يعني التماسك على المستوى الدلالي ((الاستمرارية الدلالية التي تتجلى في منظومة المفاهيم والعلاقات الرابطة بين هذه المفاهيم)) (1 )؛فهو ينتج عن السمات الدلالية في الوحدات النصّية المختلفة بوصفها عناصر النصّ الإحالية (المشتركة في الإحالة )، وينتج عن علاقات التناظر بين وحدات المعنى المفردة وفضلاً عن ذلك من خلال تطابق الإحالة و/ أو من خلال علاقات شبه منطقية، وكذلك من خلال موضوع مشترك ( 2 )؛ إذ إن ((العلاقات بين الجمل ذات طبيعة دلالية في الغالب، ومن ثم يستند فيها إلى معنى الجمل والإحالة)) (3)، ومن خلاله ((تفترق النصوص عن مجرد مجموعات لأي عدد من الجمل)) (4).كما أن((الكتابة التي يعوزها التماسك تكون فاشلة في توصيل الرسالة المقصودة للقارئ)) (5 )؛ إذ إن غياب العلاقات المنطقية يجعل القارئ يواجه صعوبة في فهم النصّ، ويعد النصّ بالنسبة له مجموعة مشتتة من الجمل، حتى وأن توافرت له أدوات سطحية وعلاقات نحوية تربط بين الجمل، ((فهو يتجلى في البنية العميقة ووظيفته الأساسية ربط التصورات التي تشكل عالم النصّ، وهذا الأخير يحتاج من المتلقي كفاءة عالية ومعرفة خلفية بالعالم ))(6 ) ، وهذا ما قرره جون كوين ((أنّ كل ربط يستلزم وحدة إلى حد ما، وحدة في المعنى بين الأجزاء التي يربط بينها، ونحن معنا هذا المبادل السينماتيكي للقاعدة النحوية، ففي مقابل التناسق الشكلي الذي يفرضه النحو،يأتي تناسق معنوي يفرضه المنطق )) ( 7)، ويتطلب التماسك الدلالي من (( الإجراءات ما تنشط به عناصر المعرفة لإيجاد الترابط المفهومي واسترجاعه، ومن وسائله:
1- العناصر المنطقية كالسبيبة والعموم والخصوص.
2- معلومات عن تنظيم الأحداث والأعمال والموضوعات والمواقف.
3 - السعي إلى التماسك فيما يتصل بالتجربة الإنسانية)) ( 8).
ويذهب جريماس إلى أن التماسك الدلالي يكمن في علاقات دلالية مميزة، وهو مايسميه بالمماكنة أو التناظر، وتقع هذه التناظرات في النص على مستوى واحد أو على عدة مستويات، وقد وسع راستير مفهوم التناظر وأكد على أن هناك تناظرات معجمية وتركيبية وفونيمية(9 ) ويعرفه دي بوجراند ودريسلر بأنه ((الاستعمال المشترك ووثاقة الصلة المتبادلة للتصورات (للمفاهيم ) والعلاقات داخل وضع (حال) ما )) (10 ).
ويشمل هذا التعريف عنصربن أساسيين :
1- المفهوم : وهو وضع (حال) للمعرفة تلك التي يمكن أن تنشط مع وحدة وتماسك بدرجة أكثر أو أقل أو أن تستدعى إلى الوعي مرة أخرى.
2- العلاقات : هي الربط الذي يحدُّ القيمة الموقعية لكل مفهوم ( 11 ).
وتشكل المفاهيم والعلاقات القضايا (الجمل) التي يدرس ضمنها مضامين الجمل المفردة وكذلك ربط هذه الوحدات ودمجها بمركبات قضوية ذات مراحل هرمية متباينة (121 )؛ فالعلاقات بين الجمل ذات طبيعة دلالية.
إن علم اللغة النصّي (( ليس وصفاً شكلياً للمنظومة اللغوية فحسب، وإنما وصف وتحليل يضع النصّ في سياقيه المقامي والمقالي، ويبين كيفية التماسك النصّي بمناحيه الدلالية والتركيبية والسياقية والتواصلية، التي هي شرط أساسي لقيام النصّ نصاً، وهي تعتمد على الربط بين العناصر الداخلية والبيئة المحيطة بالنصّ، بحيث يبدو النصّ للمتلقي وحدة واحدة مترابطة فيما بينها ومتعالقة مع ذاته، وهذا يحتاج من المرسل إلى قدرة خاصة على تحقيق الترابط المفهومي والتفاعل بين العناصر المنطقية والمعلومات التي يعرضها النصّ )) (13 ). و((في الأساس لاتُنتج ولاتُتلقي نصوص دائماً إلا بناءً على معرفة بالعالم بأوسع معنى؛ وتقدير للمواقف حيث تؤثر عوامل داخل النصّ وعوامل خارج النصّ بشكل متبادل بعضها في بعض)) ( 14)، وهذا يتطلب من المتلقي القدرة على التأويل، فهو ليس (( خاصية لسانية للمفلوظات ولكن هي نشاط تأويلي؛ حيث يعطي المؤول بالدرجة الأولى للملفوظات المعنى والدلالات، ولايكوّن عادة حكماً بعدم الانسجام إلا في نهاية عمله /اللحظة الأخيرة)) (15).
الهوامش :
1 - سعد مصلوح،نحو أجرومية للنص الشعري،ص228.
2- يُنظر :جرهارد هلبش،تطور علم اللغة،ص 242،243.
3- فان دايك،علم لغة النصّ،مدخل متداخل الاختصاصات،ص46.
4- زتسيسلاف واورزنياك، مدخل إلى علم لغة النصّ ص 54.
5-Jeanne Fahnestock,Semantic and Lexical Coherence ,college composition and communication ,vol .34,no.4.December 1983 ,p 400 رابط www.eric.ed.gov.
6 - ليندة قيَّاس،لسانيات النصّ النظرية والتطبيق،مقامات الهمذاني أنموذجاً ص 97.
7 - جون كوين،النظرية الشعرية، ص189 .
8 - دي بوجراند، النصّ والخطاب والإجراء،ص 103.
9 - يُنظر :محمد العبد،اللغة والإبداع الأدبي،ص 40.
10- دي بوجراند ودريسلر،مدخل إلى علم لغة النصّ،من كتاب مبادىء ومسارات في الدرس اللغوي الحديث،فصول مختارة،ص60.
11 - يُنظر:المرجع نفسه،ص61،62.
12 - يُنظر :فولفجانج هاينه مان،وديتر فيهفجر،مدخل إلى علم لغة النصّ،ص 39.
13 -عثمان أبو زنيد،نحو النصّ،الإطار نظري ودراسات تطبيقية، ص172.
14- كريستن آدمتسيك،لسانيات النصّ،عرض تأسيسي،ترجمه للعربية،سعيد بحيري،مكتبة زهراء الشرق،القاهرة،2009،ص127.
15-ج.م.آدام،نقلاً عن،أحمد مداس،لسانيات النص،نحو منهج لتحليل الخطاب الشعري،عالم الكتب الحديث،الأردن،ط2،2009،ص87.