد إلى دراسة العلاقات المتبادلة بين الدوال والمدلولات عبر التحليل الدقيق الصلة بين جميع العناصر الدالة، وجميع العناصر المدلولة بحثًا يتوخى تكاملها النهائي، ويقتصر عند الممارسة العملية على أهمها وأخطرها، وهو التماس بين الجانب اللفظي، والجانب المعنوي.
ولا شك أن للأسلوب القرآني طريقته التي انفرد بها في تأليف كلامه واختيار ألفاظه، ولقد تواضع العلماء قديمًا وحديثًا على أن للقرآن أسلوبًا خاصًا به مغايرًا لأساليب العرب في الكتابة والخطابة والتأليف، وكان العرب الفصحاء يدركون هذا التمايز في الأسلوب القرآني عن غيره من الأساليب؛ وربما كان هذا سبب من أسباب صرف العرب عن معارضة القرآن. ولما كان علم الأسلوب يهدف إلى تجاوز مرحلة نقل المعنى إلى عمق الاستعمال اللغوي المتمثل في وضع الكلمات في أنساق معينة، وكيفية انتظامها وانتظام الجمل والفقرات، ورسم الصور، وانتظام ذلك كله مع المعنى، - كان من الضروري انتهاج هذا النهج لتحليل النص المراد بحثه للوقوف على بعض الظواهر الأسلوبية وملاحظتها ورصدها في النص لمعرفة أثرها في أداء المعنى، كالإيجاز بالحذف والاختصار والقصر، والتوكيد بأنماطه المختلفة من تكرار، وترادف، وتفصيل بعد إجمال، وإليك تفصيل ذلك.

1. الإيجاز

الإيجاز هو تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى. وهو على وجهين: (إيجاز حذف)، ويكون بحذف كلمة أو جملة للاجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام، كما في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ﴾ (يوسف/82)؛ والمراد –والله أعلم- أهل القرية، و(إيجاز قِصَر)؛ فيكون بنية تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف، كما في قوله تعالى: ﴿الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ (يوسف/51).

أولاً: الإيجاز بالحذف: هو إسقاط بعض العناصر اللغوية التي يمكن فهمها من سياق الكلام، وغرضه الإيجاز والاختصار، والحذف يصيب العنصر الأساسي في الجملة، كما يصيب أيضًا المكمَّلات فيها، وهو يقع في المفردات على اختلاف أنواعها: (حروفًا، وأسماءً، وأفعالاً)، كما يقع في (الجمل والتراكيب). ولابد للحذف من قرينة تبين العنصر المحذوف، وقد التفت "ابن جني" إلى هذا بقوله: «قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة، وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه وإلا كان فيه ضربٌ من تكلُّفٍ بعلم الغيب في معرفته». وقد تكون هذه القرائن لفظيةً مأخوذة من الكلام المنطوق أو المكتوب، كما تكون حاليَّةً أو مقاميَّةً تُفهم من الظروف والملابسات المحيطة بالنص.
1. حذف المفردات: ومنه:
‌أ. حذف الفاعل أو إضماره، في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ (يوسف/35)، قال "الزجاج": (بدا: فعل استغنى عن فاعله. فالعرب تقول: قد بدا لي بداء، أي تغير رأي عما كان عليه. وأكثر العرب تقول قد بدا لي، ولم يذكر (بداء) لكثرته؛ لأن في الكلام دليلاً على تغير رأيه، فترك الفاعل وهو المراد، ثم بيّن ما البداء؟ فقال ليسجننه حتى حين، كأنهم قالوا: ليسجننه، والرأي الذي كان لهم قبل: قيل إن العزيز أمره بالإعراض فقط، ثم تغير رأيه عن ذلك). وقد ذكر "العكبري" أكثر من رأي في تخريج هذه الآية، يقول إن في فاعل (بدا) ثلاثة أوجه: أحدها: هو محذوف، و(ليسجننه) قائم مقامه، أي: بدا لهم السجن، فحذف وأقيمت الجملة مقامه، وليست الجملة فاعلاً؛ لأن الجمل لا تكون كذلك. والثاني: أن الفاعل مضمر، وهو مصدر (بدا)، أي بدا لهم بداء، فأضمر. والثالث: أن الفاعل ما دل عليه الكلام، أي بدا لهم رأي، فأضمر أيضًا). وقد يُحذف الفاعل وينوب المفعول عنه وذلك لتعظيم الفاعل والعلم به كما في قوله تعالى: ﴿قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ (يوسف/ 41).
