رباعيات الخيام
بعد انقطاعٍ طويلٍ دام عدة سنواتٍ، أعود إلى هذا الموقع الحبيب لأنشر بعضَ ما نظمته من الشعر، ولا أدري إنْ كان أحدٌ يتذكَّر شيئاً مما نشرتُه هنا سابقاً! كما أني أعتذر عن ذكر الأسباب التي أبعدتني طوال هذه السنوات عن التواصل عبر هذا الموقع، وأكتفي بالقول إنها كانت أسباباً قاهرةً، وهكذا هي أحداث الحياة التي تُكرِهُ الناس على السير في مساراتٍ ما كانت لهم بالحسبان. وبعد هذه المقدمة، أدخل في صلب الموضوع، فأقول إني وإنْ كنت توقفت عن نشر الشعر، فإني لم أتوقف عن نظمه في أيِّ وقتٍ من الأوقات، فنظمُ الشعر غذاءٌ أحيى به، وليس في استطاعتي التخلي عنه مهما كانت الظروف. ومن أهم ما نظمته في هذه الفترة (رباعيات الخيام) التي تمكنتُ من نظمها بصيغة الرباعيات، وهذا العمل لم يسبقني إليه إلا ثلاثة شعراء هم: أحمد رامي من مصر، عبد الحق فاضل من العراق، وإبراهيم العريض من البحرين. أما بقية الشعراء العرب الذين نظموا هذه الرباعيات فلم يكن نظمهم بصيغة الرباعيات، بل تفاوتت الصيغ التي لجأوا إليها بين بيتين من الشعر حتى سبعة مقابل كلِّ رباعيةٍ فارسيةٍ. وبما أني لستُ في صدد بحثٍ شاملٍ فإني أكتفي بهذا القدر، وأحيل مَن شاء الاستزادة إلى المصادر الكثيرة التي تطرَّقت إلى هذا الموضوع. وقد اعتمدتُ على الترجمة النثرية لـ(مصطفى وهبي التل) الملقب بعرار وهو شاعر الأردن الأول، وقد نشر ترجمته النثرية هذه في كتابٍ حقَّقه وصحَّح أخطاءه الدكتور يوسف بكار الذي هو من أبرز الخبراء في العالم العربي برباعيات الخيام. والكتاب متوفرٌ على الشبكة العنكبوتية، ويمكن لِمَن شاء مقارنة رباعياتي بأصلها النثريِّ الرجوعُ إليه في هذا الكتاب ليطمئنَّ إلى مستوى الدقة في نقل المعنى من النثر إلى الشعر العربي. وقد نظمتُ جميع رباعيات عرار البالغة 169 رباعية، ثم أضفت لها ثماني رباعياتٍ للخيام ترجمها نثراً أديبٌ أردنيٌّ آخر هو عيسى الناعوري، وبهذا بلغ عدد الرباعيات التي نظمتُها 177 رباعية. وقد طبعتُها في كتابٍ في مطبعة دار الزمان في دمشق، وأنا بانتظار وصوله لأقوم بتوزيعه، كما أني قدَّمتُ بحثاً عن هذه الرباعيات في المجلس الدولي السادس للغة العربية الذي عقد في دبي من 1-5 إلى 4-5 من هذا العام 2017. وبعد الاعتذار عن هذه امقدمة الطويلة، إليكم الجزء الأول من هذه الرباعيات الذي يضم 15 رباعية، أرجو أن تنال رضاكم. وسوف أواصل نشر أجزاء أخرى منها لاحقاً إن شاء الله.
إِلَيْكَ كِتَابَاً ضَمَّ خَيْرَ كَلامِ *** مَعَانِيَ خَيَّامٍ بِنَظْمِ هِشَامِ
فَفَلْسَفَةُ الْخَيَّامِ أَنْوَارُ حِكْمَةٍ *** وَفِيْهَا مَقَالاتٌ لِكُلِّ مَقَامِ
1
نَرَى أَزَلاً كَالْسِّرِّ فِيْ عَقْلِنَا مُبْهَمْ *** وَأَعْنِيْ بِهِ مَا لَسْتُ أَفْهَمُ أَوْ تَفْهَمْ
كِلانَا لَهُ قِيْلٌ وَقَالٌ بِظَنِّهِ *** وَيُسْكِتُنَا إِسْدَالُ سِتْرٍ بِهِ نُعْدَمْ
2
رَأَيْتُ ذَوِيْ فَضْلٍ يُمَيِّزُهُمْ فَهْمُ *** كَمِثْلِ شُمُوْسٍ بَيْنَنَا زَانَهُمْ عِلْمُ
وَقَدْ جَهِلُوْا دَرْبَ الْنَّجَاةِ بِعَتْمَةٍ *** فَقَالُوْا خُرَافَاتٍ، وَغَيَّبَهُمْ نَوْمُ
3
أَتَيْتُ إِلَى الْدُّنْيَا وَمَا كَانَ بِالبَالِ *** وَبِتُّ بِهَا فِيْ حَيْرَةٍ بَعْدَ بَلْبَالِ
وَهَا أَنَا عَنْهَا رَغْمَ أَنْفِيَ رَاحِلٌ *** فَمَنْ مُخْبِرِيْ عَنْ سِرِّ حَلِّيْ وَتَرْحَالِيْ؟
4
إِذَا لَمْ يَعُدْ فَوْقَ الْعُيُوْنِ غِطَاءُ *** سَيَعْلَمُ مَنْ أَغْوَاهُ أَمْسِ هُرَاءُ
وَهَامَ بِسِحْرِ الْحُوْرِ يَمْلَأُ قَصْرَهُ *** مَدَى بُعْدِهِ عَنْ حَيْثُ كَانَ يَشَاءُ
5
سَيَأْتِيْ مُنَادٍ بَغْتَةً وَهْوَ صَاخِبُ *** يَصِيْحُ إِذَا فَكَّرْتُمُ مَا الْمَذَاهِبُ
وَحِرْتُمْ أَشَكٌّ أَمْ يَقِيْنٌ طَرِيْقُنَا: *** "لَقَدْ تُهْتُمُ، خَيْرُ الْطَّرِيْقَيْنِ خَائِبُ"
6
سَلَكْنَا دُرُوْبَ الأَرْضِ نَطْلُبُ أَسْبَابَا *** وَجُلْنَا بِكُلِّ الأَرْضِ نَفْتَحُ أَبْوَابَا
وَهَا هُوَ دَرْبٌ مَا أَعَادَ مُسَافِرَاً *** فَكُلُّ امْرِئٍ فِيْهِ مَضَى قَطُّ مَا آبَا
7
إِذَا صَانَ كَأْسَاً شَارِبٌ خَمْرَةً فِيْهَا *** فَمَنْ عَطْفُهُ أَهْدَى الْحَيَاةَ مَعَانِيْهَا؟
وُجُوْهَاً وَطَلْعَاتٍ وَأَجْمَلَ أَذْرُعٍ، *** وَمَنْ حِقْدُهُ يَبْدُوْ بِتَقْطِيْعِ غَالِيْهَا؟
8
إِذَا مَا بَدَتْ لِلّهِ فِيْنَا عَجَائِبُ *** لِمَاذَا إِذَنْ تَفْكِيْكُهَا؟ مَنْ مُجَاوِبُ؟
وَمَا الْخَيْرُ فِيْ تَمْزِيْقِهَا حَالَ حُسْنِهَا؟ *** وَإِنْ قَبُحَتْ فِيْ الْشَّكْلِ مَنْ ذَا نُحَاسِبُ؟
9
بِلَوْنِيَ إِبْدَاعٌ لِسِحْرِ الْوَرَى آتِ *** وَعِطْرِيَ فَوَّاحٌ وَبَابُ مَسَرَّاتِ
وَقَدِّيَ سَرْوٌ فَوْقَهُ الْخَدُّ وَرْدَةً *** وَلكِنْ لِمَاذَا جِئْتُ أَرْضَ الْمَلَذَّاتِ؟
10
إِذَا مَا اسْتَطَاعَ الْقَلْبُ لِلْعَيْشِ إِدْرَاكَا *** لَأَدْرَكَ حَقَّاً حِكْمَةَ الْمَوْتِ إِذْ ذَاكَا
فَإِنْ كُنْتَ حِيْنَ الْعَيْشِ تَجْهَلُ سِرَّهَا *** فَمَاذَا سَتَدْرِيْ حِيْنَ مَوْتُكَ يَغْشَاكَا؟
11
لَكَمْ سُحِقَتْ نَفْسٌ طَهُوْرٌ بِآمَالِ *** وَأَمْسَتْ رَمَادَاً مِنْ قَضَاءٍ وَآجَالِ
فَأَيْنَ دُخَانُ الْحَرْقِ؟ مَا قَدْرُ حُلْمِنَا؟ *** وَمَاذَا اسْتَفَدْنَا مِنْ مُقَامٍ وَتَرْحَالِ؟
12
تَوَلَّهْتُ فِيْ كَأْسٍ فُؤَادِيْ بِهَا هَامَا *** يُقَبِّلُهَا أَلْفَاً أَخُوْ الْعَقْلِ تَهْيَامَا
وَلكِنَّ مُهْدِيْهَا الْجَمَالَ بِشَكْلِهَا *** يُحَطِّمُهَا، لَا كُوْزَ مِنْ صُنْعِهِ دَامَا
13
مَتَى بَدَأَتْ هذِيْ الْسَّمَاءُ تَدُوْرُ؟ *** لِعَقْلِكَ بَاعٌ فِيْ الْجَوَابِ قَصِيْرُ
وَيَعْجِزُ عَنْ إِدْرَاكِ وَقْتِ فَنَائِهَا *** فَعَقْلُكَ عَنْ ذَا قَاصِرٌ وَحَسِيْرُ
14
تَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْعَقْلِ وَانْسَ الْخُرَافَاتِ *** وَدَعْ هذِهِ الأَجْرَامَ رَهْنَ الْسَّمَاوَاتِ
نَخَالُ لَهَا شَأْنَاً بِتَدْبِيْرِ كَوْنِنَا *** وَمَا هِيَ إِلا مِثْلُنَا فِيْ مَتَاهَاتِ
15
أَلِلْدَّهْرِ كَسْبٌ مِنْ حَيَاتِيْ وَأَيَّامِيْ؟ *** وَهَلْ سَوْفَ يَحْلُوْ الْدَّهْرُ مِنْ بَعْدِ إِعْدَامِيْ؟
وَهَلْ سَمِعَتْ أُذْنَايَ هَمْسَاً لِقَائِلٍ *** يُبَيِّنُ عَنْ مَغْزَى مَجِيْئِيْ لِأَيَّامِ؟