إشارات سوسير لأثر السياق :
يرى سوسير القول بالعلاقات السياقية ( السنتاكمية ) والعلاقات الإيحائية بين العناصر اللغوية وقد أوضح ذلك في محضراته , يقول سوسير : (( تنقسم العلاقات والفروق بين العناصر اللغوية إلى مجموعتين متميزتين , ينبع من كل منهما صنف معين من القيم . أن التقابل بين الصنفين خير وسيلة لفهم طبيعة كل منهما . فهما يماثلان اسلوبين من النشاط العقلي , لا غنى عنهما لحياة اللغة ))1 .
هاتان المجموعتان الموافقتان لصورتين من النشاط الذهني هما مجموعة العلاقات السياقية والعلاقات الإيحائية , وتسمى أيضاً الجدولية2 .
فسوسير يحدد العلاقة السياقية بأن الكلمات تكتسب في الحديث علاقات تعتمد على الطبيعة الخطية للغة لأنها تربط بعضها ببعض , وهذه الحقيقة تحول دون النطق بعنصرين في آن واحد , وهذه العناصر مرتبة بصورة متعاقبة في سلسلة الكلام3 .
ويرى أيضاً أن مفهوم السياق لا ينطبق على كلمات فرادى فحسب , وإنما على مجموعات من الكلمات والوحدات المركبة مهما بلغت من الطول والتنوع كالكلمات والمشتقات , وأجزاء الجمل , والجمل المركبة 4 .
أما العلاقة الإيحائية فتجمع بين عدد من العناصر بصورة غيابية لا وجود لها إلا في الذهن ضمن سلسلة وهمية موجودة بالقوة مجالها الذاكرة , وهذه العلاقات تتكون عن طريق الربط بين عناصرها ذهنياً , لا يقتصر فيها الإنسان على التقريب بين العناصر التي تشترك في بعض الخصائص , بل يدرك بالإضافة إلى ذلك طبيعة العلاقات التي تربط بينها في كل حالة من الحالات , فينشئ بذلك عدداً من السلاسل الترابطية يوافق عدداً من العلاقات المختلفة , ومن ذلك كلمات ( تعليم – تعلَّم – علم ) ففيها عنصر مشترك هو الجذر اللغوي , وقد تدخل كلمة ( تعليم ) مجموعة ثانية نحو : ( تعليم – تسليح – تبديل ) , فيتضحك ان هناك إشتراكاً تارة في المعنى والصيغة معنى , وتارة أخرى يقتصر على أحدهما دون الآخر 5 .
كذلك نجد إشارات سوسير إلى السياق عند كلامه عن ثنائية اللغة والكلام فبعد أن يفترض اعتراض فحواه أن الجملة أحسن نموذج يمثل السياق , إلا أنها جزء من الكلام لا اللغة , أفلا يعني هذا أن السياق جزء من الكلام 6 ؟
ويجيب عن هذا التساؤل بقوله : (( أنني لا أعتقد ذلك , فالكلام يتميز بحرية تكوين ارتباطات أذن ينبغي على المرء أن يتساءل هل أن جميع أنواع السنتاكم حرة أم لا ؟ ))7 .
ويجيب عن تساؤله الأخير بأنه يجب أن تسند جميع أنماط السياقات التي تصاغ على منوال صيغ مطردة إلى اللغة لا إلى الكلام 8 .
والنظر في عبارات سوسير المبثوثة في كتابه يوضح أن سوسير يفرق بين نوعين من السياقات : الأول : السياقات المطردة التي تصاغ على نحو غير قابل للتغيير , مثل الأمثال والعبارات المسكوكة نحو : ( لفظ انفاسه , رجع بخفي حنين , الله اعلم ) فهذه سياقات مجردة تنمتي إلى اللغة , أما السياقات الحرة التأليف فتنمتي إلى الكلام9 , ولذلك يقر سوسير بأنه لا وجود لحد فاصل في ميدان السياق فصلاً مطلقاً بين الحدث المنتمي إلى اللغة الذي هو علامة من علامات الاستعمال الجماعي , والحدث المنتمي للكلام الخاضع لحرية الفرد ؛ وذلك لأن كلا العاملين ( الجماعي والفردي ) قد ساهما في إنشائهما مساهمة يستحيل تحديد نسبتها10 .
وبالامكان تلخيص فكرة السياق عند سوسير بقوله : (( والكلمة إذا وقعت في سياق ما , لا تكتسب قيمتها إلا بفضل مقابلتها لما هو سابق , ولما هو لاحق بها , أو لكليهما معاً ))11 .
===============
1- علم اللغة العام , سوسير , ترجمة يوئيل يوسف عزيز : 142 .
2- المنوال النحوي العربي , عز الدين المجدوب : 79 .
3- علم اللغة العام : 142 .
4- نفسه : 143 .
5- نفسه : 142-144 .
6- نفسه: 143 .
7- نفسه: 143 .
8- نفسه: 144 .
9- دلالة السياق : 171 , وعلم اللغة العام : 143-144 .
10- علم اللغة العام : 144 .
11- دروس في الألسنية العامة سوسير : 186 .