‌ب. حذف الفعل وجوابه: ويقصد به جواب الأمر، ومنه في يوسف: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (يوسف/12)، فجواب الأمر هنا محذوف، تقديره: (فأرسله معهم)؛ ويدلنا على ذلك ما جاء بعده من قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي* "يوسف" أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ (يوسف/45-46)، فجواب الأمر من هذا الموضع محذوف، وتقديره: (فأرسلوه إلى يوسف)، فأتاه فقال له: "يوسف" أيها الصديق، ومنه كذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ* قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ "يوسف" عَنْ نَفْسِهِ﴾ (يوسف/50-51)، ففي هذا الكلام حذف واختصار، استغنى عنه بدلالة الحال عليه، وتقديره: (فرجع الرسول إلى الملك برسالة يوسف، فدعا الملك النسوة، وقال لهن: ما خطبكن؟)، ومنه كذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ (يوسف/54).
ج‌- حذف المفعول اختصارًا: وفيه يكون للفعل مفعول أو أكثر مقصود قصده إلا أنه يحذف من اللفظ لقرينة حالية أو لفظية، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ (يوسف/10) فالمفعول محذوف اختصارًا تقديره: (فاعلين ما يحصل به غرضكم من التفريق بينه وبين أبيه) ، ويكثر ذلك في مواضع، منها:
- (ما يحذف لقرينة لفظية بدلالة الظرف عليه) ، كما في قوله تعالى: ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ﴾ (يوسف/47)، فـ(السنين) لا تزرع وإنما المراد - والله أعلم- (تزرعون مدة سبع سنين).
- ويكثر حذف المفعول إذا كان ضميرًا متصلاً؛ وذلك رعايةً للفاصلة، وحرصًا على التناسق بين الآي، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ﴾ (يوسف/45)، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ﴾ (يوسف/60)، ويكثر ذلك في القرآن. وقيل إن حذف (ياء) المتكلم دون إبقاء الكسرة الدالة عليها يقع- غالبًا- لوجود نون الوقاية الخاصة بها والتي لها دلالة عليها.
- كما يكثر حذف المفعول إذا كان ضميرًا عائدًا في جملة الصلة، ومنه قوله تعالى: ﴿ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ﴾ (يوسف/71)، والتقدير- والله أعلم- (ماذا تفقدونه)، والمرجح أن يكون هذا الحذف رعايةً للفاصلة أيضًا.
- ومنه حذف مفعول العلم أو ما في معناه، كما في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف/46)، فمفعول (علم) وتوابعه محذوف تقديره- والله أعلم- (لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم، فيطلبوك ويخلصوك من محنتك) ، وهو من الحذف اختصارًا وقرينته العلم بالمحذوف من السياق.
‌د- حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه: سواءً أكان المضاف جزءًا من الفاعل أم المفعول أم أي عنصر لغوي آخر، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ (يوسف/82)، والتقدير: (واسأل أهل القرية واسأل أصحاب العير) ، وهذا كثير في القرآن لأنه من باب الإيجاز بالاجتزاء لإسقاط كلمة وإقامة غيرها مقامها؛ فالسؤال لا يقع على الأمكنة ولكن من يسكن هذه الأمكنة وقد لاحظ "ابن جني" أن في هذا الحذف اتساعًا وتشبيهًا وتوكيدًا. أما الاتساع؛ فلأنه استعمل لفظ السؤال مع ما لا يصح في الحقيقة سؤاله، وأما التشبيه؛ فلأنها شُبِّهت بمن يصح سؤاله لما كان بها ومؤلِفًا لها، وأما التوكيد؛ فلأنه في ظاهر اللفظ إحالة بالسؤال على من ليس عليه الإجابة. فكأنهم تضمنوا لأبيهم  أنه إن سأل الجمادات والجمال أنبأته بصحة قولهم. وهذا تناهٍ في تصحيح الخبر، أي لو سألتها لأنطقها الله بصدقنا، فكيف لو سألت مَن مِن عادته الجواب؟.
