يُعد التحليل النصّي أساس الدراسة النصّية فله أهمية كبرى، هذا التحليل الذي يتجاوز الجملة إلى الوحدة الكبرى "النصوص ". ويري علماء لغة النصّ أن وظيفته تنحصر في جانبين أساسين هما : الوصف النصّي ،التحليل النصّي .
فهذا " فان دايك" يقرر أن مهمة علم لغة النصّ أن يصف الجوانب المختلفة لأشكال الاستعمال، وأشكال الاتصال ويوضحها، وأن تحلل في علم للنصّ متداخل الاختصاصات تحليلاً منظماً أشكال نصّية وأبنية نصّية مختلفة وشروطها ووظائفها وتأثيراتها المتبادلة(1 ).
يقصد بذلك "فان دايك" أنه يمكن عزل بعض جوانب محددة في هذه الاختصاصات العلمية، لكي يمكن تحليل الأبنية والأشكال النصّية المختلفة في إطار متكامل ومتداخل الاختصاصات، ويعني ذلك أن تحليل النصوص يتجاوز بنية النصّ إلى عوامل خارجية وبيان وظيفة السياق، وهنا تظهر أهمية التحليل النصي، فتحليل النصوص كما يرى الدكتور صلاح فضل يتجاوز بالضرورة مجموعة أبنية المتتاليات، وإذا كان مصطلح المتتاليات قد استخدم للإشارة إلى مجموعة الجمل التي تتميز فيما بينهما بتحقيق شروط الترابط – فإن من المعتاد أن تقوم هذه المتتاليات بتكوين نصوص تتسم بالتماسك، غير أن التماسك الذي يلاحظ فيها، يتسم بأنّه خطي أي أفقي، فإذا انتقلنا في ذلك إلى المستوى التالي، فإنّ الوصف لن يأخذ في اعتباره روابط الجمل المعزولة والعبارات المتتالية، ولكنه يتأسس حينئذ على النصّ باعتباره كلاً منسجماً أو على الأقل يتأسس طبقاً للوحدات النصّية الكبيرة. ويرى الدكتور صلاح فضل أنّ التحليل النصّي يبدأ من البنية الكبرى بالفعل وهي تتسم بدرجة قصوى من الانسجام والتماسك، هنا يأتي دور القارئ لتحديد البنية الكبرى للنصوص، فالقراء – يختارون من النصّ عناصر مهمة، تتباين باختلاف معارفهم واهتماماتهم أو آرائهم عليه، يمكن أن تتغير هذه البنى الكبرى من شخص إلى آخر، لكن بالرغم من هذه الاختلافات يُلاحظ في المستوى الإجمالي لأحد النصوص وجوه توافق كبير بين مستعملي اللغة(2).
لقد أكد علماء اللغة النصّيون على أنّ ((عملية تحليل الخطاب تعني بالضرورة تحليل اللغة في الاستعمال؛ لذلك فإنّه لا يمكن أن ينحصر الوصف المجرد للأشكال اللغوية بعيداً عن الأغراض أو الوظائف التي وضعت هذه الأشكال لتحقيقها بين الناس)) ( 3)، ولا تقف وظيفة المحلل على فحص استعمال اللغة في السياق. "إذ ينصرف إلى محض العلاقة بين المتكلم والخطاب في مقام استعمالي خاص بدرجة أكبر من تتبعه للعلاقات الممكنة بين جملة وأخرى...... والمحلل يصف ما يفعله المتكلمون والمتلقون)) (4 ).
وقد أشار إليه فيهفجر (( فقد ركزت اتجاهات البحث اللغوية النصّية في السنوات الأخيرة على الكشف عن الشروط النحوية – التركيبية لتماسك النصوص بوجه خاص، وعلى وصف علاقات دلالية في النصّ على أساس سلاسل أو تتابعات لعناصر معجمية متكافئة دلاليا، وعلى شروط منطقية دلالية بوجه عام لتماسك النصّ أيضا ويمثل تناولات أخرى لوصف نصوص لغوية تلك الأعمال التي تربط عضوياً النصّ بالمقصد التواصلي للمتكلم، وكذلك بالشروط الموقفية للنشاط اللغوي– التواصلي))(5). فما أن ينتهي المتكلم أو المبدع من نصّه حتى يبدأ المتلقي في قراءة النصّ وتحليله، فيكون النصّ قد وضع في سياقه اللغوي والاجتماعي، فمهمة النصّ تتحدد بانتهائه وعملية التواصل مع المتلقي، ومهمة علم اللغة النصّي تحليل النصّ داخل هذا التفاعل الاجتماعي والتداولي، مراعياً ظروف منتج النصّ ومتلقيه معاً وعند عملية التحليل يرتكز أنصار الاتجاهات النصية على الأبنية المؤسسة قاعدياً أولاً، ثم ينتقلون إلى الأبنية المتغيرة المرتبطة بأداء مهام ووظائف محددة يريدها منشئ النصّ(6) .
ويجب ملاحظة أن البحوث الأولية في نظام النصّ ظلت وصفية، واتجه البحث إلى استكشاف أنواع من بنية النصّ، وقد نظر إلى ذلك بوصفه عطاء أكثر من أن شيئا جاء بمشاركة من القارئ ومعتمداً على الموقف(7).
(( وخلافاً لذلك ، وضعت طرق أخرى في السنوات الأخيرة – للتحليل من خارج البنيويين منهم "اوهمان" الذي يرى أنّ النصّ يمكن أن يجد تفسيراً جيداً من خلال تحليل ما به من الجمل واحدة بعد الأخرى، بواسطة التحليل الإفرادي لكل جزء من أجزائه أما "هاريس" ومحللو الخطاب فإنهم يصفون النصّ بأنه جملة طويلة مبنية بواسطة وسائل ربط )) ( 8).
إنّ "علم لغة النصّ" يُراعى في وصفه وتحليلاته عناصر أخرى لم تدخل في الاعتبار من قبل أو على الأقل كانت متوارية في تحليلات النحاة، ولم تشغل حيزاً مناسباً لقيمتها في دراساتهم، ولم يكن من اليسير تحقيق ذلك إلا باصطناع مجموعة من القواعد الدلالية والمنطقية التي تعتمد في تفسيراته اعتماداً كلياً إلى جوار القواعد التركيبية التي استقيت من نحو الجملة في محاولة إلى تقديم صياغات كلية دقيقة للأبنية النصية وقواعد ترابطها.
خلاصة ذلك كما يحددها الدكتور سعيد بحيري، أن المفهوم الذي يحكم التحليل الخاص بالأبنية الكلية، هو إتاحة أو توسيع مجال الوصف والتحليل بتقديم المعايير الدلالية والتواصلية على المعايير التركيبية، ولا يعني ذلك إهمال أو إغفال قيمه تلك المعايير التركيبية ووظيفتها على المستوي التركيبي، ولكن تكون البداية من المعنى الكلي، وتدعم العناصر غير اللغوية التي توارت في الأنحاء السابقة العناصر اللغوية في عمليات التفسير(9 ).
((إنّ تحليل النصوص ينبغي أن يتم من جهة انتظامه وبناه المتحققة، ويدرس الملفوظات والأشكال والبنى المختصة بها والتراكيب والنحو الخاص بالنصّ وأسلوبه وموضوعه وسياقه العلمي والإدراكي والنفسي والتداولي والثقافي، وكذلك معانيه ووظائفه واستقباله وتلقيه)) (10 ).
و النصوص الأدبية يجب النظر إليها ((باعتبارها كلاً متكاملاً، فالنصّ في ضوء هذا التحليل لا يُتلقى كحاصل جمع آلي للعناصر التي تؤلفه، بل أن تفتيت هذه العناصر كل على حدة يترتب عليه فقدان قوام العمل بأكمله، فكل عنصر لا يتحقق له وجود إلا في علاقته بالكل البنائي للنصّ الأدبي)) ( 11). كما ((أنّ النصّ الأدبي ضرب من القول لا يُستطاع تفسيره ما لم تتم العودة إلى نوع من السياق، وكل ما يشتمل عليه القول من وضوح دلالي أو غموض من مجاز أو استعارة أو أي نوع من أنواع التراكيب الأخرى، لا قيمة له في ذاته إذا لم يؤلف نصّاً هو العمل الأدبي، والوظيفة الدلالية والجمالية للغة لا تتحقق إلا من خلال السياق، والنصّ لا يحقق تواصله مع القارئ إلا اعتماداً على السياق بنوعيه اللغوي والحالي)) (12 ) , كذلك لابد من أنّ يتوافر في النصّ إضافة إلى السياق بنوعيه اللغوي والحالي علاقات التماسك النحو والدلالي مع وجود التنظيم الملائم المؤدي إلى وظائف تواصلية.
الهوامش:
1 - يُنظر : فان دايك ، علم النصّ مدخل متداخل الاختصاصات، ص11 .
2 - ينُظر: صلاح فضل ، بلاغة الخطاب وعلم النصّ ،الشركة المصرية العالمية ،لونجمان ،القاهرة ، 1996 ،ص331:328.
3- براون ويول ، تحليل الخطاب ، ص1 .
4- المرجع نفسه، 36.
5- يُنظر سعيد بحيري إسهامات أساسية ، مقالة فيهفجر" في البنية الدلالية للنصّ "ص264.
6- يُنظر : سعيد بحيري ، علم لغة النصّ ، ص145،144 .
7- يُنظر: تمام حسان ، اجتهادات لغوية،ص 362 .
8- المرجع نفسه ،ص 388 ،389.
9- يُنظر : سعيد بحيري ، ظواهر تركيبية في مقابسات أبي حيان التوحيدي ، مكتبة الآداب ، القاهرة 2006،ص197-199.
10- حاتم الصكر ، ترويض النصّ ، ص33.
11- يوري لوتمان ، تحليل النصّ الشعري ، ترجمة محمد فتوح أحمد ، دار المعارف، 1995، ص27.
12- إبراهيم خليل ، النصّ الأدبي ، تحليله وبناه ، الكرمل ، عمان ،1995 ص37 .