صيغ الربط ووظائفه التداولية في شعرعبد الله الصيخان
توطئة
تقيم هذه الدراسة حوارية حميمة مع النص الشعري من خلال تفحص مستوياته المشكِّلة لنسقه العام، مستكشفة المهيمنات النصية المتحكمة في أغراضية دلالاته، بوساطة القراءة الناقدة الباحثة عن معايير الانسجام بين الذات الممثلة بالنص وعالمها المشكل بفضاء النص اللا متناهي ، من حيث تعدد إحالاته ومرجعياته ،كما يتنزل هذا الاستكشاف الناقد الواعي في سياق المعرفة الخلفية المؤطرة لظروف إنتاج النص، وأنماط بنائيته في الصوت والتركيب والإيقاع والصورة قصد المرور –لاحقا- إلى خصائص الشعرية في الخطاب الأدبي الفاعل عند "عبد الله الصيخان "، والقائمة على مبدأ التضايف بين التأملي والواقعي في لغة تموج بالتعبيرية الصريحة.
إن تقويلنا لهذا القصيد يقوم على مفاجأة حدوده بتهديم أسواره بما تتيحه اللسانيات النصية من أدوات تراهن على انسجامه وتماسكه ، وتراهن في الآن نفسه فعله التأثيري في الذات والواقع بمدى جرأته في القول الشعري ، والعبث بالواقع بوساطة الحرف واللغة ، مع الاستفادة من المدخل التداولي الذي يتعانق مع السياقين النفسي والاجتماعي في تناغم مستمر يجعل من التأويل النصي طريق تحرير للدلالة من سجن النص المغلق، وقراءتنا له حركة دمج واعية في مجرى الشيء المقروء على حد تعبير وليام راي،وقبل الولوج إلى عالم النص لابد من تمعين الإطار الشكلي الذي ينتمي إليه ،ويمكن القول بداية أنه نموذج للقصيدة العربية الحديثة في الشكل والموضوع ، ومن نافلة القول أن يشار إلىتميزهذا الإطار بالانفتاح على الأجناس الأدبية الأخرى، صاهرة في تشكيله النصي الكثير من عناصرها وملامحها دون أن تفقد القصيدة العربية الحديثة ارتباطها بالجنس الأصلي الذي يمثل الشعر بأخيلته وإيقاعه ،ويظهر هذا الاحتواء في ابتكار تقنيات الرمز والأساطير وتعدد الأصوات والتداخل الزمني ...إلخ ،وربما كان هذا التطور البنيوي للقصيدة مظهرا من مظاهر تطور التجربة الأدبية التي تعكس تغيرا في القيم والمفاهيم والأوضاع العامة للحياة العربية، وهذا ما عبر عنه عز الدين اسماعيل بقوله:" فلم تعد هذه القصيدة عملا إضافياا للإنسان يزجي به أوقات فراغه أو يمارس فيه هواية ، وإنما صارت عملا صميما شاقا يحتشد له الشاعر بكل كيانه، صارت القصيدة تشكيلا جديدا للوجود الإنساني، أو لنقل –بإيجاز- إنما صارت بنيه درامية " ،تزدحم فيها التجارب والآراء والأصوات والأزمنة انسجاما مع حالة التعقيد التي تحياها الإنسانية، وإمعانا في تركيب الصورة الأدبية من خلال دمج بين مكونات متفارقة ومتعالقة في شكل مشاهد وملفوظات حوارية تتداخل ضمانا لمحو النص واستمرارية موضوعه ،كما أن التداخل المشهدي يكثف من دلالة الغموض كعلامة جمالية في النص الشعري الحديث ، وهذا ما يكسبه ثراءً يبحر عبره القارئ إلى عوالم لا تسعفه فيها إلا المكابد ة والترحال المتواصل ،ولعل شعر عبد الله الصيخان نموذجا للتجربة الشعرية السعودية المعاصرة -فيما اطلعنا عليه منه- يبوح بمعاني الانطلاق والتجديد ومعانقة الحداثة الشعرية ،على ما في هذه الرغبة الجامحة من مخاطر ومحاذير نتلمس جوانبها في تسييقنا للقصيدة الجديدة في البنية والموضوع ،وتمعينا لهذه الرغبة التجديدية آثرنا محاورة قصيدته"كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس؟"بوصفها رسالة محمَّلةُ بهذه الرغبة الجامحة في التجديد والتغيير ،ولعلها تكون بموضوعها معادلا للموضوع الرئيس الذي يستحكم في ديوانه "هواجس في طقس الوطن"،والذي يشكل هاجسا وهما حضاريا وقوميا ووطنيا وإنسانيا،وستتنزل مقاربتنا هذه في سياق اكتشاف العلاقة بين عالم النص وبنيته الدالة.
1-دلالة العنوان:
عنوان قصيدة الصيخان كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس؟ جملة استفهامية محولة عن جملة مولدة بِنْيَتِهَا العميقة على حد تعبير النحويين: صعد ابن الصحراء إلى الشمس، وهذه الجملة فعلية مكتملة الأركان، وأول ما يبتدر القارئ هذه الشخصية المنسوبة إلى المكان " الصحراء"،فمن تكون ؟ هل هي شخصية محددة الملامح؟والصفات، واقعية في وجودها ؟ أم هي شخصية رمزية اختارها الشاعر قناعا للتعبير عن موضوعه ؟ وفي كلتا الحالتين فإن استدعاء هذه الشخصية موضوعا ووسيلة (قناعا) يحيل إلى دلالات متنوعة من خلال إحالة الصحراء على البداوة والقساوة والصفاء والدفء والأصالة ...الخ، ولعل هذا المكان يشكل في التجربة الشعرية خصوصية ذلك أن هناك صلة وثيقة بين النص بموضوعه والعالم المشكل بظروف الإنتاج ،والتي منها البيئة التي إليها ينتمي صاحب النص،كما نلحظ تحديدا لهذه الشخصية المستدعاة في العنوان بتموضعها في سياق فاعل يعبر عن حال معينة ؛ إنه سياق الصعود إلى الأعلى إلى الشمس تحديدا، والتي هي رمز أيضا في التجربة الشعرية بعامة إلى النور والسمو والتوهج والقوة والحركة وهي رمز الألوهية أيضا باتخاذها إلاها معبودا في بعض الحضارات القديمة ،إنما يضفي على فعل الصعود بعدا ديناميكيا إيجابيا، فهو سعي جاد لتغيير حالة دنيا إلى ما هي أعلى منها، فعلو المرتبة دليل على علو الهمة، وتوقد النفس، وصفاتها وطموحها المعربد، إلا أن هذه الصورة المعبر عنها لم ترد بغرض الإخبار وإنما صبت في قالب استفهامي بالأداة " كيف" التي تفيد طلب الاستفهام عن الحال ،إن هذا التكوين الاستفهامي التصوري يقدم صورة نابضة بالتأجج والاشتعال والحركة تتماهى مع الذات ( الصعود/ الشمس) والتي تعكس العلاقة الوجودية بين الذات ( الكائن) والفعل ( الحركة) ،هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يوحي العنوان بأن النص خلق نوعا من التضاد غير الحاد بين الصحراء وهي فضاء من الأرض، وما ترمز إليه من ذلة وثبات ،وما تشي به من سلوكات بشرية ،وبين الشمس رمز النور والعلو والهيمنة، أما القالب الاستفهامي فيحيل إلى حوارية درامية يتحد فيها صوت السائل مع المسؤول في ذات المبدع، كما أن العنوان في ارتباطه بالشمس، وهو مكان علوي في مقابل الصحراء التي هي أيضا مكان سفلي يشيد بالبعد الجغرافي المكاني في تجربة الصيخان الشعرية من خلال تسرب دلالة الوطن بطريقة غير مباشرة في بنية الاستهلال ورموزها الشيئية.