‌ه- حذف الشرط وجوابه: ومنه حذف جواب الشرط بدلالة ما تقدم عليه، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ (يوسف/10)، والتقدير- والله أعلم- (إن كنتم فاعلين فسوف يحدث ذلك)، ومنه كذلك حذف جواب (لما الشرطية)، كما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ (يوسف/15)؛ فجواب (لما) محذوف تقديره (فعلوا به ما فعلوا من الأذى) وهو رأي "الزمخشري"، ومنهم من قدره: (فلما ذهبوا به وأجمعوا على أن يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم)، وقدره بعضهم: (جعلوه فيها)، وهذا أولى؛ إذ يدل عليه قوله: (وأجمعوا أن يجعلوه)، ومنهم من يرى أن الجواب موجود وهو: (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق)؛ وقيل هو: (أوحينا) والواو زائدة، وعلى هذا مذهب الكوفيين؛ لأن (الواو) تزاد عندهم بعد (لما، وحتى) ، ومنهم من يرى أن (الواو) الزائدة هي الواقعة قبل (أوحينا) فيكون المعنى– والله أعلم- (فلما ذهبوا به وأجمعوا أمرهم أوحينا) ، والمرجح أن (الواو) هنا عاطفة؛ ومن ثم تكون (أوحينا) معطوفة على الجواب المقدر؛ لأن جواب (لمَّا) هو ما حدث لـ"يوسف" من إخوته، بمجرد خروجهم به من عند أبيهم وبعدهم عنه قليلا؛ ودليل ذلك هو العطف بالفاء في (فلما)؛ لأنها تفيد الترتيب والتعقيب الفوري. ومهما يكن من أمر الخلاف بين المفسرين في تقدير جواب (لما) المحذوف، فالمراد منه تهويل وتفظيع ما حدث من إخوة "يوسف" لـ"يوسف"، بعد أن أذن لهم أبوهم بالذهاب به للعب معهم؛ لذلك حذف جواب (لما) لتذهب النفس في تصوره كل مذهب، وحذف هذا الجواب فيه دلالة على طول ما حدث من إخوة "يوسف"، وعلى غرابته وبشاعته. وهو من الحذف البلاغي المعجز. ومنه كذلك قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ (يوسف/54)، والتقدير-والله أعلم- (قال أيها الصديق إنك اليوم لدينا مكين) ، والمحذوف جملة النداء لدلالة جملة مقول القول عليها.
‌و- حذف القسم وجوابه: وذلك يطرد مع أحرف (الواو، والتاء)، ومنه قوله تعالى: ﴿تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ (يوسف/85)، وقوله تعالى: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ (يوسف/91). كما تحذف جملة القسم ويستغنى عنها بـ(اللام) وهو حذف جائز، ومنه قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي "يوسف" وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾ (يوسف/7) والتقدير- والله أعلم- (والله لقد كان في يوسف). وقد تحذف جملتا القسم والشرط ويستغنى عنهما بـ(اللام وإن)، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ﴾ (يوسف/32)، والتقدير- والله أعلم- (أقسم بالله إن لم يفعل ما أمره ليسجنن)، وكذلك قوله تعالى: ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ (يوسف/35)؛ فجملة القسم محذوفة، والقسم وجوابه معمول لقول محذوف تقديره: (قائلين) ، ومنه أيضًا قوله تعالى: ﴿لَتَأْتُونَنِي بِه﴾ (يوسف/66) فهو جواب لقسم محذوف تقديره: (حتى تحلفوا بالله وتقولوا والله لنأتينك به).
