الثاني: المستوى الدلالي:
الحقول الدلالية:
1- حقل المرأة:
تعد المرأة الموضوع المهم عند امريء القيس فقد اتسع على مدى لوحتين من مجموع ثماني لوحات , وجاء ذكرها في (اثني عشر) موضعا ً بقوله:
ففي لوحة الطلل (حبيب = المحبوبة)،و أم الحويرث , وأم الرباب)، وفي لوحة اللهو (العذارى , وللعذارى , وعنيزة , وحبلى , وذي تمائم) وفي لوحة المرأة (أفاطم) وفي لوحة بيضة الخدر (بيضة الخدر) فضلا ً عن الأوصاف التي نعتها بها نحو:مهفهفة , بيضاء , غير مفاضة... وفي لوحة الخيل ذكرها مرة واحدة (عذارى دوار).
والمتأمل في هذا الحقل وما يليه من حقول يجد أن معظم اللوحات أنها تمثل اتجاهين متقابلين: هما اتجاه (الضعف والانكسار)، و(اتجاه القوة والانتصار).
ففي هذا الحقل تمثل المرأة (أم الحويرث , وأم الرباب , والمحبوبة...) الذكرى الحزينة , والألم والحسرة، وهذا ما يناسب الضعف والانكسار وهذه الألفاظ وقعت في لوحة(الطلل) التي خيّم عليه الضعف، والذكرى المؤلمة وكذلك (أفاطم) تمثل الاستخذاء والضعف في لوحة المرأة (فاطمة) التي اتسمت بالضعف فالألفاظ في هذا الحق تتراسل مع الحقل الآخر.
وهكذا في قوله (العذارى) وعنيزة , وحبلى...) فإنها تمثل قوة وانتصارا ً يتخيلها امرؤ القيس ليتغلب على انكساره , وهي تتراسل مع قوله (بيضة خدر , وعذارى دوار) فهي تمثل قوته وشجاعته في اقتحام الخدور، والمباهاة، وعدم المبالاة، وكثرة النساء اللواتي عاشرهن تدل على قوته وزهوه أيضا ً.
2- حقل أعضاء الإنسان:
ورد ذكرها في (ستة عشر) موضعا ً فذكر في الطلل (العين الدامعة , والنحر) وفي المرأة: (قلب مقتل , وعيناك) وهي جاءت تمثل حزنا ً وأسى ً. وأما في لوحة اللهو فذكر (فودي رأسها , والكشح (مرتين) , وريا المخلخل , وترائبها , وحيد (مرتين) أسيل (الخد) وغدائره , وساق , ورخص) وهي كلها تمثل الصفات التي نعت لها معشوقته وافتخر بها وازدهى.
وعليه فالمجموعة الأولى تمثل الضعف لأنها أسى وحزن، وأما المجموعة الثانية فهي تمثل القوة والفخر كما هو واضح، وكل مجموعة إذن تقابل المجموعة الأخرى في ترسّم الاتجاهين (الانكسار), و(الانتصار).
3- حقل الأماكن:
يلحظ أن الشاعر أكثر من ذكر الأماكن من أول القصيدة حتى نهايتها فقد وردت في (ست وعشرين) موضعا ً (أو مكان) فجاء في الطلل (منزل , والدخول ,وحومل , وتوضح , والمقراة , ومأسل) وكلها ارتبطت بالحزن والبكاء، وفي لوحة اللهو (الخدر، وخدر عنيزة، ودارة جلجل) وهي ارتبطت بلهوه وعبثه , ومثلها في لوحة بيضة الخدر (مساحة الحي , وبطن خبت , ووجرة , ومنارة راهب) وهي تتعلق بقوته وشجاعته.
ودلالة الأماكن هذه تتراسل مع الأماكن في الخيل (بالكديد) والذئب (واد قفر)، والسيل (ضارج , والعُذيب , وقطن , ويذبُل , وكُتيفة , والقنان , وتيماء , وثبير , وعرانين , والمجيمر , وصحراء الغبيط...) للدلالة على قوته (أي السيل) في اندفاعه في هذه الأماكن , أو شدة تدميره لها.
فإذا كانت الأماكن في لوحة الطلل تمثل اتجاه الحزن والضعف فإنها في اللوحات الأُخر تقابلها وتمثل اتجاه القوة والظفر واللهو.
