مفهوم الفلسفة التحليلية: بقلم /شمس الخويطر

معنى التحليل: في اللغة: الفك والفتح, فيقال: (حل – حلل): العقدة أي فتحها (فانحلت).

أي فك كل ما هو مركب أو كلي إلى أجزائه أو العناصر المكونة له.

ويقابلها التركيب: الذي يعني بناء كل من أجزائه أي ربط وتجميع عناصر الكل المنفصلة أو الصغيرة في وحدة شاملة (علي, 1997, ص43).

والتحليلية كفلسفة اعتمدت وكما هو واضح في مسماها على الفكرة القادمة على تحليل أو تفكيك الأجزاء والرموز والكلمات ومعرفة ما وراءها فمعنى التحليل "فك

والتحليل عند "مرجريت ماكدونالد" "عملية يراد بها اكتشاف عناصر موضوع معين, من أجل غرض خاص, لذا فإن الغرض من التحليل هو تقليل درجة الغموض في المركبات بتوجيه الانتباه إلى الأجزاء المتعددة التي تتركب فيها

وكلمة تحليل "تعني فك كل ما هو مركب إلى أجزائه, وفي الفلسفة تعني كلمة التحليل فك أو رد الموضوع الذي تتناوله بالبحث إلى مصادره أو عناصره الأولية سواء كان ذلك الموضوع فكرة أو قضية أو عبارة من عبارات اللغة, بحيث يصبح إمكانية تحقيق العبارة اللغوية مرتبطاً لما جاءت ترسمه أو تصوره من وقائع العالم الخارجي" (ناصر, 2001,ص411 ,409).

وير البعض أن الفلسفة التحليلية (تعني بدقة اللغة وتنظيم الرموز المستخدمة)

كما يرى "تيوسوم فليسوف التربية المعاصرة "أن الفلسفة التحليلية تساعد على توضيح ما نقوله من جمل وفروض "كما أنها تجعل كل هذا شيئاً ذا معنى أو شيئاً خالياً من المعنى (مرسي, 2007, ص234-233).

والفلسفة التحليلية:تكون بالرجوع إلى العناصر الأولية, والوحدات الجزئية الأساسية التي يقوم عليها الفكر والوجود والتي يبدأ منها العلم والمعرفة (ناصر, 2004, 287).

كما أشار راسل إلى مفهوم التحليل حيث يعد من أشهر مفكرين الفلسفة التحليلية والذي اعتمد كما أشار أوزمون وكرافر "تخفيض كل مشكلة تدريجياً إلى مكوناتها, وبعد ذلك فحص كل جزء بالتفصيل لالتقاط خصائصه الأساسية. فبدلاً من التوصل إلى إجابات أو تركيبات عظيمة لدينا تحليل صغير لكنه مهم وجيد الأداء " (أزمون وكرافر, 2005, 601).

والتحليلية عند حسن عجمي هي"إيضاح المفاهيم في الفلسفة والعلوم في الحياة اليومية سواء كان مفاهيم سببية أو معاني من خلال تحديد قيم الصدق الخاصة بها أو تحديد معانيها أو من خلال تحديد قيم الصدق والمعاني معاً. (عجمي, 2004, ص7).

مما سبق ومن خلال عرض مجموعة من المفاهيم التي تناولت الفلسفة التحليلية يمكن استخلاص مايلي:

- أن التحليلية فكر يعتمد علي اللغة وتحليل ألفاظها.

- أنها تركز على تفكيك المركب إلى عناصر الأولية سواء كان فكرة أو قضية أو...

- أن هدفها توضيح المعاني وإزالة الغموض.

مبادئ الفلسفة التحليلية:

1- يرى البعض أن الفلسفة التحليلية كانت "ثورة في تاريخ الفكر الفلسفي" فقد انتقلت الفلسفة من البحث في مجال الموضوعات والأشياء إلى مجال آخر يبحث في الألفاظ والمعاني التي يقول بها رجال العلم والفلسفة.

2- أنها لم تكن مدرسة فلسفة بمعنى المتعارف عليه إلا أن كونها تجمع الفلاسفة التحليلين في استخدام منهج التحليل في الفلسفة.

3- الرفض الشديد للميتافيزيقا, كونها أقوال فارغة كاذبة وأنها عبارات لا تحمل أي معنى حيث أنه لا يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب.

