يقول الأستاذ محمد مليطان:
الأستاذ الفاضل دكتور محمد يونس، شكرا لكم على هذه البسطة المفيدة، والموضحة بجلاء مشروعكم اللساني المقترح القائم على التراث الإسلامي، واسمح لي ببعض التساؤلات الأخرى:
1- إن ما تفضلتم به من شرح للأسس التي يقوم عليها مشروعكم اللساني تتقاطع إلى حد كبير مع المبادئ التي تقوم عليها اللسانيات الوظيفية، فما دقة هذه الملاحظة ؟ وإن صحت ألا يمكن وضع التراث (اللساني الإسلامي) في سياق أصل امتداده اللسانيات الحديثة، دون قطيعة أو إسقاط ؟ وكيف تنظرون لمشروع المتوكل القائم على هذه الفرضية (الأصول والامتداد) ؟
2- إن ما اصطلحتم على تسميته بـ(اللسانيات الإسلامية) لم يكن يروم وصف اللغة ولا تفسيرها بقدر ما كان إطار نظريا للمنطق الفقهي الذي أسس عليه الفقه الإسلامي، وقد أولكت مهمة الوصف اللغوي في التراث للنحو والبلاغة وملاحقهما... فإذا صح هذا التقييم فهل يصح وصف التراث (الأصولي) بـ(اللساني) ؟ مع الإشارة إلى أن إنشاء نظرية لسانية يكون ضمن اسسها المنهجية تلك المبادئ الأصولية (يفترض) أن يكون بعد إجراء عملية نقل من حيزها الفقهي إلى اللغوي .. أليس ذلك صحيحا ؟
فكان جوابي:
1- أرحب بك أستاذ محمد مليطان مرة أخرى، ولا أخفي إعجابي بدقة أسئلتك وأهميتها، ويشرفني أن تكون من أبناء بلدي. أما بعد فقد تسلمت النسخة التي أرسلتها لي (مشكورا) من كتاب الدكتور المتوكل، واطلعت على فهرسها ومقتطفات مما لفت انتباهي من بعض فصولها، ولا أستطيع الآن قبل قراءتها كاملة أن أصدر حكما قطيعا عن المقارنة بين منهجي ومنهجه، ولكن انطباعي المبدئي أن مقارباتنا واهتماماتنا مختلفة اختلافا جذريا وإن بدت ظاهريا متشابهة، وأول مظاهر هذا الاختلاف الجذري أن جهودي انصبت على وضع إطار نظري theoretical framework للأعمال الأصولية في موضوع تحليل الخطاب والدراسات النصية في حين تركز اهتمامه على دراسة المنهج اللساني الوظيفي لقضايا نحوية مع إشارات إلى ما يناسبها من التراث، هذا هو إحساسي المبدئي حاليا من خلالي اطلاعي على بعض صفحات الكتاب الذي طبع هذه السنة، وقد أشار في المقدمة إلى أن هذا الكتاب مؤسس على عمل آخر يشير إليه بالمتوكل 82، ولا أدري أي كتاب بالتحديد وقد حاولت أن أبحث عنه في قوقل ولكني وجدت بعض الصعوبة فآثرت أن أسألك عنه مباشرة، ولعلك كنت قد أعفيتني من عناء البحث لو أرسلت لي مسرد مراجع الكتاب إن كان له مسرد.
وأما العلاقة بين اللسانيات الوظيفية والإسلامية فهي علاقة قوية؛ لأن الدراسات الأصولية هي أقرب إلى الوظيفية منها إلى مدرسة أخرى إذا ما استثنينا البراغماتية التي يمكن عدها امتدادا للوظيفية، وأما فكرة "الأصول والامتدادات" فلا أدري ماذا تقصد بها ولكنها توحي بالاعتداد بالتراث والانطلاق منه والبناء عليه بالاستعانة بالدراسات الحديثة دون وضع عوائق أو ممنوعات تاريخية أو جغرافية؛ فإذا كان الأمر كذلك فنحن متفقان.
2- وأما قولك " إن ما اصطلحتم على تسميته بـ(اللسانيات الإسلامية) لم يكن يروم وصف اللغة ولا تفسيرها بقدر ما كان إطار نظريا للمنطق الفقهي" فهذا غير مسلم، وربما أكتفي هنا بما ذكرته في "علم التخاطب الإسلامي": "على الرغم من أن علم الأصول يبحث في مسائل شرعية وكلامية يتوقع أن تمتزج ببعض المسائل والعقائد الغيبية المسلّمة، امتاز التفكير التخاطبي للأصوليين بكونه مؤسسا على منهج موضوعي. ومن الأدلة على ذلك أنّ الأصوليين يعاملون نصوص القرآن والسنة، من حيث المبدأ، معاملة الكلام العربي المعتاد بدلا من عدّها نصوصا فريدة خارجة عن اللسان العربي، إذ كل كلام يصدر عن متكلم عربي فصيح ممكن في القرآن، وما هو خاص بالذات الإلهية لا علاقة له باللغات، كما يرى شهاب الدين القرافي (ت 684هـ/1285م)،[i]"
كما جاء في الكتاب أيضا: " وهكذا فإن دراسة الأصوليين لبعض القضايا التخاطبية لبعض حروف العطف مثلا (كالواو، والفاء، وثُم من حيث إفادتها الترتيب أو لا) قد تعد مثالا جيدا للتخاطب المرتبط بلغة ما language-specific pragmatics، في حين أن ما يسمى بصيغ العقود (كأنتِ طالق) المؤسسة على أحكام الشريعة الإسلامية يمكن أن يعد مثالا للتخاطب المرتبط بثقافة ما culture/ -specific pragmatics. وعلى أية حال، فسيكون اهتمامنا في الفصول القادمة أكثر اتصالا بالقضايا المرتبطة بعلم التخاطب العام من تلك الخاصة بالتخاطب المرتبط بثقافة أو بلغة معينة".
وأخيرا أقول: إن احتراساتك كانت في محلها (وقد كانت من الأمور التي شغلت تفكيري في بداية شروعي في العمل)، ولكن البراغماتيين أنفسهم يفرقون بين البراغماتية الخاصة والبراغماتية العامة (التي لا ترتبط بلغة أو ثقافة معينة)، ونأمل أن يكون عملنا من النوع الثاني.
[i] ينظر القرافي، شرح التنقيح، ص 16.