وكثرة الأماكن تدل أيضا ً على تشبثه بالأرض وتعلقه من جهة , ومن جهة أخرى فإنها تدل على قوته وشجاعته لأنه مرّ أو رأى هذه الأماكن الشاسعة المتنوعة.
4- حقل الماء والدمع والبرق:
وردت (خمسة) مواضع يذكر الشاعر فيها البرق في لوحة السيل بقوله (برق , وميض , وكلمع اليدين , وسناه , ومصابيح ) وهذه كلها تتحدث عن البرق الذي سبق المطر للدلالة على قوة المطر وانهماره.
وأما الماء فقد ورد في (ثلاث) مواضع فقط (صوب , والماء , والوبل) وهي تصف المطر المنهمر , وكل هذه الألفاظ تمثل قوة وانتصارا ً.
أما حقل الدمع فقد وردت (خمسة) ألفاظ تدلّ عليه كقوله في الطلل (عبرة , محول , دموع ,) وفي المرأة (بكت , وذرفت عيناك) وكلها تمثل البكاء والحزن في مستوى واحد: الضعف والانكسار.
5- حقل الليل والنهار:
من المعلوم , أن ذكر الليل والنهار يرد كثير عند الشعراء وهو يذكر إما لتذكر أمور معينة وقعت في تلك الأزمان , أو للشكوى منه , وهذا ما ورد أيضا ً عند امريء القيس فقد ورد ذكرهما في (سبعة عشر) موضعا ً.
فإذا كان الليل ورد كثيرا ً فإن الصبح ورد في موضعين (الإصباح ,وبصبح) وهما جاء في معرض الحسرة والألم ويتراسلان مع ذكر الليل في لوحة الليل (الليل , من ليل , وليل) ومع الطلل في(غداة البين , ويوم تحملوا) فهي تمثل أزمانا ً حزينة وثقيلة شكا منها الشاعر وتأوه.
أما الليل في لوحة الخيل (والطير في وكناتها (كناية عن الظلمة وعدم بزوغ الفجر) وفي لوحة اللهو (يوم عقرت , ويوم دخلت , ويوما ً على ظهر) فهي جاءت تمثل قوته , أو لهوه وعبثه بمعنى أنها تمثل (القوة).
فالمجموع الأولى تقابل المجموعة الثانية وكل مجموعة تمثل اتجاها متقابلا ً
6- حقل الحيوان:
ورد ذكر الحيوان بأنواعه في أكثر من (عشرين) موضعا ً وهو تمثل اتجاهين متحدين: هما القوة , أو الجمال؛ لأنها جاءت في معرض التشبيه (فهي مشبه به غالبا ً للدلالة على جمال محبوبته، أو قوة فرسه أو السيل ففي قوله (العَير , والذئب , والطير , والهاديات , ونعاج , وثور , ونعجة , ومكاكي , والسباع، وفرس منجرد له: (أيطلا ظبي , وساقا نعامة , وإرخاء سرحان , وتقريب تتفل) فكلها جاءت في معرض ذكر الخيل أو السيل وكلاهما يمثل قوته وانتصاره.
أما قوله (مطفل , أساريع ظبي) , فهي تمثل الجمال لأنه وصف بها محبوبته.
7- حقل النبات:
لم تخل المعلقة في ذكر النباتات فهي التي تعايشه في حلة وترحاله , فقد وردت في (أربعة عشر) موضعا ً ففي الطلل (حب فلفل , وسمرات الحي , وحتظل , والقرنفل) وهذه نباتات حادة وحارة فاستعملها الشاعر في التعبير عن حالته النفسية الحزينة.
أما النباتات الأخرى فاستعملت في وصف المحبوبة أو السيل نحو: (كقنو النخلة , والجديل , ومساويك اسحل , ودوح الكنهبل , ونخلة , ورحيق مفلفل , وأنابيش عنصل), لذا تمثل جمالا ً أو قوة، تقع في مجال دلالي، وهو القوة والانتصار.
8- حقل اللباس والأدوات:
أما اللباس فقد ورد في (عشرة) مواضع أغلبها تدل على جمال المحبوبة ورفاهيتها مثل (لبسة المتفضل , ومرط مرحل , والوشاح ,ودرع , ومجول) ومنها في قوة الخيل (ملاء مزمل) والسيل (بجاد مزمل)
أما قوله (ثيابي , وثيابك) فهما كناية عن قلبه، وقلبها، وجاءت في معرِض الاستعطاف والضعف.