4- اشترك الفلاسفة بشكل عام على مبدأ الدقة والوضوح.

5- الاهتمام باللغة وتحليلها وتوضيحها وإرجاع مشكلات الفلسفة إلى سوء فهم منطق اللغة (أ سلام و ص234).

6- إن عملية التحليل تم من خلال تحليل بعض المفاهيم غير الواضحة ولا بد من اتخاذ بعض المفاهيم على أنها أولية وإلا تستمر عملية تحليلنا للمفاهيم إلى ما لا نهاية (عجمي, 2004, ص8).

7- تقدم الفلسفة التحليلية تحليلاً للمفاهيم وبراهين على صدق تحليلاتها (عجمي, 2004, ص104).

8- تؤكد الفلسفة التحليلية أنها ليست قاصرة على موضوعات ومجالات محددة أي أنها شاملة. وأن "موضوعها هو تحليل العبارات التي تقال أياً كان مصدرها" كما أنها لا تقتصر على عبارة العلماء المفكرين بل قد تناول بالتحليل العبارات الصادرة عن عامة الناس (علي, 2000, ص143).

9- أن الفيلسوف في نظر التحليلية ليس عالم وإنما هو يقوم بالتحليل وهو بذلك يختلف عن العالم الذي يقوم بالتجارب... إنما هو يحلل ليكتشف حسب معطيات الطبيعة والمجتمع (مرسي, 2008, ص234).

10- ترى أن اللغة لها استخدامات لا نهائية.

11- كما ترى أن اللغة متطورة وليست لغة الموروثة.

12- اللغة يقصد بها اللغة أياً كانت إنجليزية – فرنسية.. حسب اللهجات.

13- اللغة تتكون من جمل ومن أسماء والألفاظ وهناك العلاقات بينها وهي الحروف كروابط. (أزمون وكرافر, 2005, 599) (علي, 2001, 143).

14- تهتم التحليلية بتفكيك المعاني وتحليلها بدلاً من اللجوء إلى تصنيفها (أوزمون وكرافر, 602).

15- التحليلية في تناولها وطرق للأفكار ضد التعميمات فهي ترى عدم فعاليات التصميم لأنه في الأصل يمكن تفكيك إلى جزئيات مثال تعميم الناس مصيرهم الموت نستطيع أن نقول أحمد مصيره الموت وهكذا لكل فرد (أوزمون وكرافر, 2005, 599).

الفلسفة التحليلية ونظرتها..........

1- الطبيعة الإنسانية:

تنظر التحليلية إلى كون الإنسان مميز عن سائر المخلوقات بالعديد من الصفات كالقدرة على التعلم – والتفكير الناقد – حيث يشكل التعلم مرحلة متقدمة للإنسان تصل به إلى ما يطلق عليه (عبقرية الإنسان).

ومنها استخدامه للسلوك الرمزي. والذي مكنه من استخدام الرموز وترجمتها إلى معاني ومن ثم التفاعل معها تفاعلاً ناقداًوأعطوا اهتماماً كبيراً بالتفكير من حيث كونه من أهم وظائف الإنسان وكون التفكير يكون تفكيراً ناقداً يتفاعل معه الإنسان (ناصر, 2001و ص137).

كما تسعى التحليلية إلى تحرير الإنسان من المعتقدات والأفكار الفلسفية الخاطئة ومنها مزاعم الميتافيزيقين والعمل على توجيهه نحو المعرفة والتي يتمكن من خلالها من إصدار الأحكام بعد التدقيق والتجربة.

وترى التحليلية أن الدقة والموضوعية في النقد والبعد عن الذاتية من أهم ما يميز الإنسان في تناوله للموضوعات والقضايا حتى في علاقاته مع الآخرين فهي تبنى على الثقة والدقة.(ناصر, 2000, ص137) (مرسي, 2001, ص36).

مما سبق تستخلص الباحثة أن التحليلين في نظرتهم للإنسان تناولون للعديد من النقاط الرئيسة ومنها:

* الإنسان كائن مميز عن بقية الكائنات

* يظهر تميزه في امتلاكه للعقل البشرى

* الإنسان قادر على التفكير والوصول بالى مرحلة عالية من مراحل التفكير كالتفكير الناقد .

