31
مَرَرْتُ بخَزَّافٍ بَدَا لِيَ غَضْبَانَا *** يُرِيْ طِيْنَةً فِيْ صَوْغِهَا الْعُنْفَ أَلْوَانَا
فَقَالَتْ لَهُ: "كُفَّ ازْدِرَاءَكَ وَالأَذَى، *** فَقَدْ كُنْتُ فِيْمَا فَاتَ مِثْلَكَ إِنْسَانَا"
32
أَيَا أَيُّهَا الْخَزَّافُ، مَا جِئْتَ إِعْنَاتُ *** وَمَا أَنْتَ تُجْرِيْهِ عَلَى الْطِّيْنِ مَأْسَاةُ
فَمِنْ لَكْمِهِ وَالْدَّوْسِ يُصْبِحُ مُرْهَقَاً *** وَجَوْهَرُهُ أَبْدَانُ نَاسٍ وَقَدْ مَاتُوْا
33
تَصَوَّرَ لِيْ كُوْزِيْ بَقِيَّةَ وَلْهَانِ *** يُدَاعِبُ فِيْ الْمَاضِيْ ذَوَائِبَ فَتَّانِ
وَعُرْوَتُهُ بَانَتْ ذِرَاعَاً لَطَالَمَا *** تَلَمَّسَ أَعْنَاقَاً بِسَالِفِ أَزْمَانِ
34
نَهَارٌ وَلَيْلٌ قَبْلَنَا فِيْ تَعَاقُبِ *** وَمَا دَارَ مِنْ فُلْكٍ بِغَيْرِ مَآرِبِ
فَكُنْ حَانِيَاً فِيْ الْسَّيْرِ إِنَّ دُرُوْبَنَا *** تُرَابٌ أَتَى فِيْ الأَصْلِ مِنْ عَيْنِ كَاعِبِ
35
يُرِيْ الْوَرْدُ فِيْ هذِيْ الْرُّبَى لَوْنَهُ الْقَانِيْ *** دِمَاءَ مُلُوْكٍ أُهْرِقَتْ قَبْلَ أَزْمَانِ
وَأُقْسِمُ مَا أَهْدَى الْبَنَفْسَجَ لَوْنَهُ *** سِوَى خَالِ حُسْنٍ كَانَ فِيْ خَدِّ فَتَّانِ
36
نَمَا الْعُشْبُ مِنْ خَدٍّ صَرِيْعِ هَلاكِ *** تَرَفَّقْ بِهِ، سِرْ لِلْنَّسِيْمِ تُحَاكِيْ
فَكُلُّ زُهُوْرِ الْرَّوْضِ وَالْعُشْبُ أَصْلُهَا *** شِفَاهُ جَمِيْلاتٍ بِحُسْنِ مَلاكِ
37
قَضَاءٌ بِقَطْفِ الْوَرْدِ دَانِيْهِ وَالْنَّائِيْ *** لِيُلْقَى إِلَى جَوْفِ الْثَّرَى دُوْنَ إِبْطَاءِ
وَلَوْ جَذَبَتْ هذِيْ الْسَّمَاءُ تُرَابَنَا *** لَأَمْطَرَتِ الْدُّنْيَا دِمَاءً بِلا مَاءِ
38
أَمِنْ فُرْصَةٍ لِلْعَيْشِ فِيْ غَيْبَةِ الْخَمْرِ؟ *** وَذِيْ الْسُّحْبُ تَبْكِيْ الْرَّوْضَ بِالْدَّمْعِ إِذْ يَجْرِيْ
نَرَى حُسْنَ هذَا الْرَّوْضِ فِيْ يَوْمِنَا فَمَنْ *** غَدَاً سَيَرَى مِنْ رَمْسِنَا نَابِتَ الْزَّهْرِ؟
39
لِشِدَّةِ سُكْرِيْ أَمْسِ لَمْ أَدْرِ مَا سُبْلِيْ *** فَكَسَّرْتُ كَأْسِيْ عَابِثَاً، فَعْلَةَ الْثَّمْلِ
فَقَالَ:"تَرَفَّقْ، كُنْتُ مِثْلَكَ سَابِقَاً، *** وَأَنْتَ غَدَاً لا بُدَّ مُنْقَلِبٌ مِثْلِيْ"
40
مَضَى أَخْلَصُ الْخِلَّانِ يَا وَيْحَ أَيَّامِيْ *** وَطَالَهُمُ سَحْقُ الْمَنُوْنِ بِأَقْدَامِ
شَرِبْنَا وَإِيَّاهُمْ مِنَ الْخَمْرِ ذَاتِهَا *** وَمِنْ قَبْلِنَا مَاتُوْا بِبِضْعَةِ أَعْوَامِ
41
أَيَا حَسْرَتَا، سِفْرُ الْصِّبَا طَيُّ فِقْدَانِ *** طَوَى مَعَهُ عَنِّيْ رَبِيْعَاً بِلا ثَانِ
أَتَى عَنْدَلِيْبٌ لِلْشَّبَابِ فَزَارَنِيْ *** وَوَلَّى، فَلَمْ أَشْعُرْ بِوَصْلٍ وَهِجْرَانِ
42
حَبَتْكُمْ يَدُ الْخَيَّامِ مَوْئِلَ عِرْفَانِ *** فَذَوَّبَهُ فِيْ عَيْشِهِ صَهْرُ أَحْزَانِ
وَقَطَّعَتِ الأَقْدَارُ أَطْنَابَ عُمْرِهِ *** فَكَمْ لِلْمُنَى بَيْعٌ بِأَرْخَصِ أَثْمَانِ
43
بِقُدْسِ الْسَّمَا تَسْعَى كَوَاكِبُهَا سَعْيَا *** تَرُوْحُ وَتَغْدُوْ لا تَكِلُّ وَلا تَعْيَى
وَفِيْ الأَرْضِ تَبْقَى فِيْ ذُرَاهَا خَلائِقٌ *** تَوَالَدُ مَا دَامَ الإِلهُ لَهَا حَيَّا
44
تَنَاثَرَ جَمْعٌ فِيْ الْمَقَابِرِ قَدْ أَمْسَى *** وَذَرَّاتُهُمْ شَتَّى فَقَدْ أَصْبَحُوْا رَمْسَا
فَيَا هَوْلَهَا خَمْرَاً أَطَارَتْ صَوَابَهُمْ *** وَمِنْ غَيْرِ إِتْمَامٍ لَهَا فَقَدُوْا الْحِسَّا
45
بِنَيْرُوْزَ يَجْلُوْ الْوَرْدَ رَشُّ سَحَابِ *** فَهَيَّا بِنَا نَسْكَرْ بِخَيْرِ شَرَابِ
فَإِنَّ رِيَاضَاً نَحْنُ فِيْهَا بِيَوْمِنَا *** سَتَنْمُوْ غَدَاً مِنَّا بِحَالِ تُرَابِ