قد تتساءل و كيف يكون للصمت حديث؟
أجيبك فأقول: كل شيء في هذا العالم يوحي بالحديث، و لا شيء يبعث على الصمت و البكم. كلنا نتحدث، و لكن حديثنا لا يظل دائما على نمط واحد. فأحيانا تصرخ لأن هناك شخص بعيد لن يسمعك و أنت تتحدث بصوت منخفض، و أحيانا تخفض صوتك لأن هناك صبي نائم و إن صرخت فإنك لن تنجو من ضوضائه.
فصمت الحديث عادة لا ينتج عن فراغ، و إنما تحكمه ضوابط و تضطره الى الانبعاث.
كم مرة نهرت وأنت في موقع المستضعف فطأطأت رأسك و انصرفت صامتا أتراك انصرفت كذلك؟ كلا لا أظن ...؟ ولكن نمط الحديث فرض عليك أن تظل صامتا، موقعك لا يسمح لك بالصراخ، و إن صرخت فإنك لن تنجو من البكم الذي سيظل يلاحقك مدى الزمان.
لكل موقف حديثه، و لكل حديث نمطه، و لكن ليس لكل صمت تفسيره. فالصمت ذلك الناقد الهادئ الذي يقرأ من دون كلام، و يكتب من دون قلم، في ذلك الفراغ الهائم، ذلك الوجود السرمدي اللامتناهي.. و كأني بهذا الفضاء الشاسع بدأت تتداخل حروفه، و تتشابك كلماته، بعدما عجز عن احتواء كل ما قيل من دون نغم، و كتب من دون قلم .
فيا للعجب من هذا الحديث الصامت، الذي لم يترك زاوية من زوايا هذا الكون الشاسع إلا وخط عليها كلمات متراصة تبوح بسر الزمان، و ما عجزت عن سماعه الآذان، و حارت في قراءته الأعين الحسان...
كل صمت يستحق منا ألف قراءة و قراءة ..فإذا كان أحدهم قد قال: إذا رأيت شخصا صامتا وما هو بالأبكم، فاعلم على أنه لا يفتر بداخله عن الكلام فما أحوجنا إلى حاسة بها نسمع..
أقول : اذا رأيت زاوية من زوايا هذا الكون الشاسع فارغة ,فاعلم على أنها تضم حروف بيان كتبت بخط واضح، فما أحوجنا الى حاسة بها نقرا؟؟؟
و أختم فأقول : لو أن كل واحد منا باح بما صمت عنه، لكان الكون شيئا آخر غير ما نلحظه.. لتظل بذلك الحياة مجرد لغة مادام هناك حاجز الصمت.

علمت ان لكل صمت قارئ
فالصمت كيان يطحن عظام الخصم
واحيانا اخرى هو تخاذل امام خصمك
ان في الحياة اشياء تستحق منا الكلام الى ان ينفذ
واحيانا اخرى لا نملك الا ان نصمت
ان الكلام و الصمت ثنائيتان متضادتان ككثير من الثنائيات الاخرى في الحياة و التي لا يستقر لها وجود الا بضدها
ان الشياء تستمد حياتها ياضدادها هذا سر في كوننا لان الذي اوجدنا واحد صمد

ثمت صمت أبلغ من الكلام ما إن يقرؤه المتأمل فإنه يشعر له بلذة في النفس
لكن ثمت أيضا صمت عىٍّ ما إن يدركه الواحد منا فإنه يشعر بالعجز والهوان ويتمنى أن لو نطق صاحبه حتى ولو كان نطقه الأخير