أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم على معهود لسان العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها فمن أراد تفهمه فمن جهة معهود كلام العرب في تقرير معانيها ومنازعها في أنواع مخاطباتها يفهم، ويتطلب ذلك أيضا معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل،
وبين النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه فقوله تعالي (لتبين للناس ما نزل إليهم- سورة النحل 44) يتناول هذا وهذا،
ويجب الاعتماد على بيان أصحابه رضي الله عنهم لنقلهم ذلك عنه ولمعرفتهم باللسان العربي وهم الذين باشروا الوقائع والنوازل وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة.
لمزيد من التفصيل راجع: الشاطبي، الموافقات، 1/44، 2/64-66، 79، 82، 3/ 337-340، 3/351،
- ابن تيمية، دقائق التفسير، 1/42-44.
وفيما يلي أمثلة عدم مراعاة المترجمين لذلك:
1- قوله تعالي: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ-البقرة 17- 18)
هذا المثال القرآني: مثال مركب من جزئين:
الجزء الأول: من موقد النار (الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ) وليس لموقد النار ذكر في القرآن الكريم غير هذا القدر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل لنفسه في دعوته للناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله-الحديث.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها " رواه البخاري
والجزء الثاني: من القوم الذين يفترض أن يستضيئوا بضوء ناره، فلما أضاءت لهم النار ما حول المستوقد (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ- الآية) فبين الله تعالي ما فعل بهم بعدما أضاءت النار ما حول المستوقد.
وللتمثيل باستيقاد النار في معهود العرب وفي بيان النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من العادات والعلاقات بين الأفراد في المجتمع العربي قبل الإسلام، ومجموعة من الدلالات التي تتبادر إلى ذهن من يراها، ومعانٍ تأثيرية مرتبطة بها تتبادر إلى ذهن العربي عصر نزول القرآن عند سماعه لقوله تعالي (كمثل الذي استوقد نارا) . "فلا تكاد الأذن تتلقف هذا التمثيل حتى يخطر لها في الذهن صورة بارزة المعالم والحدود، تضطرب لها النفوس، وتنفعل لها العواطف، فإذا تغربت هذه المعاني وخرجت من بيئتها الاجتماعية في المجتمع العربي عصر نزول القرآن إلى لغة أخرى وبيئة أخرى، احتاج المفسر والمترجم إلى جهد للحصول على ما يناظرها، أو ما يرادفها في دلالتها لتؤدي في ذهن السامع الجديد في البيئة الجديدة نفس الدلالة، أو ما يقرب منها في بيئتها الأصلية، وهنا يمكن أن يقال: إن المترجم قد وفق في مهمته، وأعطى صورة صحيحة لدلالة التمثيل".
ما بين " " اقتباس بتصرف يسير، من: أنيس، دلالة الألفاظ، (ص 172-173) في الكلام على شيوع الكلمة في البيئة الاجتماعية، وظلالها الدلالية، وصورتها في الأذهان.
وقد أخفق المترجمون في هذا الموضع –والذي يليه- في نقل المعاني التأثيرية المرتبطة بهذا التمثيل إلى ما يرادفها في البيئة الهوساوية الجديدة لتؤدي في ذهن السامع الجديد نفس الدلالة، أو ما يقرب منها في بيئتها الأصلية، ولم يعطوا صورة صحيحة لدلالة هذا التمثيل.
فجعل المترجمون الثلاثة هذا المثال للمنافقين، فتأولوا (الذي استوقد نارا ) بالمنافق وهذا مخالف لمعهود الخطاب في العربية لعظم مكانة مستوقد النار عندهم في الهداية والقرى والضيافة. ومخالف أيضا للبيان النبوي في تمثيل نفسه صلى الله عليه وسلم بمستوقد النار، وجعل جومي المثال لمن أوقد نارا ورأي الأشياء المخيفة ثم خمدت النار، فجعل يتصاعد عليه الخوف، وجعل الكنوي ومحيي الدين المثال لمن أوقدوا نارا فانطفأت وتركت الذين أوقدوها في الظلام .فما ذهب إليه المترجمون من جعل المثال لمن أوقد وانطفأت عليه النار، مخالف للسياق القرآني.
وبصفتي دارس لمشكلات هذه الترجمات، وهذه إحداها، درست دلالة التمثيل باستيقاد النار وتأثيرها في معهود الخطاب عند العرب، وفي بيان النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ترجمة ذلك للحصول على ما يناظرها، أو ما يرادفها في دلالتها لتؤدي في ذهن السامع في البيئة الهوساوية نفس الدلالة، أو ما يقرب منها في بيئتها الأصلية.