2-التشكيل المقطعي النصي
إن تصنيف النصوص في تحليل الخطاب يقوم على دراسة ووصف البنى المقطعية الأساسية التي يتألف منها البناء النصي اللامتجانس في تركيبته، فإذا كان النص بنية تكوينية كبرى فإنه يحيل إلى ترابط مجموعة من البنى الصغرى الأولية ، والتي حصرها الدارسون في البنية الوصفية والحوارية والتفسيرية والسردية والبرهانية ، ويمكن القول في هذا السياق أن الصفة المقطعية لبناء النص تقوم على سمة مائزة لها هي عدم تجانسها وهو أمر لا يجب أن يغفل عنه في مقام تحليل النصوص لسانيا والكشف عن أغراضها التداولية، كما أن البنية المقطعية الأولية، والتي نعدها في الوصف اللساني القاعدة التركيبية ( المقطع ) للنص تتكون من ترابطات جملية بسيطة ومركبة ذات توجهات خطابية مختلفة فقد تكون للوصف أو التفسير أو الحوار أو البرهان أو السرد، وربما كان من المفيد أن نعرف القارئ بخصوصيات هذه البنى وأهميتها في المنجز النصي على أن نمثِّل لها من مدونتنا المختارة كلما أمكننا ذلك؛ فبالنسبة إلى المقطع السردي لايمكن القول هنا أننا أمام متتالية سردية نامية بالرغم من وجود سرد قائم على َقْنِيَتَيْ الاستباق والاسترجاع ،وهذالخصوصية التجربة الشعورية في هذا المقام الحالم الذي تتحكمه الذهنية والتجريدأكثر من التعلق المادي الواقعي بالرغم من إحالته عليه في مستوى التداول بالإضافة إلى غلبة البعد الغنائي على القيمة الخبرية للنص،ولعل المقطع الأول يعكس بعض البنى السردية المتلاحمة في تصويرها لمشهد فوتوغرافي بَرْقِي يزداد توتره في عبارة: وتماسك حين ترى/سترى مالا عين نظرت ،مالا أذن سمعت فهي بمثابة عقدة سرعان ماتنفرج عن خاتمة مأساوية يتبعها أمل في العطاء! ،هذا ويعتمد السارد منجزا لبرنامجه السردي مجموعة من الشخصيات الثابتة مثل المرضى والمقهورين والموهوبين والناس في أحوال مختلفة وشخصية محورية نامية هي شخصية ( ابن الصحراء/ العربي في عالم متغير) ،و بالرغم من قصر البنية المقطعية السردية إلا أنها أظهرت تسلسلا وصفيا ومشهديا لافتا للنظر والعجب يتساوق مع ترهل الحال العربية المشرحة بمبضع السارد(الشاعر)،و في مستوى الأحداث المعبرعنه في سائر المقاطع الأخرى، ومما يزيد في اتساق الأفعال السردية إحالتها إلى بطل واحد (ذات فاعلة) ، كما يكتمل البرنامج السردي بالإحالة إلى مكان الحكي الذي يمثل عتبة المشروع في السرد ،وهو مكان قدسي ربما صح لنا وصفه بعالم المعراج لوقوعه في مستوى الحلم بين الشمس /الغاية والأرص أو الصحراء المنطلق ، كما أفادت هذه الكتلة الإخبارية في تمثيل المشهد في صورة ملحمية ؛سيل من الناس الخائفين لايملكون القدرة على الكلام أو الفعل يساقون إلى مصيرهم المحتوم في يوم طويل أشبه بيوم الحشر،وهم عطاش إلى الماء والحرية والعدل والحركة.
أما المقطع الوصفي فيقوم على عرض الحالات والوقائع كما هي في النص، وأغلب النصوص المنجزة لا تنفك عن إرادة الوصف لقضايا ما، وقد لفتت اللسانيات النصية الأنظار النقدية إلى أهمية العناية بدراسة العملية الوصفية التي يقوم فيها الترقيم ابتداء بطبيعته الخطية مقام الوصف الأول، ولعل المؤشرات اللفظية التالية تفصح عن دلالة الترقيم الوصفي، وهي: أما، منها، أولها، ثانيها، والملاحظ غيابها في النص الشعري سوى علامة أم في السطر55 والتي تفيد التعدد وتشي بدلالة الاستغراب في السياق النصي من قول الشاعر:
وترى وتشك
هذا الشك يقين
حلم أم علم أم هذيان مريض؟ إلا أن الترقيم بني على تراتبية منطقية وواقعية في سرد الأخبار المشكلة للمشاهد مثل الأسطر :5/6/7/8/9/10، ،كما أن علامات الترقيم الخطية عوضت الترقيم اللساني مثل الفاصلة والنقاط المتتالية الدالة علىالتعدد في الأسطر5-وتماسك حين ترى... والسطر13-عطايا الرب... بوجه خاص ، ومن أمثلة المقطع الوصفي في النص؛
10-سترى خيلا ليس لها أعناق ،وسيوفا ليس لها أغماد،ودما
11-ينثال ليشرب منه المرضى والمقهورون وأصحاب الفاقة
12-والموهوبون
13- عطايا الرب...
يذهب آدام إلى أن القصد من دراسة الحوار هو استكشاف القوانين الحاكمة لانتظام النصوص والملفوظات المتخذة من المحاورة شكلا لها ، ويجب التنبيه إلى نقطة مهمة تتعلق بكيفية الحوار فقد يكون متناوبا بين طرفين في دورة كلامية مكتملة وقد لا يكون كذلك ،وهذا ما يظهر في قصيدة الصيخان التي يغلب فيها الصوت الواحد، وتجري العادة في توظيف البنية الحوارية في النصوص لإضفاء طابع حركي على المشاهد والأحداث بخاصة إذا قَدَّمَ النص مجموعة بيانات تتعلق بزمان ومكان الحوار مثلما هو الأمر في النصوص السردية التي يتخللها ،والذي يمهد له أحيانا بعبارات استفهامية أو تعجبية تقوم بوظيفة انتباهية ويمكن الوقوف في نصنا مع مجموعة من البنى المقطعية تظهر توجه الخطاب إلى المخاطب الذي يتحول إلى متكلم في الآن نفسه:
16-وتَوَسَّدْ صوتي حين أناديكَ لتصعدْ
17-اخترتُكَ أنْتَ
18-لستَ الظَّاهِرَ بينهموً ولستَ السَّافِرَ
28- مد يديك لها اغمض عينيك وقل
29- ياأيتها الشَّمسُ خذيني، ابن الصحراء أنَا آتٍ منها
32- همستْ في أذني الصحرا، وأنا في المهد بأنَّ الشَّمْْسِ سَتَمْنَحُنِي
كما يمتاز الحوار النصي باستنطاقه للجماد ، وتفعيله للثابت فالفضاء النصي كله يشي بالحركة والتموج والاضطراب ، ولا سبيل إلى هذه الديناميكية إلا بإقحام تقنية الحوار في الخطاب الشعري ،ولما كان كل خطاب متضمنا بعد إقناعيا فإن قصيدة كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس؟ قائمة على قضية تبتغي التحقق في الواقع المادي للإنسان العربي ، ويحاول الصيخان الدفاع عن قضية المصير العربي إنسانا ووطنا بأسلوب غير مباشر يستدعي فية أدلة واقعية مشاهدة ، بالإضافة إلى الارتكاز على المشروعية التاريخية في تحميل الإنسان العربي مسؤولية النهوض والتجديد والانطلاق ؛ يقول الشاعر في السطر 48/47 : فاصعد ...أنت المدعو سليلَ الصحراء ، المتوارث مجد الضرب علانية في غاربها .