* التفكير الناقد يمنح الإنسان القدرة على الاختيار والتميز بين الحق أو الباطل.

2- الكون:

الوجود في التحليلية غير واضح وغير محدد حيث ترى أنه غامض لكون معناه لا يمكن تجربته وإدراك أحداثه بالحواس والتجربة العملية وهو بذلك قريب من المنظور الميتافيزيقي. وقد قام "راسل" أحد أشهر مفكرين التحليلية بتفسير الوجود من خلال تقسيم الوجود إلى كائنات كثيرة وهي عبارة عن مبادئ أولية لا يمكن الاستغناء عنها لتفسير العالم.

فالمادة: موجودة.

والعقل: موجود.

وهناك أشياء كثيرة موجودة.

بعد ذلك بدأ يحذف العديد من الموجودات حتى اكتفى بما يسمى "الحوادث".

فالمادة عبارة عن سلسلة من كائنات يتبع بعضها بعضاً في الزمن (ناصر, 2001, 147).

ترى التحليلية أن الكون يتكون من العديد من المعطيات الحسية التي تترابط فيما بينها.

ومنها ما أشار إليه (رسل) في (نظرية الذرية) والتي يرى أن العالم يتكون من موضوعات وأشياء بل من معطيات حسية تترابط فيما بينها ترابطاً منطقياً (بوشنسكي, 1992, 87).

ومن الأمثلة على تفسير الكون.. ما أشار إليه (لويد) حيث قام بحساب المعلومات التي يحتويها الكون فاكتشف أنه إذا كان كل جسم في الكون يملك حرية أو عشوائية كاملة. فإن للجسيمات 10 /120 دور. من جهة أخرى استعان لويد بحاسوب كي يمثل الكون وحسب العمليات الفيزيائية التي ينفذها الكون ومن ثم ضربها في عمر الكون. وأشار إلى أن العملية المنطقية الناتجة التي تمثل العملية الفيزيائية تنقل الكون من حالة إلى أخرى.

ومن منطلق التصادف القائم من مجموع العمليات في الكون الصادر عن نظرية المعلوماتية ومجموع الأدوار في الكون الصادر عن الفيزياء ,استنتج لويد أن الكون عبارة عن كمبيوتر يقوم بحساب المعلومات. من خلال العرض السابق للكون والحياة لدى التحليلين تخلص الباحثتان إلى أن الكون في الفكر التحليلي يتمثل فيما يلي:

- الكون عبارة عن العديد من المركبات والجزيئات والذرات.

- تتجمع تلك المركبات والذرات فيما بينها لتكون الكون .

- تلك المركبات والذرات يمكن أدركها في الغالب من خلال الإدراك الحسي.



3- المعرفة:

تؤكد الفلسفة التحليلية في تناولها للمعرفة أنها لا تتم إلا بالطريقة العلمية فمن خلال الخبرة والتجربة يتم التعرف على المعرفة والتحقق من صدقها,وما عدا ذلك فهو خاضع للعواطف أكثر من كونه معرفه.

فالمعرفة الحقيقة كما أشار إليها "ر اسل" تتم بالإدراك المباشر للمعطيات الحسية الجزئية" (مرسي, 2007, 236).

ويفسر ذلك من خلال تحليله للمعرفة والفكر," بردها إلى الوحدات الأساسية حيث أن الشعور ليس شيئاً مادياً قائماً بذاته, وإنما هو مجموعة أحداث تلتقي فيها الحواس بالمعطيات الخارجية التقاءً مباشراً وغير مباشر حيث تنتقل هذه المؤثرات من خلال الجهاز العصبي إلى مراكز الحواس في المخ وتتجمع بعد ذلك تلك المدركات الحسية الجزئية عن طريق عملية (الإدراك) أو (المعرفة). وبذلك تكون معرفتنا الحقيقية من خلال إدراكنا المباشر للمعطيات الحسية". ويؤكد" راسل "على أن (المادة) رغم وجودها إلا أنها ليست موضوعاً مباشر للمعرفة. فنحن كما يشير لا نعرف إلا شيء واحد المعطيات الحسية. (بوشنسكي, 1992, 88).

وبذلك فهو يحصر المعرفة بشكل رئيسي فيما يمكن تناوله بالحواس فقط.

كما يرى لوك في تفسيره للمعرفة: بأنها عبارة عن فكر وواقع ولغة. فهي مجموعة من الأفكار, و واقع حيث أن كل الأفكار التي توجد في الذهن إنما تستمد أصلها من الواقع عن طريق التجربة. فلا يوجد شيء في العقل ما لم يكن موجوداً من قبل في التجربة الحسية.

واللغة وألفاظها من حيث هي أداة التعبير عما يجول في ذهن الإنسان من أفكار (إسلام, 1980, 229).

مما سبق تستخلص الباحثة أن المعرفة لدى التحليليين تتمثل في فكرة رئيسة وهي الادارك الحسي وما عدا ذلك فهو مرفوض ولا يعد معرفة .كذلك فالمعرفة تتم فقط من خلال الحواس والتجربة ومن ثم يمكن قبول أو رفض تلك المعرفة،ورفضوا أي نوع من المعرفة لا يتفق مع منهجهم ونظرتهم واعتبروه كلام بدون أي معنى.

4- الحياة:

بما أن التحليلية كما سبق الإشارة لا تقدم معارف جديدة وإنما تتناول المعارف والفلسفات والأفكار والقضايا بالتوضيح والتحليل للتأكيد الصحيح ورفض الخطأ. وإزالة الغموض الناتج عن عدم وضوح معاني اللغة. وكون مهمتها نقدية تحليلية بخضوع الموضوع للتجربة العلمية.فقد رفضت الخوض في بعض المسائل والمعاني: كمعنى الحياة, وهل الناس فانون, كونها لا تستطيع تقديم إجابات يمكن اختبار صحتها أو نفيها (ناصر, 2001, 289)إلا أن هناك بعض الجهود التي قامت بإيضاح بعض معاني الحياة والهدف منها فقد رأى (راسل) أن الإنسان في الحياة يسعى نحو السعادة والتي لا يصل إليها من خلال "إزالة المخاوف والسعي للوصول إلى أعلى درجات الكمال في كافة المجالات.وأن الإنسان قادر على تحقيق قدر من التقدم شريط أن لا يعوقه احترام الطبيعة يقوم على الخرافة.

لأن كل طبيعة ومنها طبيعة الإنسان ذاتها, ينبغي أن تصير موضوعاً للدراسة العلمية بهدف أن تنتج مزيداً من السعادة.

5- القيم:

القيم في التحليلية تخضع للنسبية وذلك حسب حاجات الفرد وحاجات البشرية.

وهي عبارة عن تفاعل بين الأفراد مع بعضهم البعض ومن خلال ذلك التفاعل تنتج القيم.. كالقيم الاجتماعية (خير – شر ... ) (ناصر, 2001, 167).

وبتطبيق النظرة التحليلية للقيم نرى "فيجتشين" يشير إلي أن كل ما يقال من قضايا إخبارية لا يمكن إرجاعها إلى موضوع خارجي بسيط أو وقائع مبسطة في وقائع العالم (ويقصد به: الشيء المحسوس والذي يمكن إدراكه بالحواس).

فإذا الحكم على هذه الأشياء يكون حكماً ذاتياً. كالجمال – الخير" (علي, 2000, 146).

وبذلك فهو يعد القيم كالجمال والخير........ وغيرها.... ما لم يمكن تحليلها إلى واقع وجزئيات في أرض الواقع, وأخضعها للتجربة والطرق العلمية.فعند ذلك يكون معيار الحكم عليها كونها صالحة أو غير صالحة تترك للفرد وحكمة.فما يمكن أن يكون جيداً في مجتمع قد لا يكون كذلك في مجمع آخر أو لدى فرد آخر.

من خلال العرض السابق للمعرفة والإنسان وللفكر التحليلي القائم على تفكيك المركبات للوصول إلى المركب آو الجزئي الأولى ,نجد أن التحليلين لا يقبلون إلا ما يمكن تناوله بالحواس, وكون القيم لا يمكن إخضاعها للإدراك الحسي ولا يمكن إرجاعها إلا عنصر أولى ومن ثم اختبار صحته وخطأه.

وكونها من مفاهيم الحياة ... يرى التحليلين إخضاعها للذاتية الشخصية،فما يمكن أن يكون عند شخص ومجتمع مقبول يمكن أن يكون مرفوض لدى شخص ومجتمع أخر.

أوجه الاتفاق بين الفلاسفة التحليلين:

بالنظر إلي اختلاف المدارس الفكرية التحليلية إلا أن هناك العديد من أوجه الاتفاق وفيما يلي عرض لأبرزها:

1- أن مهمة الفلسفة تحليل ما يقوله العلماء وما يقوله الناس في حياتهم اليومية.

لا تفسير تأملي ينتهي بالفيلسوف إلى نتائج معينة يصف بها الكون وما فيه.

2-حذف الميتافيزيقا من مجال الكلام المشروع لأنه من خلال تحليل عباراتها الرئيسة تحليلاً منطقياً يتبين أن العبارة خالية من المعنى حيث لا يمكن إثبات صوابها أو خطأها.

3-اتفاقهم على نظرية السببية في التحليل حيث يجعل العلاقة بين السبب والمسبب علاقة ارتباط في التجربة, لا علاقة ضرورية عقلية.

4-الاتفاق على أن قضايا الرياضة – وقضايا المنطق الصوري تحصيل حاصل لا تضيف عن العالم الخارجي علماً جديداً, فالقضية الرياضية مثل فولتا 2 2=4 إن هي إلا تكرار لحقيقة واحدة برمزين مختلفين فالرياضة يقينية لأنها لا تقول شيئاً وعلى عكس العلوم الطبيعية. احتمالية لأنها تتعرض لوصف العالم الواقع, ومن ثم فقوانينها جاز أن تتعرض لوصف العالم الواقع ومن ثم از أن تتعرض للخطأ في وصفها (محمود, 1408, ص238 – 239).

5-الحقيقة في نظر التحليلية هي ما يمكن معرفة واختيار وتجربة وما سواه خارج عن المعرفة وعن الفلسفة.

6-كذلك فالإنسان قادر على استخدام اللغة وفهم رموزها ومعانيها فاللغة بالنسبة له "تعني الفكر وتعني المنطقي" وهو يستخدمها للتواصل مع الآخرين ويتناول الأفكار.

7-أن الإنسان مميز عن بقية المخلوقات كونه قادر على التعلم وعلى التفكير ومنها التفكير الناقد, فالتفكير من أهم وظائف الإنسان ومميزاته. (مرسي, 2007, 236).

الفلسفة التحليلية و التربية

يشير ناصر ( 2001 م ص 418) إلي: " إن الفلسفة التربوية تكون تحليلية عندما توضح القرارات أو الأقوال النظرية و الإرشادية, فالمشغل بالتحليل يمتحن عقلانية أفكارنا التربوية و توافقها مع الأفكار الأخرى ومواضع و كيفية التوائها نتيجة التــــــفكير التحليلي, و يمتحن منطق المفاهيم و عدم كفايتها للوقائع التي تسعى لتفسيرها ".ويوضح سليم ( 2006 م ) إن التحليلية:

تسعى إلى توضيح اللغة و المفاهيم و الطرق التي نستخدمها في بعض مــــــناشط الحياة التى تتسم بالدقة , كما هو الحال في العلوم , و تعد عملية " التـــوضيح " العنصـــــــر الموحد في الفلسفة التحليلية , وتستند إلى مسلمة مؤداها إن معظم المشكلات الفلسفية في الماضي لم تكن مشكلا تفعليه تتعلق بالحقيقة و الحق و الجمال , ولكن بمشكلات تتمثل في عدم وضوح اللغة و المعاني و المفاهيم . فان الدور الحقيقي للفلسفة هو التوضيح الناقد .ويضيف سليم (2006 م ص 55): " إن فلاسفة التربية التحليليين قد وجهوا جهودهم نحو التوضيح الناقد للمفاهيم المتعلقة بالتربية و المنهج ( بدءا من مفهوم التربية ذاته ) أكثر من تقديمها إطارا فكريا واضحا بشأنها"..

ويشير علي (2007م ص 561) إلى إن الفلاسفة التحليلين يركزون على : " تحليل المقولات التربوية و مفاهيم التربية ومصطلح , مثل إشباع الحاجات , الاهتمامات , الضبط , النظام , العقاب , التعلم , التدريس , المعرفة , القيم , بل ومفهوم التربية نفسها وعشرات غيرها . بهدف توضيح معانيها و تحديد حدودها المنطقية لفصلها في معناها و استعمالاتها عن الاختلاط بالمفاهيم الأخرى "..

ويوضح أبوهلال وأخرون (1993م) :بأن التحليليــين ينظرون إلى التربية : على أنها فرع علمي يستخدم اللغة الإحصائية والإجراءات التجريدية في قبول أي نظرية أو ممارسة تربوية ... كما أن التربية عملية تعديل الدوافع للفرد، وخلق إنسان خير من إنسان شرير، وهي في الوقت نفسه عملية إكساب الفرد دوافع جديدة، وتــــسعى العملية التربوية إلى قيم معرفية، وإلى تحقيق سعادته في المجتمع.\

ومن خلال ما سبق فان الفلسفة التحليلية تحدد هدفها التربوي العام بـ : النمو العقلي و الاجتماعي للفرد

فوائد استخدام الفلسفة التحليلية في التربية :

ويورد سميت و انيس ( 1961 م ) , نقلا عن مرسي ( 1995 مص 220 ) فوائد استخدام الفلسفة التحليلية في التربية :

1. اكتشاف المعاني غير المطروقة للمصطلحات و التعبيرات التربوية نتيجة استخدامها في سياقات مختلفة .

2. الكشف عن التخبط في التصورات الفكرية و تعرية مسارات التفكير الناتجة عن القصور في فهم الطريقة التي تستخدم بها اللغة في موقف معين.

3. استبعاد المشكلات و المسائل الزائفة التي توجد نتيجة التصورات المضطربة غير الواضحة و نتيجة غموض اللغة المستخدمة.

4. اكتشاف إبعاد المصطلحات التربوية و التوصل إلى فهم أوضح للعـلاقة بين الفكر و اللغة و الواقع. ومن ثم نستطيع إن نوسع الأساس الذي نبني عليه معتقداتنا عن الواقع و قيمنا التي نؤمن بها .

5. تعرية التناقضات المنطقية التى لا نشعر بها و التي تنتج من التســـبب في استخدام اللغة" .

6. المنهج التحليلي يكون فعالاً في القضايا والأفكار والمفاهيم الخرافية لأنه يدلل عليها ويكشف مدى زيفها عن طريق إخضاعها للعلمية والإدراك الحسي الواقعي.

7. كما أن التحليل يقوم بتفسير بعض العلاقات غير المنطقية فمن خلال التحليل يصل الإنسان إلى فهم الحقيقة بعلاقتها الصحيحة.

8. أن التحليل يجعل الفكر الإنساني خارج عن كونه متلقي قابل لكل ما يملي عليه إنما يكون الإنسان مفكر ناقد لمختلف القضايا والأفكار التي تطرح عليه. فهو يخضعها للنقد والتحليل ومن ثم يقبل أو يرفض في ضوء ما استنتج.

فقد ساهم التحليل في توضيح العديد من المفاهيم والأفكار والتي كان سوء فهم اللغة وغموضها عائقاً لفهمها وإدراكها. وبذلك فهي ضد التعميمات العامة بدون تدقيق وتميز .

نقد الفلسفة التحليلية

وأشار نقاد فلسفة التحليل إلى أنه:

1- بينما ساعد التحليل التعليميين على توضيح بعض المشاكل التعليمية وتعريفها تعريفاً أفضل ،إلا أن ذلك ربما يكون محدوداً جداً لتلبية مطالب تغيير ثقافتنا المعقدة

2- إن الأسلوب التحليلي والوصفي المحض قادراً على تقديم توضيحات إيجابية عما نفعله في التعليم ولكنا إذا كنا نفعل الأشياء الخاطئة ليس بالضرورة أن يتم إصلاح الخطأ بتوضيحات اللغة . (أوزمون وكرافر ،2005)

3- أنه من الصعب تأكيد ما يريده التحليل من ناحية التعليم وعلى ذلك فهم نادراً ما ادعوا إدخال أى مبادئ أساسية في المــــمارسة التعليمية نفسها ، إي أنها لا تقدم معرفة جديدة وإنما تسعى إلى توضـــــيح المعرفة التي تقدم الحلول العلمية المختلفة.

4- إن المنهج التحليلي يجعل العلم غاية في ذاته ولذاته ويقطع الصلة بين العلم والغايات الإنسانية التي يجب أن يكون العلم فى خدمتها .

5- إن قصر " المعرفة " على المعارف المصاغة وفقاً لنموذج المعارف التجريبية فى العلوم الطبيعية يمثل تعــــــــسفا لا مبرر له . وهذا النوع من المعرفة لا يحققه المنهج التحليلي لاتصال هذه المعرفة بالأهداف الإنسانية، وبالقيم.

6- أن الأدوات في المنهج التحليلي أصبحت غايات في حد ذاتـــــها بعيداً عن الاستخدام العملي الذي وضعت من أجله

7- إن المنهج يركز على المعارف المصاغة مسبقاً وعلى تنظيمها وكيفية نقلها للمتعلمين وهذه هو " المنهج الظاهر " وهذا التركيز يعني إهمال منهج آخر هو المنهج الخفي أو المستتر الذي يكتسب الطلاب من خلاله معارفا وقيما واتجاهات وأنماط سلوك تفوق فى أثرها على الفرد والمجتمع كل ما يتعلمونه فى المنهج المقرر المكتوب ( دندش ، 2003 ص 25-27 )

ومن ايجابيتها:

1-جددت هذه الفلسفة الالتزام بالوضوح والدقة والعمق في تناول القضايا الفلسفية،ولكن شجعت من جهة أخرى الفلاسفة على استخدام مفردات صعبة وغامضة في إطار لغوي لايمكن إلا لمجموعة محدودة من المتخصصين فهمه وإدراكه.(طه،1428،ص98

2- الاهتمام بربط المعرفة بالحياة

3-العمل على تنمية مخيلة الطفل وتكوين عادة التأمل لديه.(ناصر،2004م، ص417)

4- تحويل غرف الدراسة إلى معامل لتطبيق والتجريب والتثبيت وذلك من خلال النظرة للمعرفة:" صدق المعرفة يكون من خلال التجربة العملية والخبرة"

5- المنهج لا يقوم بمضمونه وإنما بالمضمون والطريقة وذلك من خلال النظرة للمعرفة " المعرفة مرتبطة بالواقع التجريبي"

عن الموضوع:
هذا جزء من بحث بعنوان( قراءات في الفكر التربوي) لشمس الخويطر
المراجع هي:
- أبو هلال ،أحمد ومرعي ، توفيق والتل، سعيد والمصري،منذر(1993م).المرجع في مبادئ التربية.عمان - أوزمون ،هاورد وكوافر ، صموئيل ( 1426 هـ) . الأصول الفلسفية للتربية .ترجمة بدر جويعد العتيبي . الرياض : مكتبة الرشد . - دندش،فايز(2003م).اتجاهات جديدة في المناهج وطرق التدريس.الإسكندرية:دار الوفاء. - الساكت , مأمون وأبو كف , عطا الله .الثقافة الإسلامية( الإسلام وقضايا العصر).عمان , مكتبة المجتمع العربي للنشر , 1424هـ. - سليم ،محمد وسليمان ، يحيى ومينا ، فايز وعفيفي ، يسرى وشحاتة ، حسن وفراج ، محسن (2006م) .بناء المناهج وتخطيطها .عمان : دار الفكر -طه ،حسن،(1428ه).الفكر التربوي وجذوره الفلسفية.عمان:دار المسيرة - عجمي, حسن, (2004م). مقام المعرفة فلسفة العقل والمعنى, بيروت :دار كتابات - علي, سعيد (1997م). التربية التحليلية.القاهرة:عالم الكتب - _____(2000م). الأصول الفلسفية للتربية.القاهرة: دار الفكر العربي - _____ (2007م).التطور الحضاري للتربية.الرياض :مكتبة الرشد - محمود, زكي نجيب(1408هـ). حياة الفكر في العالم الجديد. ط3, القاهرة:دار الشروق - مرسي, محمد منير(2007م). فلسفة التربية :اتجاهاتها ومدارسها, القاهرة:عالم الكتب، 1995 . -ناصر،إبراهيم( 2001م).فلسفات التربية.عمان :داروائل. - ______(2004م). أصول التربية والوعي الإنساني.عمان: مكتبة الرائد