9- حقل الأصنام والكواكب:
لم يرد ذكر الكواكب إلا مرتين هما (الثريا , ونجومه) وتدل الأولى على توقيت معين حينما ذهب إلى محبوبته , أما الثانية فجاءت في معرض وصف الليل الطويل فكل واحدة تمثلا ً اتجاها بين القوة , والضعف.
أمّا الأصنام فلم يرد ذكرها إلا مرة واحدة في (عذارى دوار) وتفسير ذلك الشاعر أرادت أن يتحلل من ذكره الآلهة وما يترتب عليه من تحريم فقد أباح لنفسه انتهاك الخدور , ومعاشرة النساء بلا قيد أو شرط , واللامباة التي اتصف بها , وافتخاره بما صنع كل ذلك لا يناسب أن يذكر الآلهة وقوانينها.
وأمّا ذكر (دوار) وهو صنم في الجاهلية فقد جاء في معرض افتخاره بالصيد وذكر الخيل فوصف القطيع يلوذ بعضه ببعض ويدور كما تدور العذارى حول (دوار) وهو نسك كانوا في الجاهلية يدورون حوله.( )
10- حقل الألوان:
وردت ثلاثة ألوان في المعلقة هي:
أ- اللون الأسود: وإذا كان اللون الأسود يدل على الأسى والحزن فقد جاء بالدلالة نفسها أو ما يقاربها في (سبعة) مواضع ففي لوحتي الطلل والليل جاء (ليل , الليل , من ليل , حب فلفل), فهي تدل على الظلمة أو السوداوية التي يعيشها الشاعر على الرغم من أن (أسود فاحم , الطير في وكناتها (و تعني: الظلمة) جاءت في معرض المدح.
ب- الأبيض: يدل على الصفاء , والنقاء , والقوة , وبهذه المعاني جاء اللون الأبيض وأخذ مساحة واسعة , في (ست وعشرين موضعا ً) وهذا العدد يساوي العدد الذي ورد فيه ذكر الأماكن وكل الألفاظ الدالة عليه المباشرة مثل (بيضة الخدر , بيضاء البياض , تضيء , يضيء) أو غير المباشرة نحو (السجنجل , سناه , مصابيح غير الماء يصبح , كأن نجومه , البرق , وميض , كلمع اليدين , صبى السحاب) العصم (الأذرع , البيضاء) , منارة راهب , الدمقس (الحرير الأبيض , بجاد) فكلها جاء إما في وصف المحبوبة التي تدل على الجمال والوضاءة، إما في وصف الخيل , والسيل وهي تدل على قوتها وسرعة اندفاعها وهذا يعني أن اللون الأبيض وظف لخدمة المحور الثاني، وهو محور القوة والانتصار خلافا ً للون الأسود فقد جاء في المحور الأول: الضعف الانكسار.
جـ- الأحمر: وجاء في موضعين هما (دماء الهاديات , عصارة حناء) في معرض مدح فرسه أي في معرض القوة , ومع هذا لم يكن أحمر خالصا ً، وكأنه أراد أن يخفف على نفسه أولا ً. ثم على السامع , علما ً أن اللون الأحمر الخالص يناسب المقام لأنه يتحدث عن معركة الصيد.
الثالث: المستوى الصوتي( ):
يرتبط الإيقاع بحياة الإنسانية وحاجاتها , فيظهر في الطبيعة بأشكال متعددة , فسقوط قطرات المطر , يترك إيقاعا ً معينا ً وأصوات الطيور تشير إلى إيقاع خاص أيضا ً , فالصوت والحركة إذا ما تناسبا زمنيا ً فهما يحققان الإيقاع.
