مور (جورج )
(1873 ـ 1958)
جورج إدوارد مور George Edward Moore فيلسوف إنكليزي معاصر، ورائد النزعة التحليلية في الفلسفة، وأحد مؤسسي مذهب الواقعية الجديدة neo-realism في إنكلترا. اشتهر بلقب فيلسوف المعنى meaning. ولد في نوروود العليا Upper Norwood إحدى ضواحي لندن، وتُوفِّي في كامبردج.
عانى مور في صغره تجربة إكراهه على التزام الدين، وتحول إلى اللاأدرية[ر] agnosticism بتأثير أخيه الأكبر الشاعر توماس مور. درس الفلسفة والأخلاق في جامعة كامبردج (1892- 1896)، ثم عين أستاذاً بها، والتقى فيها الفيلسوف الرياضي برتراند رسل[ر] Bertrand Russell، الذي صرفه عن المثالية[ر] idealism. وأصبح رئيس تحرير مجلة العقل Mind، وانتخب عضواً بالأكاديمية البريطانية، حيث منح نوط الاستحقاق.
من أهم أعماله: «مبادئ الأخلاق» Principia Ethica ت(1903)، و«الأخلاق»Ethics ت(1912)، و«دراسات فلسفية» Philosophical Studies ت(1922)، و«بعض مشاكل رئيسة في الفلسفة» Some Main Problems of Philosophy ت(1953)، و« بحوث فلسفية» philosophical papers ت(1959)، ومقالات عديدة منها «دحض المثالية» Refutation of Idealism.
تأثرت فلسفته في مرحلتها المبكرة بمنهج برادلي Bradley وفلسفة كَانْت[ر] Kant المتعالية. ثم اتخذت وجهة مغايرة، كانت الأساس في واقعية مور الجديدة (مقابلاً للاسمية) حيث يقرر بأن للكليات (المعاني الكلية) وجوداً واقعياً حقيقياً، كما هي الحال في تصور أفلاطون[ر] Plato للمثل ideas أو الصُّور forms. فهي لا توجد فقط في الواقع، بل أيضاً تشمل كل شيء موجود.
وفي مرحلة متأخرة عالج مور في فلسفته موضوعات عديدة؛ كان أهمها: الإدراك الفطري أو الحس المشترك common sense، ونظرية المعرفة، ونظرية الوجود، ونظرية الأخلاق. وكان المنهج الذي طبقه على هذه القضايا هو إسهامه الرئيس. حيث كان يطرح الحجج المؤيدة والمعارضة لاستيضاح قوة صدقها، ويطبّق عليها مبدأ المفاضلة بين الحجج the principle of weighted certainties، وإيثار القضية التي تقدم الحجج الأقوى بالتصديق، ثم يستخدم برهان الخلف reduction ad absurdum [ر: المنطق]؛ ليدحض أيّ شك بعدم معرفة اليقين. ويسمي مور منهجه بالمنهج التحليلي الذي بفضله تمكن مع رسل[ر] Russell وفتغنشتاين[ر] Wittgenstein من تأسيس المدرسة التحليلية في الفلسفة. وقد امتد استخدامه منهج التحليل للبحث عن معاني الكلمات في القواميس، وعن استخداماتها المختلفة والفرق بين مدلولاتها الفلسفية والعادية. لقد اهتم مور بالمصطلحات الفلسفية، ووجد أن بعض التشويش والغموض فيها ناجم عن النحو المنطقي للغة العادية، لذلك سعى من وراء منهجه إلى تحليل التصورات concepts وحدها دون الألفاظ والعبارات، كما فعل أنصار الوضعية المنطقية[ر] logical positivism والمدرسة التحليلية في أكسفورد Oxford Analytic School. فهو لا يمارس التحليل اللغوي linguistic analysis هدفاً لذاته، لكن وسيلة لبلوغ اليقين عن الواقع والوصول إلى عناصر الموضوعات والمفاهيم، والإيمان بصدق قضايا الإدراك الفطري.
يصرح مور بأن هناك قضايا لا تحتمل الشك، ولا تقبل التحليل؛ لأنها وليدة الذوق الفطري أو الإدراك الفطري (الحسّ المشترك أو الفهم المشترك)، وهي القضايا التي يصطلح الناس على أنها صادقة بوقت من الأوقات، أو التي يميلون إلى تصديقها بطبيعتهم، وبرغم أنها قضايا قابلة للتغيير، لكن يمكن الاستشهاد بها، وبما أنه يمكن تصديقها فهي قضايا حاصلة على قدر من اليقين يمنع الاختلاف بصددها، ويعني ذلك أنه قد تمت المفاضلة بين الحجج المؤيدة والداحضة فرجحت كفة المؤيدة؛ وأن برهان التناقض contradiction argument أو الخلف قد أسقط عنها الشك فيها، ويصفها مور بأنها صادقة بطبيعتها ipso facto.
وفي دحضه للمثالية؛ يعتمد مور على الإدراك الفطري، فيؤكد الوجود المستقل للعالم بالارتكاز على نقطتين أساسيتين: علاقة الوجود بالإدراك، وعلاقة الحسّ بموضوعه؛ أي على التمييز بين الذات والموضوع، وعدم الخلط بين الوعي والمضمون، ويخلص إلى أن وجود الأشياء المادية مستقل عن تصورها، وبذلك يرفض أن يكون الوجود إدراكاً.
وفي تحليله المعرفة وموضوعاتها، يميز مور أيضاً بين أربعة معان لفعل المعرفة. الأول هو الإدراك المباشر، والثاني هو الإدراك غير المباشر، والثالث هو المعرفة بالمعنى المحدد، والرابع هو المفهوم. ويرى مور أنه لابدّ أن تقوم المعرفة على الملاحظة التجريبية، ليس فقط التجربة الحسية، بل ما هو مدرك أيضاً بالشعور، كما أنه يوافق كَانْت (كانط) على وجود حقائق تركيبية وإمكانية إدراكها.
وضمن مقولة الوجود existence يميز مور بين ثلاثة موضوعات: أولاً- الجزئيات particulars؛ ويقسمها إلى خمسة أنواع: الأشياء المادية، معطيات الحس، أفعال الشعور، المكان، الزمان. وثانياً- الحقائق أو الوقائع facts، وهي موضوعات المعتقدات الصحيحة وتشمل المعادلات الرياضية، وإشارات الجمل الإشارية. وثالثاً- الكليات universals ويقسمها إلى ثلاثة أنواع: الإضافات، والخواص الإضافية، وما هو ليس بالنوعين السابقين كالأعداد والصفات غير الطبيعية كالخير. ويرى مور أن الوجود من خاصة الجزئيات وحدها.
ويرى مور أن الأخلاق علم بعضه وصفي descriptive، وبعضه يقوم على التعريفات definitions، لكنه يستند أساساً إلى الملاحظة والاستقراء. فالأخلاق علم هدفه البحث في ماهية الخير عموماً؛ وليس البحث في ماهية الخير في السلوك الإنساني فحسب، فموضوعه الأساسي هو الخير، وهي صفة بسيطة لا تقبل التحليل ولا التعريف. وهي فكرة مرتبطة بالأحكام الأخلاقية التي تفصل بين الخيرية وغيرها من الأشياء. وهذه الأحكام تنحصر في نوعين، إما أن يكون الشيء نفسه خيراً في ذاته، وإما أنه مرتبط سببياً بشيء يكون خيراً في ذاته، فالخير هو الخير، صفة يدرك إدراكاً مباشراً بالوجدان intuition؛ ولهذا سمّي موقف مور بالموقف الأخلاقي الوجداني.
إن نظرية مور الأخلاقية تقوم على تحقيق الخير في ذاته بالمعنى الذي يريده والذي يطلق عليه لفظة الخير الأسمى أو الأحسن؛ لأن الأخلاق - في رأي مور- مجموعة من المبادئ العامة التي تساعد على تحديد القواعد التي يسير بمقتضاها السلوك الإنساني. إن عمل الأخلاق هو تعقّب القواعد الأخلاقية التي تفرعت منها، لأن قواعد الأخلاق تختلف باختلاف الظروف المحيطة بالعمل، أما مبادئ الأخلاق فثابتة وشاملة مهما تغيرت القواعد الخلفية من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان.
عصام عبود
المصدر من هنا