-8-
((تداخل السرد التراكمي)).
يمكن تتبع هذا النوع من التداخل السردي من خلال قراءة القسم الأول من حكاية الإطار، حكاية ((حاسب كريم الدين)) كمثال على ذلك ابتعاداً عن الإطالة وهذا لا يعني أن مثل هذا التداخل قد اختصر على هذا القسم فقط بل إن هذا النوع من التداخل قد اشتملت عليه كل أقسام الحكاية دون استثناء.
إن مثل هذا التداخل السردي يعني فيما يعنيه تقسيم الحكاية الواحدة إلى مجموعة من الأحداث الصغيرة المكتفية بذاتها معنى ودلالة لكنها لا يمكن أن تعطي المعنى العام للحكاية الأم مالم تتداخل مع بعضها حيث يتداخل الأول بالثاني والثاني بالأول والثالث وهكذا يستمر التداخل حتّى تكتمل الحكاية، أي أن الحدث يركب علىالحدث الذي قبله ويدخل في الحدث الذي يليه.
إن فرز مثل هذا التركيب يدعونا إلى القيام بعملية فحص إجرائي ((تجريبي))، للوصول إلى المقياس ((المعيار))، الذي يتم من خلاله هذا الفرز.
ومن خلال قراءة متأنية للنص يمكن استخراج ذلك المعيار الذي يعتمد على:
1 ـ اختلاف الحدث الأول عن الذي يليه وبنفس الوقت الاعتماد عليه.
2 ـ دخول عنصر آخر في الحدث الذي يليه مثل دخول شخصية جديدة.
3 ـ تغييرات المكان والزمان.
ومن خلال الفحص الإجرائي هذا يمكن الاقتراب كثيراً من مثالنا لنرى صحة ما أوردناه.
تبدأ حكاية ((حاسب كريم الدين)) في الليلة ((472)) عندما تقول شهرزاد ((بلغني أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان حكيم…الخ))، ثم تبدأ بقص الأحداث:
الحدث الأول:
تبدأ الحكاية عن الحكيم ((دانيال)) موضحة أنه كان غير ذي خلف حيث لم يرزقه الله بمولود فيدعوه إلى ذلك ويستجيب سبحانه وتعالى إلى دعواه وقبل الولادة يموت الحكيم مخلفاً لذلك المولود المنتظر ((خمسة أوراق))، تحتوي على ((العلم والحكمة))، وعندما يولد الطفل ويكبر تزوجه أمه.
الحدث الثاني:
يتعرف ((حاسب)) على مجموعة من الحطابين ويعمل معهم وفي أحد الأيام يصلون إلى بئر فيه عسل ينزل ((حاسب)) إلى داخل البئر لإخراج العسل فيتركه أصحابه داخل البئر.
الحدث الثالث:
يعود الحطابون إلى أمه، ويخبروها بأن الذئب قد افترس ابنها ((تأثيرات قصة يوسف))، فتقيم له مأتماً.
الحدث الرابع:
يعود القص أو الخطاب الحكائي إلى ((حاسب))… حيث نراه يخرج من البئر إلى مكان غير الأرض، من خلال ثقب جانبي ((مدخل إلى العالم الآخر = العالم السفلي))، ويصل إلى مملكة الحيات.
الحدث الخامس:
الدخول إلى مملكة الحيات والالتقاء بملكتهن… وطلبه المساعدة منها في الخروج إلى الأرض والعودة إلى أهله. لكنها كانت تطلب منه البقاء وسماع حكايتها وماجرى لها بسبب مساعدتها للإنسان.. حيث تبدأ بقص حكاية ((بلوقا)) ويمكن الاستمرار في تتبع هذا النوع من السرد في القسم الثاني من هذه الحكاية والذي يأتي بعد حكاية ((بلوقا)) و((جانشاه)).
إن الحدث الأول يرتبط بالحدث الثاني من خلال شخصية ((حاسب)). فيما يرتبط الحدث الثالث بالأول دون الثاني من خلال شخصية الأم. ويرتبط الحدث الرابع بالحدث الثاني والأول سوية من خلال شخصية ((حاسب)).
أما الحدث الخامس فإنه يرتبط بالحدث الرابع لاستمرار وجود ((حاسب)) كشخصية رئيسية، هذا من ناحية الترابط بين الأحداث أما من ناحية تشظية الحكاية إلى أحداث رغم ترابطها فإن ذلك يتم من خلال:
1 ـ تغير المكان: مثل ذهاب ((حاسب)) مع الحطابين إلى البئر ((الحدث الثاني))، وانتقاله من العالم الأرضي إلى العالم المجهول ((السفلي))، مملكة الحيات ((الحدث الرابع)).
2 ـ دخول شخصية جديدة أو فقدان أخرى: مثل انتقال الحدث الأول إلى الحدث الثاني عند غياب شخصية الأب ((موته)) ودخول الحطابين إلى الحدث.
3 ـ التزامن: أي وقوع حدثين في وقت واحد مما يدفع الراوي الشعبي إلى سرد كل حدث على حده من خلال استخدام لازمة لغوية محددة يلقيها على سامعيه، مثل قوله (وأما ماكان من أمر…الخ). ونظرة أولية للمرتسم الثاني (الشكل رقم ـ2ـ) نرى أن هذه الحكاية وكأغلب، حكايات الليالي، تعمد على حدث مركزي ترتبط به الأحداث الأخرى، إن كان ذلك الارتباط على شكل تسلسلي، أو على شكل عنقودي أو شبه عنقودي.
والارتباط التسلسلي هو تحرك السرد الحكائي إلى أمام باطراد دون العودة إلى ماسبق من أحداث.
أما الارتباط العنقودي فنعني به توزيع الأحداث علىمجاميع ترتبط كلها في مركز واحد.
فيما يعني الارتباط (شبه العنقودي) والذي يمثله الارتباط الوارد في حكاية ((حاسب كريم الدين)) كما في الترسيمة السابقة، فهو يعني وجود حدث مركزي يتشظى إلى شظيتين أو ثلاث فقط دون أن يكون أكثر من ذلك ليتحول إلى ارتباط عنقودي.
ويستمر الحدث الأول بالتراكب مع أحداث أخرى ترتبط به في القسم الثاني من الحكاية.. أما الحدث الثاني فإنه يستمر في الارتباط مع أحداث أخرى.
ـ 9 ـ
إن التقنيات التي استخدمها الراوي الشعبي في سرد حكايته هذه تعتبر من التقنيات المهمة والجديرة بالدرس وإعادة اكتشافها مرة ثانية في أدبنا السردي الحديث.
إضافة لذلك فإن قراءة متأنية لهذه الحكاية ستكشف لنا الكثير من الأمور التي حفل السرد القصصي // الحكائي في الليالي، على صعيد الشكل أو المحتوى… وهذا ماسنعود إليه في دراسات قادمة إن شاء الله.
الهوامش
1- ألف ليلة وليلة –د. عبد الملك مرتاض – دار الشؤون الثقافية العام ص103
2- آفاق عربية – ع /4/ ألسنة /17/ د. عبد الله إبراهيم
3- لم يطلق ناشر الليالي على هذه الحكاية أي اسم كان وإنما وجدت من المناسب ان نسميها بهذا الاسم اعتماداً على الشخصية الرئيسة التي تروى عنها الأحداث وقد وردت هذه الحكاية ضمن حكايات أخرى جاءت تحت عنوان رئيسي شامل هو "جملة حكايات تتضمن عدم الاغترار بالدنيا والوثوق بها" ص780 (ج/4-5-6)*
ملاحظة: اعتمد الأستاذ الشويلي في هذه الدراسة على طبعة دار التوفيق للطباعة والنشر والتوزيع- ألف ليلة وليلة- 1980.