والإيقاع عند العربي مرتبط بالموسيقى فهو " من إيقاع اللحن , والغناء وهو أن يوقع الألحان ويبينها " ( )أو هو الحركة منتظمة والتئام أجزاء الحركة في مجموعة متساوية ومتشابهة في تكوينها شرط لهذا النظام... " ( ) وهو " التلوين الصوتي الصادر عن الألفاظ المستعملة " ( ) فإن كان التعريف الأخير يقصر الإيقاع على الموسيقى الداخلية فإن بعض التعاريف تجعله أشمل فهو " وحدة ولنغمة التي تتكرر على محور ما في الكلام أو في البيت أي توالي الحركات والسكنات على نحو منتظم في فقرتين أو أكثر من فقر الكلام أو في أبيات القصيدة... أما الوزن فهو مجموع التفعيلات التي يتألف منها البيت " ( )
والحقيقة أن القصيدة بنية موسيقية متكاملة، موسيقى داخلية كانت أم خارجية , اتصل أحدهما بالوزن وتفعيلاته أم اتصل بدلالة اللفظ , ولا يجوز أن يقتصر على أحدهما دون الآخر. ولا يهمل الإيقاع الكمي (أي توزع التفعيلات ووظائفها)
وعليه فدرس (الوزن) بوصفة (إيقاعا ً كميا ً) ذو صلة قوية بالموقف الشعري , وبالمعنى الذي يقصده , فإذا كانت تفعيلات بحر البسيط (مثلا ً):
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن ...... ....... ...... ......
فإن الشاعر لا يلتزم بها كما هي , إنما يحدث تغيرات تتولد منها بُنى صغيرة تولد سلاسل عروضية متعددة بحسب انفعال الشاعر وتهيجه بمعنى أن الحالة الوجدانية للشاعر تتراسل وطبيعة البُنى العروضية أو السلاسل.
وكل بناء على ذلك فإن على الناقد أن يهتم بهذه التفعيلات وخضوعها لتغيرات تختلف من نص لآخر تتولد عنها بنى صغيرة تؤلف العلاقات فيها بنية إيقاعية.
أولا ً: الإيقاع في المعلقة:
المعلقة جاءت على البحر (الطويل) وهو بحر رحب شاع وروده الشعر العربي القديم، وتفعيلاته هي:
فعولنْ, مفاعيلنْ , فعولنْ, مفاعيلنْ فعولنْ, مفاعيلنْ فعولنْ, مفاعيلنْ
وعدد التفعيلات الأساسية في المعلقة خمس هي:
فعولنْ , فعولُ , مفاعيلنْ , مفاعيلُ , مفاعلنْ.
والنص يبدأ بنقطة الخزن والأسى فيأتي الإيقاع هينا ً لينا ً رتيبا ً , ثم يصعد النغم إلى قمة الإحساس بالفرح والسرور فتتراسل معه التفعيلات التي تدل على الخفّة , وتسارع فيها النغم , فإذا ما مضى الشاعر في ذكرياته وأحلامه كما في (عنيزة , العذارى ,..) هبط الإيقاع إلى النقطة التي نبع منها ويمتد النغم منسابا ً إلى آخر النص.
توزيع التفعيلات في اللوحة الأولى: ( )
تتوزع التفعيلات على النسق الآتي(جدول1):
البيت الأول،شطر1 قِفَاْ نبْـ كِ مِنْ ذِكْرَىْ حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
فَـ عُـوْلُنْ مَ فَاْ عيْ لنْ فَـ ـعُـوْلُنْ مَ فَاْعِلُنْ
ل - - ل - - - ل - - ل – ل -
الأول،شطر2 بسقط الـ لوى بين الـ دخو لِ فحو ملِ
فعو لن مفا علين فعولُ مفاعلنْ
ل - - ل - - - ل- ل ل – ل –
ب 2 ش1 ل – ل ل - - - ل - - ل – ل -
= ش 2 ل – ل ل - - - ل - - ل – ل -
ب 3ش1 ل – ل ل - - - ل - - ل – ل -
ب3 ش2 ل – - ل - - -
ل – ل -
ب4ش1 ل- - ل - - - ل – ل ل – ل -
= ش2 ل –ل ل - - - ل – ل ل –ل -
ب5 ش1 ل - - ل - - - ل – ل ل – ل -
= ش2 ل - - ل - - - ل – ل ل – ل -
ب6 ش 1 ل –ل ل - - - ل – ل ل – ل -
= ش2 ل - - ل - - - ل - - ل – ل -
ب7 ش1 ل – ل ل - - - ل – ل ل – ل -
ل – ل ل - - - ل – ل ل – ل -
ب 8 ش ل- -
ل – - ل – ل -
ل- - ل – - -
ل – ل -
ب=9ش1 ل- - ل- - - ل – - ل – ل -
= = ش2 ل- - ل- - - ل – ل ل – ل -
اللوحة الثانية
ب10 ش1 ل – ل -
ل – ل - ل – ل -
= ش2 ل – - ل – --
ل – ل –
ب11ش1 ل – ل ل – - - ل – - ل – ل -
= ش2 ل – ل ل – -- ل – ل ل – ل -
......... ............ .......... .......... ........
ب18ش1 ل – - ل – - - ل – ل ل – ل -
= ش2 ل – ل ل – -- ل – - ل – ل -
يكشف هذا الجدول أمورا ً هي:
1- تظهر التفعيلات (مفاعيلن) و (مفاعلن) ظهورا ً منتظما ً في النص، وهذا أمر يمنع القصيدة وزنا ً مشتركا ً , ويحقق لها استقرارا ً إيقاعيا ً وإذا كان هذا الاستقرار يجعل الإيقاع رتيبا ً فإنه يلائم حالة الحزن والانكسار اللذين يشيعان في النص.
2- نلحظ عدولا ً عن هذا الاستقرار يتمثل في (فعولن - فعول ُ) أو (مفاعلين ْ ـ مفاعيلُ)، تنوع هذا الإيقاع يتراسل مع حالة الشاعر النفسية المترددة بين الحزن والسرور أحيانا ً.
توزيع السلسلات العروضية:
تتنوع على الشكل الآتي (جدول2):
تسميتها التفعيلة الملحوظات
أ فعولن
ل - - مفاعيلن
ل- - - فعولن
ل - - مفاعلن
ل – ل - 42 مرة
في معظم اللوحات
ب فعولُ
ل – ل مفاعيلن
ل- - - فعولن
ل - - مفاعلن
ل – ل -
31مرة
ج =
ل - ل
ل- - - فعولُ
ل – ل =
ل – ل - 30 مرة
د ل - - ل- - - ل – ل ل –ل - 39 مرة
هـ
ل - - مفاعيلُ
ل - - ل
ل - -
ل – ل - مرة في اللوحة الثانية
و ل - - ل – ل ل - - ل – ل - سبع مرات في(1،4،7)
ز
ل – ل مفاعلن
ل – ل -
ل - -
ل – ل - خمس مرات
في لوحة (2, 4, 7, 8)
ح ل – ل ل – ل - ل –ل ل –ل - 3 مرات (1, 8)
ط ل - - ل – ل - ل – ل ل –ل - مرتان في (4 , 8)
1- أن السلاسل (م , ب , ج , د) تمثل مرتكزا ً إيقاعيا ً يقوم عليه النص , إذ تبرز كل لوحة بتفاوت , فهي على ذلك تقوم بوظيفتين أحدهما: إضافة الوحدة والانسجام بين أبيات اللوحة , والأخرى:: تحقيق استقرار إيقاع للنص.
2- كثرة السلاسل في اللوحة الثانية و الرابعة حيث يزيد انفعاله بالحياة , وما يتصل بها في إحساس باللذة , يعبث السرور والبهجة فيحتاج إلى مساحة من الإيقاع فتعددت السلاسل وتنوعت وتصاعد فيها الإيقاع قليلا ً لازدياد انفعالاته.
3- أن اللوحة الثامنة تنفرد بكثرة سلاسلها وتنوعها وذلك يتراسل مع بلوغ الانفعال أقصى درجات , لأن الحياة تمضي عبثا ً في نظرة،وكل ما يبعث على التواصل والفرح والبهجة يذهب هباء ً وتتحول الأشياء إلى أضدادها فالقوة تصبح ضعفا ً , والعطاء دمارا ً وهلاكا ً.ذلك كله يزيد من إحساس الشاعر بالأسى والحزن , فيتطلب مساحة في الإيقاع ليتمكن الشاعر من نفث آهاته وتفريغ شحناته , فكثرت السلاسل وبدأ الإيقاع تصاعديا ً.
4- وإذا قارنا بين الجدول (1), (2) نجد أن الإيقاع في البيت الأول: قفا.. يتكون من سلسلتين (أ , د) ثم ختم اللوحة بالسلسة نفسها في البيت (التاسع):
فَفَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً عَلى الْنَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي محْمَليِ
ل - - ل - - - ل - - ل – ل -
ل - - ل - - - ل- ل ل – ل –
مما يؤكد نزعه الشاعر في بناء قصيدته على شكل دائري غير أن حالته النفسية لم تمكنه من ذلك.
وكذلك في قوله ب 19 (أفاطم...)
فهو يتكون من سلسلتين (ب), (أ) ويختم اللوحة بـ(السلسلتين) (ب), (أ) نفسها، وفي قوله في ب22 وما ذرفت.
5-نوّعَ الشاعر في اختيار السلاسل في بناء الأبيات فنجد البيت الأول (بداية اللوحة) يتكون من السلسلتين (أ), (د) في حين أن بداية لوحة المرأة أفاطم مهلا ً... يتكون من السلسلتين (ب , أ) , بينما يتشكل بداية لوحة الليل: وليل ٍ كموح... من السلسلتين (أ,جـ) وهذا يظهر , أنه ينوع في السلاسل وهي ظاهرة في أغلب المعلقة ويبدو أن هذا يلائم حدة الانفعال , وتدفق تدفقا ً يتطلب ذلك التنويع.
6- يُحدِث انزياحا في الإيقاع متوافقا ً (متراسلا ً) في انزياح المضمون لفظا ً ومعنى فعلى سبيل المثال:
في البيت (الثالث) يتحول الحديث عن البكاء إلى وصف بعر الأرام وشكله (كأنه حب حب فلفل) هو تحويل في المضمون يتبعه تحول في الإيقاع , فيحدث انزياحا ً كذلك , فتتغير السلسلة إلى هيئة أخرى هي:
ل - - ل – ل - ل - - ل – ل –
وهذا واضح في الجدول (1) وفي البيت (8) ينصرف الشاعر عن حديثه عن العبرات إلى حديث عن معشوقين فاح المسك منها كما يعبق نسيم الصبا بريا القرنفل وهو انزياح في المضمون فيتراسل معه انزياح في الإيقاع:
ل - - ل – ل - ل - - ل – ل –
وهكذا تتراسل الانزياحات الإيقاعية مع الانزياحات المضمونية وهي تتكرر في المعلقة.
وهكذا تتراسل الانزياحات الإيقاعية مع الإنزياحات المضمونية وهي تتكرر في المعلقة.
ثانيا ً: الصوائت (أحرف المد ّ):
إن تكرار الأحرف الصائتة (المد الألف والواو , والياء) في متن النص يضيف إيقاعاً جديدا ً فضلا ً عن الإيقاع الكمي , وإن المتأمل في المعلقة ليجد أن هذه الأحرف تكررت كثيرا ً من ذلك:
قفا... ذكرى حبيـب اللوى دخول
وقوف... بها صحبى يقولو لا...
فاضت... دمو.. صبا ... حتى... دمعي
ويلحظ كثرة حرفي (الألف , والواو) ويطلق عليها (جليلة أو هادئة , أما (الياء) ويطلق عليها (الحادة)، وبناء على ذلك يظهر:
1- أن لوحات النص تتسم بطابع الجرْس الجليل فتحقق لها موسيقى الغناء .
2- تتراسل هذه الصوائت مع حالة الشاعر التوّاق إلى البوح والنجوى.
ثالثا ً: القافية:
ويبدو أن الشاعر يختار لقصيدته ما يناسب حالته النفسية أو مضمونها , ولذا اختار أمريء القيس (اللام المكسورة) وذلك أن اللام في العربية صوت مجهور (ينحبس النفس عند نطق الحرف) وأحسب أنها تدل على الشدة في كلا المحورين: ففي محور الضعف الانكسار تدل على شدة انفعالاته , وفي محور القوة والانتصار تدل على شدة البهجة والسرور , أو شدة ما حلم به من الخيل والسيل والذئب، وزاد أن جعل اللام مكسورة، ولعلّ الصوت المنخفض (المكسور) يدلّ على الانهيار والحزن والحرقة ( )،فجاءت القافية مناسبة لمضمون القصيدة , ومنحتها إيقاعا ً ملائما ً.
