الحجاج : منطلقاته ، تقنياته و مفاهيمه
كتاب الحيوان للجاحظ نموذجا
بقلم : عبد الرزاق السومري : ناقد و روائي و مترجم من تونس
I- في بعض المنطلقات :
- الحجاج لصيق لتاريخ الفلسفة و فنّ الخطابة . درّسه السفسطائيون منذ القرن الخامس قبل الميلاد و كان يرمي إلى اقتناص مواقف الجمهور و دفعه للانخراط في موقف سياسيّ أو دينيّ أو فكريّ ما .
- من مظاهر الممارسة الحجاجية في الموروث الإغريقي
- محاورات إفلاطون
- مساهمات بروتاغوراس و جورجياس من خلال تأسيسهما لما يسمّى بالخطاب المزدوج : مع/ضدّ في معالجة كلّ مسألة فلسفية أو سياسية
- دور الجدل الأرسطي و خاصّة في تأسيس طريقتيْ :
الاستنباط و الاستقراء . كما حاول تقنين الخطابة في ثلاثة أجناس يوضحها الجدول التالي :
الأجناس الخطابية
مُشاوري قضائي بياني
العمل القولي النصح/النهي الدّفاع/الاتّهام المدح/الذمّ
الهدف نافع/مضرّ عادل/ظالم جميل/قبيح
النتيجة أو الغاية المستهدفة أخذ القرار إجباريّ لا يوجد قرار
المقرّر
عضو من أعضاء الاجتماع القاضي الجمهور
الزّمن المستقبل الماضي الماضي/الحاضر/المستقبل
- مبحث الحجاج يستدعي تقاطع جملة من العلوم و الاختصاصات : المنطق و الخطابــة و فلـــسفة اللغة و علم الاجتماع و الـــــــتداولية و نحو النصّ ....
- يتأسس المبحث الحجاجي على خلفية فلسفية فكرية تقوم على مبدأ النسبية العامة : لا توجد حقيقة مطلقة / الهدف من الخطاب هو النجاعة و ليس الحقيقة .
- الخطاب الحجاجي هو نقطة تقاطع بين :
- المنطقي : logos
- الأخلاقي :l’éthos
- العاطفي : pathos
أي مجالات : العقل و العادة أو العـــــــــــرف و الوجدان
II- الحجاج في القرن العشرين :
1- أعمال مدرسة بروكسال : بيـــــــــــرلمان و أولبريشت تيتيكا و صدور كتابيهما في الحجاج سنة 1958 .
و نلخّص مساهمتهما في ما يلي :
- الوضعية الحجاجية هي دائما وضعية خلافية
- التمييز بين ما هو صائب و ما هو حقيقي .
- مجال الحجاج ليس الحقيقة العلمية أو اليقين و إنّما هو الملائم و المشاكل و المعقـــــــــول و المحتمل .(القطع مع اليقين الديكارتي)
- لا يستهدف الحجاج الوضوح و البداهة أو المنطق و إن كان يستعين بها للإقناع .
- مجال المنطق صوري و شكلي أمّا مجال الحجاج فهو نفسي اجتماعي ...(الحجاج هو منطق اجتماعي Tarde)
- الاستدلال العلمي يصبو إلى الحقيقة أمّا الاستدلال الحجاجي فيصبو إلى التأيـــــــــــيد و الموافقة : L’adhesion
- المغزى الحجاجي ثلاثيّ الأبعاد :
- البعد العملي : الحصول على ردّ فعل
- البعد الفكري : الحصول على تأييد
- البعد الأخلاقي : تغيير سلوك
- المرجعيات التي ينقع منها الحجاج تنقسم إلى نوعين :
- كونية : أحداث ، حقائق ، قناعات
- خاصة بمجموعة بشرية : قيم متواضع عليها
تراتبية قيمية ، مواضع
2- مساهمات : آبوستيل ، رايش ، غريـــــز ، و فينيو(المدرسة الفرنسية الألمانية )
- الحجاج هو تفاعل لساني بين ما هو قيـــــــــــــمي و ما هو دلالي استثارته حاجـــــة ما .
- المنطق الصوري في شكله التقليدي هو منطق توصيفي للعالم في حالته الساكنة أمّا المنطق الحجاجي (منطق الفعل و الأخلاق) فهو يضع في اعتباره الاستدلالي تغيير العالم .
