عموما، تدخلت في تكوين شخصية الرجل عوامل داخلية نفسية حيث من عليه الله تعالى بذهن متفتح، وعقل راجح مكنه من علوم عدة، وأخرى خارجية من تعامله مع الناس على اختلاف طبقاتهم. فكان بحق شخصية مميزة في تاريخنا الإسلامي ترك لنا تراثا ضخما – قيمة – على قلته، وقلة ما وصلنا. نذكر:
أ- بعضه مطبوع: المقابسات (1922)، الإمتاع والمؤانسة (1939)، الهوامل والشوامل (1951)، البصائر والذخائر(1953)، والصداقة والصديق (1301هـ)، والإشارات الإلهية، والرسالة في العلوم.
2- بعضه مازال مخطوطا: مثالب الوزيرين، والحجيج.
3- بعضه مفقود، عرف بما ذكره غيره أو أخذوا منه: تقريظ الجاحظ ( رآه ياقوت). والمحاضرات، نقل منه ابن الصابئ في الهفوات، والزلفة ( نقل منه أبو شجاع محمد بن الحسين في ذيل تجارب الأمم.
4- بعضه مفقود تماماج: - الرسالة البغدادية.
- الرسالة في أخبار الصوفية.
- الرسالة في الصوفية.
- الرسالة في صلات الفقهاء.
- الرسالة في الحنين إلى الأوطان.
- الرسالة في الرد على ابن جني في شعر المتنبي (1).
عموما، انتهت كميلة واتيكي واستنادا إلى مظاهر التوحيدي الحياتية، إلى أنه يمكن إدراج شخصية التوحيدي في النمط الفكري المنطوي Type pensée intraverti ، هذا الصنف الذي يبحث في تعميق أفكاره ومعلوماته، ويلتزم برغبة مقهورة مدمرة، وله نقص في الحس التطبيقي، يقوم دائما بمواقفغير محببة مع الزملاء والأصدقاء والمنافسين (2).
وقد يبدو أننا أطلنا في التعريف بشخصية أبي حيان وإبراز ما عاشته من متناقضات وآلام، فنقول: أن حياة أبي حيان في المدونة – الهوامل والشوامل- تقوم مقام السياق Contexte ، الذي سيساعدنا في فهم ظروف وضع الأسئلة في سياقها الواقعي/ الحياتي الذي عاشه أبو حيان. ولا يخفى ما لهذا من أثر للوصول إلى تحليل أكثر منطقية للمدونة واستنتاج نقاط عديدة لا نظن أنها يجب أن تغفل.

(1)- ابو حيان التوحيدي، أحمد محمد الحوفي ج2.ص 9-10.
(2)- الإمتاع والمؤانسة بين سلطة الخطاب وقصدية الكتابة، كميلة واتيكي، ص 74.


II- مسكويه (ابن مسكويه):
هو أبو علي أحمد بن يعقوب ابن مسكويه، ويسمى مسكويه فقط عند أبي حيان، وعند صاحب طبقات الحكماء (مختصر الزوزني 332) وعند ياقوت ( معجم الأدباء) ويسمى ابن مسكويه عند الآخرين (1). هو مؤرخ وعالم وفيلسوف:
- له كتاب: تجارب الأمم، وهو تاريخ عام، يبدأ من بدء الخليقة وينتهي بعام 369 هـ، وتناول فيه تاريخ الفرس القدماء والروم والترك. يقول المستشرق الإيطالي كيتاني في هذا الكتاب: " إنه من عمل فكر بناء يسيطر عليه إدراك تاما للهدف ولمسؤولية المؤرخ" (2). ومن هذه الناحية يسجل مسكويه تقدما كبيرا في فن التأريخ على أسلافه ومعاصريه من المؤرخين.
- كتابه الذي اشتهر به: تهذيب الأخلاق ، إضافة إلى الفوز الأصغر، لذلك سنرى أنه متمكن بالمسائل الأخلاقية أو تلك التي تتصل بالمنطق. يقول أحمد أمين عنه:" كان مسكويه أضيق أفقا، فليس له مجال كبير يجول فيه ويصول إلا الفلسفة، وحتى الفلسفة لا يحسن الإلهيات، ولا ما وراء المادة ونحو ذلك. وإنما يحسن الأخلاق إذ ألف فيها كتابه تهذيب الأخلاق..." (3).
ليس في حياة مسكويه ما يثير الاستغراب، كان من الذين فتحت لهم الحياة أياديها البيضاء، فقد كان خازنا على مكتبة ابن العميد (طبعا الأب: أبو الفضل)، ثم على خزانة عضد الدولة البويهي، ثم أصبح وزيرا لبهاء الدولة البويهي، وهذا يعني أنه وأبا حيان يعرفان بعضهما جيدا، وكان من نتائج هذه المعرفة أن كثيرا من عناصر شخصية مسكويه وخصوصياتها عرفها الناس من خلال حديث أبي حيان عنه، لقدرته على تصوير الشخصيات والنفسيات وأيضا لأمانته(4)
- "وأما مسكويه، ففقير بين أغنياء، وعيي بين ابيناء "
- " ...لقد قطن العامري الري خمسة سنين جمعه، درس وأملى، وصنف وروى فما أخد علية مسكويه كلمة واحدة، ولا وعى مسالة، حتى كأنه بينه وبينه سد".
- "... وبعد، فهو ذكي حسن الشعر، نقي اللفظ". وفي كتاب الهوامل والشوامل قال له:" وأنت المدخر لمكنون الحكمة وغريب العلم...".

(1)- أبو حيان التوحيدي، أحمد محمد الحوفي ص.
(2)- البحوث الأدبية، مناهجها ومقاصدها، محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني ، بيروت. ص 248.
(3)- مقدمة الهوامل والشوامل، ت ج : أحمد أمين والسيد أحمد صقر. ص (و.ز).
(4)- في كتاب مثالب الوزيرين مثلا، كان هدف التوحيدي هجاء بن عباد وبن العميد، ولكنه كان يعترف بفضليهما في غير موضع




- وعن أخلاقه قال:" وما أرى ذلك مع كلفه بالكيمياء، وإنفاق زمانه، وكد بدنه في خدمة السلطان، واحتراقه في البخل بالدانق والقيراط والكسرة والخرقة"
- "... نعوذ بالله من مدح الجود باللسان وإيثار الشح بالفعل، وتمجيد الكرم بالقول ومفارقته بالعمل.." (1)
وسنرى بان شخصية مسكويه (بصفته مجيبا) سيكون لها أثر كبير في جدوى الاجابات من عدمها.
- مع أن مسكويه فيلسوف إلا أنه لم يكن له مذهب خاص في الفلسفة، كان يأخذ ما يوافقه من هذا ومن ذاك، (خصوصا من أراء ابن سينا، ابن رشد،... ) كما انه لم يغص في معضلات المتكلمين وحروبهم الكلامية. وعند تحليلنا للمدونة سنجد كثيرا من الأفكار الفلسفية الواردة فيها ومدى توافقها مع آراء الفلاسفة المشهورين في الإسلام. أو آراء أرسطو، أو أفلاطون في المنطق و القياسات...
توفي مسكويه عام 421هـ، وذكر القزويني أنه عاش حتى مل الحياة، ولم يعد يقدر على الحركة ونذكر أنه وأبا حيان متقاربين في السن، والأرجح أنه أكبر من أبي حيان بسنوات قليلة، ولكن كان له من الجاه والغنى ما لفت إليه الأنظار أكثر من أبي حيان.
بعد أن عرفنا شخصيتي السائل والمجيب، نتطرق الآن إلى الثمرة التي أنتجها هذا الجهد ( السؤال والجواب): الهوامل والشوامل.










(1) – هذه الأقوال وردت في الإمتاع والمؤانسة 1/ 35-36. نقلا عن مقدمة الهوامل والشوامل.