16
نَعِيْمِيْ هُوَ الْصَّهْبَاءُ إِنْ تَلْقَنِيْ حَيَّا *** فَلَسْتُ إِلَى حَلِّ الْغَوَامِضِ مَهْدِيَّا
فَكُلُّ حَكِيْمٍ قَالَ لُغْزَاً، وَرُبَّمَا *** أَكُوْنُ غَدَاً عَنْ جَنَّةِ اللهِ مَقْصِيَّا
17
إِذَا مَا يَقِيْنٌ ذَا أَمِ الْحَقُّ لَمْ تَدْرِ *** فَلا يَسْلُبَنَّ الْشَّكُّ مَا عِشْتَ مِنْ عُمْرِ
وَلا تُفْلِتَنْ كَأْسَ الْسُّلافِ دَقِيْقَةً *** فَسِيَّانِ عِنْدَ الْجَهْلِ صَحْوٌ مَعَ الْسُّكْرِ
18
بِمَأْتَاكَ لا تَدْرِيْ، فَوَاظِبْ عَلَى الْشُّرْبِ *** وَرُمْ لَذَّةً، يَا جَاهِلاً آخِرَ الْدَّرْبِ
وَفَكِّرْ بِهذِيْ الْرُّوْحِ قَبْلَ فِرَاقِهَا *** فَإِنَّ الْرَّدَى آتٍ لِيُخْفِيْكَ بِالْحُجْبِ
19
جَحِيْمٌ وَفِرْدَوْسٌ بِغَيْرِ وُصُوْلِ *** وَلَمْ نَرَ مِنْ أَيٍّ رُجُوْعَ رَسُوْلِ
فَمَا بَالُنَا نَخْشَى وَنَرْجُوْ بِظَنِّنَا؟ *** وَمَا عِنْدَنَا فِيْ ذَاكَ أَيُّ دَلِيْلِ
20
إِذَا كُنْتَ عَبْدَاً لِلْهَوَى وَالْمَلَذَّاتِ *** فَأَنْتَ إِذَنْ تَعْسٌ أَسِيْرٌ لِخَيْبَاتِ
تَأَمَّلْ وَقُلْ: مَا أَنْتَ؟ مِنْ أَيْنَ قَادِمٌ؟ *** وَأَيْنَ غَدَاً تَمْضِيْ؟ وَمَا شَأْنُكَ الآتِيْ؟
21
نُحَاطُ بِسِرٍّ حُجْبُهُ لا تُمَزَّقُ *** وَفِيْ خَلْقِ نَفْسِيْ عُقْدَةٌ كَيْفَ تُخْرَقُ؟
وَمَا غَيْرُ طَيَّاتِ الْتُّرَابِ تَضُمُّنَا *** وَتَفْسِيْرُ مَنْ حَوْلِيْ هُرَاءٌ مُلَفَّقُ
22
لَقَدْ ضَلَّ مَنْ خَالُوْا الْقِيَادَةَ لِلُّبِّ *** وَهَيْهَاتَ أَنْ يُهْدَوْا إِلَى وَاضِحِ الْدَّرْبِ
وَفَاقَهُمُ فِيْ رَأْيِهِمْ مَنْ تَبَالَهُوْا *** فَلَيْسَ الْحَجَا يُشْرَى بِهِ يَابِسُ الْعُشْبِ
23
مَرَرْنَا بِقَصْرٍ شَاهِقٍ مُنْذُ أَيَّامِ *** يَدُوْرُ عَلَى شُرْفَاتِهِ طَيْفُ أَنْغَامِ
وَغَنَّى حَمَامٌ: "أَيْنَ أَيَّامُنَا مَضَتْ؟ *** وَقَدْ أَبْصَرُوْا فِيْهِ نِهَايَاتِ حُكَّامِ
24
أَرَى هذِهِ الْدُّنْيَا كَدَارٍ لأَوْهَامِ *** وَمِضْمَارَ لَهْوٍ قَدْ حَوَى خَيْلَ أَيَّامِ
بَقَايَا سِمَاطٍ أَلْفُ جَمْشِيْدَ زَارَهُ *** وَمُتَّكَأٌ ضَمَّ الْمِئَاتِ كَبَهْرَامِ
25
غَدَا سَوْفَ تَمْضِيْ رُوْحُ كُلٍّ عَنِ الْبَدَنْ *** فَيُلْقُوْنَ آجُرَّاً عَلَى الْقَبْرِ وَالْكَفَنْ
وَمِنْ بَعْدِنَا آجُرُّهُمْ بَعْضُ جِسْمِنَا *** فَيُلْقِيْهِ دَفَّانٌ عَلَى قَبْرِ مَنْ دَفَنْ
26
أَرَى كَثْرَةً فَوْقَ الأَدِيْمِ هُجُوْعَا *** وَضِعْفَهُمُ تَحْتَ الْتُّرَابِ صَرِيْعَا
وَمَهْمَا تَمَعَّنَّا بِبَيْدَاءِ دَفْنِهِمْ *** فَلَسْنَا نَرَى مَنْ يَسْتَطِيْعُ رُجُوْعَا
27
بِطُوْسَ أَتَى لِلْبُرْجِ فِيْ الْحِصْنِ طَائِرُ *** بِمِخْلَبِهِ أَشْلاءُ كِسْرَى تَطَايَرُ
يَقُوْلُ لَهَا: "يَا حَسْرَةً، أَيْنَ عِزُّكُمْ؟ *** وَأَيْنَ مَضَتْ أَنْغَامُكُمْ؟ أَيْنَ زَامِرُ؟"
28
بِحَانُوْتِ خَزَّافٍ حَظِيْتُ بِأَسْرَارِ *** أَبَارِيْقَ تُبْدِيْ الْصَّمْتَ، تَحْكِيْ بِإِسْرَارِ
تَحَدَّثُ فِيْمَا بَيْنَهَا:"أَيْنَ صَانِعٌ *** لَنَا؟ أَيْنَ بَيَّاعٌ؟ وَأَيْنَ مَضَى الْشَّارِيْ؟"
29
تَفَكَّرْتُ فِيْ الْخَزَّافِ عِدَّةَ مَرَّاتِ *** إِذَا صَنَعَ الإِبْرِيْقَ أَلْحَقَ عُرْوَاتِ
وَزَادَ أَنَابِيْبَاً يَضُمُّ عَجِيْنُهَا *** مُلُوْكَاً وَشَحَّاذِيْنَ عَظْمَاً وَهَامَاتِ
30
أَيَا أَيُّهَا الْخَزَّافُ مَا جِئْتَهُ خُسْرُ *** فَدَوْسُ تُرَابِ الْنَّاسِ فِيْ حَقِّهِمْ كَسْرُ
وَمَا أَنْتَ فِيْ هذِيْ الْقَوَالِبِ سَاكِبٌ *** ذِرَاعُ فَرِيْدُوْنٍ وَإِصْبَعُ كِيْخِسْرُوْ