- العملية الحجاجية حسب فينيو هي عملية مسرحة : Théâtralité تقتضي : ممــــــثلين و قضـــــــــية و وضعيات و علامات تحويـــــــــــل و ديكور...إلخ
3- المدرسة الأمريكية (أعمال تولمــــــــــــــان و النموذج الاختزالي : القياس المتكون من أطروحـتين : مقدمة و استنتاج فقط : L’enthymème)
- وقع تطعيم الحجاج بالتداولية : الخطابة الأمريكية ظاهرة اجتماعية للتواصل و التفكير قبل أن تكون مسألة لغويّة .
الحجاج حسب تولمان هو تكييف الناس مع الأفكار أو العكس تكييف الأفكار حسب عقول الناس .
- الحجاج لا يصبو فقط إلى استمالة النــــفوس و العقول بل إلى إنتاج الأفكار و المواضعات.
4- نموذج ديكرو و آسكومبر (المدرسة الفرنسية ) :
- أسّسا لمفاهيم : العوامل الحجاجية ، السلالم الحجاجية ، الوجهة الحجاجية ،القوّة الحجاجية ، تعدّد الأصوات....
مثال عن الوجهة الحجاجية :
في سياق تلفّظي مرتبط بقضاء سهرة ا لسبت
نقول : "حتّى صادق جاء إلى السهرة"
يمكن أنّ يوجّه الخطاب نحو معنيين :
إمّا أنّ سهرة فاسدة أو سهرة جميلة
مثال آخر عن القوّة الحجاجية :
"جئت أحمل البندقية بيميني و غصن الزيتون بيساري ، لا تسقطوا غصن الزيتون الأخضر من يدي ..."
يوجّه المخاطب الحجاج بعمليتي :
المقابلة (العنف و اللطف)
التلطيف : لا تسقطوا ...
المماثلة (السلاح(القوة )/الغصن الأخضر(السلم))
- يربط ديكرو الحجاج بجملة قرائن أو مؤشرات لغوية تساهم في تمفصل الخطـــــاب و تقويته مثل : لكن ، حتّى ، أكيد ، و قبل كلّ شيء ، إذن ، على الأقلّ ، قليلا ما ، بما أنّ
ما كاد ، فقط ، بقدر ما ، تقريبا ، لأنّ ،أرى أنّ ...إلخ
III- في المفاهيم :
1- القوّة الحجاجيّة /الوجهة الحجاجيّة :
اعتبر آسكومبر أنّ المحتوى الدّلاليّ لكلّ قول يتكوّن من مصراعين أو واجهتين :
- الإخبار أو الإبلاغ :L’informativité
- المحاجّة : L’argumentativité
مثال :
”اعلمْ أنّ المصلحة في أمر ابتداء الدّنيا إلى انقضاء مدّتها امتزاج الخير بالشرّ ”
هذا قول واصف يقدّمه الجاحظ وهو متضمّن لـ :
- حكم أوليّ عن حال الدّنيا : حال لا يصلح إلاّ بامتزاج الخير و الشرّ و منه يُفهم أنّ الشرّ كما الخير نافع هو الآخر
و منه يفهم أيضا أنّ الله قد وضع الشرّ إلى جانب الخير لحكمة ...إلخ
- قوّة تأثيرية بالقول من خلال الرابط (اعلم) تجعل القول يتخطّى عتبة الإخبار و الإبلاغ إلى الحجاج حيث يروم الجاحظ تغيير سلوك الإنسان و نظرته إلى الكون و طريقة تبرير أفعـــــــــاله و أعماله : فالقول فيه قوّة /وجهة حجاجية داعية إلى :
تنزيه الله تعالى أن يضاف له الشرّ فأفعاله كلّها حسنة
الإنسان موجد لأفعاله خيرها و شرّها
حريّة الإنسان تقوم على فكرة الاستطاعة قبل الفعل
فالوجهة الحجاجية للقول الجاحظي المذكور تروم تعبئة المتلقّي في الانخراط في الفكر الاعتزالي الوسطي
*الوجهة الحجاجية :
ما هي الموجّهات الحجاجية ؟ و هل يمكن رصـــــــــــدها و تمييزها على المستوى النحوي ؟
تكون هذه الموجّهات أحيانا و في كثير من الأوقات أهــمّ و أنجع من المضمون القضوي أو الخبر الذي الذي يتضمّنه القول . فكلمة ” مصلحة“ في المثال السابق موجّه تثمينيّ (Appréciatif) أهمّ من الخبر ذاته كما يمكن أحيانا أن تكون موجّهات التفضيل و المقـــــــــــــــــــــارنة (Evaluatifs) أهمّ و أنجع من غيرها و هي التي تجعل المحاجّة تطفو و تغلب الإخبار .الوجهة الحجاجيّة للقول هي قاعدة الاستنتاجات الضمنية التي يمكن أن نتأوّلها من خلال واســمات لغوية أو مقامــية أو إشارية و التي تعبّر عن مقصد و غايات المتكلّم . (La visée argumentative)
تُشبّه هذه الواسمات بمحوّلات الخطاب : les aiguilleurs du discour
وهي تخضع لشروط و دوافع مرتبطة بالقصـــــــــــــدية و المواضــــعات و حاجات المؤسسة .
مثال : ”زعم ابن أبي العجوز أنّ الدّساس تلدُ“
هذا القول يحتوي مضمونا قضويا قابلا للتصــــــــديق أو التكذيب : الدّساس تلد و لا تبيض . وهو خبــــــــر خارق للمواضعة و العرف و الحسّ المشترك فالحيّات كما هو معلوم من الزواحف البيوضة : Ovipares و لكنّ الواسم النّحوي : ”زعم ” يوجّه القول وجهة تشكيكيّة قابلة للنّـقض و التبكيت . إضافة إلى أنّ هذا الفعل ينحو بالكلام منحى بعيدا عن الخطاب العلمي بحكم وروده في السرد القديم (الخرافات و الحكاية المثلية) و يمنح القضية سمة الابتداع و الاختراع و عسانا نخفّف شيئا من التشكيك لو استبدلنا الفعل بـ : أبلغني أو أخبرني ....
كما أنّ التّشكيك يزداد و يجعل حظّ الصّدق من الخبر قليلا طبيعة الإسناد (المعا ضلة و الانقطاع : ابن أبي العجوز مجرّد مروّض حيّات) : فالإسناد يسير بنا نحو أصول غير واضحة وهو أقرب إلى الشكل بلا محتوى .
2- الطبقات الحجاجية /السلالم الحجاجية:
أحيانا يكون التدرّج و التنظيم في المسار الحجاجي أهمّ من المحتوى القضوي و مفهوم السلّم يهتمّ بهذا الجانب : أي دراسة مسار الحجاج انطلاقا من قول الحجة إلى نتيـــجتها و طريقة التــــــلازم و التعاقد و سلّم التفاضل بين الحجج من حيث القوة و الضعف و الكم و الكيف ...إلخ
مثال : في كلام الجاحظ عن فخر السودان على البيضان يعقد سلّما حجاجيّا تفاضليا يتدرّج من النقض إلى التبكيت :
النقض : ”فقلنا لهم :بئس ما أثنيتم على السّخاء و الأثرة“
التبكيت : ”و قد وقّفناكم على إدحاض حجّتـــــكم في ذلك بالقياس الصّحيح“
و بين النقض و التبكيت نظّم الجاحظ الحجج حسب مسار تصاعديّ كالتالي :
1- مقارعة الخصوم بنفس الحجة (القياس) ويسمّى هذا الحجاج : مقارعة الشخص بأقــــــــــــواله و أعماله : Argumentation ad hominem
فإذا صحّ القياس الذي يعتبر السودان أسخياء لأنّهم ضعفاء العقول نتج عن ذلك أنّ أكثر الناس علما و عقلا هم الأكثر بخلا و أقلّ خيرا .
2- حجّة الواقع وهي أقلّ قوّة و نجاعة من الأولى :
- الصّقالبة أبخل من الرّوم مع أنّ الروم أبعد رؤية و أشدّ عقلا .