ويلحظ أن القافية في المعلقة أنتجتْ مقطعا ً طويلا ً هو (لِ = لي ْ) وهذا المقطع أصبح يعبر عن الحزن والاستغاثة والاستعطاف في محور (الضعف) من ذلك (تجملِ , معوّلِ، فأنزلِ , فأجملي , تنسلِ , مقتلي , تنجلي , يهزل ِ..)
أو يعبر عن التملك والاستحقاق في محور القوة؛ ذلك لأن الصوت المنخفض يتلاءم مع (ياء المتكلم) الدالة على الامتلاك وليس بغريب فقد حاز في النص النساء والفرَس والوحش.
سبْكُ النصِّ وحَبْكُهُ:
إذا كان بعض الدارسين ينظرون إلى النص الشعري القديم (كالمعلقات وغيرها) إلى أنه لا رابط بين أجزائه , وليس فيه وحدة فنية فإنّ معلقة امرئ القيس تثبت خلاف ذلك.
فالشاعر بنى قصيدته على شكل لوحات أو مقاطع أو وحدات (ثمان) فبدأ بما يعانيه من حالة نفسية متأزمة ومنهارة طالبا المعونة من الآخرين ليشاركوه في آلامه , ويخرجوه مما هو فيه , ومثلت تلك الحالة لوحة (الطلل) وما فيها من نظائر دلالية من (الضعف والانكسار).
ولأنه يعاني صراعا ً بين الضعف في الواقع المشهود , وبين نصر مرجو وهو حلم مفقود , فقد أتبع اللوحة الأولى لوحة ثانية لوحة (اللهو والمجون) وما فيها من نظائر دلالية (القوة) , وقابلها ضديا ً ليخرج من حزنه وألمه، وينتصر على نفسه , ثم على أعدائه (ممن احتلوا مملكته وقتلوا أباه)، غير أن الشاعر لم يتماسك تماما ً، فعاد يسترجع الذكريات المؤلمة فتدفقت لوحة (المرأة = فاطمة) وما فيها من نظائر دلالية تتسم بـ(الضعف والانكسار) ويعود فيقابلها بلوحة أخرى هي لوحة (بيضة الخدر) وما فيها من نظائر تتسم بـ (القوة ) ؛ ولأن الذكريات لا تنفك تراوده , فأمسى يخاطب الليل وما فيه من ألم وهمّ وما فيه من نظائر تتصف بـ(الضعف والانكسار) ويحاول أن يستعيد نشاطه وهمته من جديد فيقابلها بلوحتي (الخيل) و (الليل) وتتراسل لوحات (الطلل) و (المرأة) و(الليل) لتكون نسيجا ً يتصف بـ (الضعف) , وتقابل لوحات (اللهو) , (بيضة الخدر) و (الخيل) و (السيل) لتكون نسيجا ً يتسم بـ (القوة).
وعليه فإن أي تغيير في ترتيب لوحات النص يبدو مستحيلا ً؛ لأن طبيعة البناء توجب تراكب هذه اللوحات , وتقابلها.
أما لوحات (السيل والخيل) فيمكن تقديم إحداهما على الأخرى لأن كلتيهما ذات دلالة واحدة , وتوشيان خاتمة النص بنوع في الانفتاح , فالشاعر لم يختم قصيدته كما هو معهود عند كثير من القصائد , وتفسير ذلك أن الموقف الذي أنبعث منه القصيدة لا يزال نابضا ً متدفقا ً لا نهاية له عند الشاعر.
ومن هنا غدا انفتاح النص سمة لبنائه ومتراسلا ً مع تشكله الشعوري. وهذا ما أشار إليه ابن رشيق القيرواني بقوله: ((ومن العرب من يختم القصيدة فيقطعها، والنفس متعلقة،وفيها راغبة مشتهية , ويبقى الكلام مبتورا ً كأنه لم يتعمد جعله خاتمة , كل ذلك رغبه في أخذ العفو , وإسقاط الكلفة، ألا ترى معلقة امرئ القيس كيف ختمها بقوله يصف السيل عن شدة المطر:
كانَّ الْسِّباعَ فِيهِ غَرْقَى عَشِيَّةً بِأَرْجَائِهِ الْقُصْوَى أَنَابِيشُ عُنْصُلِ
فلم يجعل لها قاعدة كما فعل غيره من أصحاب المعلقات وهي أفضلها))
ويمكن تمثيل ذلك بمخطط يزيده إيضاحا ً: