تأليف د محمد محمد يونس علي
بعد مناقشة آراء الأصوليين واللسانيين في دلالة العدد، سنوضح في هذا المبحث رأينا المفصّل في المحامل التي يمكن أن يأتي عليها العدد. وسنبدأ بالقول: إن العدد المذكور قد يدل على العدد المسكوت عنه دلالة موافقة، كما في (45) الدالّة على (46)، أو دلالة مخالفة، كما في (45) المستلزمة لـ (47)، وعندما يتطابق حكم العدد المذكور مع حكم المسكوت عنه قد تكون دلالة العدد المذكور على غير المذكور دلالة موافقة، وذلك عندما يدلّ حكم العدد الأصغر على تطابقه مع حكم العدد الأكبر، كما في (45) و(46)، وقد تكون دلالته دلالة تضمّن، وذلك عندما يدلّ حكم العدد الأكبر على تطابقه مع حكم العدد الأصغر، كما في (48) التي تتضمّن (49).
(45) ثلاث طلقات يحرمن الزوجة على مطلّقها.
(46) أربع طلقات يحرمن الزوجة على مطلّقها.
(47) الطلقتان لا تحرمان الزوجة على مطلّقها.
(48) لديّ أربعة أولاد.
(49) لديّ ثلاثة أولاد.
وسنحاول في هذا المبحث أيضا أن نقدّم تفسيرا للأسباب التي تدعو إلى اختلاف دلالة العدد بين الموافقة والمخالفة، ويمكن أن نلخّص ذلك في القول بأن هناك اتّجاهين مختلفين لدلالة العدد: اتجاه صعودي، واتجاه نزولي. وأنّ ثمة أنواعًا من الأغراض التخاطبية هي التي تحدّد الاتجاه الدلالي للعدد، وترتبط هذه الأغراض بالإيجاب والسلب، والمقصود بالإيجاب الإثبات في الجملة الإخباريّة، والأمر في الجملة الطلبيّة، والمراد بالسلب النفي في الجملة الخبريّة، والنهي في الجملة الطلبيّة. فإثبات التأثير مثلا –كما في (50) يؤدّي إلى توجيه العدد صعودًا، وبناءً على ذلك يمكن القول: إنّ إثبات التحريم بخمس رضعات يستلزم إثباته بالست. أمّا نفي التأثير فيؤدّي إلى توجيه العدد نزولا، ومن ثمّ فإنّ نفي التطهير بست غسلات في (51) يستلزم نفيه بخمس غسلات فما دون. وأمّا في الجملة الطلبيّة، فإنّ الأمر بإعطاء مائة دينار يستلزم إعطاء ما دونه، والنهي عن إعطاء المائة يستلزم النهي عمّا فوقه.
(50) خمس رضعات يحرمن.
(51) ست غسلات لا يطهّرن.
وهكذا فإنّه عندما يتوجّه العدد صعودا فإنّ دلالة العدد تدل دلالة موافقة على العدد الأكبر، ودلالة مخالفة على العدد الأصغر، وعندما يتوجّه العدد نزولاً، فإنّ دلالة العدد تدل دلالة تضمّن على العدد الأصغر، ودلالة مخالفة على العدد الأكبر.
ومن القرائن التي تدل على الموافقة في الاتجاه الصعودي (حيث يدل الأصغر على الأكبر):
أولاً: دلالة الإيجاب:
أ-الإثبات:
1) إثباث الاكتفاء، مثل
(52) ثلاثة آلاف دينار كافية لتغطية مصاريف المؤتمر.
التي تستلزم
(53) أربعة آلاف دينار كافية لتغطية مصاريف المؤتمر. (من باب أولى)
2) إثبات التأثير، مثل
(54) خمس رضعات يحرمن.
التي تستلزم
(55) ست رضعات يحرمن.
ثانيًاً: دلالة السلب:
أ- النفي:
نفي التجاوز، مثل
(56) طلبة الفصل لا يتجاوزون العشرين.
التي تستلزم
(57) طلبة الفصل لا يتجاوزون الواحد والعشرين.
ب- النهي:
(58) لا تعطه خمسة دراهم
التي تستلزم
(59) لا تعطه ستة دراهم
ومنه قوله تعالى
(60) ((لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ)) (النحل: 16/51).
الذي يستلزم
(61) لاَ تَتَّخِذُواْ ثلاثة آلهة (أو أكثر).
ومن الواضح أنّ دلالة العدد على الأصغر في هذه الأمثلة من قبيل دلالة المخالفة؛ إذ أنّه يمكن أن يستنبط على سبيل المخالفة دلالة احتماليّة ضعيفة من (60) كما هو معبّر عنها في (62).
(62) اََتَّخِذُواْ إِلـهًا واحدًا.
ومن القرائن التي تدل على الموافقة في الاتجاه النزولي (حيث يدل الأكبر على الأصغر):
أولاً: دلالة الإيجاب:
أ-الإثبات:
1) إثبات الحاجة، مثل
(63) تحتاج إلى سنتين في سبيل إنهاء دراستك.
التي تستلزم
(64) تحتاج إلى سنة في سبيل إنهاء دراستك.
لأنّ كل من يحتاج إلى سنتين، فهو في حاجة إلى سنة.
2) إثبات الملكية، مثل
(65) عندي أربعة أطفال.
التي تستلزم
(66) عندي ثلاثة أطفال.
3) إثبات التجاوز، مثل
(67) طلبة الفصل يتجاوزون الواحد والعشرين.
التي تستلزم
(68) طلبة الفصل يتجاوزون العشرين.
4) إثبات القدرة، مثل
(69) يستطيع أحمد قطع مسافة مائة متر دون تعب.
التي تستلزم
(70) يستطيع أحمد قطع مسافة تسعة وتسعين مترا دون تعب.
5) إعطاء الإذن، مثل
(71) بإمكانك أن تأخذ خمسة دنانير.
التي تستلزم
(72) بإمكانك أن تأخذ أربعة دنانير.
ب-الأمر:
(73) أعطه مائة دينار.
التي تستلزم
(74) أعطه تسعة وتسعين دينارًا.
ثانيًاً: دلالة السلب:
أ- النفي:
1) نفي الاكتفاء، مثل
(75) أربعة آلاف دينار ليست كافية لتغطية مصاريف المؤتمر.
التي تستلزم
(76) ثلاثة آلاف دينار ليست كافية لتغطية مصاريف المؤتمر. (من باب أولى)
ومنه أيضًا
(77) أربع تفاحات لا تكفيني.
التي تستلزم
(78) ثلاث تفاحات لا تكفيني.
2) نفي التأثير، مثل
(79) ست غسلات لا يطهّرن.
التي تستلزم
(80) خمس غسلات لا يطهّرن.
ب- النهي
النهي عن الاكتفاء، كما في
(81) لا تكتفوا بشهادة ثلاثة لإثبات جريمة الزنا.
التي تستلزم
(82) لا تكتفوا بشهادة اثنين لإثبات جريمة الزنا.
وينبغي أن نلحظ أنه عندما يفسر العدد مثلا بمعنى في الأقل قد نجد تطبيقات مختلفة، كما في (83)، و(84).
(83) عندي أربعة أطفال
(84) خمس رضعات يحرمن
حيث يتفقان في حملهما على في الأقل، ويختلفان في أن الأول اتجاهه تنازلي بمعنى أنه يتضمن نحو (85)، و(86).
(85) عندي ثلاثة أطفال
(86) عندي طفلان
أما الثاني فاتجاهه تصاعدي يدل دلالة موافقة على نحو (87).
(87) ست رضعات (أو أكثر) يحرمن.
ومن ذلك أيضا ما يندرج في إثبات الحاجة، مثل (88).
(88) تحتاج إلى سنتين لإنهاء دراستك.
وهذا يدعو إلى التفريق بين الحمل من جهة (كما في" في الأقل" أو "في الأكثر") ، والاتجاه صعودا أو نزولا، ويبين أهمية أثر الاتجاه في تحديد نوع الدلالة (تضمن، موافقة إلخ).
انتقل إلى الصفحة التالية
أو يمكنك قراءة الموضوع كاملا على
مدونة تخاطب