هذا وتعد الوظيفة البرهانية إحدى أهم الوظائف اللسانية حضورا في العملية التبليغية ، ذلك أن المبلِّغَ يسعى دوما إلى البرهنة على صحة رسالته لتتلقى قبولا لدى المبلَّغ مستعملا الاستدلال العقلي والمقايسة المنطقية ووسائل لسانية أخرى للتأثير في المتلقي،كتكرار العبارة أو الصورة أو الاستشهاد بالرمز أو نتائج الفكر الراقي بخاصة في القصيدة الشعرية الحديثة التي تجنب النبرة الخطابية المباشرة ،وربما جاز لنا الزعم هاهنا أن الشاعر ينافح عن رغبات المواطن العربي وفي مقدمتها حرية الفكر والتعبير واستقلال الأوطان وأداته الأولى الشعر وحججه الواقع المعيش والتاريخ المنصرم وموقف الآخر ،أما النتيجة الحتمية فهي تجديد العقل العربي والدخول في عصر تنوير حقيقي يكفل للإنسان حقوقه الكاملة ،وهنا تتجلى إيحاءات العنوان: كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس؟ بل كيف سيحقق هذا الصعود ؟؟.
لقد جسدت العملية البرهانية الوظيفة الإقناعية للنص من خلال التراتبية الحجاجية المضمنة في السرد والحوار والوصف والطلب ، و التي اعتمدها النص انطلاقا من مرجعيات ثقافية متنوعة اجتماعية واقعية وتاريخية كانت قادرة على تحقيق الملاءمة والانسجام بين بنية النص وعالمه، وهذا ما يدفعنا إلى الحديث عن الغرض الحجاجي في القصيدة .
1-2-البعد الحجاجي للنص الشعري
يمكن الانطلاق من أن هذا النص حجاجي بالدرجة الأولى،وهذا بوصفه خطابا متلفظا به يفترض متكلما ومستمعا تتوافر فيه قصدية التأثير بوجه من الوجوه، مما يدفعنا إلى طرح جملة من الأسئلة لعل أهمها: كيف يبني النص شكله الحجاجي؟ وكيف يمكن أن يكون حجاجيا بدرجة أولى ؟ ،وقبل مقاربة النص يمكن القول بوجه عام أن النص الحجاجي يقوم على عملية فرض لجملة من المعطيات والنتائج الموجهة حواريا بصفة حتمية، لا تترك للمتلقي أي خيار في اختيارات أخرى، بل هو مطالب بالاقتناع بصحة ما توصل إليه بفعل القراءة أو السماع من نتائج منطقية دلالية ، تعكس المفهوم الناتج عن الوضعية السياقية للكلام ككل ، كما أن هذه النتيجة المضمنة في الملفوظ أكثر أثرا في المتلقي منها إذا كانت مباشرة لشعوره العميق بأن استنباطها من طرفه يعني أنها من بنات فكره، فهو إذن مطالب بقبولها بدافع نفسي،وإن القارئ بعد فراغه من قراءة القصيدة متعرفا على سر صعود ابن الصحراء إلى الشمس لايسعه إلا أن يعترف بعظمته وقدرته على التفكير والنهوض والارتقاء والتحديث .
هذا ويمكن أن نعاين الوظيفتين الججاجيتين الرئيستين؛ وهما الوظيفه التّصديقية والإيقاعية في هذا النص من خلاله التوصيف التالي:
أ-الوظيفة التصديقية
يمكن التعويل في تحديد هذه الوظيفة على تمييز دلالة " لكن" في التراكيب الجملية التي تربط بينها، إذ ذهب بعض اللغويين إلى أن توظيفها رابطة بين عبارتين في ملفوظ يقضي بإضمار النتيجة فيه وبالإضافة إلى ذلك تعد الوظيفة التصديقية في الحجاج حملا على التصديق بعظمة المتكلم أو المخاطب فيما يستخلص ابن الصحراء / كليم الشمس / الصاعد إلى القمة / العربي / الشاعر المجدد من نتيجة مضمرة بعد إدراك العلاقة بين ( ق1)و(ق2)؛ وكثيرا ما انشطر الملفوظ إلى طرفين أحدهما يسير بالدلالات إلى المعنى السلبي وثانيهما يوجهها توجيها زمنيا ومكانيا نحو الإيجابية والفاعلية والتميز ، وهذا ما يطبع الوظيفة التصديقية ويسمها بالبعد التعظيمي .
ب-الوظيفة الإيقاعية
بتحقق الوظيفة التصديقية في المحاججة ينتقل المتكلم إلى مستوى آخر يتمثل في التأثير في سلوك المخاطب، وحمله على إنجاز فعل أو تركه بناء على تلك السلطة التصديقية المحققة، وبهذا ستصبح كل النتائج المحصلة من مقدماتها أفعالا طلبية إلزامية وإقصائية في الآن نفسه، فهي تلزم الخطاب بالكشف عنها، وتقصي بظهورها ما يناقضها من أفعال،والقضَّية التي بين أيدينا تنجز فعلا طلبيا هو الدعوة إلى الارتقاء مرة ينجز الفعل بشكل صريح تتطابق دلالته القولية مع غرضه الإنجازي :اصعد،تماسك،لترى ،زاوج ، تأمل ، تيمم ، صل، تنفض ،...إلخ ،ومرة أخرى ينجز بشكل غير صريح فلا يتطابق الفعل القولي فيه مع الفعل الإنجازي مثل:بي جدب / وعلي قماش من سندس أخضر براق فالفعل القولي وصف وإخبار أما الفعل المنجز فطلبي وهو الدعوة إلى العمل الحثيث لدفع الفاقة واستغلال خيرات الأمة في الوجه الصحيح،ويمكن الزعم إزاء هذا التوصيف للبعدين التصديقي والإيقاعي في النص بوضعه خطابا حجاجيا القول بأن المحاججة تفضي إلى فعلين أحدهما اخباري تصديقي وثانيهما إنشائي طلبي( اصعد إلى الشمس) يمثل غرض القصيدة ومقصد صاحبها بتبيان سبيل النجاح الحضاري ( الارتقاء الفكري والاجتماعي والمادي)، وفق هذا التصور الاختزالي الذي يصف منطق النص في الحجاج، وكثيرا ما يجمع المحاجج عن قضيته بين الدليل التاريخي والدليل الواقعي إلاّ أن للشعر أسلوبه في استحضارهما فالصيخان مثلا ينتقل من الحاضر إلى الماضي بفضل تقنية الاسترجاع ليبين مواطن الضعف والقوة في الحياة العربية،في لمحة بارقة ففي المقطع الرابع يعرج على الماضي بحمولته العلمية والاقتصادية والأخلاقية وما يشي به من قبس السؤدد والإبداع والعدالة ليستدل به على عمق النزيف الحضاري الراهن من عالم ملطخ بالأحزان الرمادية والاختلاف المرير على الجاه والمال والسلطة، وأضحى المكان العربي ذاته موبوء بالاختلاف ؛ أودية متشاجرةبلد يتقاسمه الباعةكل الأرض جروح ـ كما ذهب آدام إلى أن العملية التفسيرية في الخطاب تعمل على ربط النتيجة والتبرير للظواهر المعبر عنها قصد توضيح قيمتها للناس، وبالتالي سيكون التفسير مرتبطا رأسا بسؤال صريح أو ضمني يتمثله صفة لماذا؟ ،ويمكن تتبع مواطن التفسير في الأسطر التالية:
2- لماذا اصعد كي تنفض عن عينيك غبارهما فترى.