‌ز- حذف جواب لولا: يكثر حذف جواب (لولا) لدلالة السياق عليه، كما في قوله تعالى: ﴿ َلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ (يوسف/24)، والتقدير: (لخالطها). وهناك من يفسره على التقديم والتأخير فلا يوجد فيه حذف؛ ومن ثم لا يوجد منه هم لكون المراد – والله اعلم- (لولا أن رأى برهان ربه لهم بها) فانتفى (الهم) منه لرؤية البرهان. ومنه أيضًا قوله تعالى: ﴿لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ (يوسف/94)؛ فالجواب محذوف تقديره: (لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني). وقد يقال تقديره: (لولا أن تفندوني لأخبرتكم بكونه حيًا لم يمت؛ لأن وجداني ريحه دال على حياته).
‌ح- حذف المبتدأ والخبر: كما في قوله تعالى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ﴾ (يوسف/18)؛ فالنحاة مختلفون في كون المحذوف هو المبتدأ والتقدير: (فأمري صبر جميل) وقيل: المحذوف هو الخبر والتقدير: (فصبر جميل أمثل). وقرأ "أُبي والأشهب" (فصبرًا جميلاً) على النصب وتخريجه أن هناك فعلاً مضارعًا مسندًا إلى المتكلم محذوفًا تقديره: (أصبر صبرًا جميلاً)، واُعترض عليه بأنه لا يحسن النصب في مثل ذلك إلا مع الأمر، وقيل إن "يعقوب"  رجع إلى نفسه آمرًا إياها قائلاً: (اصبري يا نفسي صبرًا جميلاً). والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق ولذلك قال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ (يوسف/ 86)، وهذا النمط من الحذف يعدونه من الواجب لكونه مصدرًا نائبًا عن فعله. وإن كان تقدير الجملة الاسمية أولى؛ لأنه يفيد الثبوت والاستقرار؛ فكأن "يعقوب" قد وطّن نفسه على الصبر الطويل الدائم. على حين يكون تقدير الجملة الفعلية دالاً على أن صبر "يعقوب" حادث متغير؛ ومن ثم فتقدير الأول أولى، وربما قد وضح أن في تعدد الاحتمالات إضافات للمعنى وإيحاءات تخصبه على أساس أن المتكلم إنما يقدم الأهم في نظره.
وقد يحذف المبتدأ من جملة مقول القول، كما في قوله تعالى:﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾ (يوسف/44) والتقدير: (هي أضغاث أحلام) ؛ لكون فعل القول يلزم بعده جملة تامة، فإذا ذُكر أحد ركنيها عُلم حذف الآخر وهو من الحذف الجائز. وقد يحذف فعل القول نفسه، كما في قوله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾ (يوسف/26) والتقدير: (قال إن كان قميصه)؛ وعلة ذلك الاستغناء بذكر مقول القول طلبًا للاختصار ولوضوح الدلالة عليه، ولكثرته وصفه "أبو علي الفارسي" بأنه (من حديث البحر ولا حرج).
‌ط- حذف "لا" من الكلام وهي مرادة: كما في قوله تعالى: ﴿تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ (يوسف/85) فمن المعروف أن حذف النفي من جواب القسم مطرد إذا كان المنفي مضارعًا، والمراد- والله أعلم- (لا تزال تذكر يوسف) وهو حذف جائز، ولو كان الكلام مثبتًا للزم دخول (اللام والنون) على جواب القسم، كما في قوله تعالى: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم﴾ (الأنبياء/57). على حين ترى الدكتورة "بنت الشاطئ" أن الفعل (تفتأ) يدل على الاستمرار بمفرده؛ مستغنيًا عن (لا) المقدر حذفها، وهو يختلف عن (ما زال) الذي لا يفيد الاستمرار إلا بلزوم حرف النفي. على حين نقول (فتئ يفعل كذا)؛ أي استمر بفعله.

