3-المبني للمفعول(للمجهول)
1-"حكم ما لم يسم فاعله أن يبنى الفعل للمفعول ويحذف الفاعل ويقام المفعول مُقامَه"( ).
2-ونائب الفاعل كالفاعل فهو في مقامه فالفعل مسند إليه، ولذلك يجوز تقدم المفعول عليه كتقدمه على الفاعل قال سيبويه:"وإن شئت قدمت وأخرت فقلت: كُسي الثوبَ زيدٌ، وأُعطيَ المالَ عبدُالله، كما قلت: ضرب زيدًا عبدُالله، فأمره في هذا كأمر الفاعل"( )، وتكون معه مطابقة الفعل، قال المبرد: "ولو قلت: ضُرب هندٌ وشُتم جاريتُك لم يصح حتى تقول ضُربتْ هندٌ وشُتمت جاريتُك،؛ لأن هندًا والجاريةَ مؤنثات على الحقيقة، فلا بد من علامة التأنيث"( ).
3- هناك أفعال تبنى للمفعول لا مقابل لها مع ى الفاعل، قال سيبويه: "هذا باب ما جاء فُعِل منه على غير فَعَلْته وذلك نحو: جُنَّ وسُلَّ وزُكِمَ ووُرِدَ، وذهب إلى أنه استُغني بالمبني للمفعول عن المبني للفاعل كما استغني بتَرك من ودَع"( ).
وقد خلق هذا خلافًا بين النحويين، فذهب بعضهم إلى أن صيغة المبني للمفعول قائمة برأسها مستشهدًا بما ذكره سيبويه من الأمثلة( ). والجمهور على أنه محول عن المبني للفاعل. قال ابن السيد: "واستدلوا على ذلك بقول العرب (قد بُويع زيد وسُير خالد) فصححوا (الواو) ولم يقلبوها ياءً كما قلبوها في (سيِّد) و(ميِّت) قالوا فدلّ ذلك على أنه منقول من ساير وبايع ولو كان المفعول الذي لم يسم فاعله أصلاً غير منقول لوجب أن يقال بيع وسير، كما أن عور وصيد واجتوروا واعتونوا لما صحت حروف العلة فيها ولم تعتل، دلّ ذلك على أنها منقولة من اعورَّ وأصيد وتجاوروا وتعاونوا، وليست بأصول"( )، وصحح ابن عصفور كونه منقولا مستدلاً أولاً بأنه في بويع يجب إدغام الواو في الياء لاجتماعهما وسَبْق إحداهما بالسكون إذا عُدّا بناءً أصليًّا غير مغيّر، وعليه يجب القول بتغيره، وثانيًا بأنه في مثل (وُوريَ) فإن كان البناء أصليًّا غير مغيّر فإنه يجب قلب الواو الأولى همزة، فلما لم يقلبوها علم أنه بناء مغيّر واجتماعهما لازم( ).
5-ذكر ابن بابشاذ أن الأصل في الفعل أن يبنى للفاعل ولكنه يعدل به إلى البناء للمفعول لخمسة أسباب: للمخافة من ذكر الفاعل ولجلالته ولخساسته وللجهالة به وللاختصار والإيجاز( ). وبلغت عند ابن عصفور ثمانية أسباب، فذكر أن الفاعل يحذف للعلم به نحو: أُنزِل المطر، فمُنْزله معروف، وللجهل به، نحو: ضُرِبَ اللص، لم تذكر القاضي مع اللص، ولتحقيره نحو: طُعِن عُمَرُ، حقرت طاعنه فحذفته فلم تذكره مع عمرَ، لإبهامه نحو: ضرِب زيدٌ، للخوف منه أو عليه، نحو: ضُرِب الأميرُ أو لإقامة الوزن أو اتفاق القافية، نحو قول ذي الرمة:
وَأَدرَكَ المُتَبَقِّي مِن ثَميلَتِهِ وَمِن ثَمائِلِها وَاِستُنشِئَ الغَرَبُ
ولتقارب الأسجاع، ومثل لذلك ابن عصفور بقوله: "ونبذت الصنائع وجهل قدر المعروف"( )، ومثال توافق حركات الحروف الأخيرة في السجع: من حسن عمله، عرف فضله( ).
5-لما حذف الفاعل وأقيم المفعول مقامه وجب أن تكون المفعولات أنقص رتبة مما يتعدى إليه الفعل المتعدي( )، ولذلك قال سيبويه في المبني للمفعول من المتعدي إلى ثلاثة "لما كان الفاعل يتعدى إلى ثلاثة تعدى المفعول إلى اثنين"( )، وعلى هذا يصير المتعدي إلى واحد بعد البناء للمفعول لازمًا، والمتعدي إلى اثنين متعديًا إلى واحد، والمتعدي إلى ثلاثة متعديًا إلى اثنين( ).
وعلى الرغم من تقهقر هذه المفعولات ونقصانها فإن الفعل مثل (ضُرب زيدٌ) لا يأخذ مفعولاً ومثل (كُسِيَ زيدٌ ثوبًا) لا يتعدى إلى مفعول ثان؛ لأن نائب الفاعل لفظه لفظ الفاعل ومعناه معنى المفعول( ). ويتعدى الفعل المبني للمفعول إلى كل ما يتعدى إليه الفعل اللازم( ).
6-وقسم ابن عصفور الأفعال بالنسبة للبناء للمفعول ثلاثة أقسام:
1)قسم اتفق على أنه لا يجوز بناؤه للمفعول، وهو الجامد، نحو: نِعْمَ، بِئْسَ، عَسَى، فعل التعجب، ليس، حبّذا.
2)قسم مختلف فيه، وهو (كان وأخواتها).
3)قسم اتفق النحويون على جواز بنائه للمفعول وهو ما بقي من الأفعال المتصرفة( ).
وعلل لعدم بناء الجامدة أن هذا النوع من التصرف؛ وهي ممنوعة من التصرف، أما كان، فقد أجاز الفراء ذلك معها وردّه ابن عصفور بأن الخبر يبقى بلا مخبر عنه لا لفظًا ولا تقديرًا( ). ومذهب السيرافي حذف الاسم والخبر وإقام ضمير المصدر مقام المحذوف. وردّه ابن عصفور بأن كان الناقصة لا مصدر لها وذكر أن الفارسي منع من بنائها لما رأى من فساد ما ذكره الفراء والسيرافي( )، وكان ابن السراج يمنع بناءها أيضًا قال: "وهذا عندي لا يجوز من قبل أن كان فعل غير حقيقي، وإنما يدخل على المبتدأ والخبر فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقة، والمفعول غير مفعول على الصحة فليس فيه مفعول، يقوم مقام الفاعل لأنهما غير متغايرين إذ كان إلى شيء واحد؛ لأن الثاني هو الأول في المعنى"( ).
قال ابن عصفور: "والصحيح أنه يجوز بناؤها للمفعول، وهو مذهب سيبويه، لكن لابد من أن يكون في الكلام ظرف أو مجرور يقام مقام المحذوف، فتقول كين في الدار، فالأصل كان زيدًا قائمًا في الدار، على أن يكون في الدار متعلقًا بكان، حذف المرفوع لشبهه بالفاعل وحذف بحذفه الخبر، إذ لا يجوز بقاء الخبر دون مخبر عنه ثمّ أقيم المجرور مُقام المحذوف"( ). ولعله بهذا يعود إلى قول الكسائي السابق.
أما الأفعال المتصرفة الأخرى فكل ما يتعدى منها يجوز أن يبنى للمفعول، أما اللازم فقد أثار جدلاً بين النحويين، فبناؤه قضية خلافية، فذكر الزجاجي أن الفعل اللازم لا يجوز ردّه إلى ما لم يسم فاعله عند أكثر النحويين( )، أما عللُ من لا يجيز بناء اللازم للمفعول فمنها أنه ليس معه مفعول يقوم مقام الفاعل( )، و"لئلا يكون الفعل حديثًا عن غير محدث عنه، وذلك نحو: قام زيد، وقعد عمرو، لا تقول: قِيم ولا قُعِد"( ) إلا أن يتعدى الفعل بحرف جرّ فإنه يجوز( ).
وذكر الزجاجي أن سيبويه يذهب إلى إضمار المصدر مع الأفعال اللازمة، ورد ابن السيد هذا بأنه غير مشهور عنه، وأن أبا جعفر النحاس أنكره في (المقنع) وقال هذا القول غلط على سيبويه( ). والحق أن الذي يجيز إضمار المصدر هو المبرد، قال: "فمن ذلك أنك إذا قلت: سير بزيد فرسخًا-أضمرت السير، لأن (سير) يدل على السير، فلم تحتج إلى ذكره معه"( ).
وجاء في الحلل لابن السيد أن النحاس ذكر أن الفراء والكسائي وهشامًا أجازوه، وزعم الكسائي وهشام أن في (جلس) مجهولاً مضمرًا. وفسر ثعلب قولهما بأنه لما حذف الفاعل أسند الفعل إلى أحد ما يعمل فيه مما هو سوى المفعول به، يعني المصدر أو الوقت أو المكان فلم يعلم أيها هو المقصود؛ لأنه لم يظهر مع الفعل مرفوع به( ). وكان الفراء يزعم –في (جُلِسَ)- أن الفعل فارغ لا شيء فيه. قال أبوجعفر النحاس، فقيل له: وهل يخلو الفعل من الفاعل؟ فقال إذا شرطت إسقاط الفاعل وقلت لا تسمه، وجب أن لا يكون في الفعل ذكر إذ سقط فاعله. وكذلك يقول في ضُرب ضربًا إنه لا شيء مضمر في (ضُرِب) وكذلك (قُعِد قعودًا) تعدى أو لم يتعد، وكان الكسائس يعتقد أن هذا كله ضميرًا مجهولاً، والأشبه في هذا لمن أجازه أن يضمر مصدر الفعل فيقيمه مقام الفاعل المحذوف؛ لأن الفعل يدل على مصدره كما قال الزجاجي( ).
أما زعم الفراء فخطأ، والحجة أن الفعل يدل على مصدره فلا فائدة في إضماره ولا إظهاره، ورد عليهم بأن النحويين أجازوا إقامة المصدر في المتعدية إذا عدم المفعول به وكان المصدر منعوتًا محدودًا أو معرفًا، وعليه فإنه يجوز إقامة المصدر مع اللازمة فلا فرق بينهما، يؤكد هذا أن الموجب لإقامته إنما هو عدم المفعول به، وهذه العلة موجودة في الأفعال اللازمة، واحتجوا بأن معنى (جلس زيد) فعل جلوسًا وأحدثه، ف مانع إذن من القول (فُعِلَ الجلوسُ) كما أن ضُرِبَ بزيد الضربُ معناه: فُعل بزيد الضربُ، وقالوا إن المفعول ليس يرتفع بأنه أوقع به الفعلُ، كما أن الفاعل في العربية ليس يرتفع بأنه أوقع شيئًا أو أحدثه، وإنما يرتفع كل واحد منهما بالحديث عنه وإسناد الفعل إليه، فيجب على هذا أن يرتفع كل ما أسند إليه أو حدث عنه من مصدر أو ظرف سواء كان الفعل متعديًا أو غير متعد ولا وجه للتفريق. وقالوا لو أن ملكًا أو نظيره عهد ألا يُجلس أو يُضحك وقتًا من الأوقات لغرض له في ذلك دون أن يسمي جالسًا أو ضاحكًا لجاز ذلك( )؛ لأنه ليس معه مفعول يقوم مُقام الفاعل( )، و"لئلا يكون الفعل حديثًا عن غير محدّث عنه وذلك نحو قام زيد وقعد عمرو، لا تقول: قيم، ولا قُعد، لما ذكرت لك"( ) إلا أن يتعدى الفعل بحرف جرّ فإنه يجوز( ).
أما المفعولات التي تقام مقام الفاعل فهي: المفعول به، والمجرور، والمصدر، والظرف المكاني والزماني( ).والمفعول له، والمفعول معه( )، والحال والتمييز( ).
6-أولى المفعولات بالنيابة إذا اجتمعت المفعول به( )؛ لذلك لا جيز المبرد "أن تقيم المصدر مقام الفاعل إذا كان معه مفعول على الحقيقة"( ) غير أن ابن جني ذكر أن الأخفش أجاز نيابة المصدر مع وجود المفعول به. وقال إنه جائز قياسًا وإن لم يستعمل، ثم أورد بيتًا أنيب فيه الجار والمجرور مع وجود المفعول به وهو قول جرير:
وَلَو وَّلَدَتْ قفيرةُ جِروَ كلْبٍ لَسُبَّ بذلكَ الجروِ الكلابا
وعدّ هذا من أقبح الضرورة( ).
أما قوله تعالى ﴿لِيُجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[14-الجاثية] على قراءة أبي جعفر، فقومًا ليس معمولاً لِيُجْزَى بل لفعل مضمر يدل عليه يُجْزَى ومفعول يُجزَى ضمير المصدر المفهوم منه، ونظير ذلك قوله[لبيد بن ربيعة]:
لِيُبكَ يَزيدٌ ضارِعٌ لِخُصومَةٍ وَمُختَبِطٌ مِمّا تُطيحُ الطَوائِحُ
تقديره: يبكيه ضارع( ). وإن كان للفعل أكثر من مفعول مسرح-أي مباشر بلا حرف- فإن كانا متغايرين جاز الإسناد إلى أي منهما( ). قال المبرد: "فإن أظهرت زيدًا غير مجرور قلت أُعطِيَ زيدٌ درهمًا، وكُسيَ زيدٌ ثوبًا، فهذ الكلام الجيد. وقد يجوز أن تقول أُعطيَ زيدًا درهمٌ وكُسِي زيدًا ثوبٌ، لمّا كان الدرهم والثوب مفعولين كزيد جاز أن تقيمهما مقام الفاعل، وتنصب زيدًا؛ لأنه مفعول. فهذا مجاز والأول الوجه"( ).
والظاهر من كلام المبرد أن القضية اختيارية وأحسب أن القضية متعلقة بالمعنى والدلالة التي يراد إيصالها، فإسناد الفعل إلى أحد المفعولين الهدف منه الإخبار عن اتصافه بالفعل، ولذلك يسند إلى ما يراد اتصافه بذلك دون الآخر. وربما تقتضي الدلالة الإسناد إلى أحدهما على نحو إجباري؛ ولذلك نجد ابن السراج يشترط عدم اللبس على السامع، فلا يجوز في أُعطِيَ زيدٌ عمرًا، وزيد هو الآخذ أن يقال: أُعطي عمرٌو زيدًا، لأن كل واحد منهما يجوز أن يأخذ الثاني بخلاف الدرهم وما أشبه( ).
وكذلك يجوز إقامة المنصوب على نزع الخافض (المفعول غير المباشر) مع وجود المفعول المباشر قال المبرد "ومن قال هذا قال أدخل القبر زيدًا"( ).
ويبدو أن بعض النحويين إنما يفضلون الإسناد إلى ما هو فاعل في المعنى أو هو مفعول مباشر على نحو ما رأينا عند المبرد وابن السرج، وعلى نحو ما صرح بذلك الزمخشرى( )، أما عند ابن عصفور فإنه إن كان أحد المفعولين مسرّحًا لفظًا وتقديرًا والآخر مسرّحًا لفظًا (منصوبًا على نَزع الخافض) فإنه لا يجوز إنابة سوى المسرح لفظًا وتقديرًا، فلا تقول في: (أمرت زيدًا الخيرَ) أُمِرَ زيدًا الخيرُ( ).
أما المفعولان من باب (ظن وعلم) فمنع نيابة الثاني الزمخشري( )، وأجاز ابن عصفور نيابة أي منهما واختار الأول( )، واتفقا على منع إقامة الثالث من مفاعيل (أعلم)( )، وزاد ابن عصفور أن من الناس من أجاز إقامة كل واحد من المفعولات الثلاثة( ). فإن لم يكن للفعل مفعولاً مباشرًا (مسرّحًا على مصطلح ابن عصفور) واجتمع المصدر وظرف المكان والزمان والمجرور، جاز إقامة أيٍّ منها ولا يجعل بعض النحويين فرقًا بين هذه المفعولات( )، ولكن هناك من يجعل لبعضها الأولوية فالمبرد يذكر أن الأولى بالنيابة، ولذلك لا يجيز إنابة المصدر أو الظروف إلا إذا كان ثمة ما يمنع إنابة المجرورن وذلك نحو: سِير بزيد سيرٌ شديدٌ وضُرب بزيد عشرون سوطًا. المعنى: بسبب زيد ومن أجله. بل يذهب إلى أبعد من ذلك وهو أنه يجوز إسناد الفعل إلى المصدر المفهوم من لفظه فتقول مثلاً: سير بزيد فرسخًا على إضمار (السير) لدلالة (سير) عليه( ).
والجر لا يمنع المجرور من النيابة، قال المبرد: "وجائز أن تقيم المجرور مع المصدر والظروف مقام الفاعل، فتقول: سير بزيد فرسخًا، فلا يمنعه حرف الجر من أن يكون فاعلاً كما قال ما من أحد"( ).
ويعدل عن المجرور أيضًا إذا جعل المصدر أو الظروف مفعولات على السعة والسبب انشغال المجرور بحرف الجر( )، وكذلك إذا كان المصدر مختصًّا قال المبرد: "فإن وصفته فقلت: سيرًا شديدًا أو هيِّنًا، فالوجه الرفع، لأنك لما نعته قربته من الأسماء، وحدثت به فائدة لم تكن في سير"( ) بخلاف المصدر غير المختص فالوجه معه النصب "لأنك لم تفد بقولك (سيرًا) شيئًا لم يكن في سير أكثر من التوكيد"( )، ومثل المصدر المختص الظروف قال المبرد: "والظروف بهذه المنْزلة. لو قلت: سير بزيد مكانًا أو يومًا –لكان الوجه النصب. فإن قلت: يوم كذا، أو يومًا طيّبًا، أو مكانًا بعيدًا- اختير الرفع لما ذكرت لك"( ).
واختصر ابن عصفور القضية فذهب إلى أن المصدر المختص أولى بالنيابة لأن الفعل يتعدى إلى المصدر بنفسه وإلى المجرور بحرف جر، وإلى الظرف بتقدير (في)( ).
واختلفوا في (الجار والمجرور) فذهب المبرد إلى أن المناب هو المجرور( ), وذهب ابن جني إلى أنه حرف الجر وما عمل به( )، وذهب السيرافي إلى أنه حرف الجر المتصل بالاسم قال: وذلك سيرر بزيد السير الشديد، تقيم الباء مقام الفاعل( ).
7-تثير الأفعال الناصبة لمفعولين قضيتين عند النحويين وذلك بعد بنائها للمفعول: القضية الأولى هو الناصب للمفعول الثاني وفيه ثلاثة مذاهب( ):
الأول:مذهب سيبويه، العامل فيه فعل المفعول الذي لم يسم فاعله. قال في (كُسي عبدُالله الثوبَ، وأُعطيَ عبدُالله المالَ):"وانتصب الثوب والمال لأنهما مفعولان تعدّى إليهما فعل مفعول هو بمنْزلة الفاعل"( ).
الثاني:ذهب ٌوم إلى أن العامل فيه فعل الفاعل المحذوف، وحجتهم: أن نائب الفاعل لا حظَّ له من الفعل إنما الفعل لغيره، فكيف يصح أن يعدى فعله إلى المفعول الثاني وهو لم يفعل شيئًا( ).
وأيد ابن السيد مذهب سيبويه وخطّأ القول الآخر مستدلاً بالحجج التي نوردها موجزة:
أ)لا خلاف في إنْزال المفعول منْزلة الفاعل في الحديث عنه، فكما شبه بالحديث عنه وبإعرابه شبه في تعدية فعله إلى المفعول.
ب)صياغة بعض الأفعال للمفعول دون الفاعل، فدل على أنه باب مخصوص، وهو إن يكن منقولاً فقد حدث له حكم جديد.
ج)العامل في قول سيبويه موجود في المسالة وغير موجود فيها على قول مخالفه.
د)من المحال ذهاب العامل وبقاء عمله وحكمه قد ارتفع وصار لغيره( ).
واحتج مخالفو سيبويه بأن قالوا: هذا الباب منقول من باب الفعل المتعدي( ). وأجاب على احتجاجهم ابن السيد بقوله: هل يوجب النقل تغير الحكم. إذا كان يوجب ما الذي أوجب تغير الأول ولم يوجب تغير الثاني وإن كان لا يوجب لزمهم عدم تغيير المبتدأ والخبر بعد دخول كان عليهما. وفي (أعطيت زيدًا درهمًا) الدرهم معمول لزيد لأنه الآخذ. ولذا قال الفارسيّ عنه مفعول مفعول. فإذا كان يعمل مع وجود الفاعل ألا يعمل مع عدمه( ). ومما يبين استحالة قولهم إنهم لو زعموا في (ظُنَّ زيدٌ منطلقًا) أن العامل فعل الفاعل المحذوف فقد عدّوا الظنَّ إلى مفعول واحد وصار فعل الفاعل عاملاً في الاسم الواحد وفعل المفعول عاملاً في الاسم الثاني وكل منهما مفتقر إلى الثاني، وإذا كان فعل المفعول هو العامل فيهما معًا كان الظن متعديًا إلى مفعولين على باب المعلوم( ).
الثالث:قول أبي القاسم الزجاجي، وقد قال إن تقريبه على المتعلم أن تقول نصبته؛ لأنه خبر ما لم يسم فاعله ثم خشي أن يتعقب عليه كلامه، فقال: وليس هذا من ألفاظ البصريين ولكنه تقريب على المتعلم( ).
وردّ هذا ابن السيد ذاهبًا إلى أنه ليس في هذا تقريب على المتعلم، لأنه إذا كان خبرًا فالعامل فيه (أعطى) وهو مذهب سيبويه، والأقرب إلى فهم المتعلم القول بأنه مفعول ثانٍ فيكون قد انتظم المذهبان، مع أن ذكر الخبر هنا مشكل لأن الغالب في عادة النحويين أن لا يستعملوه إلا فيما كان داخلاً على مبتدأ ولو كانت المسألة (ظُنّ زيدٌ منطلقًا) لكان أشبه ويلزم عدّ خبرين في (أعلم زيد عمرًا خارجًا) وهذا تكلف لا حاجة له( ). وأشار ابن عصفور إلى هذه الأقوال، وقد يكون استفاد من أقوال ابن السيد وإن لم يفصل تفصيله( ).
والقضية الثانية: الخلاف في المعنى بعد إنابة المفعول الثاني، ففي مثل أُعطي درهمٌ زيدًا أنيب المفعول الذي ليس في الأصل فاعلاً، وفيه قولان؛ الأول: أن المعنى على ما كان عليه إلا أنك أقمت الثاني. والقول الثاني:أن المعنى ينعكس كأنك قلت: أخذ الدرهمُ زيدًا. وقد ردّه ابن عصفور، وفسر هذا المذهب بأنه متابعة لحكاية سيبويه قول العرب: أدخل فوه في الحجر، وإذا قلت أُدخل الحجرُ فاه، كان المعنى: أُدخل الحجرُ في فيه، وليس في الكلام قلب، فلما رأى سيبويه أن قد أدى القلب في هذه المسألة عند إقامة الثاني وهو الفم حمل كل مسألة يقام فيها الثاني، على القلب. ولا حجة في ذلك؛ لأن سيبويه حمله على ادعاء القلب في المسألة أمرٌ ضروري؛ لأن قولك (أدخلت فاه الحجر) إذا لم يكن مقلوبًا كان الحجر مفعولاً مسرّحًا لفظًا وتقديرًا، والفم مسرّح في اللفظ مقيد في التقدير، فلا يجوز إذا لم يرد القلب إلا إقامة الحجر؛ لأنه أولى، فلَمّا رأى العرب تقيم الفم وتترك الحجر علم أن المسألة مقلوبة وأن الأصل: أدخلت فاه الحجر، تريد في الحجر، حتى يكون الذي أقيم المسرّح لفظًا وتقديرًا وبقي المقيّد( ).
4-التضمين
هناك جملة من الظواهر اللغوية يقول النحويون –عند تفسيرها- بالتضمين.
الظاهرة الأولى: تعدي الفعل بحرف لا يتعدى به عادة. والنحويون يذهبون في تفسير هذه الظاهرة مذهبين؛ أحدهما: القول بدخول حرف على حرف أي إتيان حرف بمعنى حرف، وهذا هو المذهب الكوفي، ومذهب آخر هو القول: بأن الفعل قد ضمن معنى الفعل الذي يتعدى بالحرف المذكور عادة وقدد فصل هذا ابن جني في الخصائص، قال "اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه، وذلك كقول الله عزّ اسمه ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾[187-البقرة]، وأنت لا تقول: رفثت إلى المرأة وإنما تقول رفثت بها، أو معها، لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء وكنت تعدي أفضيت بـ(إلى) كقولك: أفضيت إلى المرأة، جئت بـ(إلى) مع الرفث، إيذانًا وإشعارًا أنه بمعناه"( ). وقد ضرب ابن جني بعد ذلك أمثلة كثيرة.
والظاهرة الثانية: تعدية اللازم بنفسه، ومثال ذلك عندهم قوله تعالى ﴿وَمَن يَّرْغَبُ عَن مِّلَةِ إِبْرَاهِيمَ إلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَه﴾[130-البقرة]وقد خُرج تعدي (سفه) عدة تخريجات أحدها التضمين. ولذا فسّر الفعل عند أبي عبيدة بـ"أهلك نفسه وأوبقها"( )، وفي الكشاف "امتهنها واستخف بها"( ). والتفسير الثاني عدها تمييزًا، وهذا قول الفراء. قال: "العرب توقع سفِه على (نفسه) وهي معرفة، وكذلك قوله ﴿بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾[58-القصص] وهي من المعرفة كالنكرة؛ لأنه مفسر، والمفسر في أكثر الكلام نكرة، كقولك ضقت به ذرعًا"( ). أما القول الثالث فهو: "سفِه في نفسه فحذف الجار كقولهم: زيد ظنّي مقيم: أي في ظنّي"( ). وقد ذكر صاحب الكشاف الأقوال الثلاثة ورجح الأول( ). ويمكن القول إن الفعل (سفِه) لم يتعد؛ لأنه ضمن الفعل (أهلك) أو (امتهن) وإنما لتضمنه معنى الفعل (جعل) أي جعل نفسه كذلك، فقوله إلا من سفه نفسه، أي: إلا من جعل نفسه على هذه الحال. وتضمن هذا المعنى ليس غريبًا على اللغة بل هو أقرب إلى سلوكها فكثير من الأفعال اللازمة تنقل على صيغة(أفعل) أو (فعّل) وهذه الصيغة تتضمن معنى الفعل (جعل) فأخرجته: جعلته يخرج، وعلّمته: جعلته يعلم أو عالمًا.
ومثال ذلك أيضًا قوله تعالى ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ ﴾[235-البقرة] قال أبو حيان: "وانتصاب عقدة على المفعول به لتضمين تعزموا معنى ما يتعدى بنفسه، فضمن معنى تنووا، أو معنى تصححوا أو معنى توجبوا، أو معنى تباشروا، أو معنى تقطعوا، أي تبتوا. وقيل: انتصب عقدة على المصدر، ومعنى تعزموا: تعقدوا، وقيل: انتصب على إسقاط حرف الجر وهو على هذا التقدير ولا تعزموا على عقدة النكاح"( ). ويمثلون لذلك أيضًا بما ذكره الأشموني قال: "ومنه (أي التضمين) رحُبتكم الطاعة، وطلُع بشر اليمنَ، أي: وسِعتكم، وبلَغ اليمن"( ). والمتأمل لهذا المثال يرى أنهم قالوا بتضمن (رحُب) للفعل (وسِع) والفعل الأخير لازم في الأصل وتعديه كتعدي (رحُب) فلا يصح إذن جعل تضمنه سببًا للتعدي. والذي نراه أنسب في تفسير تعدي (رحُب) و(وسِع) هو القول بالحذف أي (رحُبت بكم الطاعة) و(رحُبت بكم الدار) وكل ذلك كناية عن اتساعها ورحابتها عند اشتمالها عليهم فكأنهم سبب في رحابتها. والفعل (وسِع) مثله أيضًا (فوسِعتكُم) أي (وسِعت بكم). ومثله الفعل (طلُع) فهو معدى على حذف حرف الجر (إلى) أي: طلُع إلى اليمن.
والظاهرة الثالثة: جعل المتعدي إلى مفعول واحد متعديًا إلى مفعولين، مثال ذلك، قوله تعالى ﴿وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُّكْفَرُهُ﴾[115-آل عمران]. جاء في الكشاف. فإن قلت: لم عدي إلى مفعولين وشكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحدة، فقول شكر النعمة وكفرها؟ قلت: ضمن معنى الحرمان فكأنه قيل: فلن تحرموه بمعنى فلن تحرموا جزاءه"( ).
والظاهرة الرابعة: جعل المتعدي لازمًا، مثال ذلك قوله تعالى ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُنَ عَنْ أَمْرِهِ﴾[63-النور]، وقد عدّ أبو عبيدة (عن) زائدة( ). وفسره الزمخشري على حذف مفعول من التركيب، فالأصل عنده خالفه عن أمره، قال "فحذف المفعول لأن الغرض ذكر المخالف والمخالف عنه"( )، أما عند العكبري: "الكلام محمول على المعنى، لأن معنى يخالفون يميلون ويعدلون"( )، وقد استشهد الأشموني بهذه الآية على التضمين ومعنى يخالفون عنده "أي: يخرجون"( )، ومن ذلك قوله تعالى ﴿وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾[28-الكهف] قال الزمخشري "يقال عداه إذا جاوزوه، ومنه قولهم عدا طوره وجاءني القوم عدا زيدًا، وإنما عدّي بعن لتضمن عدا معنى نبا، وعلا في قولك نبت عنه عينه، إذا اقتحمته ولم تعلق به. فإن قلت: أي غرض في هذا التضمين، وهلاّ قيل: ولا تعدهم عيناك أو لا تعل عيناك عنهم، قلت: الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى فذّ، ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم"( ). ويمكن القول إن هذا ليس من قبيل التضمين، ذلك أن الفعل (عدا: يعدو) لازم في الأصل، وهو يدل على حركة انتقال أفقية للفاعل ومن الطبعي تقييده بالحرف (عن) فيقال: عدا عنه، وبالحرف (على) فيقال: عدا عليه، ثم قد يحذف حرف الجر (عن) فيقال: عداه أي تجاوزه، وبهذا لا يكون في الآية موضع استشهاد إلا على الاستعمال الأصلي للفعل (عدا) مقيدا بالحرف. ومما يدل على ذلك نقل الفعل يقال: أعداه عليه أي نصره (اللسان مادة عدا) فأعداه جعله يعدو، وكذلك اعتدى عليه وهي فعل انعكاسيّ بمعنى أعدى نفسه عليه، ومثله تعدى أي عدّى نفسه.
وقد اهتم مجمع اللغة العربية بالقاهرة بالتضمين، فأعد بعض أعضائه بحوثًا في التضمين مثل البحث الذي قدمه حسين والي( ). ويضم هذا البحث آراء العلماء في التضمين وقد تضمن بشكل حرفي ما كتبه (يس) في حاشيته على التصريح 2: 4-7، وقد أورد عباس حسن هذا البحث وغيره وبعض المناقشات حوله في كتابه النحو الوافي( ). وقد عرف المجمع التضمين وقرر أنه قياسي وفيما يلي صيغة قرار المجمع: "التضمين أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو في معناه، فيعطَى حكمه في التعدية واللزوم ومجمع اللغة العربية يرى أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة:
الأول: تحقق المناسبة بين الفعلين.
الثاني: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس.
الثالث: ملاءمة التضمين للذوق العربي.
ويوصي المجمع ألا يُلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي". وعلق عباس حسن على قرار المجمع هذا تعليقًا جيدًا، مفاده أن هذه الشروط هي شروط المجاز وأنكر العناء الذي تكبده المؤتمرون، وقال: إن المذاهب -على تشعبها وعنفها- لم تستطع إثبات أن اللفظ الذي جرى فيه التضمين ليس حقيقة لغوية أصلية. وألقى سؤالاً مهما وهو ما الدليل على أن تعدي كثير من الكلام المحتج به ولزومه ليس أصيلاً، وليس مجازًا، وإنما جاءت من التضمين؟ ثمّ سأل عن الذوق العربي ما هو؟ وكيف يحدد؟ وأنكر اقتصار التضمين على الفعل في قرار المجمع. وذهب إلى أن أدلة التضمين واهية. وانتهى إلى ترجيح القول بسماعيته. وحصر القول في التضمين في أمرين:
الأول: الألفاظ التي وصفت بالتضمين إن كانت قديمة في استعمالها من عصور الاستشهاد، فذلك دليل على أصالة معناها الحقيقي.
الثاني: ما بعد الاستشهاد غير محتاج إلى التضمين لاستغنائه بالمجاز وأنواعه المختلفة( ).
وأنا أوافق عباس حسن في بعض ما ذهب إليه، من ذلك إنكار عدّ التضمين قياسًا، وربط التضمين على نحو ما بالمجاز. أما ما أخالفه فيه فهو التفريق بين العصور، فاللغة لا تعرف عصر استشهاد وعصر غير استشهاد، فالنصوص اللغوية عبر العصور كلها شواهد على اللغة وتطورها. ونخالفه في عدِّه ما في عصر الاستشهاد حقيقيًا، وما بعد ذلك غير محتاج إلى التضمين.
وأنكرت قياسية التضمين لا لأنه سماعي بل لأنه ليس مما يوصف بأنه قياسي أو سماعي، والسبب أنه ليس قاعدة لغوية وليس قانونًا لغويًّا، وإنما هو وسيلة تفسير مثل (المجاز) و(القياس) و(السماع) و(التجريد) كل هذه المصطلحات تدل على طريقة التفكير التي يسلكها المنتج للغة، ولذلك يتساوى فيها الناس جميعًا وتتساوى فيها المستويات اللغوية، فقد تكون في شعر المتنبي، وقد تكون على لسان السوقي الذي لا يحسن الكلام بما يسمى لغة فصيحة فلغته فيها مجاز وفيها تضمين وفيها قياس. أما ربط التضمين بالمجاز فمن حيث أنهما يقومان على فكّ التلازم الذي يحدث عادة بين التركيب والمفاهيم وإعادة تركيبها تركيبًا خلقيًا جديدًا، مثال ذلك الفعل (أكل) يتلازم مع مفعولات مأكولة وفاعلين من الحيوان، فإذا فك هذا التلازم وخلق تلازم آخر حدث ما يسمى المجاز مثال ذلك: أكل الجمل العشب. (هذا حقيقي) ولكن: أكلت النار العشب (هذا مجاز) لأن الأكل ليس من أفعال النار وإنما فعلها الإحراق. ومثال ذلك: أكل الرجل حق أخيه. (فهذا مجاز لأن الحق ليس مما يؤكل). وكذلك يحدث في التلازم بين الأفعال وحروف الجر حيث نجد (رضي على) بدل (رضي عن)، وخلق تلازم بين فعل لازمم ومفعول مثل (سفِه نفسَه) فنجد أن الفعل (جعل) قد ضمن في الفعل (سفه).
والمتأمل في بعض الأمثلة التي يسردها النحويون للتضمين، قد يرى أنها ليست دالة حقيقية على ما يريدون، مثال ذلك: (هل لك إلى أن تزكى) يذهبون إلى تضمين أدعوك والحقيقة أن وجود (إلى) جاء بسبب (هل لك) لأن (هل لك) وظيفيًّا تساوى أدعوك ودائرة التأويل واسعة يمكن أن يقال إن التركيب العمقي له هكذا: (هل لك بأن تأتي إلى أن تزكى) ويمكن أن يكون غير هذا من التقدير. مثل: (هل لك رغبة بأن تأتي إلى أن تزكى).
وهناك حروف جرّ ذات دلالات أساسية مثل دلالة (إلى) على الاتجاه و(على) على الاستعلاء و(عن) على المجاوزة و(في) على الظرفية. وهذه الدلالات تحملها الحروف معها عند ارتباطها الجديد مع أفعال ليست مما ترتبط به عادة. ولذلك قال الكسائي: إن رضي عليه مثل سخط عليه.
متى يفك الاتباط بين الفعل وحرف الجر؟ يحدث هذا حينما يستعمل الفعل استعمالاً وظيفيًّا حيث ينسى معناه الأصلي الحقيقي، فإذا كان معنى رضي عنه أي تجاوز عنه وانصرف، فإن كثرة استعمالها المجازي في دلالة محددة جعل معنى التجاوز يتوارى ولم يبق إلا هذا المعنى المقابل للسخط فعدى الفعل بعلى؛ لأن مدخول الحرف تقع عليه نتيجة الفعل ويتحملها.
قرار المجمع عامل التضمين معاملة القاعدة المعيارية التي يمكن تطبيقها. وليس الأمر كذلك، فالتضمين من خصائص اللغة الفنية (فصيحة أو لهجية) أي هو متصل بالخلق الفني شأنه شأن المجاز، ولا أحسبه من خصائص اللغة الإشارية. ولذلك فليس أمامنا سوى أن نصفه فقط دون أن نقرر قياسيته أو سماعيته، إلا إذا كان المقصود بالقياسي إمكان الحدوث وبالسماعي أنه حدث ولا يقبل التكرار، مثل بعض الاستعمالات اللهجية القديمة التي لا تستعمل اليوم مثل استعمال (متى) حرف جر، فلا أحد يقول اليوم: خرجت متى بيتي!
التضمين والمجاز ليسا من قواعد اللغة كقواعد الإعراب والربط والرتبة وقواعد الصرف، بل هما يمثلان كسرًا للقاعدة، وبعد كثرة تداول ما فيه تضمين أو مجاز تنسى مخالفته للقاعدة. فمن المعروف أن المجازات بالاستعمال قد تصير حقائق أو كالحقائق.
قائمة المصادر والمراجع
الأخفش؛ أبوالحسن سعيد بن مسعدة(215 ھ):
معاني القرآن، تحقيق: فائز فارس (ط2، الشركة الكويتية لصناعة الدفاتر والورق المحدودة/ الكويت، 1981م).
الأشموني؛ أبوالحسن علي نور الدين بن محمد(929 ھ):
منهاج السالك إلى ألفية ابن مالك (ط3، مطبعة النهضة المصرية/ القاهرة، 1970م).
البطليوسي؛ أبومحمد عبدالله بن محمد بن السيد (521 ھ):
كتاب الحلل في إصلاح الخلل من كتاب الجمل، تحقيق: سعيد عبدالكريم سعّودي (وزارة الثقافة/ بغداد، 1980م).
ابن بابشاذ؛ أبو الحسن طاهر بن أحمد (469 ھ):
شرح المقدمة المحسبة، تحق. خالد عبد الكريم (ط1 / الكويت 1976م).
الثبيتي، عيّاد عيد:
ابن الطراوة النحوي (ط1، نادي الطائف الأدبي/الطائف، 1983م).
الجرجاني؛ أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن (471ھ):
كتاب المقتصد في شرح الإيضاح، تحق. كاظم بحر المرجان (وزارة الثقافة والإعلام العراقية / بغداد 1982 م).
ابن جني؛ أبو الفتح عثمان (392ھ):
-الخصائص، تحق. محمد على النجار وآخرين ( مصطفى الحلبي / القاهرة،1954م).
-اللمع، تحق . فائز فارس ( ط 1 ، دار الكتب الثقافية / الكويت، 1972م).
-المنصف، تحقيق: إبراهيم مصطفى وعبدالله أمين (ط1، مصطفى الحلبي/ القاهرة، 1954م).
حسن؛ عباس:
النحو الوافي(دار المعارف بمصر/ القاهرة، 1973م).
ابن الحاجب؛ أبوعمرو عثمان (646 ھ):
شرح الوافية نظم الكافية، تحقيق موسى بناي علوان العليلي (الجامعة المستنصرية/ النجف الأشرف، 1980م).
أبوحيان؛ أثير الدين أبوعبدالله محمد بن يوسف (754 ھ):
-تفسير البحر المحيط (مط. السعادة/ القاهرة، 1329 ھ)مصورة مكتبة النهضة/ الرياض.
- تقريب المقرب، تحقيق: عفيف عبدالرحمن (ط1، دار المسيرة/ بيروت، 1982م).
-المبدع في التصريف، تحقيق: السيد عبدالحميد طلب (دار العروبة للنشر والتوزيع/ الكويت، 1982م).
ابن الخشاب؛ أبومحمد عبدالله بن محمد (567 ھ):
المرتجل، تحقيق: علي حيدر (دمشق، 1972م).
ابن درستويه؛ عبدالله بن جعفر (347 ھ):
تصحيح الفصيح، تحقيق: عبدالله الجبوري (وزارة الأوقاف/ بغداد، 1975م.).
الرضي؛ محمد بن الحسن الاستراباذي (686 ھ):
شرح الكافية(الشركة الصحافية العثمانية، 1310 ھ).
الزبيدي؛ أبوبكر محمد بن الحسن (379 ھ):
الواضح في علم العربية، تحقيق: أمين علي السيد(ط1، دار المعارف بمصر/ القاهرة، 1975م.).
الزجاج؛ أبوإسحاق إبراهيم بن السري بن سهل(311 ھ):
معاني القرآن وإعرابه، تحقيق: عبدالجليل عبده شلبي(المكتبة العصرية/ بيروت، 1973م.).
الزمخشري؛ أبو القاسم جار الله محمود بن عمر (538ھ):
-الكشاف (مصطفي الحلبى / القاهرة، 1966م) .
-المفصل في صنعة الإعراب، بعناية النعسانى ( ط 2، مصورة دار الجيل / بيروت عن طبعة سنة 1323ھ).
ابن السراج؛ أبو بكر محمد بن السري بن سهل (316ھ):
-الأصول في النحو، تحق. عبد الحسين الفتلي (مط . الأعظمي/ بغداد، 1973م).
-الموجز في النحو، تحق . مصطفى الشويمي وبن سالم دامرجي (ط مؤسسة أ. بدران/ بيروت، 1965م ).
السهيلي؛ أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالله (581 ھ):
نتائج الفكر في النحو، تحقيق: محمد إبراهيم البنا (جامعة قاريونس، 1978م.).
سيبويه؛ أبو بشر عمرو بن قنبر (180ھ):
الكتاب، تحق. عبد السلام محمد هارون (الهيئة المصرية العامة للكتاب/ القاهرة 1977م).
السيرافي؛ أبوسعيد الحسن بن عبدالله المرزبان(368 ھ):
شرح كتاب سيبويه، تحقيق: محمد حسن محمد يوسف (رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر/ 1978م.).
السيوطي؛ جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر (911ھ):
-همع الهوامع شرح جمع الجوامع، بعناية بدر الدين النعساني (ط 1، مطبعة السعادة/ القاهرة، 1327ھ) مصورة دار المعرفة/ بيروت.
-همع الهوامع شرح جمع الجوامع، تحق. عبد العال سالم مكرم (دار البحوث العلمية/ الكويت، 1975م).
الشلوبيني؛ أبوعلي عمر بن محمد بن عمر (645 ھ):
التوطئة، تحقيق: يوسف أحمد المطوع(دار التراث العربي/ القاهرة، 1973م).
الشمسان، أبو أوس إبراهيم:
الفعل في القرآن الكريم: تعديته ولزومه(ط1، جامعة الكويت/ الكويت، 1986م.).
أبو عبيدة؛ معمر بن المثنى التيمي (210ھ):
مجاز القرآن، تحق. محمد فؤاد سرگـين (ط2، مكتبة الخانجي/القاهرة، 1970 م ).
ابن عصفور؛ أبو الحسن على بن مؤمن بن محمد بن على (669ھ):
-شرح جمل الزجاجى، تحق، صاحب أبو جناح (وزارة الأوقاف / بغداد،1980م).
-المقرب، تحقيق: أحمد عبدالستار الجواري وعبدالله الجبوري(مطبعة العاني/ بغداد، 1971م.).
-الممتع في التصريف، تحقيق: فخر الدين قباوه(ط1، المكتبة العربية/ حلب، 1970م).
العكبري؛ أبوالبقاء عبدالله بن الحسين (616 ھ):
التبيان في إعراب القرآن، تحقيق: علي محمد البجاوي (عيسى البابي الحلبي/ القاهرة، 1976م.).
عمر؛ أحمد مختار وعبدالعال سالم مكرم:
معجم القراءات القرآنية (جامعة الكويت/الكويت، 1984م.).
ابن فارس؛ أبوالحسن أحمد بن فارس بن زكريا (395 ھ):
الصاحبي، تحقيق: مصطفى الشويمي، وسالم بن دامرجي (مؤسسة أ. بدران).
الفارسي؛ أبوعلي الحسن بن أحمد (377 ھ):
-الإيضاح العضدي، تحقيق:حسن الشاذلي فرهود(ط1، مط. دار التأليف/ القاهرة، 1966م).
-الحجة في علل القراءات السبع، تحقيق: علي النجدي ناصف وآخرين (الهيئة العامة للكتاب/ القاهرة، 1965م).
-المسائل البغداديات، تحقيق: عبدالفتاح إبراهيم أحمد العليمي(رسالة ماجستير-جامعة الأزهر، 1981م.).
ابن قتيبة؛ أبومحمد عبدالله بن مسلم (276 ھ):
أدب الكاتب (مط. بريل/ ليدن، 1900م.).
الكفوي؛ أيوب بن موسى الحسيني(1094 ھ):
الكليات، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري(وزارة الثقافة والإرشاد القومي/ دمشق، 1975م.).
المبرد؛ أبو العباس محمد بن يزيد (285ھ):
المقتضب، تحق. محمد عبد الخالق عضيمة (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية/ القاهرة 1965م).
المرادي، بدر الدين الحسن بن قاسم (749ھ):
-توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، تحقيق: عبدالرحمن علي سليمانن (ط1، مكتبة الكليات الأزهرية/ القاهرة، 1976م.).
-الجنى الداني في حروف المعاني، تحق. فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل (المكتبة العربية/ حلب 1973م).
المطرزي؛ أبوالفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي ( 610 ھ):
المصباح في علم النحو، تحقيق: عبدالحميد السيد طلب (ط1، مكتبة الشباب بالمنيرة/ القاهرة، د.ت.).
ابن معطي؛ أبوالحسن زين الدين يحيى (628 ھ):
الفصول الخمسون، تحقيق. محمود محمد الطناحي (ط1،عيسى البابي الحلبي/ القاهرة 1976م).
المنصور؛ وسمية عبدالمحسن:
أبنية المصدر في الشعر الجاهلي (ط1، جامعة الكويت/ الكويت، 1984م).
ابن مالك؛ محمد بن عبد الله (672ھ):
تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، تحق. محمد كامل بركات (دار الكاتب العربى/ القاهرة، 1976م).
ابن هشام؛ أبو محمد عبد الله جمال الدين بن أحمد بن عبد الله (671ھ):
شذور الذهب، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد(ط6، المكتبة التجارية الكبرى/ القاهرة، 1953م.).
ابن يعيش؛ أبو البقاء موفق الدين يعيش بن علي (643ھ):
شرح المفصل (دار الطباعة المنيرية/ القاهرة، د. ت.).
F. Leemhuis, The D and M stems in Koranic Arabic, 1977.
تحياتى لكم
انتهى