5- وتماسك حين ترى (لماذا)سترى ناسا يقتتلون على الماء
19-اصعد( لماذا) كي تفتح عينيك على الصالح والفالح والطالح.
2-2-التداخل المقطعي
إن التداخل بين البنى المقطعية القاعدية في النص لهو ميزة جوهرية فيه، ويقوم هذا التداخل على نوع من المناوبة بين الحوار والسرد والتفسير والوصف وعليه يمكن توصيف أنواع التداخل الموضحة في
التداخل المقطعي السرد الوصف الحوار التفسير البرهان
السرد - × × × ×
الوصف × - × × ×
الحوار × × - × ×
التفسير × × × - ×
البرهان × × × × -
وفي إطار التداخل المقطعي يمكن أن نشير إلى بعض الأغراض التداولية لعلاقة الأنواع المقطعية ببعضها، فالوصف ضروري بالنسبة إلى السرد إذ يكسبه مجالا تخيليا واسعا ويجعله في الآن نفسه من حيث هو حكْي لأحداث أكثر واقعية مثل ما يقدمه المقطع الأول من السطر 1إلى 13، وربما عد الوصف في الخطاب السردي علامة مرور تنظم سير الأحداث وتحددها زمنيا ،كترتيب أحداث موصوفة في السطر7/8/9/10/11بحسب أهميتها ،ومن خلال الإبتداء بالمشهد العام ثم الخاص،أما تعالق الحواري مع السردي فمن شأنه أن يوسع دائرة الحَكْي ، وأن يضفي الحيوية والنشاط على وظائف الشخصيات ضمانا لنمو البرنامج السردي واكتماله بالرغم من انكفاء البرنامج على شخصيتين تمتاز إحداهما عن الأخرى بالحركة والنمو ،من مثل ما نجده في المقطع الشعري الخامس .
56- الأرض تدور
57-هذا الفلك القائم يوغل في الظلماء ولكني أنسج امرأة تتحول في
58- الصبح إلى كوكب عشب
59- أخضر رطب
60- فأرى
61- وأشك
62- ثم أحط يدي على وجهي
63- يغشاني النور
64-فأسأل أين أنا
65-أتكاشف والشمس
وبالإضافة إلى مبدأ التداخل المقطعي نسجل في النص ظاهرة أخرى تنزع بهذا التداخل إلى هيمنة بنية مقطعية معينة تحتوي تنظيما من البنى المقطعية اللامتجانسة كأن يتضمن السرد الحوار والوصف والتفسير مثلا، ويكون الحوار والوصف بمثابة حلقتي الوصل بين بداية الحكي وتفسير أحداثه، انسجاما مع غرض البوح ومفازاته التي يسلكها نص الصيخان من خلال تقلبات الذات من السرد إلى الخطاب .
3-الاتساق النصي وأدواته
يقوم اتساق النص الشعري على كيفية ترابط البنى المقطعية الظاهرة بفضل أدوات ومهيمنات بنوية وأسلوبية تضمن اتساع التركيب في اتجاه نمو الموضوع الرئيس وتشظي جمرته الدلالية، ولتوظيف دعائم السبك والإتساق في القصيدة المختارة يتم التركيب على البنى التالية
أ-بنية التكرار
من المفاهيم الأساسية في معالجة النص الأدبي ، فهو وسيلة مهمة لاكتشاف أبعاد الواقعة الأدبية في التداوليات الأدبية ، ويمكن أن يتمظهر العنصر المكرر في أشكال مختلفة ، فإما أن يكرر الدال مع مدلول واحد ، وإما أن يكرر مع مدلول يتحقق من جديد في كل مرة أو يتكرر المدلول الواحد مع دالات مختلفة ، مما يؤكد السمة البنيوية للتكرار في النصوص ، إلا أن دراسة الظاهرة لاتتوقف عند حد رصد تواترها الخطابي بل يعنى المحلل بإبراز أدبية الظاهرة في ضوء جدلية الثابت والمتحول ووظيفتها الخطابية من حيث كونها وسيلة للإفهام والإفصاح والكشف والتأكيد والتقرير والإثبات ،ويميز علماء اللسانيات النصية بين التكرار التام والجزئي الذي يقوم على استعمال المختلف للجذر اللساني للمادة المعجمية نفسها ويعد هذا النوع بالذات من أهم الآليات اللسانية التي تحقق الوظيفة الإقناعية في النصوص الحجاجية ، بالإضافة إلى تكرار الترادف في مستوى اللفظة أو العبارة،كما يكون التكرار في مستوى البنيات الموزونة بعدد معين ، وتجانس الصوائت ... فإذا كانت هذه التكرارات ملامح دالة على أدبية النص فإنها من ناحية أخرى بنى تسهم في تناسق المقاطع المتجاورة وتحقيق نصيتها، كما أن التكرار الإيقاعي المتناسق المميز للقصيدةيشيع فيه لمسة عاطفية وجدانية تحققها تكرارات المتواليات اللفظية والتركيبية مما يجعل لدى المتلقي قدرة على التأويل والتأمل بشكل جد فعال، وهذا ضرب من ضروب الانسجام الوجداني بين النص والمتلقي ،ومن شواهد التكرار ما يبرزه الجدول التالي:
التكرار
التكرار التام
الجزئي شبه التكرار تكرار المرادف التكرار الجملي/تكرار صورة التكرار النحوي التوازي
-بلد -بلد(24)
الناس(42-43)
لهب72-80
ترى(14)مرة
اسمع(3) مرات
اصعد(8) مرات
ابن الصحراء29-47)
الشمس(3) مرات
ساقك (سطر3)
تماسك(3-5)
الماء (4)
يقتلون(8-9)
كل(14-22) تشك-الشك(53-54)
يسترقون السمع/ اسمع(76-78)
أناسا /ناسا(8-9)
حلم /علم الباعة-تجار الليل
البلد- الوطن
البدو -رعاة الأرض
الهذيان-المريض(55)
اللهب / النار(80/81) أتكاشف والشمس(65/69)
اصعد يا(1-2) 40-41اليوم طويل الأرض سعير
والممعن بالنظر في الجدول يتبيَّن له اختيار النص للتكرار التام بدرجة أولى، ثم التكرار بالترادف و شبهه ، أما التظام فيمكن تتبع صوره في انتظام الثنائيات التالية: (الجدب/الخصب ) ، (الظلماء /الصبح) ، (أرى/أحط يدي على وجهي) ، (الأبيض /الأسود) (الصاعد/ النازل) ، (الماء/النار) ، (التماسك/ الضعف) وهذه الثنائيات قائمة على علاقتي التضاد والمقابلة بين الصور.
