- الهوامل والشوامل : دراسة وصفية:
III-1- التغريض: تعتبر اللسانيات النصية العنوان عاملا رئيسيا لسبر النص وكشف مخابئه السرية، باعتباره اختزالا لمضمون النص، أو إحالة على فكرته العامة تصريحا، أو تلميحا(باعتماد التأويل والتخريج)، فالعنوان بوجه من الوجوه نص موازي للنص الموضوع، فهل ينطبق هذا على مدونتنا؟
المدونة أسئلة من أبي حيان وإجابات من مسكويه على الأسئلة، وسنرى أنه: إذا كان التوحيدي قد احتكر السؤال لنفسه في كامل المدونة، فإنه أحيانا يتعدى على دور المجيب(بمحاولة الإجابة الخاصة به هو).
والحقيقة أنه يصعب أن نجزم برأي قاطع في سبب اختيار أبي حيان لمسكويه بالذات مجيبا لأسئلته فقد يكون :
- طمع في ماله وغناه، فأتخذ هذه السبيل للتقرب منه ونيل بغيته.
- طمع في علمه، فأراد الفائدة العلمية حقا.
- أراد أن يفضح عجز مسكويه، وجهله، وبالتالي يعيد الاعتبار لنفسه: إذ سيجد راحة في الانتقاص من هذا الذي نال ما أراد ابو حيان دائما أن يناله- الجاه والمال- مع تواضع علمه، مقارنة بعلم التوحيدي، وهذا الأخير على علمه وموسوعيته- يعيش عيشة المتشردين المعدمين.
وتظهر الصعوبة في كون كل سبب يحظى بدعائم تثبته حينا وتنقضه حينا آخر، وسنراها عند التحليل إن شاء الله.
فسر أحمد أمين والسيد أحمد صقر الهوامل بأنها الإبل المسيبةالتي لا راعي لها، وقالا: " جعل أبو حيان مسائله التي يسأل عليها كأنها إبل سائمة لا ضابط لها، وجعل مسكويه من إجابته عليها: رعاة حفظة يرعونها ويربطون أمرها ثم يرجعونها" (1)
ولكن أحمد محمد الحوفي (2) يقرر:
- الهوامل هي الإبل المهملة المسيبة التي لا راعي لها، فمن الجائز أن أبا حيان أراد بها أسئلته المنطلقة الحرة التي تفتجع من يشبعها، ... ومن الجائز أن تكون جمعا لهاملة، من هملت السماء أي دام مطرها في سكون (اللسان والمحيط مادة: ه م ل) والمراد إذن الأسئلة المتوالية الموجهة .
(1)- مقدمة الهوامل والشوامل. ص3. و تلمح الكناية عن المعنوي بالمادي، وهذه كمادة لأبي حيان في التصوير.
(2)- أبو حيان التوحيدي، الحوفي ج2 ص.
- أما الشوامل هي جمع لكلمة شامل أو شاملة، من شملهم الأمر إذا عمهم، ( اللسان والقاموس مادة ش م ل) والمراد إذن، الأجوبة الشاملة المحيطة لما في نفس السائل، ويصح أن تكون الشوامل جمعا لكلمة شومل، وهي اسم من أسماء ريح الشمال، التي تهب على بلاد العرب من ناحية الشام، والمراد إذن الأجوبة المنعشة لشوق أبي حيان إلى المعرفة والعلم.
ولكنني أعتقد مما قاله المحققان، لأن أسلوب وشخصية التوحيدي المنطلقة دائما في عالم السؤال ترجحان ذلك. ومهما يكن الأمر فإنك تستطيع استنتاج العلاقة بين العنوان والكتاب، والتي يمكن تلخيصها كالتالي: العنوان الكتاب
إجمال تفصيل
يقول المحققان: " كتاب الهوامل والشوامل في الحقيقة كتابان لمؤلفين كبيرين..." (1). وأبو حيان نفسه أشار إلى ذلك: "... وهذه مسألة في الهوامل، ولها جواب آخر في الشوامل" (2). ولكن يظهر لي أن أبا حيان جمعهما معا وجعلهما كتابا واحد، يقول في المسألة 153 ص 329: "... وهذه مسألة ليس يجب أن يكون مكانها في هذه الرسالة لأنها ترد على الفقهاء، أو على المتكلمين الناصرين للدين، ولكني أحببت أن يكون في هذه الكتاب بعض ما يدا على أصول الشريعة" . فالكتاب هنا ينطلق على المسائل وأجوبتها معا (3). يحتوي الكتاب كما جاء في مقدمته على مائة وثمانين مسألة (180) ولكن نلاحظ كما لاحظ المحققان: أن في المسألة رقم 175 سقطا، إذ نرى في آخر الإجابة عليها كلاما لا يتصل بموضوع السائل، وتبلغ المسائل الساقطة نحو 05 مسائل، فإذا كنا قد بلينا بفقد هذه المسائل وأجوبتها فلله الحمد على ظفرنا بما عداها" (4)
كثيرا ما يعنون أبو حيان مسائله بعنوانين مثل: مسألة خلقية ، اختيارية، زجرية، ... " يعني بالاختيارية ماكانت المسألة فيها من اختيار الشخص أن يفعله أو لا يفعله، كأن يكون عنيا فيبخل أو يكرم، ويعني بالمسائل الزجرية المسائل التي يسأل فيها لزجر المرتكب عن ارتكابها وهكذا... (5)
(1)- مقدمة الهوامل والشوامل (أ).
(2)- المقاسات، للتوحيدي. ص 196. نقلا عن كتاب أبي حيان التوحيدي للحوفي ص
(3)- ربما أراد التوحيدي فعلا جعلها كتابا واحدا في البداية، وعندما تقطعت به السبل عن غاياته لدى مسكويه أراد الانفصال عنه. ففصل كتابه (الهوامل) عن كتابه (الشوامل).