- الرجال و النساء و الصبيان ...إلخ
3- حجة الهجوم الشخصي :Argumentation ad personam كنفي صفة العلم عن الخصـــــم و نعته بالادّعاء :”و قد أقررتم لهم بالسّخاء ثمّ ادّعيتم ما لا يعرف“
3- الإيقاع الحجاجي : Tonalité argumentative
هو جملة الخصائص و السلوكات و المواقف التي تظهر في كلام المحاجّ :
فالحجاج يظهر في درجات عدّة فيكون :
تراجعي/هجومي
مطوّل/مقتضب
شكلي/نوعي
ثاقب/ثقيل
فيه اقتصاد في المجهود/يعبّر عن إطناب مقصود
مستهلك /طريف
جريء /مهادن
بسيط/معقّد
جدّي/ساخر تهكّمي
مباشر/غير مباشر
عدواني/مسالم
IV- أنماط الحجاج : Les types d’argumentation
1- الحجاج الإقناعي : convictif
المحاجّ يستدعي المنطق أو الاقتدارات التحليلية و مهارات البرهنة و الاستدلال لحمل الخصم على المـــــــــــــــوافقة و الإذعــان .
الحجج تكون موجّهة نحو الدعم و الإدراج :L’étayage
أو النقض و التبكيت :Négation et refutation
تكون الحجج مسنودة بأمثلة مختلفة المصادر :
- التجارب الشخصية
- القراءات
- مجالات معرفية : العلوم ، التاريخ ، الفلســـفة ...
- شواهد أو شهادات
- قيم رمزية أو ثقافية متواضع عليها : أساطير، طقوس ، رموز حيوانية
- حكمة الشعوب : حكم ، أمثال ، نكت ، حكايات شعبية
- نصوص دينية أو قصص وعظية ..
تبنى الحجج حسب مسار استدلالي مخصوص
- استنباطي/استقرائي/ جدلي/تنازلي/تماثلي/لامعقولي/مغالطي
تنتظم المقاطع الحجاجية بواسطة روابط منطقية تكون بمثابة إشارات استهداء موجهة لاستراتيجية المخاطب : مثال : الإكثار من أدوات الشكّ و التبعيض و الاحتمال(لعلّ ، ربّما ، أعتقد ، ريثما ،إنّ بعـض ، و من ، ... ) قد يوجّه الحجاج في سياقات معيّنة نحو : توخّي الحذر و الخوف من التعميم أو نحو المغالطة و الاستدراج .
أهمّ الروابط :
- الروابط المتعلقة بالتعليل أو السببية
- الروابط التنظيمية و الترتيبية : أمّا ، و بخصوص ، و قبل كلّ شيء ...
- المنظمات المكانية و الزمانية : تارة /أخرى من جهة ، من جهة ثانية ...
- المنظمات العددية :أولا ، ثانيا ، ثالثا ...
- الروابط التنظيمية مهمة في اقتناص المتلقي و شدّ انتباهه . مثال :
نحن الآن في هذه المرحلة ... لقد أنهينا الحديث في الموضوع السابق و سوف نخوض لا حقا في مسألة كذا...
2- الحجاج المشاوري : A. Deliberatif
المشاورة هي معالجة مسألة من وجهات نظر مختلفة لأخـــذ قرار أو موقف أو تخيّر حلّ من جملة حلول مقترحة .
المشاورة هي مواجهة اعتراضات الأنـــــــــــا و اعتراضات الآخر لبناء قرار حاسم .
المشاورة تأخذ في الاعتبار قيمة القضية قبل إقناع الخـــــــــــــصم و إفحامه .
تكون المشاورة صالحة في السياقات المصيرية ذات الشـــــــأن العام :مشاورات المــــحكمة ، مشاورات البرلمان .
الحوار و المثل و المقال من الأجناس الملائمة للحجاج المشاوري
3- الحجاج الاستمالي : A.persuatif
عندما يستدعي الخطاب الحجاجي مشاعــــــر و أحاسيس المتلقّي فهو يروم استمالته بدرجة أولى .
المحاجّ يستثمر في هذا النوع القــــــــــــــــــيم و المواضعات الثقافية العامة : على المحاج أن يكون مُحيطا بالنسق الفـــــــــــكري و الثقافي للمتقبل
- الاستمالة ترتكز على :
- مبادئ كونية مشتركة : الحقيقة ، الإخلاص ، العدل و الإنصاف ، السعادة ...
- قيم رمزية تتواضع عليها مجموعة بشرية أو تعلي من شأنها على حساب قيم أخرى : الشرف ، الشجاعة ، الكرم ، الصدق ، العمل ، الوطنية
- أعراف ثقافية و لغوية و بلاغية مثل :
المقابلة (لن تهنأ بعيشٍ مع شدّة التحرّز و لن يتّسق لك أمرٌ مع التّضييع )
- التضمين
- الإيحاء
- التلميح و التعريض
مثال :
"يا أمير المؤمنين ، أقرّ الله عينك و فرّحك بما أتاك و أتمّ سعدك ، لقد حكمت فقسطت ."
الحجاج الاستمالي يحقق وظيفتين :
التعبيرية (بلاغة القول)
التأثيرية (نجاعة القول أو بلاغة الإقناع)
V- الاسترتيجيّة الحجاجيّة :
هي مجموع الأعمال اللغوية القائمة على منطق خطابيّ ما و قوّة قوليّة كامنة و هدف حجاجيّ مضمر أو صـــريح . و من أنماط الاستراتيجيات الحجاجية التي ضبطها ديــــــــــكرو و آسكومبر :
* الاستراتيجية التشاركية : وهي تروم تقاسم فكرة مع الآخر و قد لا يكون خصما بالضرورة و تبرز من خلال واسمات لغوية أو مقامية نجد ما يقابلها عند الجاحظ من قبيل : ”و لم نر الصمت –أسعدك الله- ... ”و العقل حفظك الله “ أو كاستعمال ضمير الجمع للمفرد كدليـــــــــــل على التواضع أو للمخاطب للتعظيم و التوقير أو عبــــــارات للتلطيف و التنسيب من قبيل : " و الله أعلم ، و الله وليّ التوفيق ..."
1- الاستراتيجية السجالية أو التبكيتية :
و نراها في بعض النصوص التي تطرح بعض القضايا الكلامية و المذهبية و ينتصب فيها الجاحظ خصما لبقية الملل .
* استراتيجية الدعم و التبرير : وهي استراتيجية بارزة في النصوص التعليمية و خاصة في الرسائل المدافعة عن العقل ووجوه إدراك العلم ...إلخ
2- استراتيجية دفاعية
3- الاستراتيجية الإنشائية
VI- العوامل و الروابط الحجاجية :
دائرة الروابط الحجاجية أوسع و أشمل من الروابط النحوية و يمكن أن نتحدّث عن روابط دلالية أو مقامية لا تُمثّل لغويّا لذلك يمكن أن يكون الرابط الحجاجي : حرفا أو اسما مفردا أو تركيـــــبا أو جملة أو صوتا أو تعبيرا صوتيا :
Interjection ...إلخ
الروابط تمثّل واسمات تداوليّة تربط القول بالمقـــــــــــام و القصديّة و بفضلها نستطيع تحديد استراتيجية المخاطب
مثــــــــــــــال : يستعمل الجاحظ في كثير من نصوصه الرابط الحجاجي ”اعلمِ“ مخاطبا متلقيا افتراضــــيا أو حقيقيا (محمد بن أبي دؤاد ،الفتح بن خاقان ...إلخ ) وهو رابــــــــــــــــــــط مُشــــــــــــــــــاركيConnecteur de coopération و يستدعي استحضار منظومة أفكار القارئ ليقاسمه نفس المواقف و القناعات .فهذا الواسم اللغوي يحمل قوّة قوليه تجعل من المتلقّي حاضرا في سياق التلفّظ و طرفا في الخـطاب . و قد لا نغفل عن وظائف أخرى لهذا الرابط من قبيل : الوظيفة التنبيهيّة و التعليميّة .
ومن الروابط البارزة في خطاب الجاحظ : أداة الشرط ”لو“ المفيدة لافتراض الممتنع و ما يلحق بها من قرائن كـــــ“اللاّم ”و ”أو“ ...إلخ . هذه الروابط تحكم علاقات التركيب التلازمي القائم على السبب و النتيجية أو المقدّمة المفترجة و النتائج المحتملة و قد يعمد الجاحظ أحيانا إلى توسيع و تضخيم دائرة النتائج بقصد التهويل و التفــــــخيم و تبكيت الخصم و حمله على الإذعان .
مثال :
المقدّمة المفترضة :
افتراض أنّ الدّنيا قائمة على ”الشرّ الصّرف“ أو ”الخير المحض“ .
جملة النتائج المحتملة :
هلك الخلق / سقطت المحنة /تقطّعت أسباب الفكرة/عدم الحكمة / ذهاب التمييز /لا تثبّت / لا علم / لا صبر على المكروه / لا شكر على محبوب ...إلخ
و قد ينبّهنا الرابط بمعيّة التركيب إلى تقنية الحجاج القائمة على ما يسمّى : بحجــــــــــّة الانتشار أو العدوى : Argument de propagation/de contagion
وهي التي تقوم على مبدأ عدم تناسب حجم النتائج مع الأسباب أو هول النتائج مع قلّة الأسباب ، فالجاحظ يجعل من إحدى الفرضيتين (قيام الدنيا على الشرّ الصرف أو الخير الصّرف) سببا في الوبال والفساد الكونيين.
VII- صنافة الحجج :
لا توجد حجج صرفة : des arguments purs و إنّما يقاس النوع أو النمط بدرجة التفاوت : فحجة المثال قد نجد فيها المقـــــارنة و السلطة و الواقع .
قسّم بيرلمان و تيتيكا الحجج حسب معيار المرجع :
- حجج قاعدتها الذهن : وهي الحجج شبه المنطقية
- حجج قاعدتها الواقع : وهي الحجج القائمة على بنى الواقع .
الحجج القائمة على بنى الواقع قُسّمت حسب علاقتيْ التتابع و التزامن :
1- التتابع مثل :علاقة الظاهرة بنتائجها أو بأسبابها
2- التزامن : مثل علاقة الفرد بأقواله أعماله أو علاقة الفرد بالمجموعة أو علاقة قيمة مجرّدة بمظاهرها الماديّة :
VIII- في الحجاج المغالطي :
مثل : تشويه حجة السلطة : و نجده عند الجاحظ مثلا عندما يتلاعب بالإسناد أو يحاكيه محاكاة ساخرة من قبيل : "زعم "" أصحابنا " أو تزعم الأعراب و ناسٌ من جهّال أصحاب الأخبار ..."
أو "حدّثني صاحب مسلحة بباب الكرخ" ...
قالوا أنّ ....
تشويه الحجاج السببي :
"لا يصحّ ذلك لأنّه يحمل أفكارا هدامة تضرّ بالقيم التي أجمعت عليها المجموعة الوطنية ."
- الحجاج السطحي : symptomatique
بناء حكم عام انطلاقا من ملاحظات أو مقدمات جزئية :
مثال : "النظام الأمريكي لا يحمل همّا لما يحصل للمرضى ، أعرف امرأة توفّيت منذ أن دخلت المستشفى بيومين ".
- انتهاك المماثلة :
"أنت تلحّ على اقتناء آلة حاسوب ، هل تعلّمنا أنا و أبوك بهذا الجهاز سابقا عندما كنّا شبابا؟ "
- تشويه الترتيب السببي :
"المغازات مغلقة يوم الأحد لأنّها تفتح يوم السبت"
- حجة التضييق (A. de restriction) أو التوريط (Dilemme)
وهو شبيه بقول أحد بخلاء الجاحظ لمحفوظ النقّاش : "فإن شئت فأكلةٌ و موتةٌ ، و إن شئت فبعض احتمال و نومٌ على سلامة "
- تقنيات أخرى :
الاستدراج بتحريف وجهة نظر الخصم أو تنسيب موقف وهمي غير مقصود .
أدوات التشويه و التحريف :
- التبسيط
- المبالغة
- التجذير
- التعميم
- التناسي
مؤشرات لغوية مساعدة على ذلك :
أدوات التبعيض و التقليل و أدوات الشــــــــكّ و الاحتمال ، أفعال الاعتقاد ...
المراجع :
1- بالعربية :
- أهمّ نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم : إنجاز فريق بحث في البـــــــلاغة و الحجاج تحت إشراف الدكتور حمّادي صمّود . كلية الآداب منوبة . سلسلة آداب .
- مجلّة الشبكة التربوية الشاملة : عدد خاص حول "الحجاج في الفلسفة "
- Philippe Breton : L'argumentation dans la communication.3e édition.la découverte, Paris ,1996,2001,2003
- Mariana Tutescu : L'argumentation , introduction à l'étude du discour
Universitatea din bucuresti 2003
- Georges Vignaux : L'argumentation , du discour à la pensée .Hatier –Paris 1999