تقوم فلسفة الكتابة على ركيزتين أساسيتين الأولى تتمثل بقضية التعبير والثانية تتعلق بمفهوم الحرية ، والكاتب الذي يتحرك خارج هاتين الركيزتين يشعر بالعجز الحقيقي ويتطوع بالانكماش في دوائر محدودة طلباً أما لمنفعة خاصة أو لدرء ضرر ما ، عليه فإن القضية تستحق الدراسة وتحتاج إلى مراجعة .
إن الكتابة تعتبر من الوسائل المهمة للتعبير عن الفكر الحر وتكوين ظاهرة الرأي العام ، خصوصاً وأن وسائل النشر السريعة اصبحت واحدة من أبرز الصناعات الثقافية في عالمنا المعاصر ، ومع ذلك فإن معدل تناقص الأمية وتزايد دوائر ومساحات الحرية اصبحت خطورة الكتابة اضعاف ما كانت عليه من قبل . وهذا ما يغري الكثيرين للكتابة من جانب ، ولكن في نفس الوقت يثير التساؤل الذي هو عنوان هذا المقال ( حول مفهوم الكتابة ) مع ادراكنا مسبقاً من أن الكتابة لم تعد فقط ما يكتبه الكتاب المتخصصون اصحاب الرؤى المتقدمة ، بل أمتدت إلى ابعد من ذلك لكي تشمل ما يكتبه الكثير من الناس الذين وفدوا على مجال الكتابة من كل حدب وصوب ، خصوصاً وإن الكتابة انتقلت عند بعضهم من مرحلة التعبير عن الفكر والإبداع وتكوين الرأي العام إلى مرحلة تسمى ( ملهاة سلبية) .
لقد أردت من خلال كل ما تقدم أن أطرح تساؤلات جدلية وفكرية عن جدوى في كل ما نكتبه ، وهل هناك مؤشرات معينة يمكن اللجوء إليها وبشكل جاد للوصول إلى تبادل الافكار والتصحيح المتبادل بين المتحاورين أو لغرض تحويل الحوار من طرف واحد ( الذاتي ) إلى الحوار ( العام ) وفتح باب النقاش حول كافة القضايا المصيرية ( السياسية ، الثقافية ، الأجتماعية .. ألخ ) التي تهم أبناء شعبنا وأمتنا ، خصوصاً إذا كان أحد هذه التساؤلات : هل يمكن لنا أن نفكر في كافة هذه القضايا مع تحديد عدد من المحاور وكما يلي :
1 – إن الخلفية الفكرية والثقافية للكاتب المتميز وخصوصاً الذي له الدور الريادي في تشكيل عقلية الأجيال القادمة تعتبر من المسائل المهمة في تحديد الإجابة الواعية لتساؤلاتنا الفكرية عن لماذا نكتب وما هي جدوى من الكتابة من عدمها ؟ . وهنا ينبغي أن نسجل حقيقة نظراً لأهميتها بالنسبة لموضوعنا عموماً ، وهي إن قواعد الأزمة الأساسية لهذه التساؤلات لا تعود فقط إلى ضعف القدرات الفكرية والثقافية للكاتب ، بل إلى إنخفاض ونقص في كفاءة وقدرات بعض القراء ايضاَ .
ومن خلال متابعتنا لما ينشر من مقالات وكتب بأننا احياناً نقراء كتاباً أو مقالاً يحتوي كل منهما على :
1 – الأفكار الجيدة والتي تستحق النقاش .
2 – مساحة واسعة من الحوار لأن عدم الحوار تفقد الكتابة جزء كبير من قيمتها ومبرر وجودها .
لكن دائماً تكون المفاجأة في الجانب الأخر ، حيث يمضي ( المقال / الكتاب ) بلا رد فعل وكاننا نعيش في ظلام ثقافي وفكري دامس أو نعيش في وادي السكون . وتفسير ذلك لا يخرج من الحالة السلبية التي يعيشها المثقفون والمفكرون من أبناء شعبنا في العصر الحديث بينما العالم يتقدم بوعي ويتحرك نحو الأفضل ، لذا يستوجب على كاتب المقال بصورة خاصة والمثقف بصورة عامة درجة عاليه من اليقظة والوعي مع أمتلاك هدف واضح وضمير شجاع ، وإعادة النظر في مصداقية الكتابة وشرف الكلمة وعدم الاتجار بالمفاهيم المستهلكة والافكار القديمة اللتين أصبحتا عبأين على شعبنا ، هذا الشعب الذي يسعى دائماً إلى التجديد والأبداع الفكري والثقافي دون الوقوف امام ظواهر التخلف والانتحارعلى طريقة " هارا كيري Harakiri " وهي عملية انتحار التي كان يقوم بها المقاتل الياباني بعد هزيمته في المعركة ، حيث وفدها في مجال الكتابة ، بينما بادر الأخرون بترويج ثقافات أخرى وهي الانتحار على طريقة " كامي كازي Kamikazi " وهي طريقة انتحار الطيارين اليابانيين ضد السفن الامريكية في الحرب العالمية الثانية .
وعلى أية حال ، فإن الكتابة أن لم تكن إضافة إيجابية فهي حتماً ستكون وبالضرورة إضافة سلبية عندها لن نصل إلى الإجابة الصحيحة لتساؤلاتنا الفكرية في .. لماذا نكتب ؟ . لذا رأيت بأنه من الضروري كتابة هذه المقالة ، وما أعني به ( من الضروري ) هو مساهمتي أذا أجيز القول في عملية التنوير وتقفيف الفرد حول اهمية الكتابة والرد على ما يكتب اولاً ، والتمسك بالقراءة والكتابة والعودة إلى المعرفة والإبداع ثانياً .
مشكورين ....زكل من الأخ يحي ..والأخت زهر السوسن ...والأخ بلال ....على هذا الموضوع