ول ببليوغرافيا للأدب المغاربي الحديث
الدكتور:مصطفى الرمضاني
- ناقد مسرحي شاب-
بصدور كتاب «ببليوغرافيا الأدب المغاربي الحديث والمعاصر» لأستاذنا الجليل الدكتور محمد قاسمي، يكون الأدب المغاربي، في أجناسه الأدبية الأساسية، قد حقق لأول مرة نوعا من التجاور والتكامل في مجلد واحد. فباستثناء بعض المبادرات الببليوغرافية الفردية في هذا القطر المغاربي أو ذاك، باللغتين العربية والفرنسية تحديدا، فإننا لا نكاد نعثر على ببليوغرافيا متكاملة تعنى بتوثيق الآداب المغاربية.
أخيرا فقط، صدر للباحث قاسمي كتابه السابع في مجال العمل الببليوغرافي، هو الذي وضع أكثر من ببليوغرافيا للأدب المغربي الحديث والمعاصر، في الرواية والقصة والشعر والمسرح، وبذلك يكون أول باحث مغاربي يحقق مثل هذا التراكم على مستوى توثيق الإنتاج الأدبي المغربي تحديدا، بما في ذلك الكتابات النقدية.
والكتاب ينم عن مجهود بذله الباحث في جمع المادة وترتيبها وتصنيفها على مستوى الإنتاج الأدبي والنقدي المغاربي ككل، الصادر باللغة العربية تحديدا، مما يعني أنه بحث رائد في مجاله، بالنظر إلى الفراغ الكبير الذي مازال يعرفه هذا المجال على الصعيد المغاربي، وحتى صعيد بعض الأقطار العربية، بحيث مازال من الصعوبة بمكان معرفة ما يصدر في هذا القطر المغاربي والعربي أو ذاك من كتب ومنشورات ودوريات ثقافية.
يشتمل الكتاب على ستة أقسام، بالإضافة إلى تصدير ومقدمة وخلاصات، وقد خص الباحث كل قسم ببليوغرافيا بصدد جنس أدبي بعينه، بدءا ببليوغرافيا المجموعات الشعرية المغاربية، فببليوغرافيا الروايات المغاربية وببليوغرافيا المجموعات القصصية المغاربية وببليوغرافيا المسرح المغاربي وببليوغرافيا الدراسات النقدية، في حين خص القسم السادس لما سماه بمعالم في ببليوغرافيا الأدب المغاربي المعاصر، مع الإشارة إلى غياب القصة والمسرحية الموريتانيتين من هذه الببليوغرافيا لانعدامها أو لعدم القدرة على الوصول إليهما في مضامنهما إن وجدتا، كما عبر عن ذلك الباحث نفسه (ص10).
ويغطي مجموع هذا الإنتاج الببليوغرافي، الذي تمكن الباحث من جمعه، فترة أساسية تمتد من بداية القرن الماضي إلى نهاية عام 2003، بما يكشف عن المجهود الكبير المبذول في جمع المادة وإحصائها والتعريف بها.
وقد اتبع الباحث في وضع هذه الببليوغرافيا منهجا يعتمد ترتيب الأجناس الأدبية الأكثر حضورا في الآداب المغاربية، وكذا ترتيب كل مادة ترتيبا تاريخيا، مصحوبة بعنوان العمل ومؤلفه وتاريخ نشره ومكانه وعدد صفحاته، في حين خضعت الأعمال الصادرة في نفس العام للترتيب الألفبائي حسب قواعد الفهرسة المعمول بها.
ويضيء الباحث هذه الببليوغرافيا بجداول إحصائية تحدد التطور الكمي للأعمال الأدبية من سنة إلى أخرى ومن عقد لآخر.
أما على المستوى الكمي فقد توصل الباحث إلى تسطير ما مجموعه 900 مجموعة شعرية في المغرب (من 1932 إلى نهاية عام 2003) و323 مجموعة شعرية في الجزائر (من 1932 إلى نهاية عام 2003) و450 مجموعة شعرية في تونس (من 1911 إلى نهاية عام 2003) و300 مجموعة شعرية في ليبيا (من 1908 إلى نهاية عام 2003) و10 مجموعات شعرية (من 1991 إلى نهاية عام 2002) ـ عدا ثماني مجموعات غير مؤرخة ـ في موريتانيا، وهو ما تمكن الباحث من الوصول إليه، مع علمنا المسبق بطبيعة الحضور اللافت لهذا الجنس التعبيري في موريتانيا.
وعلى مستوى التراكم الروائي المغاربي، فقد استطاع الباحث إحصاء ما مجموعه 429 رواية في المغرب (من 1941 إلى نهاية عام 2003) و149 رواية في الجزائر (من 1947 إلى نهاية عام 2003) و268 رواية في تونس (من 1956 إلى نهاية عام 2003) و97 رواية في ليبيا (من 1961 إلى نهاية عام 2003) و4 روايات في موريتانيا، وهو ما استطاع الباحث الوصول إليه كذلك على مستوى هذا الجنس الأدبي.
وفي القصة القصيرة، تمكن الباحث من إحصاء 380 مجموعة قصصية في المغرب (من 1947 إلى نهاية عام 2003) و163 مجموعة قصصية في الجزائر (من 1954 إلى نهاية عام 2003) و157 مجموعة قصصية في تونس (من 1936 إلى نهاية عام 2003) و186 مجموعة قصصية في ليبيا (من 1957 إلى نهاية عام 2003).
أما على مستوى المسرحية، فقد تم إحصاء ما مجموعه 161 مسرحية في المغرب (من 1933 إلى نهاية عام 2003) و14 مسرحية في الجزائر (من 1960 إلى نهاية عام 2003) و53 مسرحية في كل من تونس وليبيا (من 1959 إلى نهاية عام 2003).
وبخصوص ببليوغرافيا الدراسات النقدية، فقد تمكن الباحث، في هذا القسم الخامس الذي لا يخلو من أهمية، من توثيق عدد وافر من الاصدارات المفردة والجماعية التي تناولت الأدب المغاربي المعاصر ونقد النقد، على مستوى الأجناس الأدبية السالفة الذكر، في بعدها المغاربي وأيضا في بعدها القطري.
ومن الخلاصات الأساسية التي يكشف عنها هذا الكتاب، نشير، مع الباحث، إلى ندرة ما تم تحقيقه من إنتاج أدبي، على امتداد الفترات الزمنية المشار إليها، مقارنة بما تحقق في المشرق العربي، يضاف إلى ذلك خفوت الصوت النسائي المغاربي على مستوى الإبداع الأدبي المكتوب باللغة العربية، مقارنة بما تحقق لدى المرأة الكاتبة من تراكم أدبي في بعض الأقطار العربية الأخرى، بحيث لا يتعدى الإنتاج الأدبي النسائي المغاربي 300 نص بين الشعر والرواية والقصة، يحتل فيها الشعر المرتبة الأولى، في حين تسجل الببليوغرافيا نصا مسرحيا واحدا فقط لكاتبة مغاربية من تونس، عدا كون الإنتاج المسرحي المغاربي عموما يبدو ضعيفا جدا بالمقارنة مع بقية الأجناس الأدبية الأخرى، حيث يحتل المرتبة الأخيرة.
وإذا كان المغرب، حسب الإحصائيات السابقة، يبدو في طليعة الأقطار المغاربية ذات الإنتاج الأوفر، بما مجموعه 1870 نصا أدبيا، مقارنة ببقية الأقطار المغاربية الأخرى، فإن ذلك يبقى نسبيا، لاعتبارات عدة، تاريخية وبحثية وزمنية، كذلك هو الشأن بالنسبة لمسألة الريادة على مستوى هذا الجنس الأدبي أو ذاك، في هذا القطر المغاربي أو ذاك، بحيث تبدو ليبيا، حسب هذه الببليوغرافيا، في طليعة الأقطار العربية على صعيد ظهور أول ديوان شعري بها عام 1908 للشاعر سليمان الباروني، في حين نجد أن أول رواية مغاربية ظهرت في المغرب عام 1941 هي رواية «طه» لأحمد السكوري، كذلك الشأن بالنسبة لأول مسرحية مغاربية، وهي «انتصار الحق بالباطل» لعبد الخالق الطريس(1933). أما أول مجموعة قصصية فصدرت بتونس عام 1936 للقاص محمد المرزوقي بعنوان «أشعة الجمال».
وتكمن أهمية هذا الكتاب كذلك، فيما يوفره للباحثين من مادة أساسية لإجراء بعض القراءات الموازية في مختلف هذه المشاهد الأدبية المغاربية التي يرصدها الكتاب، وكذا إمكانية عقد المقارنات بين الإنتاج الأدبي والنقدي على صعيد هذا القطر المغاربي أو ذاك، عدا كونه كتابا يوفر مجالا ملائما لتتبع صيرورة الكتابة الأدبية والنقدية وتطور إنتاجها داخل الأقطار المغاربية الخمسة، وكذا رصد أهمية الأسئلة والجوانب التي ركزت عليها تلك الخطابات النقدية، على الأقل من خلال ما تكشف عنه بعض عناوينها، ومن خلال ذلك كله «إعادة الاعتبار للأدب المغاربي من خلال تسجيل لحظاته المشرقة، وتوثيق مختلف الكتابات التي ساهم بها كتاب هذا الجزء الأساسي من الوطن العربي».
فطوبى لأستاذنا بإصداره السابع ، وطوبى للمغاربيين بأول بيبليوغرافيا مغاربية مسروقة عن طلبة وحدة الأدب المغاربي، وطوبى لنا أجمعين بهذا المولود الجديد .