اختلف القول بالتضمين من الناحية البلاغية باختلاف معنى التضمين في الاصطلاح وقد بلغت أقوال النحويين والبيانيين في هذه المسألة ثمانية أقوال استوفاها جميعها الشيخ ياسين في حاشيته على التصريح وهذا ملخصها:
1- إن التضمين مجاز مرسل ؛ لأن اللفظ استعمل في غير معناه لعلاقة وقرينة ، مما يقتضي قياسية التضمين ؛ لأن المجاز قياسي .
2- إن التضمين جمع بين الحقيقة والمجاز ، ولكن بتأويل أن الفعل المذكور في التركيب دل على معناه الحقيقي وعلى المعنى الملحوظ بطريق اللزوم بذكر القرينة ، والتضمين على هذا القول قياسي أيضا ؛ لأن دلالة المذكور على حقيقته لا تحتاج إلى قياس ودلالته على الملحوظ باللزوم مجاز والمجاز قياسي ، على أن بعض علماء الأصول يجيزون الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد .
3- إن الفعل المذكور – في التضمين - مستعمل في حقيقته ولم يشرب معنى غيره ، ولكن مع حذف قيد مأخوذ من الفعل الآخر المناسب بمعونة القرينة اللفظية ، وهذا القيد هو ( حال ) مأخوذة من الفعل الآخر المناسب ، ثم اختلف أصحاب هذا القول في تقدير المحذوف ، فتارة يجعلون المذكور أصلا في الكلام والمحذوف قيدا فيه على أنه حال كقوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم [ البقرة:185] أي حامدين ، وتارة يعكس فيجعل المحذوف أصلا والمذكور مفعولا كما في ( أحمد إليك فلانا ) أي أنهي حمده، أو حالا كما في يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب [البقرة: 3] أي يعترفون به مؤمنين ؛ ولما كانت مناسبته للمذكور بمعونة ذكر صلته قرينة على اعتباره، جعل كأنه في ضمنه ، ومن ثمة كان جعله حالا وتبعا للمذكور أولى من عكسه . وهذا القول الثالث هو قول البيانيين ، وقد وصف التضمين على حد قولهم بأنه ( تضمين بياني) ويعرف بأنه : " تقدير حال يناسبها المعمول بعدها ؛ لكونها تتعدى إليه على الوجه الذي وقع عليه ذلك المعمول ، ولا تناسب العامل قبلها ، لكونه لا يتعدى إلى ذلك المعمول على الوجه المذكور" .
والغالب على أقوال النحويين أن التضمين البياني غير النحوي في حين ذهب آخرون إلى أنهما شيء واحد .
والتضمين على هذا القول الثالث قياسي أيضا ؛ لأنه من باب حذف العامل لدليل والمحذوف لعلة كالثابت فدلالته على المحذوف حقيقة وإن كان من باب مجاز الحذف ، فهو قياسي أيضا .
4- إن اللفظ المذكور في التضمين مستعمل في معناه الحقيقي ولكنه مستتبع معنى آخر يناسبه من غير أن يستعمل هو فيه . ومن غير أن يستعمل له لفظ آخر، فيكون الكلام من باب الحقيقة التي قصد منها معنى آخر يناسبها ويتبعها في الإرادة ، كما يدل تأكيد الخبر على إنكار المخاطب وعليه فلا مجاز، ولا كناية، ولا حذف ، والكلام مستعمل في معناه الحقيقي ، والتضمين على هذا النوع جائز غير ممنوع .
5- إن المعنيين – في التضمين - مرادان على طريق الكناية ، فيراد المعنى الأصلي توصلا إلى المعنى المقصود ولا حاجة إلى التقدير إلا لتصوير المعنى ، وضعف هذا القول بأن الكناية يصح معها إرادة المعنى الحقيقي وصرف النظر عن المعنى اللازم ، والأمر مختلف عن ذلك في التضمين ؛ لأن المعنيين مرادان فيه حتما ، وأجيب عن ذلك بأجوبة غير شافية .
6- إن المعنيين مرادان على طريق عموم المجاز وهو غير متسق التخريج كسابقه.
7- إن التضمين مجاز عقلي في النسبة غير التامة أي في النسبة بين الفعل ومتعلقاته.
8- إن التضمين نوع مستقل من أركان الكلام العربي ، وقسم رابع للحقيقة والمجاز والكناية واختاره بعضهم وعورض تخريجه .
أما القول التاسع ، وهو الذي أضافه الشيخ أحمد الإسكندري واستوحاه من تخريج النحويين الذي ذكرناه من قبل ، هو " طرد الباب على التجوز في الحرف ، فمن العلماء من يجري الاستعارة التبعية في لفظ(في) من قوله تعالى وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طـه:71] ومنهم من يعدل إلى التضمين في الفعل فيضمن ( أصلب ) معنى ( أجعل وأضع وأثبت).