تعديل
لا تقطعوا السبَّابة * ـ رسالة إلى أحفاد دي سوسير ـ
يتكون
المسجد من عنصرين مختلفين متآلفين : البناء المقبَّب المسقوف ، والمنارة
الممتدة عالية في الفضاء . أحدهما يمثل الثبات والتقوس والاحتواء ، وهو
البناء المقبب ، والثاني يجسد الحركة والامتداد وهو المئذنة أو المنارة .
يصنع اتحادهما علامة واحدة يمثل رمزهما العلامة العمرانية : القوس والخط
: فهما عملة واحدة لا يمكن فصل وجهيها إلا بتمزيقها كلها .
هكذا علّمنا المعلم الأول فردينان دي سوسير وهو يشرح العلامة التي يكونها :
الدال والمدلول في نظام اللغة ، ضاربا عليها مثلا بالماء الذي هو وحدة
هيدروجين وأكسجين .إن المسجد علامة واحدة : يدٌ تمتد عالية في إشارة
واضحة بالإصبع إلى السماء ؛ هذه المساجد المنتشرة إنما هي في رمزيتها أيدٍ
تشير إلى الأعلى لتعطي معنى استمرار ارتباط الأرض بالسماء حتى تغدو الأرض _
وهي دال _ تتحد مع السماء _ وهي مدلول _ تكون وحدتهما علامة كونية واحدة
تنتج معنى استمرار الإنسان في الأرض مستضيئا بالسماء ، ومستهديا بالإيمان
في عمارة الكون ومحبة الإنسان ، في لقاء شامل ينبت من كل زوج بهيج .كان
دي سوسير يفتح بأفكاره العظيمة في العلامة آفاقا جديدة في المعرفة فنجد في
نموذجه اللغوي الثنائيات المختلفة تتحد لتكوِّن الوظائف الفاعلة في الحياة
، ومن ثم تتجه المعارف والعقول والأفكار نحو التجمع والتآلف والتفاعل
الخلاق المنتج ، هكذا نستحضر دي سوسير في معنى شامل للتوحيد : عند
الفيزيائي في علامة الذرة بين النواة والإلكترونات . وعند عالم الحياة في
علامة الخلية بين النواة والسيتوبلازم وفي غيرها من العلوم التي تمثل
عناصرها قوانين وأنظمة لغوية كما نرى في الجدول الدوري ، والشفرة الوراثية .و
اليوم فإن أحفاد دي سوسير يحتنكون العلامة ، وينقضون هذه العلاقة بين
الدال والمدلول فيحشرون بين طرفيها الكراهية والشحناء ؛ ليفرقوا بين
الإنسان وأخيه الإنسان ، ويهدموا الروابط الطبيعية بين الكلمات والأشياء ،
حتى صرنا نرى علامة الإنسان المكونة من : رجل وامرأة التي ترتكز على مبدأ
الاختلاف الذي يبث منهما رجالا كثيرا ونساء كثيرات ، صارت علامة تفكيكية
تقوم على مبدأ التشابه والمثلية : رجل و رجل ، و امرأة وامرأة ولا تنتج غير
التدمير والعدم .أما المنارة ، فإن كانت ستختفي من النسق الظاهري
لبنية المسجد فإنها ستبقى عالية في الصدور ؛ لأن العلامة لا تموت إلا لتحيا
مرة أخرى بطريقة مختلفة ، وبدلا من أن نعرف مساجدنا بعيوننا سنعرفها حتما
ولكن بقلوبنا ولن تكونوا صنعتم في النهاية سوى التسريع من انتشار الإسلام
فشكرا لكم . العلامةالمدلول الدالالمسجد قوس خطالذرة نواة إلكترونالخلية نواة سيتوبلازمالكون سماء أرضالإنسان رجل مرأةالعملة وجه 1 وجه 2الماء هيدروجين أكسجينالمعرفة قلب عينالبنية باطن ظاهر *
يحمل جذر (السبابة) اتجاهين من المعنى : الأول يذهب نحو السبب والعلاقة ،
والثاني يتجه نحو السب والشتم . انظر : لسان العرب مادة : سبب .30 / 11 / 2009a_s_obidon@hotmail.com