ب-بنية التوازي:
يقوم التوازي في القصيدة على تشاكل تركيبي بين بنى نحوية، تظهر نوعا من الترابط الدلالي بفضل علاقات دلالية منطقية مثل الترادف والتضاد والتقابل المشهدي، وهذا يضفي على شعرية القصيدة إيقاعا متميزا ينسجم مع غرض الخطاب، وربما كان كل تواز تركيبي في مقطع أو مشهد شعري محققا لتوازن وتوافق بين موضوع النص والسياق الخارجي ، ولعل قصيدتنا" كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس؟" تفصح عن بنى متوازية مستهلة بالجملة الفعلية الأولى ـ اصعدـ والتي تتماهى في نظرنا مع النص برمته لتشكل موضوعا يتجلى محموله سائر البنى التركيبية في النص المعطوفة على بعضها البعض بمؤشر عطفي ظاهر تارة هو " الواو" ومضمر تارة أخرى يمثله الفصل، ويؤكد الإحصاء في مستوى البنية النصية الظاهرة أن الطلب في القصيدة هو التركيب المعول عليه في الغالب في بناء التوازي سواء ورد مهيمنا أسلوبيا في مقاطع بعينها أو ورد مُنْدَسًّا في بنى إخبارية وصفية، إلى درجة تصير القصيدة كلها إلى طلب صريح ،ومن أمثلة ذلك الأسطر :1،2،3،15،16،23،75،78،81،كما تواجه القارئ جملة من الصور الفارقة ينطلق فيها التنَّاصُّ من الوصف إلى السرد، مرتحلا عبر الزمان والمكان مستنكرا أو حالما في لحظة راهنة أو مستقبلة، ثم ما يلبث أن يعود من حيث أتى أول البدء طالبا فعلا معينا من خلال تحققه تتحدد حقائق الأشياء ؛ وتثبت وقائع في عالم الناس ومن صور ذلك:
1-اصعد ياحبة قلبي، اصعد
3 -وتماسك حين ترى
6-سترى مالا عين رأت ولاأذن سمعت
7-مالم يوصف في الكتب المنسوخة عن عاشر جد
8-سترى ناسا يقتتلون على الماء
9-وأناسا يقتتلون على طرق تفضي بالناس إلى كرسي وزبرجد
*******
14-كل الناس عطاش
15-فاصعد ياحبة قلبي ، اصعد
كما يبرز النص ميلا إلى استعمال أدوات النفي مثل لا النافية وليس ولم الجازمة في غير ما موضع، حتى غدا النفي فاعلا في تحقيق إيقاع التوازي بين مركبات المقاطع الشعرية ، يمكن تلمس ذلك في الأسطر ،كما أن الحديث عن النفي يفيد إلغاء حالات وأوضاع اجتماعية وتثبيت أخرى في إطار جدلية البقاء والعدم، ولعل نظرة الشاعر المتشائمة وحيرته وخيبة أمله كانت أقوى ثباتا وأكثر انسجاما مع دلالة النفي المتعلق الذي عبرت عنه لا و ليس في النص ،وهذا الفهم أكثر انسجاما مع البيئة الموصوفة التي تزدحم بالمتناقضات والنكسات والجرائم في جميع الأصعدة ،وهذا ماتكشفه الصورة الفوتوغرافية المثيرة ،والقائمة على تقنية الاستباق السردي في المقطع الأول من السطر(1) إلى (13).
إن التوازي النسقي الذي تزحم به القصيدة يحكم قبضته على إيقاع النص وموسيقاه الداخلية، فيجعله أكثر انصياعا لسلطة الغنائية .
لقد بات التوازي من خلال علاقة الشكل بالدلالة صورة لتضامن التركيب مع الإيقاع إذ كلما تكررت التراكيب وتوافقت تماثل بدوره النص وإيقاعاته بشكل متواتر من بدايته إلى خاتمته،وهذا يضفي على الموسيقى توترا يعبر عن تجاذب بين نفسين إحداهما حالمة صاعدة وثانيتهما مضطربة نازلة،فما أشبهها بموجة البحر!!!
لقد تلبست القصيدة شكل الوصية متخذة من الطلب عنوانا لها، ومن أفعال التنبيه دعائم تحقق بها تواشج الأبنية المتوازية التي تنكسر إيقاعاتها بتدخل نمط أسلوبي مغاير كتدخل النفي بين الأمر ، وربما انسجم هذا الانكسار الإيقاعي مع دلالة الحيرة والتشتت والفوضى التي شحنت بها القصيدة حتى النخاع ، ولو شئت لوقفت عند الأسطر :
6 نفي تقرير
7 نفي تقرير
8 إثبات تقرير
9 إثبات تقرير
10 نفي تقرير
11 إثبات تقرير
12 إثبات تقرير
13 إثبات تقرير
14 إثبات تقرير
15 أمر طلب
ج-أدوات الربط
يبني النص ترابطه النسقي بوساطة أدوات ربط معهودة لعل أهمها استعمالا في القصيدة:
1-حرف الواو،بتواتر54 مرة
2-الضمير ، بتواتر32 مرة
3-الفاء ،بتواتر12
4- إشارة، بتواتر 08
5-مقارنة، بتواتر2
6-أم بتواتر 02
7-ثم ، بتواتر01
د-العلاقات الدلالية والمهيمنات المعجمية
ضمن هذه السياحه الوصفيه فى اقصيدة كيف صعد ابن الصحراء الى الشمس ؟ المعجم الشعري في اختياراته اللفظية بكونه معجما خليطا من مفردات متنافرة في حقولها الدلالية كتلك الدالة على الألم،و الأسى،و الحيرة، والحلم والاسترجاع والحث على العمل والأمل والنقد اللاذع وألفاظ الطبيعة كالماء والدخان والرمل والصحراء والنار والشمس والكون والفلك والصبح وأشياء الحضارة الإنسانية مثل : الأبراج والسفن والميزان ..إلخ ، مع المزاوجة بين المجرد والملموس ،في تناسق واضح بين عالم الحضور والواقع وعالم الغياب والحلم ،هذا و يستثمر معجم النص من الألوان الأخضر و الأحمر والأبيض والأسود وما يتركب منهما من رمادية تبعث عن الأسى وتشي به وخيبة رجاء من مثل ما قالته القصيدة في أبياتها:
27-هذي الشمس تناديك وقد خبت حمراء شواظ.
