46
عَجِبْتُ بِخَزَّافٍ بَدَا حِيْنَ تَطْوَافِيْ *** يَدَاهُ تَصَوْغَانِ الْتُّرَابَ لِأَصْنَافِ
وَإِنْ فَاتَ غَيْرِيْ أَنْ يَرَى، أَنَا مُبْصِرٌ *** تُرَابَ أَبِيْ يَعْلُوْ يَدَيْ كُلِّ خَزَّافِ
47
بِرِيْحِ الْصَّبَا تَلْقَى الْفَنَاءَ وُرُوْدُ *** فَيَهْتَزُّ غِرِّيْدٌ لَهَا وَيَمِيْدُ
فَقُمْ نَتَفَيَّأْ ظِلَّهَا قَبْلَ فَقْدِهَا *** أَتَتْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ فِيْهِ تَعُوْدُ
48
يَدُ الْمَوْتِ كَمْ أَدْمَتْ فُؤَادَاً بِلا زَاجِرْ *** وَمَا ذَاقَ طُوْلَ الْعُمْرِ مِنْ مَالِهَا الْوَافِرْ
فَمَنْ لِيْ بِمَنْ قَدْ آبَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ؟ *** لِيُخْبِرَنِيْ مَا صَارَ فِيْ الْعَالَمِ الآخِرْ
49
هَلُمَّ اسْتَمِعْ:"هَلْ كَانَ فِيْ عُمْرِنَا مَعْنَى؟ *** صِغَارَاً تَتَلْمَذْنَا، وَشِيْبَاً تَأَسْتَذْنَا
لَهَوْنَا صِغَارَاً ثُمَّ تُهْنَا بِكُبْرِنَا *** فَكَالْمَاءِ جِئْنَا، ثُمَّ مِثْلَ الْهَوَا رُحْنَا"
50
مُحَالٌ عَلَى الْنَّاسِ الْبَقَاءُ بِدُنْيَانَا *** فَكُلُّ امْرِئٍ يَمْضِيْ شُيُوْخَاً وَشُبَّانَا
فَمَا هِيَ إِلَّا لِلْقُدُوْمِ وَبَعْدَهُ *** يَكُوْنُ رَحِيْلٌ، إِنَّهَا وُجِدَتْ خَانَا
51
نُسَمِّيْهِ جِسْمَاً وَهْوَ فِيْ الْحَقِّ لاشَيْءُ *** كَذَاكَ الْسَّمَا ذَاتُ الْمَسَارَاتِ لاشَيْءُ
فَمَا بَالُنَا نَجْفُوْ الْمَلاهِيْ وَإِنَّنَا *** عَلَى نَفَسٍ نَمْضِيْ، وَمَا قَدْرُهُ شَيْءُ
52
تَلِيْقُ بِـ(لا شَيْءٍ) مَرَائِيْكَ أَجْمَعُ *** كَذَاكَ الَّذِيْ قَدْ كُنْتَ عُمْرَكَ تَسْمَعُ
كَذَاكَ طَوَافُ الْمَرْءِ بِالأَرْضِ كُلِّهَا *** وَقُلْ مِثْلَ ذَا فِيْ عُزْلَةٍ لَيْسَ تَنْفَعُ
53
إِذَا مِنْكَ أَسْفَارُ الْحَيَاةِ غَدَتْ تُتْلَى *** وَعِشْتَ مِنَ الأَعْوَامِ قَرْنَاً كَمَا تَهْوَى
وَخُذْ مِثْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ فِيْ سَعَادَةٍ *** فَكَيْفَ تُرَى كُلُّ الأُمُوْرِ غَدَاً تُنْهَى؟
54
مَضَيْتُ بِلا شَيْءٍ إِذَا تُنْعِمُ الْنَّظَرْ *** وَلَمْ أَجْنِ شَيْئَاً بَاقِيَاً، مُدَّةَ الْعُمُرْ
أَنَا شَمْعَةُ الْنُّدْمَانِ أَشْكُوْ احْتِرَاقَهَا *** أَنَا كَأْسُ جَمْشِيْدٍ وَلكِنْ سَأَنْكَسِرْ
55
إِذَا عِشْتَ مَعْ مَنْ عَهْدُهَا فِيْكَ تَهْيَامُ *** وَسَرَّكُمَا حُبٌّ وَشُرْبٌ وَأَنْغَامُ
فَلا بُدَّ مِنْ تَرْكِ الْحَيَاةِ مُغَادِرَاً *** وَإِذْ ذَاكَ تَدْرِيْ أَنَّ عَيْشَكَ أَحْلامُ
56
رَأَيْتُ خَلِيْعَاً مُحْدِثَاً بَيْنَنَا أَمْرَا *** جَفَا الْدِّيْنَ وَالْدُّنْيَا، أَرَى وَمَحَا الْكُفْرَا
فَيُنْكِرُ حَقَّاً ثُمَّ يَأْبَى شَرِيْعَةً *** أَأَبْصَرْتُمُ فِيْ الْنَّاسِ مَرْءَاً كَذَا يَجْرَا؟
57
أَرَى طِيْنَتِيْ سِرَّ الإِلهِ، بِهَا لَعْنَهْ *** مُحَالٌ دُخُوْلِيْ مَعْبَدَاً، عَظُمَتْ مِحْنَهْ
فَبِتُّ كَمُقْوٍ مُلْحِدٍ شِبْهِ مُوْمِسٍ *** قَلَى الْدِّيْنَ وَالْدُّنْيَا، بِيَأْسٍ مِنَ الْجَنَّهْ
58
فَصُوْرَةُ هذَا الْكَوْنِ وَالْنَّاسِ مَأْثُوْرَهْ *** كَفَانُوْسِ عَرْضٍ سَاحِرٍ إِذْ نَرَى نُوْرَهْ
فَشَمْعَتُهُ ذِيْ الْشَّمْسُ، أَمَّا فَنَارُهُ *** فَعَالَمُنَا، وَالْنَّاسُ فِيْ بُؤْسِهِمْ صُوْرَهْ
59
أَيَا لَيْتَنَا نَلْقَى لِرَاحَتِنَا مَهْدَا *** وَفِيْ غَابَةٍ نَلْقَى لِرِحْلَتِنَا حَدَّا
وَيَا لَيْتَنَا -إِنْ مَرَّ دَهْرٌ- مِنَ الْثَّرَى *** نَعُوْدُ لِوَجْهِ الأَرْضِ، حَتَّى وَلَوْ وَرْدَا
60
لَمَنْ خَلَقَ الأَفْلاكَ وَالأَرْضَ وَالْنَّجْمَا *** بَرَا كُلَّ كَرْبٍ وَالْقُلُوْبُ بِهِ تَدْمَى
وَأَوْدَعَ فِيْ بَطْنِ الْتُّرَابِ غَدَائِرَاً *** وَمِنْ حُكْمِهِ كَمْ مِنْ شِفَاهٍ لَهَا تُرْمَى