بسم الله الرحمن الرحيم
بين العروبة والإسلام
هل هناك أضل من قوم دعوا إلى فصل الطاقة العربية عن طاقة الإسلام ؟ وهل هناك ضلال في الفكر , وخطل في الرأي أكبر من إنشاء قاعدة غير إسلامية للنهضة العربية المعاصرة ؟ .
إن العرب يوم تقاعسوا بالإسلام عن دوره في الحياة خفت صوت الإسلام في العالم شرقا وغربا , ولن يعلو صوت الإسلام إلا إذا تحول إلى حركة ومنهج عملي في عالمنا العربي أولا ( منطلقه الأول) , لتشرق شمس الإسلام من جديد على عالم يعيش ليلا دامسا , وظلاما طامسا .
ومن هنا يبرز الدور المهم للأدب في إعادة تكوين أمتنا على أساس المنهج الإسلامي الحق للحياة , وهذا يحتم على أدبائنا أن يتركوا ما هاموا به من تصورات غريبة ومغايرة لذوقنا الحضاري .
إن دور الأدباء المسلمين يجب أن يتضاعف لإحياء الذوق الإسلامي , وتصويب التصورات الإسلامية ,,إعادتها إلى صفائها الذي كانت عليه يوم نزل الوحي , وبلورة العلاقة الحميمة بين الإسلام والعروبة , وتقزيم الدعوات الهدامة التي تدعو إلى فصم علاقة العربية بالإسلام .
ويجب أن يعلم هؤلاء أن القرآن هو الذي نعيد من خلاله تشكيل عقل الأمة المسلمة, وهو المضمون الأساسي للبيئة العربية على كل مستوياتها الاجتماعية , والسياسية, والاقتصادية , والدولية كذلك .
أما اللغة العربية فهي الأداة , والإطار المبين الذي حمل إلينا الوحي الإلهي , والبيان القرآني بكل ما لتنزيلهما من طاقة بيانية مشرقة , وجلال إلهي مهيب .
وبذلك يمكن أن نرى عمق العلاقة الأبدية التي تربط الإسلام بالعروبة , أو بتعبير العصر العلاقة الجدلية التي تربط الإسلام بالعروبة , وإن كنت لا أحبذ استعمال هذا المصطلح الفلسفي المار كيسي . فالعربي حين يفكر فإن المضمون يجب أن يكون أو يفترض أن يكون قرآنيا , والقرآن حينما يُقرأ إنما يُقرأ بلسان عري مبين .
فأنّا لنا أن نقطع مالا سبيل إلى قطعه , أو نفصم رأس الأمة عن جسدها ؟ !!
ألم تكن أول كلمة أول كلمة توجه إلى النبي في هذا الوحي " اقـــــــــــــــــــــــرأ "
ولم يوجه فعل آخر أو لفظ غير القراءة .....؟ , وكان هذا الكتاب في أشهر أسمائه هو القرآن وهو مصدر القراءة ؟!!! .
وذلك يعني إذا حالفني الحظ الاستنباط أن المعجزة الأساسية لهذا الكتاب تكمن في أصواته , وفي أسلوب تركيب وبناء هذه الأصوات . يقول بن عطية في المحرر الوجيز : " لو نزعت حرفا من القرآن ثم أدرت اللغة من ألفها إلى يائها لتجد ما يسد مسده , فلن تجد "(1). ويعني أيضا أن العربية بحال من الأحوال لغة صوت وسماع , يكمن سر أسرارها في الصوت , وخصائص تراكيبه , وإذا كان المنطق يعمل على " إحالة الآبد إلى حاضر في متناول الفكر , وأن الكلمة المكتوبة أضعف, وأقل قدره على حمل القوة التعبيرية التي تتمتع بها الكلمة المنطوقة, وأن الصورة الشفهية للغة هي الأصل , وهي أقرب إلى الفهم من اللغة المكتوبة"(2)
وأن اللغة العربية اعتمدت عل المشافهة والرواية فترات طويلة من تاريخها , وأن ذلك تُوج يتنزل القران الكريم , فإن ذلك يؤكد ما ادعيته من أن سر أسرار العربية يكمن في نظامها الصوتي , وقدرة هذا السياق الصوتي على الاتساق مع الدلالة , والتعبير عن المعنى , وهذا يؤكد أيضا على أن أي انحراف عن هذه الأصوات العربية هو بالضرورة انحراف عن فهم مضمون القرآن , وهذا ما يجعل الدعوة إلى استعمال الحرف اللاتينية - مثلا - هي دعوى من يهرف بما لا يعرف .
ألم يبدأ سور كثيرة من القرآن بالأحرف المقطعة ؟ التي هي أحرف هذا الكتاب لتدل بشكل قاطع ألا سبيل إلى تبديلها , أو استبدالها بأصوات اللهجات العامية التي جد الملأ من آل فرعون في وضع قواعدها , وحد حدودها , وتقنين شرائعها , ذلك أن الله علم المداخل التي يحاول الأعداء التسلل منها للقضاء على الإسلام من خلال القضاء على اللغة العربية , وقطع العلاقة بين العربية (أداة الفهم ) والإسلام ( مضمون العربية ) .
فكانت الدعوة إلى العامية التي جاءت على صفحات المقتطف سنة (1881) بإيعاز من الإنجليز , ثم تقعيد اللهجة القاهرية على يد ولمور سنة (1902) , ثم دعوة وليم ولكوكس إلى هجر العربية سنة (1926) , وبعدها جاءت الدعوات صريحة على ألسنة أبناء جلدتنا : سلامة موسى النصراني , وقاسم أمين , ولطفي السيد , وجاءت دعوة أخرى متأخرة باستبدال الحروف العربية بحروف لاتينية , وكان آنذاك عضوا بمجمع اللغة العربية فشغل المجمع ما يقرب من ثلاث سنوات بهذه الدعوة الخبيثة .
وكان التعلل والأسباب التي أبداها هؤلاء إما صعوبة اللغة , أو عدم قدرة أحرف اللغة العربية على الوفاء بحق التمثيل والرمز , مع أن هذا يخالف منطق علم اللغة الحديث الذي يؤمنون به , والذي يؤكد أن هذه الرموز رموز وضعية لا علاقة لها بالمعنى , وبذلك تتكافأ كل الرموز في قدرتها على أداء المعاني , وهذا يصرفنا إلى قضية أخرى ألا وهي قضية تجريد الأمة من ثقافتها , وحضارتها , وفصلها ببرزخ اللغة عن دينها وجذورها التراثية , وبذلك تنماع وتذوب في الحضارة التي انضبع بها هؤلاء وهي الحضارة الغربية الرأسمالية , كما أن هذا يلفت نظرنا إلى إشكالية الأمة وأسباب تخلفها لا يكمن في اللغة , وإنما سببه أمران لا ثالث لهما : الأمر الأول : انصراف الأمة عن دينها , والأمر الثاني : عدم أخذ الأمة بأسباب التقدم المادي , وانصراف طلاب البعثات على عهد محمد علي إلى ترجمة الأدب والقانون الفرنسي .
ومما يؤكد ما ذهبت إليه ما أثبته علماء اللغة من أن العلاقة بين الصوت والمعنى على مستوى الكلمة لها عدة ارتباطات ,منها المنطقي ومنها النفسي , وهذا ما يؤكده الدكتور محمود السعران حيث يقول : " إن لكل كلمة من الكلمات مضمونا منطقيا أو ارتباطا نفسيا , والمضمون المنطقي هو المعنى الذي ينص عليه القاموس في الأغلب ويكون الاشتراك في فهمه واحد أو شديد التقارب , ولكن الارتباط أو المضمون النفسي يختلف من متكلم إلى متكلم اختلافا كبيرا , ولا يمنع هذا من أن يشترك جمهور كبير من المتكلمين باللغة في طائفة كبيرة من إيحاءاته ومما يرتبط به من ظلال المعاني " (3)
إلى هذا الحد يمكن أن تُفهم الكلمة في نفس الوسط بأكثر من دلالة مما يؤكد انتفاء العلاقة بين الرمز (الصوت) وبين المعنى , فلا المعنى هو الرمز الصوتي , ولا الرمز الصوتي هو المعنى , وإنما هي علاقة الوضع والعرف الذهني , وهي علاقة تجريدية منعقدة هناك في ذهن المتلاغين بالصوت المتفقين على دلالته , ويمكن لأي رمز أن يقوم ينفس المهمة دون عناء كبير , ولكن تجريد الأمة من خطها وحرفها يعني تجريدها من حضارتها ودينها , وهنا تكمن الإشكالية , ومن عجب أن تحي ثلة من لقطاء اليهود لغة ميتة وتقيم من خلالها دولة على أرضنا , بينما نسعى نحن إلى قتل لغة حية لنهب التمكين لدولة يهود على رفا أمتنا الممزقة .
إن الحقد الدفين , والعداء الأبدي الذي عبر عنه القرآن في أحسن بيان " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ......." (4) هو الذي يزين لكثير من هؤلاء ولمن ضُبع بهم من أبناء جلدتنا , من أمثال شريف الشوباشي تلك الشراك والفخاخ التي ينصبونها لنا كل يوم , إن غاية ذلك الحقد الدفين هو الفصم النكد بين حاضرنا التاريخي المتطفل , وبين ماضينا المشرق التليد , إنه قطع للسوق عن جذورها التي ما تلبث أن تجف وتذبل , وتصير هشيما تذروه ريح الحقد والأنانية البغيضة, إنها محاولة حبس المارد العربي الجبار بين جدران الماضي , قاطعين عليه طريق التفجر والانتشار في ذلك الطور الحضاري المتوجس التائه , لتدب فيه الحياة من جديد .
لقد علم أعداؤنا أن هزيمة الأمم تنبع دوما من داخلها , وهم أكثر الناس علما بان الأمم تستمد طاقات نهضتها الحضارية من تراثها وتاريخها , وأن الماضي يمثل الجذور التي ينبثق منها الغذاء للسوق , وليس العكس , فمان إن ألح عليهم تساؤل خبيث بغيض لم لانقطع عليهم السبيل , سبيل الاتصال بالجذور , فتضل بهم شعاب الأرض , وتتيه بهم مذاهب الاغتراب , وتفتت شملهم نيران الاحتراب ؟!! .
لعل هذا هو كل الأسباب مجتمعة في علة واحدة , إنه الحقد ومحاولة التعاظم على الآخرين لامن طريق المنافسة الشريفة , ولكن بشل قدرات الآخرين , ليظهروا بمظهر القوة الزائفة , والتجبر الأجوف , إنه الصراع الشيطاني الخسيس .
ولعل في ذلك ما يجعلنا نتنبه إلى أن الغرب وأعوانه من الأذناب والحثالة لا يتبعون في معاملتهم لنا مبدأ الزنجي الأبيض في السياسة فحسب , وإنما يتبعون هذا المبدأ المتناقض في تعاملهم مع الحقائق , وإن كانت ظاهرة للعيان ظهور الشمس في رابعة النهار . وبذلك تصبح الموضوعية , والعلمية , والعقلانية مجرد رماد يذر في العيون .
ولعل في هذا ما يجعلنا ننتبه إلى دعاة التعريب الذين شروا حضارتهم بثمن بخس دراهم معدودة , وكانوا فيه من الزاهدين . إن منطق العلم الذي أثبت أن اللغة من أخص الظواهر الاجتماعية والحضارية , وأنها لا تولد ولا تنمو إلا في اجتماع بشري , وأن هذا النمو يتم على الأسس الذاتية التي قامت عليها اللغة في بداية أمرها من قواعد الاشتقاق والارتجال والمجاز والنحت والتوليد .
فاللغة – إذا – في حاجة لأن تقتحم خضم الحياة الرحب , ومعترك الأمواج العاتية , ولا يتم ذلك إلا حين يمارسها أصحابها في مستواها الفصيح فيتولد لنا بهذا الاحتكاك ما نحتاج إليه من ألفاظ ومصطلحات ومواضعات لغوية جديدة , واللغات التي كانت ميتة كالعبرية أحياها اليهود بإقحامها في معترك الحياة , بينما ماتت لغات أخرى حينما افتقدت إلى الذين يستعملونها استعمالا يبعث فيها الحياة , ويبث فيها الحركة والنشاط , وتلك هي الخلاصة الكبرى في علاقة اللغة بالمجتمع .
إن استعمال اللغة هو الدم الذي يغذيها , ويكسبها النمو والاستمرار , ويهبها الجدة والازدهار , أما العزلة التي فرضناها على المستوى الفصيح بإهمال دراسته , وقلة استعماله في معاملاتنا اليومية , وعدم بعث تراثه العظيم , فقد أدى إلى نضوب القدرة على تذوق اللغة الفصحى , وفصم العلاقة بين وجداننا وبين التأثر بهذا المستوى العالي وهو الشريان الوحيد الذي يربط حياتنا المعاصرة بالتراث الذي يهبنا الأصالة والإبداع , كما يربطنا بديننا الذي يحفظ علينا خصوصياتنا , ويمنحنا الماهية والذاتية والهوية التي تحفظنا من الذوبان في الغير .
لقد كان للإعلام العربي دوره الذي لا يحسد في الاستهزاء بهذا المستوى الفصيح عندما حول شيوخ اللغة وأرباب البيان ولابسي العمامة والقفطان إلى ملاهي يتفكه بها العوام , ويتندر بها الساقطون والأقزام .
إن ما يدعيه بعض اللغويين الواجدين على العربية , وصغار الباحثين الذين غرر بهم أربابهم من المستشرقين , فجدوا في تقنين قواعد العاميات في بعض الأقطار العربية , وزعموا أنها لغة لها قواعدها وقوانينها , كلامهم حق أريد به باطل , وقولهم على علاته صحيح , ولكن صحته علمية بحتة , أما العلمية التطبيقية , والخصوصية الثقافية والعقدية فتحيل هذا الادعاء العلمي إلى نوع من السفسطة والجدل البيزنطي العقيم , لأن اللغة لا تدرس مجردة عن مجتمعها , ولا معزولة عن فكرها الحضاري الذي يمثل ماهيتها , ويكون لبها وحقيقتها , أما الدراسة المطلقة التي تخلو من هذه النسب العلمية تصلح – حتى – لاستنباط قواعد لغة ( إيباك ) التي لا يتكلمها إلا أختان في جنوب ألاسكا , بل إننا يمكن أن نخترع قواعد , ونخترع لها لغة , ولكن ما القيمة الحضارية لهذه اللغة ؟ !! إننا سنكون كمن استنسخ جسدا من خلايا ولكنّ الروح لم تدب فيها , كما فعل السامري عندما تناول قبضة من أثر جبريل عليه السلام , وصهر حلي بني إسرائيل , وصنع منه عجلا جسدا له خوار .
إن الذين يدرسون لغتنا العربية بمعزل عن الرسالة التي اختصها الله بها , ويدعون الناس إلى إهمال قواعدها إنما يحولون هذه اللغة إلى جسد له خوار كعجل السامري , جسد بلا روح , رأس بلا عقل , قفص صدري بلا قلب , وعاء فارغ لا صلة له بالواقع , بل إن كلامهم يتنافى مع منطق العلم نفسه , ذلك أن العلم كما عرفه العلماء : نسبة مجزوم بها وعليها دليل , فأين نسبة اللغة لمعانيها , ونسبتها لحضارتها في كلام أولئك . !!
إن التعامل مع اللغة العربية بمعزل عن نسبتها الحضارية يجعل كلام هؤلاء بمنطق العلم الذي يؤمنون به هراء وتخريفا , ويكشف سوء قصدهم , ويجسد عمالتهم الفكرية , ويبدد ادعاءهم , ويكشف خيانتهم لدينهم ولغتهم , ويبين أن مزاعم الحرص على اللغة , والخوف على مستقبلها ليس إلا خداعا , ومن أكثر النصوص دلالة على ما ادعيه من خبث طوية أولئك ما ذكره المستر طه حسين في كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" وقد هام به خياله الكليل , وحلقت به أجنحة الخبث المتكسرة , حتى اعتقد أن الخرق سيتسع بين لغة المجتمع العربي وبين لغة الدين حتى يصبح المجتمع في حاجة إلى من يترجم لغة الدين فيتسنى له الفهم , ولأن الغاية واضحة في ذهن طه حسين , ولكنها تفتقد
إلى الدليل العلمي فقد اخذ يحشد الأدلة التي تثبت صحة مزاعمه سواء نجحت هذه الأدلة أم أخفقت في الوصول إلى الغاية التي تؤرقه , وليس هكذا البحث العلمي الجاد في الوصول إلى الحقائق , واستمع إلى ما يفتري عميد الأدب : " وفي الأرض أمم متدينة , وليست أقل منا إيثارا لدينها ولا احتفاظا به , ولا حرصا عليه , ولكنها تقبل في غير مشقة ولا جهد أن تكون لها لغتها الطبيعية المألوفة التي تفكر بها , وتصطنعها لتأدية أغراضها , ولها في الوقت نفسه لغتها الدينية الخالصة التي تقرأ بها كتابها المقدس وتؤدي بها صلواتها , فاللاتينية –مثلا- هي اللغة الدينية لفريق من النصارى واليونانية هي اللغة الدينية لفريق أخر , والقبطية هي اللغة الدينية لفريق ثالث , والسريانية هي اللغة الدينية لفريق رابع . وبين المسلمين أنفسهم أمم لا تتكلم العربية ولا تفهمها ولا تتخذها أداة للفهم و التفاهم ولغتها الدينية هي اللغة العربية ومن المحقق أنهم ليسوا أقل منا إيمانا بالإسلام وإكبارا له , وزيادا عنه , وحرصا عليه "
لقد وضع طه حسين العربة أمام الحصان كما يقول القائلون , وذلك عندما وضع نتائجه قبل مقدماته , وعندما استعمل القياس الفاسد لعدم وجود علة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه , أو بين الأصل والفرع .
لقد أغفل طه حسين جملة من الحقائق التي تمثل لحمة القياس وسداته في النص السابق ، نعم هناك أمم متدينة لها لغتان في عالمنا الإسلامي كالهند والباكستان وتركيا وغيرها من دول أسيا الإسلامية ودول الغرب ولكن احدا لم يطالب هذه الدول بتغيير لغتها عندما دخلت في الإسلام زرافات ووحدان ، فلم نطلب من الأمة التي نزل فيها القرآن أن تغير لغتها ، أو تغير المضمون المعرفي للغتها؟ وإذا – لا قدر الله – تحولنا إلى العامية فمن يقوم بدور الرأس المدبر الواعي المفسر للقرآن والسنة. وتركيا عندما تزعمت العالم الإسلامي عملت على نقل عدد من العلماء العرب إلى الاستانة ، فلم نقلتهم ؟ أ لأنهم يتحدثون التركية أم لأنهم الوحيدون الذين اعتمدت عليهم الخلافة في فهم الدين في مقاصده الكبرى ، وتفاصيله المهمة؟.
وجاء قياس طه حسين متغافلا عن أهم مبادئ القياس وهو مبدأ العلة المشتركة بين ما ادعاه من وجود لغة للدين ، ولغة أخرى للحياة ، وهو يعلم تمام العلم انه لايوجد لدنا - نحن المسلمين – أدني فارق بين اللغتين ،. لن الدين عندنا هو دين الحياة ، يصحب المسلم بكل مفرداته في حياته اليومية مصاحبته الهواء ، ولكن المستر طه الذي فضل بيئة المطربشين على بيئة المعممين كانت له رؤية حضارية تتمثل في طرح بديل عن الإسلام هو البديل اللبرالي أو الرأسمالي ، أو قل هي دعوة مبكرة إلى العلمانية الشاملة التي تحاول الفصل بين الدين والدولة ، وإقامة النهضة المعاصرة لأمتنا على مبادئ آخر غير المبادئ الإسلامية ، وهذا ما وظف فيه طه حسين قلمه وأفنى عمره ، وتستطيع ان ترى ذلك واضحا في كتاب الشعر الجاهلي ( الأدب الجاهلي) عندما حاول هدم منهج النقد التاريخي الإسلامي ، ووضع منهج بديل عنه هو منهج الشك الديكارتي ، أو منهج الشك عند ابن خلدون كما ذهب إلى ذلك الباحث يوسف نور عوض ، فلما حكمت المحكمة الإدارية بمصادرة الكتاب بدأ يروج لهذه الرؤية الحضارية مخلال سيرته الذاتية سنة 1926م ، ثم بعد ذلك في كثير من كتبه ، ومقالاته ، خصوصا حديث الأربعاء . مما سنقف عليه بعد ذلم إن شاء الله.
إن المقارنة بين اللغات مقارنة مجردة من وظيفتها الحضارية ممكنة ، ولكنها غير علمية ، وتنطوي على مغالطات علمية كبيرة ، ولابد ان نخرج من هذه المقارنة غير العادلة بالتساوي المطلق بين كل اللغات ، وعلى الرغم من أنها نتيجة مجحفة إلا أن فيها الرد الكافي على من بذلوا جهودا مضنية في سبيل استبدال العاميات بالفصحى ، لأنه بمنطقهم هم : إذا كانت العربية مثل كل لغات الدنيا – مجردة عن مضمونها الحضاري- فلم تحاولون إحلال العامية محلها، ولم تدعون إلى استبدال حرفها بحرف لاتيني؟ إنه العبث الذي لاطائل من ورائه ، أو النزوة الفاجرة التي تحطم كل شئ في لحظة عابرة.
وإلى لقاء في مقال آخر إن شاء الله تعالى
جمعة سعدالشربيني