بت اللسانيات بتخصصاتها المختلفة منها ، اللسانيات العامة واللسانيات التطبيقية خاصة، أدوارا أساسية في نشأة التعليمية، حيث استفاد هذا التخصص استفادة جمة من التراث النظري المعرفي اللغوي الذي جاء به فردينا ند دي سوسير(المدرسة البنيوية) ون. شومسكي (المدرسة التوليدية التحويلية) وبلوم فيلد Blemfield (المدرسة التوزيعية) وما قدمته المدرسة الإنجليزية (فيرت )Firth (ومايكل هاليداي) M. Hallyday ( وبيل هايمس )Bell Hyms
(بشير ابريل، 2002 ص47)حيث أضفت هذه المدارس اللغوية نظرة جديدة في وصف نظام اللغة في مستوياته الصوتية ، والمعجمية ,والدلالية وبروز نظريات لغوية حديثة مفسرة لطبيعة النظام اللغوي وكيفية اكتسابه من قبل الطفل منذلادته إلى بلوغه مرحلة الرشد .
(دوغلاس براون ، 19 ص) كما ساهمت اللسانيات عبر أفكارها الجديدة في إعادة بناء البرامج واختيار المحتوى اللغوي المناسب لكل مرحلة عمرية من التعلم ذلك أن "تجديد تلك الأبنية ووحداتها وما يربط بينها من علائق متنوعة من شأنه أن يعين المتعلم على معالجة المواد اللغوية المدرسة، معالجة تربوية بيداغوجية يراعي فيها التدرج من البسيط إلى المعقد ، والانتقال من الشبيه إلى الشبيه به،ومن المقابل إلى المقابل له، وهو ما سيساعد على ترسيخ المعلومات في أذهان المتعلمين و ييسر لهم عملية استحضارها كلما شعروا بالحاجة إليها (بشير ابرير ،2002.ص47).
كما ساعد الوصف الدقيق لبنية النظام اللغوي المتوصل إليه من قبل اللسانيات ، تعليمية اللغات في إدراج هذه الأخيرة التمارين البنيوية التي تعتمد على مفاهيم التقابل (Opposition) والتشابه (L’analogie) و الإختلاف (le contraste) في فهم البنية العامة للغة ومعانيها والذي استغلته التعليمية في أبحاثها .
ومن بين هذا التأثير أيضا، إعادة الاعتبار إلى اللغة المنطوقة(la langue orale) (بشير ابرير 2002.ص47) وذلك للعلاقة الوطيدة التي تربط الإتقان الجيد لنطق أصوات اللغة منفصلة عن بعضها البعض أو في بنية الكلمة وبين الرسم الجيد والصحيح للحروف والكلمات المستقلة بذاتها أو في المتصل من الكلام .
فبعدما كان التدريس يهتم بتعليم اللغة المكتوبة فيما مضى، فقد أصبحت التعليمية في الوقت الراهن نهتم بتعليم اللغة في بعديها: المنطوق والمكتوب سعيا وراء ذلك إلى التحصيل الجيد للغة واتقانها.
كما ساهمت معظم المدارس اللسانية في اتخاذ الجملة بدل الكلمة كوحدة أساسية في دراسة اللغة، ناهيك عن تكوين الأرصدة اللغوية الأساسية التي يحتاج إليها المتعلمون في قضاء حوائجهم وشؤون حياتهم.
(بشير ابرير،2002،ص48)ومن بين المفاهيم اللسانية، مفهوم الملكة أوالقدرة اللغوية (la compétence linguistique) والتي يقابلها مفهوم الأداء اللغوي (la performance linguistique) اللذان جاء بهما ن. شو مسكي واللتان استغلتا بشكل واسع -فيما بعد -من قبل التعليمية في بناء استراتيجيات جديدة فيما يخص طرق تدريس اللغة وتحسين بيداغوجيتها.
أما أصحاب النظريات الاجتماعية التواصلية فقد جلبوا اهتمام التعليميين بمدى أهمية الجانب الإجتماعي الوظيفي للغة وضرورة التركيز على الملكة التبليغية التواصلية (la compétence (communicative والتي تبقى الهدف الأسمى من تعليم اللغة ، ذلك أن أصحاب هذه النظريات لايهتمون بتعليم النظام الصوتي والصرفي والنحوي للغة فقط، بل أن الأمر يتعدى ذلك للتعرف على التوظيف الجيد لمعاييرها و قواعدها حسب لقواعد الاجتماعية وسياقاتها واستعمالها وفق مقتضيات الأحوال المتنوعة. بمعنى آخر، توظيف اللغة حسب مقولة لكل مقام مقال.
بالإضافة إلى هذا كله، فقد ساعدت اللسانيات التعليمية في بناء منهجيتها البحثية، وذلك باستغلال هذه الأخيرة البعدين : المحوري، والتسلسلي (Diachronique et synchronique) في وصف الأخطاء وتبويبها حسب أنواع الخطأ وحدته مما سمح لها التعرف بسهولة على نوع الخطأ وسيرورته، وأسبابه، وبالتالي مساعدة المتعلمين على تجاوزه، سواء كان الخطأ في اللغة المنطوقة، أو المكتوبة، وذلك من خلال التطبيقات المدرسة.
استخلاصا لما سبق ذكره،يمكن القول أن اللسانيات في جانبيها: النظري والتطبيقي،قد مهد ت للتعليمية" تعليمية اللغات أرضية خصبة لتطوير منهجيتها، كما فتحت لها أفاقا جديدة للنظر إلى مشكلات التعليم والتعلم من زوايا عديدة،
هذا ما أدى –فيما بعد- إلى انفصال اللسانيات التطبيقية عن اللسانيات العامة عام **19 ، كما انفصلت تعليمية اللغات بدورها عن اللسانيات التطبيقية1957، وذلك بعد أن بنت تعليمية اللغات لنفسها موضوعا، ومنهجا، ومفاهيما بصورة متميزة تفردت بها تعليمية اللغات عن غيرها من العلوم .ا