تأليف د محمد محمد يونس علي
يتبيّن لنا من خلال مناقشاتنا السابقة أن المعنى الوضعي للعدد هو دلالته على نفسه فقط، دون نصّ على ما هو أكبر أو أقل منه من الأعداد؛ وبناء على ذلك فإن دلالة العدد على تسعة في (89) هي دلالة وضعية تفيد أنه بإمكان المخاطب أن يصرف تسعة دنانير يوميًّا، فإذا صرف هذا المبلغ كان ممتثلاًً لكلام المتكلّم، ولكن ماذا عما فوق التسعة وما دونها هل هو داخل في حكم الإباحة، وهل في كلام المتكلم دليل عليه؟ والجواب هو أن المتكلم سكت –بحكم الوضع لا التخاطب- عما تجاوز التسعة وما قل عنها؟ ولكن مصادر الاستنباط المنطقي والبراغماتي تسمح للمخاطب بمعرفة حكم المسكوت عنه، وبالتأمل في هذا المثال يستطيع المخاطب أن يستنبط "استنباطا منطقيًّا" أن بإمكانه أن يصرف ثمانية دنانير، إذ أنّ التسعة تدل بالتضمن "entailment" على ما دونها؛ لأنه إذا صرف تسعة فقد صرف ثمانية ونحوها مما هو دون التسعة. وهذا النوع من الاستنباط إنما هو استنتاج قطعي لا يقبل الشك؛ ولذا لا يمكن إلغاؤه دون الوقوع في التناقض؛ فلا يجوز أن يقال له بإمكانك أن تصرف التسعة ولا تصرف ثمانية مثلا دون أن يشتمل كلام المتكلم على تناقض. أما دلالة (89) على ما فوقها فهي –كما تقدّم- دلالة مفهوم مخالفة تتيح للمخاطب أن يستنتج أن حكم العشرة مثلا مخالف لحكم المذكور تسعة؛ وهذه الدلالة –مثلها مثل دلالة مفهوم المخاطبة إجمالاً- دلالة ظنية يمكن أن تلغى دون الوقوع في تناقض؛ إذ يمكن أن يقال (90) أو (91) دون أن يشتمل كلام المتكلم على تناقض.
(89) يمكنك أن تصرف تسعة دنانير يوميًّا.
(90) يمكنك أن تصرف تسعة دنانير (أو أكثر) يوميًّا.
(91) يمكنك أن تصرف تسعة (بل عشرة) دنانير يوميًّا.
أما نحو (92)، فيدل دلالة وضعية على منع الطالب من دخول الامتحان بسبب حصوله على ثلاثة إنذارات، ولا تدل القولة وضعًا على حكم من حصل على إنذارين فأقل، أو أربعة فأكثر، ومع ذلك يمكن أن نستنبط أنّ من حصل على إنذارين لا يحرم من الامتحان بدلالة المخالفة (التي هي دلالة ظنية، كما تقدّم)، وأن من حصل على أكثر من ثلاثة فيحرم من الامتحان من باب أولى بحكم دلالة الموافقة؛ لأن من حصل على أربعة إنذارات فقد حصل على ثلاثة وزيادة، أي أنه استحق الحرمان بالإنذار الثالث، وتأكّد حرمانه بما زاد على ذلك، وهذه الدلالة (دلالة الموافقة) في نحو هذا المثال دلالة قطعية غير قابلة للإلغاء بدون الوقوع في تناقض؛ إذ لا يمكن أن نقول، ومن حصل على أربعة إنذارات لا يحرم دون حصول تناقض.
(92) الحصول على ثلاثة إنذارات جامعيّة يمنع الطالب من دخول الامتحان.
وهكذا يمكن أن نستنتج أيضا أن دلالة العدد على غيره (أكان أدنى أم أكبر) خمسة تفسيرات تقوم على معطيات سياقية براغماتية يمكن توضيحها على النحو الآتي:
¨دلالة العدد على نفسه إنما هي دلالة مطابقة من قبيل دلالة المنطوق، ومرجعها الوضع.
¨دلالة العدد على التكثير دلالة مجازية ، مرجعها العرف اللغوي.
¨دلالة العدد على التقريب دلالة مجازية ، مرجعها العرف اللغوي.
¨دلالة العدد على ما هو أكثر منه دلالة موافقة ، من باب الأولى.
¨دلالة العدد على ما هو أقل منه دلالة تضمن (في حال الاتجاه النزولي).
¨دلالة العدد على ما هو أقل منه من قبيل دلالة مفهوم المخالفة (في حال الاتجاه الصعودي).
انتقل إلى الصفحة التالية
أو يمكنك قراءة الموضوع كاملا على
مدونة تخاطب