2. حذف الجمل: وهو الحذف الذي يقع على الجمل المستقلة القائمة بنفسها ومنها:

‌أ- حذف السؤال المقدر ويسمى الاستئناف: ويكون بإعادة الأسماء والصفات كما في قوله تعالى: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (يوسف/4)؛ كأن "يعقوب"  قال له عند قوله: (إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر) كيف رأيتها؟ سائلاً عن حال رؤيتها فقال: (رأيتهم لي ساجدين) ، وإما بغير إعادة الأسماء والصفات كقوله تعالى: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (يوسف/37) فهو استئناف وقع جوابًا عن سؤال نشأ مما تقدم وتعليلاً له كأنه قيل: لماذا علمك ربك تلك العلوم الجليلة الشأن؟ فقال: لأني تركت دين الكفر الذي اجتمعوا عليه من الشرك وعبادة الأوثان. ومنه أيضًا قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ (يوسف/5)، والجملة استئناف مبني على سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا قال الأب بعد سماع هذه الرؤية العجيبة من ابنه؟ فقيل: قال (يا بني لا تقصص رؤياك).
‌ب- ما لا يكون استفهامًا مستأنفا: كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ* وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ (يوسف/47،50)، قد حذف من هذا الكلام جملة مفيدة تقديرها: فرجع الرسول إليهم، فأخبرهم بمقالة "يوسف" فعجبوا لها، أو صدقوا عليها، وقال الملك ائتوني به. والمحذوف إذا كان كذلك دل عليه الكلام دلالة ظاهرة، لأنه إذا ثبتت حاشِيتَا الكلام، وحذف وسطه صدر المحذوف، لدلالة الحاشيتين عليه. ومنه كذلك قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ* قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى "يوسف" آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ (يوسف/96- 99)، قد حذف أيضًا من هذا الكلام جملة مفيدة، تقديرها: ثم أنهم تجهزوا وساروا إلى مصر، فلما دخلوا على "يوسف" آوى إليه أبويه.

ثانيًا: الإيجاز بالقصر:
وهو ما زاد معناه على لفظه، ويفترق عن الحذف في كون الحذف يجوز فيه تقدير المحذوف. أما الإيجاز فلا يحتاج إلى تقدير لأن فيه اللفظ القليل يدل على المعنى الكثير، ويسمى (القِصَر)، وهو على ضربين ضرب طويل، وضرب قصير، والطويل طوله بالنسبة للقصير منه لا لغيره من الكلام كما جاء في قصص الأنبياء، ومنها قصة "يوسف" ، كما في قوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ (يوسف/3) إلى قوله تعالى: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ (يوسف/100)، وجاء مختصره على لسان يوسف: ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي﴾ (يوسف/100)؛ فإنه اختصر جميع القصة التي سبقت في سورة كاملة في آية واحدة؛ فذكره سبحانه للقصة أولاً عن طريق البسط مفصلة لمن لم يشارك في طريق عملها، وذكره له آخرًا مختصرة لمن شارك في طريق عملها، وقدم ذكرها مبسوطة على كونها مختصرة ليعلمها مفصلة من لم يكن يعلمها حتى إذا جاءت مجملة علم الإشارات فيها وهذا أحسن ما جاء في هذا الباب.