31-وعلي قماش من سندس أخضر بارق./59- أخضر رطب.
37- وأرى خيطا ..أسود لاأبيض فأصوم./72-لهب متحدر مثل الماء ،دخان أبيض مثل الثلج-الغيم
45-رمادي الوجه.
46- والموت رمادي فاصعد.
كما يبين المسح الشامل للنص بناء الدلالة على علاقة المفارقة والتضاد في كثير من الصور والرموز بالإضافة إلى علاقة الترادف التي عول عليها النص في عملية الوصف والتقرير، ولنا أن نقرأ الأسطر
10- خيلا ليس لها أعناق مفارقة
11- ينثال ليشرب منه المرضى والمقهورون وأصحاب الفاقة شبه ترادف
20- والكالح والفارح والتارح والجارح والمجروح تضاد صفاتي
ه-الزمن في النص الشعري
استغرق الزمن النصي الحاضر في استشرافه للمستقبل وحتى الماضي لم يفلت من زمام هذا الاحتواء وهذه السيطرة التي عبثت بقداسة الأزمنة في الواقع، إننا نرى تداخلا ملحوظا في قول الشاعر:
73-أطفال قتلوا في آخر حرب، فتيات بثياب الدرس -----ماضي
74-يحمن ويسَّاقَطْنَ على زبد من غدر -------------حاضر.
75-اصعد ياحبة قلبي ، اصعد-----------------مستقبل
76-ستلاقي رهطا يسترقون السمع على درجات الكون--- مستقبل
77- فحادثهم ------------------------مستقبل
79-هذي آخر عتبات الكون الخامل-------------حاضر
80- أنت الآن على لهب منها فادخل---------حاضر/ مستقبل
84- وادخل في جدل الأشياء-----------------مستقبل
85- أنت الآن ترى.----------------------حاضر
و-البعد الخطابي وتركيب الصورة
وفي المستوى التداولي يمكن أن نزعم انفراج النص عن حمولة عاطفية وتشخيصة واضحة يعلو فيها صوت الذات على ملابسات الواقع الموصوف ناهيك عن اعتراف البنى المقطعية النصية في كل استئناف بالبؤرة الدلالية التي يقدم عليها القصيد بأسلوب مباشر، ودليل ذلك الأسطر التالية:
1-اصعد يا حبة قلبي اصعد
19-اصعد كي تفتح عينك..
27-هذي الشمس تناديك وقد خبت حمراء شواظْ فتواطأ معها.
29- ياأيتها الشمس خذيني ، ابن الصحراء أنا ، آت منها.
32-همست في أذني الصحرا وأنا في المهد بأن الشمس ستمنحني.
وفي هذه المباشرة إيحاء بالمبالغة في الوضوح الشعري والتراكمات القصدية ، وباصطلاح منظَّري نظرية التلقي يكشف أفق التوقع عن خطابية عالية النغمة يؤشر لها فعل الطلب بصيغة الأمر المتمحض إلى الحث والدعوة إلى العمل والحركة الصاعدة الذي عد مهيمنا أسلوبيا ومحددا لوجهة النص الشعري في المستوى التداولي دونما نشاز عن تخوم التجربة الواقعية وسلطة النحو الباسطة ذراعيها على نسقية النص وتكوينه .فإذا انتقلنا إلى تركيب الصورة لاحظنا منذ البدء النزعة إلى تشويش اتجاه الرسالة الشعرية، غير آبهة بإفهام المتلقي ، متعدية لحدود التركيب المجازي الكلاسيكي الذي أضحى منهكا للقوى في الحداثة الإبداعية العربية، يقول الصيخان:
45-والنسوة إذ يَتَوَالَدْنَ وما ينجبن.
48-رعاة الأرض على ظهرك يرعون.
51- والنازل في الرمل ، المرتحل على زلزلة في القلب ، المتدثر بالرغبات الأولى.
إن هذا التنافر الدلالي بين مكونات الصورالأولى والثانية والثالثة لهو السمة التأشيرية لها في ذهن المتلقي لما فيها من فاعلية وغربة وأمل وعدمية عابثة بجدوى الأشياء ، والواقع أن الشاعر ينزع إلى بناء الصورة من عناصر متضادة أو متنافرة تفارق في تشكيلها المألوف متساوقة مع خصوصية التجربة الشعرية في اختيارها المسالك الصعبة والمثيرة،كما أن تسييق العناصر المعجمية المكونة للصورة الفنية يفضي إلى هيمنة الألفاظ الطبيعية من حيث هي معادلات تعبيرية عن لحظات شعرية تأخذ موقعها من جغرافية القصيدة" كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس ؟ مثل:الصحراء، الخيل ، السيف ، البدو ، الرعاة ، المرتحل ، النازل ، الرمل ،الماء ،على أن الشاعر يغازل بتوسله هذه الألفاظ البسيطة المعبرة عن أشياء الوجود أفقها التجريدي في إحالتها على التأمل والاستكشاف ،ومعانقة الوطن، نلمح ذلك -مثلا- في دلالة الماء علىالرغبة في الحياة والتعلق بها في قوله :
4-ووجهك ينفح بالماء إذا ما أصبح بين الماء وبينك قافلة من نوق.
ودلالة الخيول مقطوعة الأعناق والسيوف معدمة الأغماد على شراسة الصراع البشري من أجل المادة والسلطة .
10-سترى خيلا ليس لها أعناق ،وسيوفا ليس لها أغماد،ودماء
وهي ألفاظ على بساطتها تحيل إلى صورة الذات العربية الصاعدة من ظلام تخلفها وقساوة صحرائها إلى القمة وضوء الشمس في عليائها، لذا يوظف الشاعر جزئيات الضوء وعناصره الموضوعية والنفسية والحلمية في الصورة البارقة ذات الجمل القصيرة والفضاءات البعيدة ذات الصوت المتعدد بين الأنا والأنت على حد وصف غالية خوجة ،كما أن استقراء البنية التكوينية للقصيدة يكشف عن نزعة للمزج بين الأبيات المقفاة بنفس القافية والشكل التفعيلي وشعر النشر، من مثل ما ورد في أبيات مختلفة منها :7/9 و2/5 و15/16 و19/20و20/21 و27/29...إلخ ، والمقطوعة الخامسة أنموذجا لقصيدة النّثر، وربما عكست هذه المؤاخاة الإيقاعية بين نماذج مختلفة للقالب الشعري الصراع بين القديم والحديث والبداوة والحضارة والتمسك بالماضي والرغبة في التعبير والانطلاق باعتباره معادلا موضوعيا للفكرة المركزية التي يقوم عليها الخطاب في القصيدة المختارة ؛ الصعود إلى الشمس ، والتجارب في الصعود والانفلات من رابطة الأرض المثقلة بآثار الرمل الأصغر ، نحو الأمل الأخضر!
ز-البعد التداولي للاستفهام في النص الشعري
يعد الاستفهام من الأفعال الطلبية التي تعني طلب فهم شيء ما ،وله أغراض خطابية متعددة لعل أبرزها في التداول التنبيه والإفهام والإنكار والإستغراب و الحيرة والتهكم ، وربما جاء الاستفهام في قالب نفي أو ظرف أو حالية ...إلخ ، وبتتبعنا لحضوره في القصيد بان ارتباطه بدلالة التعجيز والبحث عن المستحيل في قول الصيخان:
45- من يفتي في أودية متشاجرة
46- من يمشي ،من يتبختر.
