تأليف د محمد محمد يونس علي
يفترض اللسانيون الغربيون وجود ثلاث قراءات للعدد، هي:
1- لا أقل ولا أكثر
2- في الأقل
3- في الأكثر
والشائع عند اللسانيين وفلاسفة اللغة في الغرب، ولاسيما البراغماتيون الجدد neo-Gricean Pragmatists أن الألفاظ لا تدل وضعا على المعنى الأول، أي المعنى المحدّد للعدد exact n-meaning، وهو المشار إليه بـ " لا أقل ولا أكثر"، بل إن المعنى الدلالي للعدد هو المعنى الثاني (في الأقل)؛ ولذا فإن عبارة "زيد له ثلاثة بنين" صادقة حتى إذا كان له أربعة أو أكثر من البنين، ومن أشهر المناصرين لذلك هورن،[21] وإن كان قد تخلى عنه،[22] وتردد ووليفينسون فيه.[23] ومن الباحثين الغربيين من يرى أن المعنى الدلالي الظاهر للعدد هو المعنى الأول، ومن هؤلاء هورن بعد تغيير رأيه،[24] و جيرتس،[25] وبرهني.[26] وثمة رأي ثالث تنفرد به كارستون[27] يذهب إلى أن العدد محايد من حيث معناه المعجمي، مع احتمال قبوله للمعاني الثلاثة المذكورة.[28]
ويمكن الرد على هذه الآراء على النحو الآتي:
أ) تفنيد القول بدلالة العدد بالوضع على "في الأقل"
من الأدلة التي يمكن بها الرد على من يقول بأن العدد يدل وضعًا على معنى "في الأقل":
أ- لوكان العدد دالا بالوضع على "في الأقل" لكان هو المعنى المتبادر منه، ولكن واقع الأمر ليس كذلك، فعندما نقول مثلا: ضع في كل كأس ملعقتين من السكر، وثلاث ملاعق من الحليب، فلا يتبادر إلى الذهن أنّ هذا هو الحدّ الأدنى المطلوب من السكّر والحليب.
ب-وجود أمثلة تدل على أن هذا المعنى غير وارد أصلا، ومن ذلك (33) التي تفسّر بـ "في الأكثر".
(33) يمكن للطالب أن يسجّل سبعة مساقات في الفصل.
ت-أن الأعداد المستخدمة في العمليات الحسابية والرياضية لا يمكن تفسيرها على معنى "في الأقل"، لاحظ مثلا:
(34) إذا أضيفت أربعة إلى خمسة، فالمجموع تسعة.
ث-لوكان المعنى "في الأقل" معنى وضعيًّا دلاليًّا للعدد لكان قطعيًّا (ما دام ليس هناك معنى وضعي آخر غيره)، وإذا كان قطعيًّا فلا يستحسن التأكيد بالتصريح به، بل إن تأكيده يكون حشوا مادام المعنى موجودًا في الأصل، غير أن الأمر ليس كذلك؛ فالقولة (36) مقبولة ولايبدو أنها تحتوي على حشو بزيادة "في الأقل" على (35).
(35) حضر الاجتماع ثلاثة أعضاء.
(36) حضر الاجتماع ثلاثة أعضاء في الأقل.
ج- ثم إنه لوكان المعنى "في الأقل" معنى وضعيًّا دلاليًّا قطعيًّا لما أمكن إلغاؤه دون الوقوع في تناقض، بيد أن الأمر ليس كذلك؛ إذ يمكن أن يقال (37) بزيادة "بل أربعة"، فيلغى الاستنتاج "في الأقل"، دون الوقوع في تناقض.
(37) حضر الاجتماع ثلاثة (بل أربعة) أعضاء.
ب) تفنيد القول بدلالة العدد بالوضع على "بالتحديد"
يمكن الرد على من يقول بأن العدد يدل وضعًا على المعنى "بالتحديد" exactly بأنه
أ- لو كان الأمر كذلك، لكانت إضافة عبارة "بالتحديد"، كما في (39)، أو ما يرادفها نحو "لا أكثر ولا أقل"، كما في (40)، من قبيل الحشو، ولكن الأمر ليس كذلك، بل واقع الأمر أن ذلك تأكيد لاستنتاج براغماتي احتمالي، حتى إنه يمكن استعمال تأكيدين أو أكثر في جملة واحدة كما في (41).
(38) حضر الاجتماع ثلاثة أعضاء.
(39) حضر الاجتماع ثلاثة أعضاء بالتحديد.
(40) حضر الاجتماع ثلاثة أعضاء لا أكثر ولا أقل.
(41) حضر الاجتماع ثلاثة أعضاء فقط لا أكثر ولا أقل.
ب-ومن الردود الأخرى إمكان إلغاء هذه الدلالة كما في نحو (38) التي ألغيت بالقولتين (42)، و(43)، دون الشعور بتناقض.
(42) حضر الاجتماع عشرون عضوا، بل أكثر.
(43) حضر الاجتماع عشرون عضوا، بل أقل.
ت-ومن ذلك أيضا حسن الاستفهام عن المعنى المقصود بنحو "بالتحديد" في (44).
(44) هل تقصد حضر عشرون بالتحديد؟
ت) تفنيد القول بأن دلالة العدد بالوضع ملبسة، أو غير محدّدة
للرد على من يقول بأن الدلالة الوضعية للعدد يكتنفها غموض متأصل، وعلى القائلين بأن دلالة الوضع غير محدّدة، نقول: لو كان الأمر كذلك لكان علينا أن نتوقف عند فهم سماع أي عدد إلى أن نجد القرينة الكافية للمقصود به، ولكن واقع الحال ليس كذلك، بل المعتاد في التخاطب أن مجرّد سماع العدد يدل على مدلوله الوضعي نفسه، ثم نأتي إلى معرفة حكم ما هو أقل أو أكثر من العدد المذكور بالاستناد إلى القرائن، وهذه يعني أن دلالة العدد على نفسه دلالة وضعية، ودلالته على غيره دلالة استنتاجية براغماتية.