(4)- مقدمة الهوامل والشوامل. أحمد أمين
(5)- م. ن
وقد كان ورودها كالتالي :
- مسائل دون عنوان: مائة واثنتان وثلاثون(132)
- مسائل طبيعية: إحدى عشرة مسألة (11)
- مسائل اختيارية: ست مسائل (06)
- مسائل خلقية: سبع مسائل(7)
- مسائل لغوية: مسألة واحدة(1)
- مسائل ارادية وخلقية: مسألتان (2)
- مسائل اختيارية وطبيعية: مسألتان (2)
- مسائل لغوية وزجرية: مسألة واحدة(1)
- مسائل إرادية لغوية خلقية: مسألة واحدة(1)
- مسائل نفسانية: مسألة واحدة(1)
- مسائل طبية: مسألة واحدة(1)
- مسألة في مبادئ العادات وأخرى في حد الظلم، وثالثة في الرؤيا.
- مسائل إرادية: مسألتان (2)
- مسائل طبيعية وخلقية: ثلاث مسائل (3)
- مسائل طبيعية وخلقية: مسألتان (2)
III- 2- موضوعات الكتاب: كان القرن الرابع الهجري أكثر عصر ازدهرت فيه العلوم، بل بلغت كمالها ونضوجها، وكان العلماء أكبر من أن يحصيهم حاص أو يعدهم عاد ، وكانت مواهب أبي حيان أكبر من أن تطمسها شهادات حاقدين أو انكار جاحدين من الناحيتين الأسلوبية والمضمونية، فالرجل فيلسوف مع الفلاسفة وأديب مع الأدباء، ومتصوف مع المتصوفة لذلك لا نتوقع أن يسأل عن مجال معين، الكتاب ككل بستان حافل بصنوف من المعرفة لا ضابط لها ولا جامع.
وهذه نماذج منه:
مسألة 1/5 لغوية:" ما الفرق بين العجلة والسرعة؟ وهل يجب أن يكون بين كل لفظتين إذا تواقعتا معنى وتعاورتا غرضا فرق؟ لأنك تقول:" سر فلان وفرح، وأسر فلان ومرح، وبعد فلان ونزح،وهزل فلان ومزح، وحجب فلان وصد، ومنع فلان ورد، وأعطى فلان وناول، ورام فلان وحاول، وعالج فلان وزاول،..." ( إلى آخر المسألة).
مسألة 2/15:" لم تحاث الناس على كتمان الأسرار، وتبالغوا في أخذ العهد به، وحرجوا من الإفشاء،وتناهوا في التواصي بالطي، ولم لم تنكتم مع هذه المقدمات؟ وكيف فشيت وبرزت من الحجب المضروبة حتى نثرت في المجالس، وخلدت في بطون الصحف، وأوعيت الأذان، وروعيت على الزمان...."
مسألة 5/ 33 ، اختيارية: " لم طلبت الدنيا بالعلم والعلم ينهى عن ذلك؟، ولم لم يطلب العلم بالدنيا والعلم يأمر بذلك؟، وقد يقول من ضعفت غريزته وساء أدبه وجرأ مقدمه: قد رأينا من ترك طلب الدنيا بالعلم، ورأينا من طلب العلم بالدنيا، فليعلم أن المسألة ما وضعت هناك، ولا فرضت كذاك،ولو سدد هذا المعترض فكره عرف الفحوى ولحق المرمى، ولم يعارض بادرا بشائع ولم يناقض نادرا بذائع".
مسألة 9/43 ، طبيعية:" ما سبب من يدعي العلم وهو يعلم أنه لا علم عنده ؟، وما الذي يحمله على هذه الدعوى ويحوجه إلى السفه والمهاترة"
مسألة 15/52 ، طبيعية واختيارية:" لم كان الإنسان محتاجا إلى أن يتعلم العلم؟ ، و لا يحتاج إلى أن يتعلم الجهل، ألأ أنه في الأصل يوجد جاهلا؟ فما علة ذلك؟، فبإثارة علته يتم الدليل على صحته".
مسألة طبيعية وخلقية 21/68: " لم طال لسان الإنسان في حاجة أخيه، إذا عني به، وقصر لسانه في حاجته به مع عنايته بنفسه؟ وما السر في هذا؟ " أو المسألة 22/69 :" ما سبب الصيت الذي يتفق لبعضهم بعد موته؟ وانه يعيش خاملا ويشتهر ميتا- كمعروف الكرخي-"
مسألة 29/84، في حد الظلم:" ما معنى قول الشاعر:
والظلم في خلق النفوس فإن تجد **** ذا عفة فلعلة لا يظلم
ما حد الظلم أولا؟، فإن المتكلمون ينفكون في هذه المواضع كثيرا، ولا ينصفون شيئا، وكأنهم في الغضب والخصام، وسمعت فلانا في وزارته يقول:" أنا أتلذذ بالظلم" فما هو هذا؟، ومن أين منشؤه؟ أعني الظلم؟، أ هو من فعل الإنسان أم هو من أثار الطبيعة".
مسألة 37/112، طبية:" لم صار الصرع من بين الأمراض صعب العلاج؟، وبسبب ذلك نرى الطبيب كاليائس من برئه..."
مسألة 44/121، في مبادئ العادات:" ما مبدأ العادات المختلفة من هذه الأمم المتباعدة، فإن العادة مشتقة من عاد يعود، وأعتاد يعتاد، فكيف فزع الناس إلى أوائلها، وجاروا عليها؟ وما هذا الباعث الذي رتب كل قوم في الزي، وفي الحلية، وفي العبارة والحركة، على حدود لا يتعدونها، وأقطار لا يتخطونها؟."