ودلالته على الحيرة في :
64- فأسأل : أين أنا
ومن الناحية النحوية يمكن تنميط التركيب الاستفهامي الذي يستفهم بالأداة أين في المثال السابق
أ-(أين) أداة (اسم) الاستفهام + المستفهم عنه (المكان) ---- مبتدأ (م)
خبر (ع)
أين مبدأ
الحيرة والضياع والغربة استفهام عن المصير والوجود
أما توظيف الأداة مَنْ فغايته طلب التعرف على هوية الفاعل العاقل لأفعال هي غاية في الصعوبة والتحدي .
4-الانسجام النصي:
يقوم تمعين هذا المستوي من خلال رصد حركة المعنى في المكونات التالية:
1- 4- المكون الدلالي المرجعي
ربما كان بإمكاننا تأطير هذه القصيدة ببعد دلالي مرجعي بفضل بنيتها الدلالية الكبرى :كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس ؟ ، والتي تكشف عن نمو واستمرارية الموضوع المركزي في النص الشعري منذ البدء من خلال تلاحم أجزائه في مستوى الشكل الدلالي فكل بنية دلالية صغرى تسلمك إلى مشابهتها ( علاقة المقاطع السَّتِّ ببعضها) بعلاقة دلالية معينة، مكونة في الأخير الموضوعة المركزية ، وهذا ما يعطينا انطباعا بأن النص الشعري بخاصة والنص بعامة وحدة دلالية بالدرجة الأولى ، لقد صاغ الشاعر " عبد الله الصيخان" موضوعه في قالب تخييلي بالرغم من الحضور الكثيف للمقاطع السردية والأمرية، إن هذا القالب التخييلي من حيث هو أسلوب لوصف الأحوال بالتداعي يتناسب مع سؤال الكيف الذي بنى عليه الشاعر عنوان قصيدته ، كما أن تداعي الأخيلة في ارتباطها بالذاكرة والحلم واللاشعور هو أفضل نمط تتجمع بوساطته الصور القديمة المشتركة للذاكرة الإنسانية مشكلة ما يعرف بالنماذج العليا ، والتي حاول النص تمريرها إلى القارئ باستدعاء العلامات التالية :التماسك -الصعود -الكتب المنسوخة ، الكرسي والزبرجد - المظاليم - حادثهم -الصلاة -جدل الأشياء- الرؤية،المرأة ، فهذا النص يبين جدلية الوجود الإنساني القائم على الصراع والحوار والاختلاف والطموح والسلطة ، والمال ، والعنف والإيديولوجيا والمقدس والمحرم، إنها علامات تختزل العلاقة بين الحاضر والغائب والفضيلة والرذيلة والخير والشر والمقدس والمدنس في نهاية المطاف ، ولنا أن نتساءل بعد هذا التَّسْييقِ المرجعي كيف حقق النص الشعري انسجامه بوصفه وحدة دلالية كبرى، وللإجابة عن هذا السؤال المشروع لابد من توصيف الأنساق التالية :
أ-الإحالة
تمثل الإحالة في اللسانيات العلاقة الدلالية التي تربط العناصر اللسانية ببعضها في المستوى التركيبي وهي أيضا شكل من أشكال التكرار النحوي بما يصلح أن يستبدل به كالضمائر مثلا ، وربما مكننا الإحصاء من التعرف على الإحالة وعناصرها في بنية القصيدة ، إذ بان لنا اعتماد النص لضمير المخاطب ( أنت/كاف الخطاب) وبدرجة أقل ضمير المتكلم (أنا). حوار الذات مع الآخر
(الشاعر ابن الصحراء)
لقد أثبت المسح فائدة " الأداة الإحالية " متمثلة في ضمير المخاطَب من خلال تكرار إسناد الخطاب إليه من بداية النص إلى منتهاه في النمو الموضوعاتي للقصيد ، وتماسكه ، وقد أحالت الضمائر على ذات مركزية هي ابن الصحراء / العربي، ولهذه الإحالة وظيفة برهانية في أنها تحدد وجهة الخطاب والفعل الكلامي المنجز والمهيمن وهوالدعوة إلى الإرتقاء المادي والمعنوي بالإضافة إلى إحالتها على المتلفظ الشاعر.
ب-التتابع الموضوعي
ميز الفكر اللساني المعاصر بين ثلاثة أنماط للنمو الموضوعي ؛ أما أولها فهو الخطي بداية من أول كلمة في السطر الأول وما تتضمنه من دعوة إلى الصعود والإرتقاء ووصولا إلى منتهى القصيد في كلمة ترى من السطرالسابع والثمانين وماتشي به من دلالة على الحقيقة والمعرفة المتجردة وهما عماد الارتقاء والحداثة التي يمكن عدها هنا معادلا لفحوى الخطاب كله ،وأما ثانيها فيقوم على نمو موضوع قار في جهة واحدة ، بينما يقوم النوع الثالث على تعدد اتجاهات السيرورة الموضعية عن طريق التفريع، وهو ما يعرف بالموضوع المتشضي ،وقد سلك الشاعر هذا النموذج في رأينا للإجابة عن سؤال وجودي يمثل عصب القصيدة ونواتها المركزية ، ويتجلى ذلك في تعدد الموضوعات المممثَّلَةِ بأبنية دلالية صغري تتقاطع جميعا في موضوعة الصعود إلى الشمس ، والتي يمكن تشبيهها بدينامو حراري من طبيعة نصية ،أما التيمة الجامعة فهي الصعود إلى الشمس/ الإرتقاء الحضاري المستهل ثم تشضت وفق التسلسل التيماتي التالي :
-مخاطر الارتقاء ومزالق الصعود إلى القمة
-الصعود مغارم ومغانم
-الإنسان بين حلم الصعود ومأساة الواقع
-الحقوق الإنسانية
-الارتقاء العربي مسؤولية حضارية وإنسانية
-معرفة الحقيقة سر الخليقة ومفتاح الوجود
ج-النظائر
يعالج هذا المفهوم الوحدات المتناظرة التي تظهر نوعا من اللاتوافق النصي السياقي مما يربك القارئ في مستوى الفهم فلا يدرك العلاقة بين اللفظات التالية والسياق النظير الذي يمثله الشخص الموصوف أو الموجه إليه الخطاب " ابن الصحراء" والذي عمد الشاعر إلى إنزاله منزلة عالية سامقة سموق الشمس في عليائها بالرغم من ذلك التناقض الاتجاهي فالصحراء تشي بالنزول إلى أسفل بوصفها جزءًا من الأرض والشمس تشي بالصعود إلى الأعلى لكونها جزء من السماء إلا أن غرض الخطاب كامل بين المتناظرين في ارتباط الذات بالمكان الذي تسموإليه ، وليس هذا المكان المتخيل إلا قيمة مجردة .
2-4-المكوِّن التَّلفُظي
ننطلق في هذا المستوى من تحديد المصطلح المركزي في هذا المكون وهو الملفوظ من حيث يمثل متوالية محدودة تتكون من مجموعة جمل متلفظ بها من طرف متكلم أو أكثر في سياقات تلفظية متعددة تشكل ما يسمى بمقام التلفظ ،وهذا المقام مرتبط في تشكيله بعناصر التبليغ التي وصفها بوهلروجاكبسون، وعرض لها يول وبراون في كتابهما " تحليل الخطاب" وهي: المتكلم والمستقبل والزمان والمكان، وتمكن تجسيد هذه العلاقة في النموذج التالي :
الزمان
اللافظ التلفظ المستقبل
المكان
المقام التلفظي
ولنا أن نطرح جملة من الأسئلة حول طبيعة الشكل النصي وقائله والمتلقي والزمان والمكان والنظام التواصلي لنعيد بناء مقام تلفظي خاص بهذه القصيدة تمثله العناصر الاتصالية اللسانية المتشابكة في رحم القصيدة أين تتحد السياقات المختلفة مع المضمون النصي مكونة عالم النص، وسيكون هذا ممكنا من خلال تحديد أنواع المقام التالية :.
أ- السياق التاريخي
إن هذا النوع يمثل جملة العوامل التاريخية المرافقة لإنتاج القصيدة ،والتي يمكن عدُّها نصوصا مصاحبة(paratexte )، وهذه القصيدة الحديثة من ديوان الشاعر السعودي عبد الله الصيخان "هواجس في طقس الوطن" الصادر سنة1988 ،وهذا التاريخ يعبر عند حداثة التجربة الشعرية السعودية وتجذر القول الشعري عند هذا الشاعر في التجربة الشعرية السعودية المعاصرة ،وتنزيل الخطاب الشعري في سياقه التاريخي يقتضي أن يشار إلى أن الصيخان من جيل التجديد النازع إلى الرومانسية.
ب- السياق النفسي
تقوم مؤشرات مقالية عدة في هذا النص بوظيفة وصف النفس الشاعرة التي تتمتع برهافة حس ومقدرة متميزة في استبطان النفس البشرية، والإبحار في عالم الخيال والتجريد، كما يحيلنا النص إلى بعض الصفات من خلال تأشيره بملفوظات معينة على الضعف والقلق والحيرة والتفكير التأملي والسياحة الفكرية والتمرد والرغبة الدفينة في التحرر والانطلاق والتجديد ، والحنين إلى الوطن ، والاحساس بالغبن والتعلق يالتراث ،والرغبة في اكتناه المجهول ،واحترام الآخر من الجنسين.
ج- السياق الاجتماعي
يفيد السياق الاجتماعي علاوة على تنزيل النص الأدبي في سياق النصوص الحداثية التعرف على راهنية العصر وتحدياته الحضارية ،ويحاول النص الشعري الموصوف كغيره من النصوص الأدبية وصف المظاهر والأحوال الاجتماعية وأنماط العلاقات المنظمة للحياة الإنسانية في البلاد العربية ،والموقف من الآخر،وحرية التفكير والإبداع ، والدعوة إلى التحرر من السيطرة والاستغلال،والدعوة إلى الأخذ بزمام الحضارة في كبرى تجلياتها ،وهي المعرفة سرّ إثبات الوجود( فأنت الآن ترى)، هذا بالإضافة إلى أنّ هذه القصيدة موجهة للقارئ العربي الذي يتذوق الأدب والشعر منه بخاصة بل إلى المتذوق المفكر والفاعل في واقعه الاجتماعي، ولعل مُؤَشِّرَيْ الرمز والتّخييل فيها هما الحجتان اللتان نبني عليهما هذا التخصيص ،بخلاف كثير من القصائد الأخرى التي تنزع منزعا خطابيا مباشرا يؤكد توجهها لعامة المتلقين والقراء،كما يمكن تأكيد القيمة الاجتماعية للرسالة النصية من خلال فحواها الذي يبرز في الوعد الحتمي بالتحرر والانطلاق من ربقة الخنوع إلى عالم مملوء بالكبرياء والاعتزاز الذي نلمسه في صورة الطاووس المزهو بنفسه ، إنها النبوة الصادقة والمعجزة المنتظرة فمصير الإنسان العربي نتاج لهذه الحتمية التاريخية والحضارية ،وله أن يكون نبيا مخلصا للآخرين من هموم البؤس الاجتماعي بكل صوره التى تكبح جماح التحرر والتفكير والإبداع، لقد غدت الحياة العربية عيشة ضنكا تنوء بثقل أرزائها النفوس المتجلدة والخيل المتحمحمة التي ترفض أن تكون موضع رهان وصورة للزينة بل أداة لتقويض أركان الشر.
د- فضاء المناصصة
ننطلق بدأ من أن هذا النص يقيم علاقة حوارية مع نصوص أخرى يستحضرها ذهن القارئ في العملية التأويلية، وهذه العلاقة أشبه ما تكون بعمليتي التحويل أو التشرب لعدة نصوص يضطلع بعملية الاحتواء ،وهذا النص المركزي الذي يختزل مضامينها في مضمونه الكلي ، ويمعن الجدول التالي آفاق هذه المناصصة التي تعبر عن انسجام النص مع عالمه ، في ضوء تقاطعات بينه وبين عوالم نصية أخرى يهيمن عليها البعد التراثي الديني:
التناص مع التراث الديني
اصعد
سترى ناسا يقتتلون على الماء
وأرى خيطا أبيض
لاأسود فأصوم
ستلاقي رهطا يسترقون السمع على درجات الكون
تقاطع المقطع الأخير مع الفناء والتجلي عند الصوفية المعراج النبوي -رفع المسيح
{ووجد من دونهما امرأتين تذودان}
{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود}
سورة الجن
هذا وتمارس القصيدة مناصصة وحوارا ذا قيمة أسطورية مع صورة مشهدية ملحميةوجودية بطلها (ابن الصحراء) الذي يخوض تجربة فريدة في عالم الحلم مع رغبة جامحة في تحويل الحلم إلى حقيقة إذ لم يبق بينه وبين الشمس إلا عتبات ومرمى حجر، وهاهو يرى بعيون الحقيقة المجردة سفالا وأبراجا وبقايا ضحايا لحروب بشرية مدمرة هي علامات على ظلم البشر لبعضهم ، فما أشبه معراج ابن الصحراء بالمعراج النبوي وما أشبه ما رآه بما وجده ابن القارح في رسالة الغفران ،وإنها لمشاهد مدينة للذات الإنسانية أمام عدالة الشمس، وها هو ابن الصحراء يحادث في معراجه من لقيهم من جن يسترقون السمع على درجات الكون ،وهم يطلبون منه ضرورة الدخول في جدل الأشياء لتحقيق الوجود والكينونة الكبرى.
ه-القصيدة وتعدد الأصوات
إن نغمة الصوت الواحد والمتفرد طغت على النص منذ البدء لتنبئ عن هيمنة مطلقة لضمير الأنا، صوت المتكلم الناص الذي يقصى المخاطب من خلال الهيمنة على فكره وسلوكه ومنطقه، فيتقمصه فإذا هو إياه ، وهذا ما نعده توجيها للخطاب بالرغم من ظهوره في شكل مونولوجي يحمل المؤشرات الأسلوبية كالاستفه