أما القصير: فما دل لفظه على أكثر من معناه: نحو قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًَا وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا﴾ (يوسف/31)؛ فـ﴿َآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا﴾ إشارة إلى أنها وضعت لهن أصناف الفواكه وسواه، مما يحتاج أكله إلى استخدام السكين، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ يدل على أن ما قالته النسوة قد تناقلته الألسن (كثرت أم قلّت) حتى تناهى الخبر إلى سمعها؛ فسماع الأمر غير السماع به؛ فالسماع بالأمر يعني أن ثمة واسطة أو ناقلاً بين القائل والسامع، بين المرسل والمتلقي، وهذا يؤكد تناقل الخبر، ولو على نطاق محدود، ويفسّر في الوقت ذاته علّة سجن "يوسف"  رغم رؤية الدلائل على براءته، إذ أخذ الخبر ينتشر بين الناس، حتى غدا سجنه أدعى إلى إلصاق التهمة به وتجريمه، وبذلك يبدو الأمر محاولة اعتداء عبد على سيدته نال جزاءه سجنًا. وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى "يوسف" آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (يوسف/69)؛ فـ﴿آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾ تأمل كم فيه من إيجاز في الألفاظ، وغنىً بالمعاني والدلالات. فمن ينظر في كلمة (آوى) في معاجم اللغة سيجد أنها تأتي بمعنى: (أعاد، وضمّ، وأحاط، وأنزل عنده، وأشفق، ورحم، ورقّ) ، وقيل إنها بمعنى ضم النفس بالتصيير إلى موضع الراحة؛ فتأمل بلاغة القرآن العظيم وكم لهذه الكلمة من المعاني التي تصوّر حال "يوسف" . وكذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ (يوسف/30)، فقوله تعالى: ﴿قَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ يدل على تسرّب الخبر من القصر وانتشاره على نطاق ضيّق، لم يصل حدّ الشيوع والعموم، فـ(نسوةٌ) اسم جمع قلّة، وهذا ما مكن امرأة العزيز من دعوة هؤلاء النسوة إلى قصرها، وقوله ﴿نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ تقليل لشأن هؤلاء النسوة إذ جاء ذكرهن منكرًا، على عكس ما جاء في الآية نفسها بقولهم: ﴿امْرَأَةُ الْعَزِيزِ﴾ وهذا يدل على أنهن دونها شأنًا ومكانةً. وقد فصّل المفسرون القول في هذه الآية، فرأوا أن نسبتها إلى زوجها العزيز أدعى إلى استعظام الأمر، فهي متزوجة - هذا من جهة - وهي من (ذوات النفوذ والسلطان) فأمرها أعظم سوءًا من سواها، و(تراود): مضارع يدل على التجدد والاستمرارية، أي كان هذا، وما يزال دأبها وديدنها حتى لحظة قولهن، فهي تفعل ذلك بإصرار واستمرار، و(فتاها): عبدها أو مملوكها، وهذا أكثر تشنيعًا وتشهيرًا فسميت بـ(امرأة العزيز) أي ذات النفوذ والسلطان وسمي من تراوده عن نفسه بـ(فتاها)، تذكيرًا بتبعيته لها ومملوكيتها له، و(قد شغفها حبًا): أي وصل حبه سويداء قلبها وتمكّن منه، و(إنّا لنراها في ضلال مبين) فجاء قولهن هذا مؤكدًا بمؤكدين زيادة في استنكارهن فعلها، وأنه بعيد كل البعد عن الصواب والرأي السديد... فتأمل كم حملت هذه الكلمات القليلة الموجزة من معان ودلالات!!
وهكذا يتبين مما سبق أن القرآن لشدة إيجازه وإحكامه تكاد كلماته تتحول رموزًا تنطوي كل كلمة منها على معانٍ كثيرة؛ لذلك فإن الفهم الدقيق لإيحاءات القرآن وإشاراته تستدعي يقظة متواصلة في قراءته، وفكرًا واعيًا لتدبر مراميه، وحسًا مرهفًا لتذوق معانيه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 2
» التحليل الأسلوبي
» اللسان و اللغة: من كتاب التحليل السيميائي للخطاب: من الملفوظ إلى التلفّظ
» التحليل النصى التداولى للخطاب الشعرى ـ دراسة تطبيقية فى قصائد نموذجية (1)
» التحليل النصى التداولى للخطاب الشعرى ـ دراسة تطبيقية فى قصائد نموذجية (2)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللسانيات النظرية :: الأسلوبية والنقد الحديث-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


التحليل الأسلوبي للخطاب القرآني "سورة "يوسف" نموذجًا" 1 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
النقد ظاهرة اللسانيات بلال موقاي اللغة مدخل العربية الأشياء البخاري المعاصر النحو قواعد الحذف الخيام مبادئ محمد كتاب مجلة النص اسماعيل على العربي التداولية الخطاب ننجز


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع