"بسم الله الرحمن الرحيم"
إطلالة تاريخية عجلى :-
على الرغم من أهمية المصطلحات فإن العناية بها لم تتخذ صورة العلم الذي له أسسه وقواعده ونظمه التي يحتكم إليها إلا في وقت متأخر فعبر التاريخ القديم نجد الهيروغليفية والسومرية الذين استعانوا بالرسوم والصور ثم تقدموا – إيجازاً ودلالةً – فأوجدوا الرموز والألفاظ .
ينتقل بنا شراع الزمن ليستقر بنا في مرفأ العصر الحديث ( الأربعينات , والخمسينات , والستينات ) الذي صار فيه " المصطلح " علماً قائماً بحد ذاته له نظرياته وأسسه وقواعده التي تدرس على يد كل من : - السوفيتي لوت LOTTE , والألماني فوستر WUSTER , وفيلبر الذي رسخ جذور " مركز المعلومات الدولي للمصطلحية " INFOTERM عام 1971م في فيينا بناء على اتفاق بين يونسكو والمعهد النمساوي للمواصفات , انتهاءً بـ غالنسكي الذي ما زال مستلماً إدارة مركز المعلومات الدولي للمصطلحية حتى الآن .
أما المصطلح عند العرب فبدأ بندوة عربية في المغرب عام 1981م , ولحقتها بعد ذلك ندوة أخرى في تونس عام 1986م , تلتها ندوة ثالثة عربية ودولية في عمان عقدت عام 1993م.
المصطلح :-
وجد المصطلح منذ وجود الخليقة لأنه لفظ ( رمز ) دال على ( الرموز ) التي تعبر عنها الأشياء والمكتشفات والمخترعات والموجودات. لقد عرفت كل الحضارات القديمة الاصطلاحات والمصطلحات ؛ لتتمكن من التعبير عن نفسها , واكتشافاتها , ونظرياتها ؛ لندرسها , وندرسها , ونضيف إليها , فالعلوم كلها تحتاج إلى المصطلح ولم يك هناك مشكلة ؛ لأن المخترع أو المكتشف لا يجد عناءً في إطلاق مصطلح مناسب على ما يكتشف , أو يخترع في جميع الحضارات مروراً بالحضارة الإسلامية .
لقد أحسَ العرب بخطورة المصطلح , والاصطلاحات , وأهميتها للعلوم المختلفة للتعبير عن مفاهيمها المختلفة بدقة علمية محددة , وأدركوا علاقة المصطلحات بالعلوم مؤكدين مقولة مفادها " المصطلحات مفاتيح العلوم وثمارها القصوى " فوضعوا الكتب الخاصة بهذا العلم الجديد التي تعنى بالمصطلحات العلمية المختلفة مثل : كتاب " مفاتيح العلوم " للخوارزمي , وكتاب " التعريفات " للجرجاني , وكتاب " الكليات " للكفوي , وكتاب " مفتاح العلوم " للسكاكي , ولعلَ أوسعها وأكملها كتاب " كشاف اصطلاحات الفنون " للثعالبي . ولم يقتصروا على التأليف بل توجهوا إلى الترجمة من الحضارات الأخرى دون وجود لمشكلة المصطلح , ومثال ذلك : كتاب " القانون في الطب " لابن سينا وغيره الكثير.
مفهوم المصطلح :-
تعود أصول هذه الكلمة إلى الجذر الثلاثي " صلح " التي تتضمن معنى ضد الفساد , ولم يدرج استخدامها في المعجم المفهرس للألفاظ القرآن الكريم , والحديث النبوي بل شاعت في مشتقاتها مثل : " اصطلح " فوردت فقط في الحديث النبوي مثل : " ثمَ يصطلح الناس على رجل " و " فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة " و " وهذا ما اصطلح عليه محمد بن عبدالله وسهيل بن عمرو " , وأول معجم لغوي تناولها هو معجم تاج العروس للزبيدي حين يقول : " والاصطلاح اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص " .
بدأ هذا المفهوم على يد المؤسس فوستر , والسوفيتي لوت , وهو في نظرهما : " دراسة ميدانية لتسمية المفاهيم التي تنتمي إلى ميادين مخصوصة من النشاط البشري باعتبار وظيفتها الاجتماعية " , ويعرفه كل من علي القاسمي , والدكتور علي الحمد بقولهما : " العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية , والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها "
إشكالية المصطلح :-
هذه الإشكالية لم تكن موجودة من قبل ؛ لأن العرب كانوا هم المخترعون والمكتشفون الواضعون لرموزهم , ولمصطلحاتهم الدالة على مكتشفاتهم , ولكن بدأت ملامح المشكلة تبدأ بالظهور عندما تحول العرب إلى عناصر مستهلكة مستوردة للعلوم والمخترعات , ويؤكد المسدي ذلك بقوله : " بالأمس جابهوا المشكل اللغوي من موقع القوة والتفوق الحضاري , فخلصوا من كل مركب نفسي واليوم نواجهه من موقع منحدر " فوقعت هذه المشكلة التي تتمثل في كيفية ترجمة العلم الأجنبي , وتعريبه ويتضاعف حجم المشكلة عندما تنظر إلى الكمَ الهائل من المصطلحات المتدفقة في الساحة المعرفية العلمية للبشر , وثمرات العلوم التي لا تتوقف ويصعب متابعتها وإحصاؤها .
والذي يزيد من خطورة مشكلة المصطلح هو ذاك التخبط , وعدم التخطيط لمواجهة هذه المشكلة فيتولد لنا من ذلك مشكلة قاتلة أخرى لا تقل خطورة بالكثرة والتراكم, إنها مشكلة الفوضى الاصطلاحية , والتخبط والفردية الاصطلاحية . وأهم المشاكل المصطلحية هي :-
1. التغير في مفهوم المصطلح الذي يصوغونه ثمَ يستخدمونه , وخير ما يمثل ذلك الاختلاف في مفهوم المصطلح في لغته الأم مصطلحا ( Phonetics وPhonology ( إذ أن هذين المصطلحين ليس لهما دلالة واحدة عند جميع الكتاب على اختلاف عصورهم.
2. تداخل المصطلحات مع مصطلحات العلوم الأخرى , أو اقتباس هذا المصطلح , أو ذاك من مجال آخر من مجالات العلوم وبخاصة أنه ظهرت في الآونة الأخيرة مجالات لعلوم اللغة تستعين بالعلوم الأخرى مثل : علم اللغة الاجتماعي , وعلم اللغة النفسي , وعلم اللغة الحاسوبي . ومن الأمثلة على ذلك : مصطلح ( Coordinate ) الذي يمكن أن يقابله مصطلح ( معطوف ) أو ( إحدائية ) وهو لفظ رياضي انتقل من حقل الرياضة إلى حقل اللسانيين .
3. تقديم المصطلحات دالة على مفاهيم غريبة عن اللغة التي توضع فيها هذه المصطلحات مثل : مصطلح ( ثلحرف ) و ( حرف ثلاثي ) في مقابل المصطلح الانجليزي ( Trigraph) أو اختيار ترجمة ملبسة للمصطلح , ومثال ذلك : مصطلح ( PassiveVerb ) بـ ( فعل مجهول ) , وهذا قد يوهم الدارس بأن الفعل هو المجهول في حين أن المفهوم الذي يحمله هذا المصطلح يشير إلى أن الفاعل هو المجهول , وليس الفعل .
4. عدم مراعاة خصائص اللغات التي يؤخذ منها المصطلح فلكل لغة خصائصها التي تميزها عن غيرها من اللغات , ولا بدَ من مراعاة هذه الخصائص ومن الأمثلة على ذلك ما نجده في اختيار مصطلح ( تصريف ) لمقابلة (Inflection وFlections ) وتعريف المصطلح بأنه إضافة زوائد للكلمة لتدلَ على وظيفتها في الجملة وعلاقتها بسواها . فيتضمن هذا المصطلح إغفالاً لخصائص اللغتين العربية , والانكليزية معاً , إذ أن مصطلح ( تصريف ) شرع في التراث العربي , واستقر للدلالة على مفهوم محدد لا يقتصر على إضافة زوائد للكلمة بل يشمل كل التغييرات التي تطرأ على الأبنية كما يعرفه ابن الحاجب : " التصريف علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلام التي ليست بإعراب " .
5. تقديم المصطلحات دون تعريف يوضح صورتها , ويجليها للدارسين والعلماء لاستخدامها في بحوثهم , وأعمالهم , وخصوصاً عند تقديم مصطلحات غريبة , أو منحوتة على نحو : ( علسطة قرائية , عفل القراءة ) في مقابل المصطلح الأجنبي (Paralexy ) وكلا المصطلحين غريب لا يعرف دلالة جذره , أو مصدره الذي أخذ منه.
6. المصطلحات لا تتحدد مدلولاتها انطلاقاً من موقعها في النص الذي ترد فيه , وإنما تتحدد دلالتها من خلال ارتباطها بالمصطلح الأجنبي الذي يورده المؤلف مصاحباً للفظ العربي الذي يختاره لمقابلة ذلك المصطلح.
7. واضع المصطلح العربي المقابل للمصطلح الأجنبي قد يكون خالي الذهن من الواقع الذي نشأ فيه المصطلح الأجنبي , فيعود ذلك بالضعف على المصطلح العربي المقابل للمصطلح الأجنبي .
8. التعدد في تقديم دلالة اللفظ الواحد على مصطلحات متعددة , أو تعدد الالفاظ الدالة على مفهوم واحد .
الحلول المقترحة في القضاء على وباء المشكلة المصطلحية :-
أ- إنشاء منظمة عربية ذات جهود متكاتفة في عمل معاجم خاصة للمصطلحات على النحو التالي: ا- معاجم مذيلة مرفقة بأخر الكتاب .
2 – مجموعات اصطلاحية في مجلات لغوية متخصصة .
3 – معاجم بشكل كتب مستقلة .
ب- استخدام المصطلح مكتوباً بالحروف العربية وخير مثال على ذلك علي عبد الواحد الكافي في قوله : " ويطلق على جميع البحوث ما عدا االفيلولوجيا ... وما عدا المورفولوجيا التعليمي , والسنتاكس التعليمي , والستيلستك اسم علم اللغة " مع ربط هذا المصطلح المكتوب بالأحرف العربية بكتب التراث العربي ربطاً دقيقاً كما يتابع الكافي قائلاً : " فوضعوا اسم الصرف لبحوث من فصيلة المورفولوجيا التعليمي , واسم النحو لبحوث من فصيلة السنتكس التعليمي ,..." وكتابة المصطلح الأجنبي أمام اللفظة العربية الجديدة .
ج- تذييل الكتاب بمعجم للمصطلحات التي استخدمها الباحث في كتابه بالمصطلحات الانجليزية , والمصطلحات العربية المقابلة لها مع تعريف يوضح مدلولاتها .
د- إنشاء مجامع لغوية عربية تقر بتوحيد المصطلح على الساحة القطرية , والقومية لنضمن مواكبة المنهج العلمي العالمي المتطور , ومراعاة التقريب بين المصطلحات العربية والعالمية لتسهل المقابلة بين المشتغلين بالعلم والدارسين , ولنضمن حياة الكلمة الموحدة بتغذيتها بكل ما يستجد من مفاهيم بتطور العلم .
ه- نقل المفهوم أو المخترع باسمه ( مصطلحه ) الأجنبي على الرغم من الخطر اللغوي فيه. وإما بتعريب المصطلح الأجنبي, وإما بترجمة مصطلحه الأجنبي , ووضع مقابل عربي له , وإما بتوليد مصطلح عربي مناسب لهذا المفهوم.
وفي نهاية المطاف لا نستطيع أن ننكر المزايا الإيجابية التي تعكسها إشعاعات شمس المصطلح المتمثلة في تقدم العلوم , ومسايرتها بفكر منتظم , وبروح علمية منضبطة مندفعة منطلقة إلى فضاء الإبداع , وعوالم الإضافات العلمية التي ستصبغ حياتنا المستقبلية , وتضمن رفاهية الأجيال اللاحقة – إن شاء الله - .