وتلخيص ذلك ومقابله في الهوسا كالآتي:
من خلال معهود معاني اللغة العربية زمن نزول القرآن، فإن سماع العرب لقوله تعالي (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا –البقرة17) يفهمون منه أن موقد هذه النار أوقدها لهداية وضيافة الذين يسيرون بالليل [في الصحراء] ولا يعرفون الطريق، ويحتاجون للضيافة. Daga cikin ma`anonin harshin larabic a zamanin saukar Al Qur`ani, jin larabawa wa faxin Allah madaukakin sarki (......... kamar wanda ya hũra wuta...) (Ãya ta sha bakarawai 17 acikin suratal baqara) suna fahimta a cikin ãyar cēwa wannan wanda ya hũra wutar ya hũrata ne dõmin shiryarwa zuwa ga hanya ko kuma yin liyafa ga mutanin da suke tafiyar dare a hamada, ba su san hanya ba kuma suna bukatar abincin liyafa.
وعند سماعهم قوله تعالي: (فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ-البقرة17) فالمتوقع أن يهتدي بها من يراها، وينادي على موقدها، ويذهب اليه، ويسأله الهداية للطريق، والقرى والضيافة. To yayin da wannan wutar ta haskake abin da ke jēfar su, to abin da zai fara zuwa a cikin kwokolwar mutun shi ne, lalle wanda ya ke ganin wutar zai shirya da ita zuwa ga hanya, kuma zai kira wanda ya hũra wutar, kuma zai tafi zuwa gari shi, kuma ya tambe shi hanya da kuma abincin liyafa.
ولكن الكافرين لم يفعلوا ذلك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يستجيبوا للهدى الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم Amma su kãfirai ] zamanin manzon Allah [ ba su yi haka ba, kuma ba su amsawa shirya da manzon Allah (sala allahu alaihi wasalam ) ya zo musu da ita.
وصموا آذانهم عن سماع الهدى الذي جاء به، وبكموا عن ندائه وسؤاله عن الهداية، وأغمضوا أعينهم عن الإضاءة التي جاء بها. Suka toshe kunninsu daga barin jin shiriya da ya zo da ita, kuma suka kuramce daga kiransa da nemarasa gare su da shiriya, kuma suka runtse idanuwarsu daga barin haske da ya zo da ita,
فلما فعلوا ذلك، (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) Yayin da suka aikata haka, sai Allah ya tafi da haskersu, kuma ya barsu a cikin duhu (dayawa) ba sa iya gani. Bebayeni, kurameni, makãfine, don haka ba za su dawo ba
ولابد من استصحاب البيان النبوي، ومعهود العرب في الخطاب أثناء النظر في الدلالات القرآنية، وإدراك معهود اللغة التي نزل فيها الخطاب، وبذلك يكون البيان النبوي عصمة للنص القرآني من التحريف، وهو الخروج بالمعنى عما وضع له اللفظ، أو التأويل الفاسد الذي يتجاوز البيان النبوي كمرجعية، ومعهود العرب في الخطاب كضوابط منهجية.
من تقديم كتاب في شرف العربية لعمر عبيد حسنة، راجع: السامرائي، إبراهيم، في شرف العربية ، كتاب الأمة رقم 42، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر 1994، ص 11-12.
2- قوله تعالي
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- البقرة19-20)
جعل جومي هذا المثل: مثل قوم مسافرين في الغابة ليلا ويحبون البرق لأنهم يسيرون في ضوئه( ). وهذا مخالف لدلالة هذا المثل في معهود كلام العرب، وبيان النبي ، وبعيد كل البعد عن إحداث تأثير مساو عند القارئ الهوساوي مثل تأثيره على العربي عصر نزول القرآن.
وقد جاء في سنة النبي قرينة تفيد في فهم هذا المثل القرآني، وتمثيل دعوته للناس، وموقفهم من قبولها، بالغيث الذي أصاب أرضا وتفاوت الناس في الانتفاع به( ).
واقتصر السياق القرآني على ذكر قوله تعالي (كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) عن بيان فائدته للمخاطبين، لأن فائدته ونفعه معلومة لهم معهودة في كلامهم وحياتهم.
ولما كان الغرض في الآية هو بيان كيفية استقبال المضروب بهم المثل لهدي النبي ، صورهم الله تعالي بقوله: (يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- البقرة19-20)
ولم يبين أي من المترجمين الغرض من التشبيه في المثل القرآني في الترجمة، حتى يتأثر القارئ الهوساوي بما تأثر به القارئ العربي،
وبيان ذلك من خلال معهود العرب والبيان النبوي كالآتي( ):
مثل المنافقين مثل القوم الذين لم يهتموا بالصيب والمنافع التي تعود عليهم منه، من إمساك الماء للسقيا والزراعة منه والرعي. Misãlin munafiqai kamar yada Misãlin mutãnin da ba su kula da ruwan sama da alfanu da zai dawo zuwa gare su ba , na daga shayar musu ruwa da noma da za su iya yi da shi da kuma kiwo ba,
وإنما اهتموا بالظواهر المصاحبة له، وهي الظلمات و صوت الرعد وضوؤه. وكان لهم مع كل ظاهرة منها ما قصه الله تعالي من فعلهم. Sai dai kawai sun kula da ababa na zahiri da suke tare da shi ne kawai, kamar duhu da sautin tsawa da hasken shi. To sai ya kasance suna tãre da waxannan abubuwa na zahiri kamar yadda ya ba da labari a kan ayyukan su.