منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارالتواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
يوسف تغزاوي
عضو نشيط


القيمة الأصلية

البلد :
المغرب

عدد المساهمات :
24

نقاط :
72

تاريخ التسجيل :
02/12/2011


التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم Empty
مُساهمةموضوع: التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم   التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم I_icon_minitime2011-12-25, 19:07

ثانوية محمد الخامس التأهيلية
كلميـمــة
يوسف تغزاوي
مقدمــــــــــة :
كان التواصل البشري ولا يزال السؤال الملحاح والهاجس المؤرق للفكر الإنساني، وذلك منذ أن وجد الإنسان نفسه محاطاً بالعديد من المشاكل منها على وجه الخصوص : حاجته إلى إحداث تفاهم ونسج علاقات بين أفراد المجتمع بغية التآلف والتجانس داخل المنظومة الاجتماعية.
ومنذ ذلك الحين يتحين الفرصة للبحث عن أفق الاستمرار والبقاء فأبدع أشياءً للدلالة والتواصل باعتباره ماهية اجتماعية تاريخية. فكانت اللغة أرقى هذه الأشياء لتحقيق التواصل الإنساني.
وإذا تصفحنا بعض الكتب الخاصة باللغة، نفاجأ بأدق التعريفات التي حاول من خلالها اللغويين إبراز مجموعة من الجوانب المميزة للغة في طبيعتها الصوتية التي هي مادتها الطبيعية وفي وظيفتها الاجتماعية التي تنقل الأفكار وتصور التعابير. وفي الصدد نلاحظ التعريف الذي وضعه ابن جني للغة حيث قال : «حد اللغة أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم» .
وبعد ذلك تعريف ابن خلدون وهو يشبه الذي سبقه بل هو أكثر تفصيلاً وذلك عندما قال : «اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عند القصد لإفادة الكلام، فلابد أن تصير متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم» .
فمن خلال هذه التعريفات، نلاحظ أن اللغويين العرب القدماء فطنوا إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية وظيفتها الأساسية هي إقامة التواصل بين أفراد المجتمع. وقد اهتموا كذلك برصد العلاقة بين بنية اللغة ووظيفتها على أساس أن التراكيب اللغوية وسائل للتعبير عن أغراض تواصلية معينة تختلف حسب السياق الذي وردت فيه.
ومن هذا المنطلق، عني بموضوع التواصل اللغوي علماء ينتمون إلى حقول معرفية وعلمية بالغة التنوع، فقد درسها النحاة، والبلاغيون، والأصوليون، والمفسرون والمناطقة، ولكل حقل من هذه الحقول سماته الخاصة، وطابعه المتميز في معالجته لهذه الظاهرة. ولكل مقاربة من المقاربات اللغوية العربية القديمة لنفس الظاهرة مفاهيمها وأدواتها ومراميها الخاصة.
لكن هذه التباينات تبدو سطحية، ويبقى العمق قاسماً مشتركاً بين مختلف هذه الاختصاصات، وهو عمق يتشكل من جهاز مفاهيمي ونظري موحد، يؤطره هدف واحد يتمثل في فهم واستيعاب النص القرآني. ويمكن أن نعزو الائتلاف الحاصل بين هذه الحقول العلمية إلى كون العلماء الذين ينتمون إليها قد نهلوا من ينابيع واحدة، تتجلى في الكتب الأولى التي صنفت في المجال النحوي خاصة «كتاب سيبويه» هذا علاوة على صفة الشمولية التي كانت تطبع الثقافة العربية الإسلامية في تلك المرحلة التاريخية، فجل علماء ذلك العصر كانوا نحاة، وبلاغيين وأصوليين، ومفسرين فالزمخشري مثلاً ألف في النحو والبلاغة والتفسير.
ويتجلى هذا التقارب بين تلك الحقول المعرفية المختلفة في مسألة هامة جداً تتمثل في تناول ظواهر مشتركة كالترادف، والاشتراك، باعتبارهما ظاهرتين تتصلان بالدلالة المعجمية وبالأساليب الإنشائية، وتعدد قراءات النص الواحد، باعتبارهما تندرجان ضمن الظواهر المتعلقة بالدلالة المقامية وغيرها. كمل يتجلى في إقامة حوار افتراضي على مستوى المفاهيم بين مختلف التخصصات، بغية تحقيق قدر من الكفاية عند وصف الظواهر المزمع وصفها.
مؤدى هذا الكلام أن الفكر اللغوي العربي القديم رصد ظاهرة التواصل اللغوي، وسخر أدواته النحوية، والبلاغية، والأصولية، لاستجلاء ما يتصل بهذه الظاهرة وبصيغها ومعانيها.
ولبلوغ هذا الهدف سنقوم بجولة مركزة في الدرس اللغوي العربي حتى نقف على ما للغويين العرب من فضل في هذا المجال فلهم من الآراء ما تكثر الحاجة إليه وتضر الغفلة عنه والحاجة تكمن في :
أولا : أن عمل اللغويين العرب سيمدنا بجهاز مفاهيمي نحن في أشد الحاجة إليه، إذ أنه سيغنينا ولو نسبياً عن الارتجال في إنشاء المصطلحات الملائمة للتحليل الذي سنقوم به لبعض الظواهر اللغوية.
ثانياً : سيمدنا كذلك بطرق التحليل الدقيق – أصبحنا نفتقدها اليوم – مرتبطة بلغتنا العربية بكل ما تملكه من قوة تعبيرية.
وعليه سنقسم حديثنا عن التواصل في الفكر اللغوي العربي القديم كما يلي :
أ- النحاة.
ب- البلاغيون.
ج- الأصوليون.
وسنختم كلامنا في هذا الجزء ببعض التعليقات والاستنتاجات.
أ- المقاربة النحوية لظاهرة التواصل اللغوي :
تنزع المقاربة النحوية إلى الاهتمام بالصيغ الصورية اللاصقة بالتواصل، وبالعبارات اللغوية، والعمليات التركيبية التي تخضع لها هذه العبارات من تقديم وتأخير، وحذف ووصل وغيرها وضروب التبريرات التي تساق لتفسير ذلك. يتواصل متكلموا لغة معينة فيما بينهم بسهولة، وهذا راجع إلى أن كلاً منهم يمتلك ويستخدم في البيئة اللغوية نفسها، نسقاً واحداً من القواعد مما يتيح له أن يتواصل بسهولة كبيرة، أي أن يستقبل الرسائل الكلامية ويحللها ويجيب عنها.
وإذا كان التواصل متعدد القنوات، منه ما هو لغوي ومنه ما هو غير لغوي، فإن الباحثين اللغويين، قديمهم وحديثهم، ركزوا على الاهتمام بشكل أساسي بالجوانب الكلامية المتمثلة في الجمل، باعتبارها الشكل التواصلي الأكثر تداولاً، لأن التحدث يتم غالباً عبر استخدام هذا النمط من التعابير، سعياً بواسطته إلى تحقيق التفاهم والتواصل.
ومن هذا المنطلق لم يقف النحاة عند تقسيم الجملة إلى اسمية وفعلية وظرفية. وجملة لها محل من الإعراب، وأخرى لا محل لها، بل وضعوا تقسيماً آخر يتعلق بالكلام.
وقبل هذا وذاك، فالكلام المصطلح عليه عند النحاة «عبارة عن اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها، واللفظ جنس الكلام والكلمة ويشمل المهمل والمستعمل... ومفيد أخرج المهمل، وفائدة يحسن السكوت عليها أخرج الكلمة وبعض الكلم وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ولم يحسن السكوت عليه نحو إن قام زيد...» (شرح ابن عقيل، ص : 5)
قد يبدو أن لكل متكلم دراية بجمل لغته، وحدودها، ومع ذلك فإننا عندما نبحث عن تعريف للجملة، كشكل تعبيري شائع، فإننا ندرك أنه ليس سهلاً العثور على معايير تسمح بإقامة تمييز واضح بين الجملة وغير الجملة، فالمشهور في الكلام عن النحويين العرب، كما سلف القول، أنه هو القول الدال على معنى يحسن السكوت عليه، ويتألف من عناصر ثلاثة :
- المفــــرد : وهو الاسم أو الفعل مجرداً من الفاعل أو الحرف.
- شبه الجملة : وهي الظرف أو الجار والمجرور.
- الجملــــــة : وهي الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر أو أداة الشرط مع جملتين وما تفرع عن ذلك، والمراد بالمتفرع : ما تفرع عن الفعل والفاعل، وهو الفعل ونائب الفاعل وما تفرع عن المبتدأ والخبر، وهو الفعل الناقص مع اسمه وخبره، والحرف المشبه بالفعل مع اسمه وخبره، هذا هو المشهور في الكلام وعناصره، يقول الزمخشري : «الكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى، وذلك لا يتأتى إلا في اسمين : كقولك : زيد أخوك وبشر صاحبك، أو فعل واسم نحو : ضرب زيد وانطلق بشر ويسمى جملة» .
وظاهر قوله أن الكلام يرادف الجملة، وقد صرح بعض النحويين أن الجملة هي الكلام، غير أن الجمهور من النحاة يفصلون بينها، فقول طرفة :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لك الطول المرخى، وثنياه باليد.
ينطبق عليه تعريف النحويين للكلام، لأنه يقتضي أن يذكر كله، ليتم المعنى الذي يحسن السكوت عليه، ويقول ابن جني في كتابه الخصائص : «أما الكلام فكل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه... وكل لفظ استقل بنفسه وجنيت منه ثمرة ما فهو كلام» .(ابن جني، الخصائص، ج 1 ، ص :17).
وإذا قال قام محمد، وأخوك جعفر، فهو أيضاً كلام، فإن قلت شارطا : إن قام زيد فردت عليه (إن) رجع الزيادة إلى النقصان فصار قولاً لا كلاماً. لقد تصدى سيبويه في كتابه لدراسة وتحليل جملة من الظواهر، والمسائل النحوية والصرفية والصوتية، ضمن أبواب كثيفة، ناهجاً مسلكاً شائكاً ومضنياَ. إذ من الملحوظ أنه لم يكن يتناول المسألة في باب واحد يعرض فيه لكل حيثياتها، ويناقش جميع القضايا المنبثقة عنها، والمسائل الأخرى التي قد تؤاسرها من قريب أو من بعيد، لكي يحسم فيها وينتقل إلى غيرها. بل ألفيناه يتناول المسألة في باب، ثم يعود إليها مرة أخرى، لكي يناقش جانباً آخر، وهكذا الأمر بالنسبة لسائر أبواب كتابه.
وقد لا نغالي إذا قلنا إن من تجشم البحث في «الكتاب» سار في طريق وعر محفوف بالمزالق، نظراً لكثرة غريبه ومشكله، وتعقيد أبنيته، وندرة المصنفات التي أسهمت في شرح غوامضه، وتفسير أبنيته، وتوضيح مقاصده.
في مستهل «الكتاب» قسم سيبويه (سيبويه 1983، ج 1، ص : 12) الكلم إلى اسم وفعل وحرف قائلاً : «اسم، وفعل، وحرف، جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل، فالاسم : رجل، وفرس، وحائط. وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولم يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع. فأما بناء ما مضى فذهب وسمع ومكث وحمد، وأما بناء ما لم يقع فإنه قولك آمراً : اذهب واقتل واضرب ومخبراً : يقتل ويذهب ويضرب وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت».
ويضيف سيبويه (سيبويه 1983، 1/289) قائلاً : «ولا يجوز أن تقول : ينتهي خيراً له، ولا أأنتهي خيراً لي، لأنك إذا نهيت فأنت تزجيه إلى أمر، وإذا أخبرت أو استفهمت فأنت لست تريد شيئاً من ذلك، إنما تعلم خبراً أو تسترشد مخبراً...» .
مفاد هذا أن المتكلم حين ينهى المخاطب على فعل شيء ما فإنه يتوخى من ذلك إقدام المخاطب على فعل شيء آخر، أي أنه ينهاه عن المرغوب عنه، ويأمره ضمنياً بالمرغوب فيه. وفرق بين فعل يتوقف تحقق مدلوله على تحقق الفعل السابق، وبين فعل لا يتوقف تحقق مدلوله على تحقق الفعل السابق. بمعنى أن حالة الجزم والرفع تابعتان للأهداف التخاطبية المتوخاة.
ومن ثم فإن الدرس النحوي في كتاب سيبويه يرتكز على عنصر المتكلم باعتباره متكلماً مثالياً أو يروم أن يحذو حذو المتكلم المثالي. إذ يقول في هذا الصدد : «أول الكلام أبداً النداء، والمنادى مختص من بين أمته لأمرك أو نهيك أو خبرك : وذلك لأن النداء عند سيبويه تنبيه يوقعه المتكلم ليعطف به المخاطب عليه، فأول الكلام أبداً النداء، إلا أن تدعه استغناء بإقبال المخاطب عليك» (الكتاب، ج 2، ص : 208).
وقد نجد في الكتاب ما يؤكد هذا المعنى ويرسخه، من مثل اعتبار سيبويه المنادى مختصاً من بين أمته لأمرك ونهيك أو خبرك . (الكتاب، ج 2، ص : 231).
فالكلام خبر وأمر ونهي، والنداء تخصيص لمن قد يكون معنياً بذلك الكلام سواء كان خبراً أو أمراً أو نهياً.
فالنداء عند سيبويه بمنزلة حرف للخطاب، وهو صوت للتنبيه، وهو إما أن يفيد تخصيص المخاطب بالكلام الذي يأتي بعد التنبيه لجعله معنياً به دون غيره، وإما أن يفيد توكيد المخاطب في حال كون المخاطب يعلم أنه المعني بالكلام ولكن في ندائه زيادة تنبيه وتوكيد وإثارة، وربما كان ذلك رغبة من المتكلم في إقناع المخاطب بما سيعلمه به من كلام.
ظل مفهوم الإسناد بعد سيبويه من المفاهيم الأساسية في النظرية اللغوية العربية، لذلك اعتبر النحاة الإسناد شرطاً من شروط الكلام فالاسم مع الاسم أو الاسم مع الفعل يكون كلاماً لكون أحدهما مسنداً والآخر مسنداً إليه (همع الهوامع، 1، 33)، والإسناد هو الذي يحصل به المعنى المفيد الذي يحسن السكوت عليه، وهو المقصود بالكلام «فاللفظة الواحدة من الاسم والفعل لا تفيد شيئاً، وإذا قرنتها بما يصلح حدث معنى واستغنى الكلام» (المقتضب IV، 126).
وخلاصة هذا أن النحاة انتبهوا إلى :
- أن الإسناد معنى أول ورابطة مجردة لا بد لها من طرفين مسند ومسند إليه، وهي رابطة تكون على وجه الإنشاء أو الإخبار.
- إن الإسناد في الجملة الخبرية وفي الجملة الإنشائية إسنادان :
أ- إسناد إلى المتكلم المخبر أو المستفهم أو الآمر، وهو إسناد يكون صريحاً أو ضمنياً.
ب- إسناد إلى المخبر عنه، أو المستفهم عنه أو المأمور ويكون لكل من المسند إليه المستفهم عنه أو المأمور أو المخبر عنه، مظهراً أو مضمراً.
إن المستقرئ لكتب النحو ليجد أن النحاة لم يفردوا باباً خاصاً يدرسون فيه التواصل اللغوي، وأن ما كان من ذلك فتركيبي أو صرفي، وآراؤهم في موضوع التواصل متفرقة في بعض أبوابي النحو.
ويرجع السبب في واقع الأمر إلى أن الاهتمام بهذا الجانب هو اهتمام بالمعاني التي غالباً ما تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمرجع والسياق وظروف المتكلم النفسية والاجتماعية.. وهذه الأمور متغيرات يصعب ضبطها. والمستويان الصرفي والتركيبي لا يكفيان لدراسة هذا الجانب.
إلا أن هذا لا يعني الغياب التام لاهتمام النحاة بهذا الجانب أثناء تحليلهم. فغالباً ما يلجؤون إلى الاستعانة بالسياق أو قصد المتكلم... لتفسير بعض الظواهر التي تستعصي على التركيب، فالمسألة مسألة أسبقية فقط.
يتبدى من المقاربة النحوية للظاهرة التواصلية، إمعان المبحث النحوي في التقعيد لها، وفي رصد «خصائصها البنيوية» غير أن هذا لا ينفي نزوع النموذج السيبويهي إلى الانشغال بالخصائص الوظيفية ومحاولته الربط بين البنية اللفظية للعبارة اللغوية وبين الهدف التواصلي الذي يؤمه المتكلم.
ب- الــمــقــاربــة البــلاغــيــة :
إذا أردنا أن نرصد تجاوز الخطاب البلاغي للخطاب النحوي، فلربما أوقفتنا مسألة هامة جداً، تتمثل في اضطلاع هذا المجال إلى جانب علم الأصول، بمعالجة الترابط القائم بين الخصائص التداولية والخصائص الصورية ومثل هذه المقاربة يجسدها كتابي دلائل الإعجاز للجرجاني ومفتاح العلوم للسكاكي.
لقد انطلق البلاغيون القدماء في دراستهم للغة من ربط الخصائص الصورية للغة بالأغراض والمقاصد المستهدفة إنجازها عن طريق استعمال اللغة. ينقسم الكلام عند البلاغيين قسمين اثنين : خبر وإنشاء. يقول القزويني «ووجه الحصر أن الكلام إما خبر أو إنشاء» (القزويني، تلخيص المفتاح، ج 1، ص : 163).
ولكي لا ننزاح عن الخطة التي رسمناها لأنفسنا في مقدمة هذه المقاربة، تقوم نظرية النظم عند الجرجاني على المبادئ التالية :
- التعالق الحاصل بين مكونات الجملة تعالق نحوي – بلاغي.
- اللفظ تابع للمعنى، ويعكس ترتيبه في النطق ترتيب المعاني في النفس.
- النظم هو تعليق الكلام بعضه ببعض. والتعلق إما أن يكون تعلق اسم باسم أو اسم بفعل، أو تعلق حرف بهما، ويشمل هذا الأخير ثلاثة أضرب :
* توسط الحرف بين الفعل والاسم، كما هو الحال بالنسبة لحروف الجر.
* الضرب الثاني من تعلق الحرف بما يتعلق به العطف : هو أن يدخل الثاني في عمل العامل في الأول مثل جاءني زيد وعمرو.
* تعلق الحرف بمجموع الجملة كتعلق حرف النفي والاستفهام، والشرط والجزاء بما يدخل عليه. يقول الجرجاني (الجرجاني 1969/46) «معنى ذلك أنك إذا قلت : ما خرج زيد، وما زيد خارج، لم يكن النفي الواقع بها متناولاً الخروج على الإطلاق بل الخروج واقعاً، من زيد، ومسنداً إليه ولا يغرنك قولنا في نحو «لا رجل في الدار» أنها لنفي الجنس، فإن المعنى في ذلك أنها لنفي الكينونة في الدار عن الجنس [...] وإذا قلت : هل خرج زيد؟ لم تكن قد استفهمت عن الخروج مطلقاً، ولكن عنه واقعاً من زيد...» .
- يقوم النحو بدور مركزي إذ إن قواعده تعد الأداة الرابطة لبين المتضمنة للغرض من الكلام وبين البنية اللفظية.
يقول الجرجاني (1969/117) : «واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء منها» .
- تحظى الخصائص المرتبطة بالغرض من الكلام بالأولوية قياساً إلى الخصائص المرتبطة باللفظ، وبالنية اللفظية للجملة أو الخطاب.
يقول الجرجاني (1969/138)... «قد يكون من أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه، ولا يبالون من أوقعه، كمثيل ما يعلم من حالهم في حال الخارجي يخرج فيعبث ويفسد ويكثر به الأذى، أنهم يريدون قتله، ولا يبالون، من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء، فإذا قتل وأراد مريد الإخبار بذلك، فإنه يقدم ذكر الخارجي فيقول : قتل الخارجي زيد، ولا يقول : قتل زيد الخارجي، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له زيد جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم، ويعلم من حالهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه متى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد، وإنهم قد كفوا شره، وتخلصوا منه» .
- إن جل المزايا التي كان يعتقد أنها من حيز اللفظ، برهن الجرجاني وبالحجة القارعة على أنها من حيز المعنى، يقول في هذا الصدد (الجرجاني 1969/103) : «لما كانت المعاني إنما تتبين بالألفاظ، وكان لا سبيل للمرتب لها، والجامع شملها، إلى أن يعلمك ما صنع في ترتيبها بفكره، إلا بترتيب الألفاظ في نقطه، تجوزا فكنوا عن ترتيب المعاني بترتيب الألفاظ ثم بالألفاظ بحذف الترتيب ثم اتبعوا ذلك من الوصف والنعت، ما أبان الغرض وكشف عن المراد، كقولهم «لفظ متمكن» يريدون أنه بموافقة معناه لمعنى ما يليه كالشيء الحاصل في مكان صالح يطمئن فيه، ولفظ «قلق ناب» يريدون أنه من أجل أن معناه غير موافق لما يليه كالحاصل في مكان لا يصلح له، فهو لا يستطيع الطمأنينة فيه، إلى سائر ما يجيء صفة في صفة اللفظ مما يعلم أنه مستعار له من معناه وأنهم نحلوه إياه بسبب مضمونه ومؤداه» .
- تستمد الألفاظ مزاياها من قدرتها على تأدية المعاني المروم إيصالها، والأغراض والمقاصد التي يؤمها المتكلم، من إخبار، وأمر ونهي واستخبار وتعجب وهي معان لا تؤدى إلا بضم كلمة إلى كلمة وأخذ الكلام بعضه بناصية البعض.
يقول الجرجاني موضحاً الكلام السابق (الجرجاني 1969/89) : «وهل تشك إذا فكرت في قوله تعالى : ﴿وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين﴾ فتجلى لك منها الإعجاز، وبهرك الذي ترى وتسمع، أنك لم تجد ما وجدت من المزية الظاهرة والفضيلة القاهرة إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض، وأن لم يعرض لها الحسن والشرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة؟ وهكذا إلى أن تستقر بها إلى آخرها، وأن الفضل تناتج بينها، وحصل مجموعها...» .
- الغرض من الكلام إما أن يستفاد من دلالة اللفظ نفسها، أو من دلالة ثانية للفظ تستنتج على سبيل الاستدلال. تبعاً لذلك يميز الجرجاني (الجرجاني 1969/262 – 263) بين المعنى ومعنى المعنى ومدار هذا الأخير على الكناية والاستعارة والتمثيل مثل : هو كثير رماد القدر أو طويل النجاد يقول في هذا الصدد : «فإنك في جميع ذلك لا تفيد غرضك الذي تعني من مجرد اللفظ ولكن يدل الفظ على معناه الذي يوجبه ظاهره، ثم يعقل السامع من ذلك المعنى على سبيل الاستدلال معنى ثانياَ هو غرضك، كمعرفتك من كثير رماد القدر أنه مضياف، ومن طويل النجاد أنه طويل القامة...» .
تلك كانت خطاطة لمجمل ما يمكن استنباطه من مفهوم «النظم» نظم الكلم الذي يشبهه الجرجاني بالصياغة والنقش ويؤاسر بينها أنها تقوم على التناسق والتلاؤم والتلاقي.
وفي نفس الإطار – أي المقاربة اللغوية العربية القديمة في جانبها البلاغي – يمكن القول إنها كانت تطمح إلى الكفاية النفسية، إذا كانت تأخذ بعين الاعتبار أثناء عملية التحليل اللغوي، العلاقة القائمة بين بنية اللغة وبين وظيفتها التواصلية، وذلك باستحضار العناصر المشكلة للموقف التواصلي من متكلم ومخاطب وظروف إنتاج، إلا أن أورد مثال في هذا الباب ما ذهب إليه الجرجاني في دلائله يعزو نظم الكلم إلى ترتيب المعاني في النفس أما الألفاظ فينطق بها على حذو ما هو كامن ومرتب من المعاني في النفس يقول الجرجاني في هذا الصدد : (الجرجاني 1969/95) : «إن الألفاظ إذا كانت أوعية للمعاني فإنها لا محالة تتبع المعاني في مواقعها، فإذا وجب لمعنى أن يكون أولاً في النفس، وجب للفظ الدال عليه أن يكون مثله أولاً في النطق، فأما أن تتصور في الألفاظ أن تكون المقصودة قبل المعاني بالنظم والترتيب، وأن يكون الفكر في النظم الذي يتواصفه البلغاء فكراً في نظم الألفاظ أو أن تحتاج بعد ترتيب المعاني إلى فكر تستأنفه لأن تجيء بالألفاظ على نسقها، فباطل من الظن ووهم يتخيل إلى من لا يوفي النظر حقه» .
يستفاد مما سبق أن أعمال الفكر يكون المعاني دون الألفاظ، إذ إن هذه الأخيرة تنساب على ألسنة مستعملي اللغة بنفس المقدار ومرفوقة بنفس الإحساس. ومن ثمة فما يستعان عليه بالفكر هو نظم المعاني وليس نظم الألفاظ، وما يلتبس به الفكر هو الذي تحدث فيه الصنعة، وتقع فيه الصياغة والنظم، وهكذا، فإن موقع اللفظ في الكلام تابع للعملية الذهنية التي يقوم بها المتكلم والمتمثلة في ترتيب المعاني ونظمها، ويضيف الجرجاني (1969/96) قائلاً : «... وإنك إذا فرغت عن ترتيب المعاني في نفسك لم تحتج إلى أن تستأنف فكراً في ترتيب الألفاظ، بل تجدها تترتب لك، بحكم أنها خدم للمعاني وتابعة لها، ولاحقة بها، وأن العلم بمواقع المعاني في النفس، علم بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق».
وإذا كان المتكلم يتوسل بفكره في إنتاج الخطاب اللغوي، فإن المخاطب يفهم ما يلقى إليه، عن طريق النظر بالقلب والاستعانة بالفكر، وإعمال الروية والعقل فيدرك أن كل مزية من المزايا التي ينعت بها الكلام يكون حيزها المعاني دون الألفاظ انطلاقاً من أن المعنى يشكل مجموع الوسائط التي تتفاعل في تحديد البنية اللفظية للجملة.
ويؤيد هذا الزعم أن معظم اللغويين العرب القدماء (كالجرجاني والسكاكي وغيرهما) يربطون اللغة – أثناء تعريفها – بالغرض من استعمالها ويجعلون هذا الغرض أو الأغراض أساس كل كلام : «وجملة الأمر – يقول الجرجاني – أن الخبر وجميع الكلام معان ينشئها الإنسان في نفسه، ويصرفها في فكره، ويناجي بها قلبه، ويراجع فيها عقله، وتوصف بأنها مقاصد وأغراض» (الجرجاني، دلائل الإعجاز : 528).
ويرى عبد القاهر أن اللغة تقوم بنية الإخبار والقصد لأن الناس ينطقون ويتكلمون ليخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد ويروموا «أن يعلموهم ما في نفوسهم ويكشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم» (الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص : 35).

ولهذا اعتبر الجرجاني أن ميزة الكلام أو الكلمة سواء على المستوى التواصلي أو الجمالي، لا يتصور حصولها إلا من بعد أن تقدم كلها، وينقضي أمر النطق بها : (الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص : 313).
فالرابط الأساسي والقطب المحوري في أي عملية كلامية هو العقل أو المستوى العقلي الذي يعطي للكلام ترتيبه اللائق وصورته المقبولة، التي تبدأ في نفس المتكلم وتنتهي إلى ذهن السامع، فيتم عندها الاتصال اللغوي، بما فيه من إفادة واستفادة حسب العرف اللغوي والعقد الاجتماعي حيث «لن يتصور في الألفاظ وجوب تقديم وتأخير، وتخصيص في ترتيب وتنزيل، وعلى ذلك وضعت المراتب والمنازل في الجمل المركبة، وأقسام الكلام المدونة، فقيل : من حق هذا أن يسبق ذلك ومن حكم هاهنا أن يقع هنالك، كما قيل في المبتدأ والخبر والمفعول والفاعل، حتى حضر في جنس من الكلام بعينه أن يقع إلا سابقاً، وفي آخر أن يوجد إلا مبنياً على غيره وبه لاحقاً، كقولنا : إن الاستفهام له صدر الكلام، وأن الصفة لا تتقدم على الموصوف إلا أن تزال عن الوصفية – إلى غيرها من الأحكام» (الجرجاني، أسرار البلاغة، ص : 4).
ويبدو أن الجرجاني برأيه هذا اقترب كثيراً من حقيقة اللغة، وذلك حين اهتدى إلى محاور اللغة الأساسية في التواصل والإخبار، والتي تقوم على ركن أساسي وهو الخبر والذي يتفرع بدوره إلى فروع وأجزاء تعتبر المحرك الأساسي لكل إنجاز لغوي في جميع اللغات البشرية دون استثناء، وأما مل يظهر من غايات الخطاب أو الأداء اللغوي فليس إلا فروعاً تنحدر عن الخبر وتنزاح لدائرة الإثبات أو النفي.

ويمكن أن ننوه بوعي عبد القاهر اللغوي كثيراً حيث ناقش بذكاء عناصر الأداء اللغوي في تكامل دون أن يخل ببعضها، إذا اشترط وجوب مراعاة السياق التواصلي أو المقام الذي أفرز هذا الخطاب أو ذاك، ولاحظ بدقة أهمية هذا العنصر – المقام – حين نقف عند نماذج معينة من الخطاب كقولنا : «صالح» في جواب من يسأل كيف زيد؟ إذ أن كلمة «صالح» لوحدها لا يمكن أن تفيد إلا إذا راعينا سياقها التواصلي، كيف والكلم لا يفيد إلا مؤلفاً لا مفرداً. والسياق التواصلي نفسه هو الذي ينبئ بوجود مضمر، وجملة مقدرة هي «هو صالح».
ويزجى بنا هذا إلى بلاغي آخر عد مصنفه «مفتاح العلوم» بنية كاملة وشاملة لجميع مستويات التحليل اللغوي ونريد به السكاكي وما أسماه «بنظرية الأدب».
نحا السكاكي في مصنفه منحى يتوخى الدقة والشمول، تبلور فيما أسماه «بعلم الأدب» ضمنه مكونات يضطلع بعضها بالكشف عن البنيات الداخلية للعبارات اللغوية، ويتكفل البعض الآخر بوصف الأغراض الكلامية المنجزة عند إنتاج تلك العبارات، انطلاقاً من أن الكلام لا يعدو أن يكون مفرداً أو مركباً، وأن المركب، يفترض فيه أن يكون مطابقاً لمقتضى الحال أي لما يجب أن يتكلم له، على تعبير السكاكي . (السكاكي 1983 : 7 – 8).
وبدا إدراج البعد التداولي في الوصف اللغوي بشكل واضح وصريح لدى البلاغيين وفي طليعتهم : السكاكي الذي ضمن مصنفه «المفتاح» جميع مستويات التحليل اللغوي، إذ كان يروم بناء نموذج يمكن وصفه بموازاة النظريات التداولية الحديثة، فالمتمعن في «مفتاح العلوم» يخلص إلى أن صاحبه يسلم بالارتباط الوثيق بين اللغة وبين وظيفتها التواصلية، ويعتقد أن المتكلم – المخاطب العربي يعرف لغته، ويعرف العوامل الثقافية – الاجتماعية التي تتفاعل وهذه اللغة، أي يختزن القواعد اللغوية الصرف، وتتوافر لديه قدرة تبليغية يقول السكاكي (1983/323 إلى 326) في باب البناء : «واعلم أن الطلب كثيراً ما يخرج لا على مقتضى الظاهر، وكذلك الخبر، فيذكر أحدهما في موضع الآخر [...] والجهات المحسنة لاستعمال الخبر في موضع الطلب تكثر إثارة تكون قصد التفاؤل بالوقوع، كما إذا قيل لك في مقام الدعاء : أعذك الله من الشبهة، وعصمك من الحيرة، ووفقك للتقوى. ليتفاءل بلفظ المضي على عدها من الأمور الحاصلة التي حقها الإخبار عنها بأفعال ماضية [...] وتارة لقصد الكناية كقول العبد للمولى إذا حول عنه الوجه ينظر إلي المولى ساعة ووجه حسنه : أما نفس الكناية، إن شئت وإما الاحتراز عن صورة الأمر، وإما هما. وتارة لحمل المخاطب على المذكور أبلغ حمل بألطف وجه، كما إذا سمعت من لا تحب أن ينسب إلى الكذب، يقول لك تأتيني غدا، ولا تأتيني وتارة مناسبات أخر، فتأملها، ففيها كثرة. ومن الجهات المحسنة لا يراد الطلب في مقام الخبر إظهار معنى الرضا بوقوع الداخل تحت لفظ الطلب إظهار إلى درجة كأن المرضي مطلوب، قال كثير : «أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة»» .
مفاد هذا أن الطرح الذي تبناه السكاكي يوازي الطروح التداولية أو الوظيفية الحديثة ذلك أن المعنى المقامي للعبارة اللغوية يتحكم في بنائها وصياغتها. وبذلك يكون قد تجاوز مستوى تحليل العلاقات بين الكلمات داخل الجملة أو الخطاب، ومستوى التصدي للعلاقات القائمة بين الكلمات ومعانيها، إلى مستوى رصد العلاقات بين الكلمات ومستعمليها، ومن الملحوظ أن حرص السكاكي على استحضار الحالة النفسية للمشاركين في عملية التواصل اللغوي، لا يمكن أن يفسر إلا بكون الأولوية في التحليل اللغوي تمنح للتحليل التداولي وأورد مثال في هذا الشأن العبارة التي وجهها العبد إلى المولى قائلاً : ينظر إلي المولى ساعة.
وتحتمل تأويلين دلاليين اثنين : الكناية عن استدرار الرضى ويصدر الأمر من الأدنى (العبد) تلك حالة من الحالات التي يستحسن فيها استعمال الخبر مكان الطلب، وقد أتى السكاكي على ذكرها بموازاة الحالات التي ينوب فيها الطلب عن الخبر لأغراض كلامية محددة، الشيء الذي ينهض حجة على أن السكاكي ينتمي إلى الفريق الذي يذهب إلى إمكان مجاوزة ثنائية : خبر / إنشاء أو خبر / طلب.
وهكذا ارتأينا أن تصاغ بنية النحو في نموذج السكاكي لاعتبارها بنية ثلاثية التكوين على النحو التالي :
- المكون الصوتي الصرفي المعجمي وهو مستوى تنجز فيه العبارة اللغوية فعلاً تعبيرياً صوتياً صرفياً معجمياً أي المفرد.
- المكون التركيبي الدلالي وهو مستوى تنجز فيه العبارة اللغوية فعلاً تعبيرياً قضوياً، أي المركب.
- المكون التداولي وهو مستوى تنجز فيه العبارة فعلاً غرضياً تأثيرياً أي مطابقة المركب لما يجب أن يتكلم له.
ومن ثمة كان مبحث «علم المعاني» مبحثاً بارزاً مهتماً بهاته القضايا من طرف البلاغيين، فهو علم يعني بتمحيص تراكيب الكلام العربي المبين وما تلحقه من صور تضفي عليه معاني أخرى مناسبة لسياق الكلام وتتماشى ونفسية المستمع. إنه العلم الذي «يتتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليها من الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضيه الحال ذكره» كما يقول السكاكي (السكاكي، مفتــاح العلـــوم، ص : 161).
وقد تفطن العرب القدماء لتعدد الأساليب حسب المقامات التواصلية، فوقفوا على أبرز المقامات التي تفعل في إنجاز الفعل التواصلي. يقول السكاكي : «لا يخفى عليك أن مقامات الكلام متفاوتة، فمقام التشكر يباين مقام الشكاية، ومقام التهنئة يباين مقام التعزية، ومقام المدح يباين مقام الذم، ومقام الترغيب يباين مقام الترهيب، ومقام الجد في جميع ذلك يباين مقام الهزل... وكذا مقام الكلام مع الذكي يغاير مقام الكلام مع الغبي. ولكل من ذلك مقتضى غير مقتضى الآخر...» (السكاكي، مفتاح العلوم، ص : 168 – 169).
ج- المقاربة الأصولية : لمحة عن الجهاز المفاهيمي الأصولي :
يطالعنا بعد المجال البلاغي، المجال الأصولي، فيتبدى لنا النمير الذي هو شفاء العليل، إذ يزخر بطروح هامة جداً، تخض ظاهرة التواصل اللغوي، وتميط اللثام عن جوانب لم يلتفت إليها المبحثان النحوي والبلاغي، تستقى من مصنـفات ذات مشارب متباينة، مثل المستصفى للغزالي والأحكام للآمدي والموافقات للشاطبي، يؤاسر بينها تصديها لقضايا المعنى وضروب الإفادة المتعلقة بالنص القرآني. لقد فطن الأصوليون إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية، وأنها تؤدي دوراً هاماً في حياة المجتمع، وقد نشأت تلبية لحاجات الإنسان في حياته الاجتماعية، وهو ما اعتادوا أن يعبروا عنه بسبب الوضع، «فسبب وضع اللغة أن الإنسان مدني بالطبع أي لا بد في بقائه من التمدن أي اجتماعه مع بني النوع، إذ هو لا يستقل بما يحتاج إليه في معاشه من الغداء واللباس والمسكن والسلاح إبقاء للبدن وصوناً له عن الحر والبرد، والاعتداء من السباع، بل لا يتحقق إلا بالتعارف والتعاون، ولم يكن بد في ذلك من تعريف بعضهم بعضاً ما في ضمائرهم، وكان المفيد لذلك اللفظ أو الإشارة... وكان اللفظ أفيد من الإشارة» . (ظاهر سليمان حمودة، دراسة المعنى عند الأصوليون، ص : 225).
تلتقي هذه العبارات مع الكثير مما أقروا به، إذ جميعهم يذهب إلى اعتبار اللغة الوسيلة المناسبة للتعريف بما في الضمير، أي التعبير عما في النفس مما يحتاج إليه الإنسان في معاشه لغيره حتى يعاونه عليه لعدم استقلاله به ومما تنبه إليه الأصوليون أيضاً، أن اللغة نظام من العلامات والرموز وأنها أرقى من غيرها وأقدر على تلبية حاجيات المجتمع، إذ التعارف والتعاون بين أبناء المجتمع لا يتم إلا بأسباب : كحركات أو إشارات أو نقوش أو ألفاظ توضع بإزاء المقاصد، وأيسرها وأعمها الألفاظ . (ظاهر سليمان، ص : 38). فأما إيثارهم اللفظ عن الإشارة للتعبير عما يعنى في الخاطر، فلأن محل الحاجة إما أن يكون حاضراً أو غائباً. فإن كان حاضراً أمكنت الإشارة إليه، وإن كان غائباً فلا بد من اللفظ للدلالة على المقصود والغرض فوضعوا الكلام دلالة ووجدوا اللسان أسرع الأعضاء حركة وقبولاً للترداد . (ظاهر سليمان، ص : 36).
استناداً إلى ما سبق، تتبين كيفية تصور الأصوليين لوظيفة اللغة والتي تعتبر في جوهرها أداة للتواصل الملزوم عن ضرورة التجاور والاجتماع إذ ما يختص به الإنسان هذه الضرورة الداعية إلى الإعلام والاستعلام لضرورة داعية إلى الأخذ والإعطاء.
إن وجود اللغة إذن، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بغاية الإعلام والاستعلام ومن هذا المنطلق، لم تكن اللغة لتوجد لذاتها وإلا كانت غاية في نفسها، وأن سبب وجودها إنما ناتج عن ضرورة استرفاد المعاونة من الشريك وهي بحكم هذه الوظيفة تعتبر سلوكاً خاصاً بنوع من الكائنات الحية، ويشغل هذا الجانب حيزاً هامً داخل المصنفات الأصولية، بل إن الغزالي (الغزالي 1971/14 – 15) يدرج دلالة الأدلة ضمن الأقطاب الأربعة التي يقوم عليها علم الأصول وهي ما أسماه : ثمرة، ومثمرة، ومستثمرة، وطريق الاستثمار، يريد بهذا الأخير وجوه دلالة الأدلة، ويصنفها إلى أربعة أصناف :
- دلالة بالمنظوم.
- دلالة بالمفهوم.
دلالة بالضرورة والاقتضاء.
دلالة بالمعنى المعقول.
يقول الغزالي (1971/16-17) في تعريف كل صنف على حدة : «... الأولى دلالة اللفظ من حيث صيغة، وبه يتعلق النظر في صيغة الأمر والنهي، والعموم والخصوص، والظاهر والمؤول والنص، والنظر في كتاب الأوامر والنواهي والعموم والخصوص، نظر في مقتضى الصيغ اللغوية، وأما الدلالة من حيث الفحوى والمفهوم فيشتمل عليه كتاب المفهوم ودليل الخطاب، وأما الدلالة من حيث ضرورة اللفظ واقتضاؤه فيتضمن جملة من إشارات الألفاظ كقول القائل : أعتق عبدك عني، فتقول : أعتقت، فإنه يضمن حصول الملك للملتمس ولم يتلفظا به لكنه من ضرورة ملفوظهما ومقتضاه وأما الدلالة من حيث معقول اللفظ، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم : ﴿لا يقضي القاضي وهو غضبان، فإنه يدل على الجائع والمريض والحاقن بمعقول معناه ومنه ينشأ القياس وينجز إلى بيان جميع أحكام القياس وأقسامه﴾» .
وعرف السيوطي (السيوطي، الإتقان في علوم القرآن : 2/31) المنطوق بأنه «ما دل عليه اللفظ في محل النطق».
مؤدى هذا أن الدلالة الخطابية، تشكل بؤرة اهتمام الأصوليين، وتحتضن ظواهر من قبيل «الإحالة» أو «تنظيم النص» وغيرها.
هذا عن التقابل : منطوق / مفهوم، أما في إطار التقابل : خبر / إنشاء فألفينا الأصوليين يستعيضون عن هذا التقابل بوضعهم الخبر في مقابل الأمر والنهي والاستخبار والوعد.
يقول الغزالي (الغزالي 1971/156) في تعريف الخبر «وحده أنه القول الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب، أو هو القول الذي يدخله الصدق أو الكذب، وهو أولى من قولهم : يدخله الصدق والكذب إذ الخبر الواحد لا يدخله كلاهما، بل كلام الله تعالى لا يدخله الكذب أصلاً، والخبر عن المحالات لا يدخله الصدق أصلاً. والخبر قسم من أقسام الكلام القائم بالنفس، وأما العبارة فهي الأصوات المقطعة التي صيغتها مثل قول القائل : زيد قائم وضارب، وهذا ليس خبراً لذاته، بل يصير خبراً بقصد القاصد إلى التعبير به عما في النفس، ولهذا إذ صدر من نائم أو مغلوب لم يكن خبراً. أما كلام النفس، فهو خبر لذاته وجنسه إذا وجده يتغير بقصد القاصد...» .
يسوق الآمدي (الآمدي 1968 : 1 /215 – 216) للخبر التعريف التالي : «الخبر عبارة عن اللفظ الدال بالوضع على نسبة معلوم إلى معلوم، أو سلبها على وجهه يحسن السكوت عليه من غير حاجة إلى تمام مع قصد المتكلم به الدلالة على النسبة أو سلبها» .
يستفاد من كلام الآمدي، أن مفهوم «لفظ» استعمل بمعناه الواسع، وأن الخبر لا يعدو أن يكون نسبة إلا إيجاباً أو سلباً.
وفي نفس السياق يقول السيوطي : «الكلام إن أفاد بالوضع طلباً فلا يخلو إما أن يكون بطلب ذكر الماهية، أو تحصيلها أو الكف عنها، والأول الاستفهام والثاني الأمر، والثالث النهي، وإن لم يفد طلباً بالوضع فإن لم يحتمل الصدق والكذب، سمي تنبيهاً وإنشاء لأنك نبهت به على مقصودك، وأنشأته أي ابتكرته من غير أن يكون موجوداً في الخارج، سواء أفاد طلب باللازم كالتمني والترجي والنداء والقسم، أم لا كأنتِ طالق، وإن احتملهما من حيث هو فهو خبر». (السيوطي، الإتقان : 2 / 76).
تقتضي المخاطبة أن يكون الخطاب مفيداً، مبنياً، ومفهوماً، ذلك أن ما لا فائدة فيه لا تحسن المخاطبة به لكونه لغواً، كما تستوجب أن يكون المخاطب حاضراً، أهلاً للخطاب، بمعنى أن يكون عاقلاً، بالغاً، ومميزاً.
ونسوق نصاً للشاطبي (1975 : 3 / 153) يعكس انفتاح علة الأصول على مختلف العلوم أو ما يسمى العلوم الوسائل، ويكشف اهتمام الأصوليين بالمعنى أكثر من الصيغة، وعن إيمانهم بجدوى إدراج السياق المقامي في تحديد المعنى الشامل للعبارات اللغوية، يقول :
«وأيضاً فالأوامر والنواهي من جهة اللفظ على تساو في دلالة الاقتضاء والتفرقة بين ما هو منهما أمر وجوب أو ندب، وما هو نهي تحريم أو كراهة لا تعلم من النصوص، وإن علم منها بعض فالأكثر منها غير معلوم، وما حصل لنا الفرق بينها إلا بإتباع المعاني، والنظر إلى المصالح، وفي أي مرتبة تقع؟ وبالاستقراء المعنوي، ولم نستند فيه لمجرد الصيغة وإلا لزم في الأمر أن لا يكون في الشريعة إلا على قسم واحد، لا على أقسام متعددة، والنهي كذلك، أيضاً، بل نقول : كلام العرب على الإطلاق لا بد فيه من اعتبار معنى المساق في دلالة الصيغ، وإلا صار ضحكة وهزءة، ألا ترى إلى قولهم : فلان أسد أو حمار، أو عظيم الرماد أو جبان الكلب وفلانة بعيدة مهوى القرط، وما لا ينحصر من الأمثلة، لو اعتبر اللفظ بمجرده لم يكن له معنى معقول، فما ظنك بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم» .
وقد ساق الآمدي (الآمدي 1968 : 2 / 209) للمنطوق التعريف التالي : «المنقوط ما فهم من دلالة اللفظ قطعاً في محل النطق» وعرف الطرف الثاني في المقابلة بقوله و«أما المفهوم فهو ما فهم من اللفظ في غير محل النطق».
ويضيف الآمدي (1968 : 2 / 153) قائلاً «والمنطوق أقوى في دلالته من المفهوم، لافتقار المفهوم في دلالته إلى المنطوق، وعدم افتقار المنطوق في دلالته إلى المفهوم» .
وشكل وصف الترابط القائم بين أنماط التراكيب وما يطابقها من طبقات مقامية، هاجساً لدى الأصوليين الذين أجمعوا على أن موضوع الدراسات اللغوية هو رصد خصائص التراكيب في علاقتها بأنماط المقامات التي يمكن أن تنجز فيها، وبالأغراض التواصلية التي يمكن أن تستعمل لتحقيقها.
آن لنا الآن وقبل فوات الأوان، أن نختم الحديث عن المبحث الأصولي المتعلق بالتواصل اللغوي، بإيراد قولة للآمدي (الآمدي 1968 : 2 / 143) تختزل الأطروحة الأصولية : «إن دلالات الألفاظ على المعاني ليست لذواتها، وإلا كانت دالة عليها قبل المواضعة، وإنما دلالتها تابعة لمقصد المتكلم وإرادته» .

خـــلاصـــات واسـتــنــتــاجـــات :
إن السبب الذي دعانا إلى تناول اهتمامات النحاة والبلاغيين والأصوليين، كل واحد على حدة، مرده إلى أن هدفهم لم يكن واحداً، وإن كانت الظاهرة المدروسة واحدة. والمفاهيم الإجرائية في بعض الأحيان واحدة. فالنحاة شغلوا بدراسة مكونات الجملة، والعلاقات التي تربط بين هذه المكونات وعندما وصلوا إلى مستوى الجملة التامة فرقوا بين الجمل التي لها محل من الإعراب والجمل التي لا محل لها. كل هذا تم في إطار إعرابي محض. فلم نجد كلاماً عن المتكلم والسامع، وأحوالهما، ولا عن السياق المقامي وزمكان التلفظ... إلا نادراً.
أما البلاغيون خصوصا في باب المعاني، فقد نبهوا إلى ضرورة مراعاة عدة عناصر في تحليل الظاهرة اللغوية، لأن هذه العناصر تسهم جميعها في تحقيق التواصل التام. فهناك :
أ- الاهتمام بالمعنى. والمعنى كما هو معلوم، ينقسم إلى أربعة أقسام :

القضية، أو المحتوى القضوي الذي تحمله صيغة الجملة، والمعنى المقصود، هما اللذان يدخلان في اهتمام البلاغيين. فأما أن يطابق المعنى المقصود معنى الصيغة، وفي هذه الحالة لا يحتاج السامع إلى كبير عناء للوقوف على قصد المتكلم، اللهم إلا إلى القدر الكافي لفهم عبارته. وإما ألا يطابق المعنى المقصود معنى الصيغة، فتصبح البنية عاجزة على مساعدة المستمع في فهم المتكلم، بالرغم من توفرها على شروط الصحة الدلالية والنحوية، فيلجأ إلى عمليات ذهنية وإلى التواضع، محاولة منه الاقتراب من قصد المتكلم، عندما يتضح أنه يقصد شيئاً لا يقوله. وقد قلنا «الاقتراب» ولأن القصد من الكلام هو شيء دقيق وفي الوقت نفسه غامض ومحير. ولا أحد يصل إلى فهم القصد، سوى المتكلم نفسه، خصوصاً عندما يكون ما نقوله غير دال على ما نقصده. والعمليات الذهنية التي يقوم بها المستمع لا تكفي لحل ما عقده المتكلم من رموز، لذا وجب إدخال أشياء أخرى في الحسبان، مثل :
- السياق الذي ينقسم بدوره إلى قسمين اثنين :

السياق اللغوي مثله مثل المعنى الأصلي (الصيغي) ثابت. أما السياق خارج – اللغوي فمتعدد وغير قار، مثله مثل المعنى المقصود. هذا التعدد مرده إلى تعدد استعمالات البنيات التركيبية حسب ما يقتضيه المقام.
- المتكلم : من حيث هو مستعمل للغة ومتصرف فيها، وإما حسب الأصل كاستعمال الاستفهام في الاستفهام مثلا، أو معدولا بها عنه، كاستعمال الاستفهام في الطلب أو الدعاء، أو الخبر موضع الإنشاء... ومن حيث هو متمتع بالقدرة على اختيار البنيات.
- المخاطب من حيث هو مستهلك للغة، وممارس لعملية التأويل والفهم.
كل هذه العناصر وغيرها تلعب دوراً أساسياً في تحديد المعنى المقصود وتقريره.
وأخيراً، تمثل أعمال الأصوليين اللغويين عصارة ما توصل إليه من سبقوهم من نحاة وبلاغيين، بل وفاقت ذلك عندما داولوا الحصول إلى نتائج أو قوانين أو ملاحظات عامة تعتمد في فهم النصوص الشرعية واستنباط الأحكام.
فدراستهم للعلاقة الموجودة بين الألفاظ والمعاني (الشكل والمحتوى) ارتكزت على أخذ المتكلم والمخاطب (المشرع والمكلف) بعين الاعتبار في تقسيم الدلالة. أما المعنى فتابع لقصد المتكلم وإرادته. وعلاقته بالألفاظ لا تتعدى علاقة المعنى بوسيلة من وسائل الدلالة على القصد. حيث إنها ليست جميع الوسائل .
فلمعرفة القصد عند المتكلم (الشارع) لا بد من :
أ‌- الكلام كوسيلة لإيصال المعلومات.
ب‌- ما يقترن به من القرائن الحالية، وحال المتكلم.. وهذه القرائن التي تصاحب الكلام (النص اللغوي) هي الشق الاجتماعي، أو السياق الثقافي والاجتماعي، لذلك كان من الصعب تحديد المعنى تحديداً دقيقاً، نظراً لاعتماده أشياء غير قارة.
ولا شك أن الأصوليين قد أدركوا ما للسياق (المقالي والمقامي) من أهمية، مثلهم مثل البلاغيين والمفسرين، فاشترطوا على الذي يهتم باستخلاص الأحكام الشرعية من القرآن الكريم، أن يكون عارفاً ومتقناً للغة في مستوياتها المختلفة : معجم وصرف ونحو وبلاغة.. وعالماً بغير اللغة : علم نزول القرآن. فهذه أشياء «من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى كما يقول الفقهاء».
وإذا كان البلاغيون قد اهتموا بالسياق، فأدركوا أثره في إجلاء المعنى وتوضيحه، وكيفية تغير معنى العبارة بتغير المقام (لكل مقام مقال)، فإن عنايتهم بالسياق اللفظي تبدو أهم ما عندهم أوضح من الاهتمام بالجانب المقامي (مثلاً نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني).
أما الأصوليون فقد تنبهوا لدور السياقين اللفظي والاجتماعي معاً. حيث أنهم اعتبروا اللغة ظاهرة اجتماعية، وأنها أنشأت لتلعب دوراً اجتماعياً تلبية لحاجات الإنسان.
ولذلك يتضح أن دراسة الأصوليين كانت تمثل أرقى ما وصل إليه التحليل اللغوي العربي. ذلك باعتمادها التحليلين النحوي والبلاغي وإضافتها التحليل السياقي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» مفهوم الاستلزام التخاطبي في الفكر اللساني العربي القديم
» الفكر العربي من عصر النهضة الى عصر الأزمة ومن دوغمائية الفكر الى صدمة الاصلاح تمتع بجولة هادفة على الفكر العربي المعاصر
» الدرس اللساني الحديث والدرس اللغوي العربي القديم اختلاف أم ائتلاف
» التجليات الوظيفية في الدرس اللغوي العربي القديم من خلال بعض الظواهر اللغوية
» المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي : الأصول والامتداد - أحمد المتوكل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللسانيات النظرية :: علم الدلالة والتخاطب (التداولية)-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


التواصل اللغوي في الفكر اللغوي العربي القديم 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
العربي على موقاي الخيام الخطاب اللغة النقد بلال قواعد الأشياء التداولية ظاهرة مجلة اللسانيات البخاري النص النحو المعاصر الحذف مدخل كتاب محمد العربية ننجز اسماعيل مبادئ


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع