منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةاستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجراستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصوراستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةاستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةاستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلوداستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيراستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لنااستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجباستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديراستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حباستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصاراستراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 -

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد بكاي التلمساني
عضو شرف
عضو شرف


وسام النشاط :
وسام النشاط

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
210

نقاط :
602

تاريخ التسجيل :
15/08/2010

المهنة :
باحث وكاتب


استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - Empty
مُساهمةموضوع: استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 -   استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - I_icon_minitime2010-09-08, 19:17

إستراتيجية التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية

إنجاز: الدكتور إسماعيل شكري
باحث في علوم التربية والتواصل
أستاذ اللغة العربية بثانوية ابن رشد، برشيد
أبريل 2007
تقديــــم

ينشغل اليوم المهتمون بقضايا التعليم والتربية، في المغرب وخارجه، بالبحث في الأهمية البيداغوجية لمفهوم أساس هو: مفهوم الكفايات (Competencies). يأتي هذا الاهتمام في سياق تطور النظريات التربوية الحديثة الموازية لتطورات متسارعة في مجالات علم النفس المعرفي والتربوي وحقول الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا، بالنظر إلى تطور حاجات وإشكالات المجتمعات المعاصرة نفسها.وهي حاجات أضحت تطرح إشكالية التكوين الجيد للأفراد ومدى استعدادهم وقدرتهم على حل المعضلات الطارئة أو المحتملة ، سواء أتعلق الأمر بمجالات تدبير المقاولات وتدبير الموارد البشرية أم بالحبسات-المشاكل اليومية التي تعترض سبيل تفاعل الفرد مع العالم. وهذا ما يجعل الكفاية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبنيات الوظيفية للدماغ البشري بواسطة الأطر المعرفية (Frames) المحوسبة، والتي تمثل حصيلة تفاعل الفرد مع العالم، كما أنها تنمو وتتطور وفق شروط المحيط الاجتماعي والثقافي للوجود الإنساني (لايكوف 1987) .
من هذا المنطلق، يروم هذا الكتاب مقاربة الإشكالات التالية:
_ما هي الأسس المعرفية والبيولوجية للكفايات ؟
_ثم ماهي الاستراتيجية البيداغوجية المناسبة للتدريس بواسطة الكفايات انطلاقا من التحديد الدقيق لآفاق التربية المستقبلية في بلادنا ؟
_كبف نحدد الكفايات الأساسية في مجال "الذكاء البلاغي" الذي يشمل مختلف مكونات الدرس الأدبي في الثانوية المغربية؟
إن الدخل (In put) المناسب لبيداغوجيا الكفايات هو المعرفة الدقيقة أولا بطبيعة القدرات - الذكاءات الإنسانية وعلاقاتها المتشابكة بالجهاز العصبي والبنية الوراثية للأفراد مما يخول للدارسين والمربين التنبؤ بآفاق التربية المستقبلية المناسبة لكل فرد، في مختلف الحالات والوضعيات بالنظر إلى طبيعة المجتمع الذي ينتمي إليه.كما أن نقل استراتيجية التدريس بالكفايات إلى مجال الذكاء البلاغي بوصفه جزءا من الذكاء اللغوي يقتضي خلق منافذ لتفاعل المفاهيم البيداغوجية والبلاغية. وهذا مايترتب عنه التحديد الدقيق، نسبيا، لمختلف الكفايات اللغوية والبلاغية ضمن استراتيجية تنتقل من الكفايات الوصفية إلى الكفايات التأويلية التي تجعل من المتعلم المغربي في المرحلة الثانوية قادرا على استثمار الأنساق السردية والحجاجية والشعرية خلال سياقات إبداعية ونقدية أو عملية مختلفة.وعليه، إذا كانت بلادنا قد اختارت الانتقال من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا الكفايات مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة الانفتاح على العلوم المعرفية المعاصرة، فإن ذلك الانتقال يفرض، كذلك، استثمار العلوم اللسانية والبلاغية الجديدة لتنمية الذكاء البلاغي لدى المتعلمين. ومن ثم، يتغيى هذا الكتاب تقديم استراتيجية تفاعلية تراعي مقتضيات ذلك التحول التربوي والحضاري الهام الذي تعيشه منظومتنا التربوية المعاصرة.
وبذلك، ينتظم هذا الكتاب وفق المحاور الكبرى التالية:
_القسم الأول: الأسس المعرفية والبيولوجية للكفايات.
_ القسم الثاني: الأسس البلاغية للذكاء البلاغي.
_ القسم الثالث: مقاربة بيداغوجيا الكفايات انطلاقا من نص شعري.
فالقسم الأول يتناول دراسة مفهوم الكفايات بالنظر إلى أهمية الحد المعرفي لدى جاردنر، ولدى المنظرين للتصور التجرباني الخاص بمفهوم القوالب( Modules ) أمثال لايكوف وروش وغيرهما، حيث ميزنا بين الملكات الأفقية والملكات العمودية وخلصنا إلى اعتبار الكفايات قدرات عقلية باطنية مرتبطة بعوامل وراثية وبيئية في الآن نفسه.
وإذا كنا قد حددنا في القسم الأول بعض المفاهيم الضرورية لبيبداغوجيا الكفايات مثل الاستقلال النسبي والتفاعل..، فإن القسم الثاني يروم التحديد الدقيق لبعض المفاهيم البلاغية واللسانية الدلالية التي يحفل بها المقرر الدراسي لمادة اللغة العربية في الثانوية المغربية بما فيه المقرر الجديد للجذوع المشتركة ، حيث تم التأكيد من جديد على أهمية الانفتاح على الدرس الأدبي واللساني المعاصرين.وبذلك، لايستقيم التدريس بالكفايات دون الرجوع إلى المفاهيم البلاغية التأويلية التي ترتبط، كذلك، بالأسس المعرفية. وهو ما يجعل تلك المفاهيم مرتبطة ارتباطا تفاعليا بالذكاء البلاغي أو الذكاء اللغوي بشكل عام. ومن بين تلك المفاهيم نجد، في القسم الثاني، مفهوم التوازي ومفهوم التشاكل ومفهوم الجهة البلاغية باعتباره مفهوما منشطا للمفهومين السابقين، إضافة إلى مفاهيم دلالية وتداولية من قبيل التعدد المعنوي والمقومات الجوهرية والعرضية والأفعال اللغوية(الاستلزام الحواري) وغيرها من المفاهيم التي يوظفها الأستاذ لمقاربة درسه الأدبي في الثانوية المغربية.
ويأتي القسم الثالث بمثابة تظهير بيداغوجي للقسمين السابقين، حيث نقترح خطاطات استراتيجية للتدريس بالكفايات انطلاقا من نص شعري.ذلك أننا جعلنا من هذا النص ( قصيدة المواكب لجبران خليل جبران ) مجالا معرفيا لتنشيط الذكاء البلاغي لدى التلاميذ وتقويمه عبر ملاحظة وتتبع مسار نمو المهارات المعجمية والدلالية والتركيبية وغيرها، بالنظر إلى اختيار مؤولة حقوق الإنسان لاشتغال التأويل.
وهكذا، نعتبر كتابنا هذا مساهمة متواضعة نحو تعميق البحث في أطروحة الكفايات مع تيسير التعامل التربوي مع مختلف المفاهيم الموازية لتلك الأطروحة سواء أتعلق الأمر بالمفاهيم النفسية المعرفية أم بالمفاهيم اللسانية الدلالية والبلاغية، والله الموفق.


القسم الأول: الأسس المعرفية والبيولوجية للكفايات

1- الأسس المعرفية للكفايات
يعتبر مصطلح "الكفايات" مصطلحا شائعا بين علوم ومجالات مختلفة بما فيها مجالات التربية وعلم النفس وميادين المقاولات وتدبير الموارد البشرية . ومن ثم، يختلف تعريف مفهوم الكفاية من مجال إلى آخر تبعا للخلفية المعرفية الضرورية لكل حد. بيد أن هذا الاختلاف الذي يتوزع بين المنظورين السلوكي والمعرفي لا يلغي أهمية المنظور المعرفي التالي:
الكفاية Competence or competency)) بما هي قدرات عقلية باطنية تقود، في سباق عملي، إلى إنجاز مهام معينة أو حل مشكلات خاصة. وهي بذلك تنمو وتكتسب في اتجاه تجميع الفرد لحصيلة كافية من المهارات (skills) والمعارف القابلة للملاحظة والتقويم.
نستنتج من الحد السابق أن " الكفاية " استعداد باطني ذهني لايجب الخلط بينه وبين "المهارة" التي تمثل المستوى الإنجازي للكفاية والقابل للتقويم.كما أنها، أي الكفاية، لاتدخل في باب الملكات الأفقية أو المقدرات الثابتة (capacities) مثل الذاكرة والخيال والانتباه والسمع ...إلخ. غير أن هذه المفاهيم المميزة للذكاء الإنساني توسم، بوصفها ظواهر معرفية، بالتفاعل وليس بالتراتبية كما تصور ذلك الباحث محمد امزيان (2004)) لأن المكونات المعرفية متشابكة العلاقات (تفاعل القوالب: تشومسكي 1981 و 1982 و 1996 ومبدأ المرآة: بيكر 1985 وكريمشاو 1986).
إن الكفايات بالمعنى السابق مرتبطة أساسا بالذكاء الإنساني المتعدد والدينامي مما يجعل مقاربتها ووضع تصور دقيق بشأنها لا يخرجان عن التحليل المعرفي (cognitive) للبنيات الذهنية الإنسانية التي تؤطر معمارها "المقولات" (categories) و " الأطر" (frames).
فما هي خصائص تلك المقولات والأطر المميزة للذكاء الإنساني ولكفاياته المتعددة والمرتبطة ببناء المعرفة؟
تلعب المقولات دورا أساسيا في بناء المعرفة البشرية، لأن معظم تفكيرنا لا ينصب على المفردات والعناصر في ذاتها، ولكنه ينصب أساسا على المقولات. وبذلك لا تقبل الدلالة المعرفية اعتبار المقولات التصورية مرتبطة مباشرة بأشياء في العالم الموضوعي. ذلك أن حالات مختلفة يجب مراعاتها؛ وهي دور الأنماط التخييلية للذهن ( التنظيم الإطاري والاستعارة والكناية...) في تحديد طبيعة المقولات، إضافة إلى طبيعة الجسم الإنساني ( الكلام والإدراك ) التي تحدد بعض أنماطها . وفي الحالتين معا، ليست المقولة انعكاسا أو تمثيلا للواقع، بل إن الجسم الإنساني وقدراته التخييلية، يساهمون أساسا في تحديدها، خاصة أن مفهوم " واقع المتكلم " ( فوكونيي1984 ) يقتضي أن لا تعقد الروابط التداولية علاقات بين الواقع في ذاته والتمثيلات، بل إن هذا الواقع نفسه تمثيل ذهني للعالم الخارجي لدى المتكلم الذي قد يخطئ في إسناده بعض الخصائص إلى الأشياء الموجودة في العالم الطبيعي.
ولإبراز طبيعة العلاقة بين العالم- الشيء وخصائصه ميز الفلاسفة بين الخصائص الأساسية والخصائص الثانوية. فالأولى تمتلكها الأشياء باعتبارها جزءا من طبيعتها، أما الثانية فهي المنسوبة للأشياء بفعل تدخل جهازنا الإدراكي. ومن ثم، يدافع لايكوف (1988) عن الخصائص الثانوية المميزة لمقولاتنا الذهنية انطلاقا من القول بأن مقولة[ اللون ]، مثلا، لا توجد موضوعيا في العالم، بل تحدد بواسطة الجهاز العصبي - الفيزيولوجي، وبواسطة الأدوات المعرفية الكلية، إضافة إلى الاختيارات الثقافية المحددة. وهكذا، فمقولات اللون مقولات غامضة في حدودها المقولية، مادامت تتغير بشكل كبير من ثقافة إلى أخرى، مع العلم أن الألوان المركزية لا تتغير كثيرا، لكن تطرأ عليها تغييرات بفعل التحديدات الثقافية. ومن هنا، فتبني أطروحة الخصائص الثانوية ينسجم ومنظور المعرفة التجربانية الذي لا يفصل العالم الخارجي عن التجربة الإنسانية وما يترتب عنها من بنيات معرفية دون أي إغفال لدور التفاعل بين الخصائص الأساسية والثانوية وأهميته في إنتاج المعرفة الإنسانية.
وإذا كان للمقولة مستوى أساس ( Basic level )، فإنه ليس المستوى الأعلى الذي تقل فيه المقومات المشتركة بين موضوعا ته من قبيل " إنسان "، " حيوان "، " أثاث "، ولا المستوى الأدنى الذي يكرر معظم المقومات المشتركة ويضيف إليها بعض المقومات الخاصة المتعلقة بموضوعات مثل " كلب السباق "، " سيارة رياضية "، " علي "، "كرسي متحرك "...، بل إنه في وضع وسط معرفيا. ذلك أن المستوى الأساس المناسب للمقولة [ قط]، مثلا، هو الذي يتفاعل فيه الإنسان مع محيط القطط، فيطور ويخزن المعلومات بشكل فعال. وهذا يعني أن هذا المستوى الأوسط يرتبط بالإدراك، حيث نجد الشكل المدرك كليا والصورة الذهنية المفردة والتعيين الثابت. كما يرتبط بالوظيفة؛ أي بالبرامج المحركة العامة، وبالوظائف الثقافية العامة كذلك، إضافة إلى أنه يتوفر على خاصية تواصلية من خلال توظيف الكلمات المشتركة، بالنظر إلى كونه أول ما يتعلمه الأطفال، ومفتاح الدخول إلى المعجم، وله علاقة بالتنظيم المعرفي.
وإذا اعتبرنا معرفة العالم وامتلاك كفايات لحل المعضلات انطلاقا من مهارات خاصة كلها عمليات معرفية تتم من خلال مقولات باعتبارها صورا ذهنية، فإنها، أي تلك المقولات، مرتبطة أساسا بالتجربة الإنسانية و بالمجال الخاص؛ فالمقولات الخاصة بكفايات النجارة وكفايات رياضة كرة القدم مختلفة، بالضرورة، عن بعضها بعض.

غير أن تحديد المقولات يستند إلى الأطر ( Frames or Schemas ) التي ترتبط بمفهوم النماذج المعرفية المؤمثلة (IC Ms). ذلك أن الإنسان ينظم معرفته بواسطة معاني بنيات تمثلها تلك النماذج باعتبارها تنظيما تنتج عنه البنيات المقولية وآثار الشاهد الأمثل( Prototype ). ومن ثم، فكل نموذج معرفي مؤمثل يبنين فضاء ذهنيا بالمعنى الذي يقدمه فوكونيي (1984). ولذلك تشكل مباحث الأطر والاستعارة والكناية الأصول الأساسية لمبحث هذه النماذج. ومن الأمثلة التي تتداولها الدلالة المعرفية بخصوص هذا المفهوم، تحديد ماهية أحد أيام الأسبوع ( الأربعاء، مثلا، ) الذي لايمكن معرفة معناه إلا بمعرفة ماهية الأسبوع وكيفية تبنينه. ذلك أن الأسابيع - الإطار ليست شيئا موجودا في الطبيعة، فلا يمكن تقديم تعريف موضوعيا ني يحددها، خاصة أن الثقافات تختلف في تصورها لمفهوم اليوم والأسبوع... أي المسافة والامتداد. فيترتب عن ذلك أن الأسابيع - الإطار إبداع تخييلي للذهن الإنساني مرهون بالروابط التداولية أي بالشروط الثقافية والاجتماعية.
وهكذا، تعتبر تلك البنيات التخييلية أطرا يكمن فيها أساسا واقعنا الثقافي الخاص، كما تؤكد ذلك الأنتربولوجيا المعرفية المعاصرة، كما أنها تمثل آليات معرفية أساسية لتنشيط مختلف الكفايات.وهذا يعني أن الذكاء الإنساني بقدر ما يمتاز بتنوع المجال وتنوع الشروط الثقافية، بقدر ما يتنوع بتنوع سياقات المجال الواحد نفسه، وبتعدد حالات الفرد الواحد نفسه كذلك.
وعليه، يمكن اختبار التضمين التربوي لنظرية الذكاءات المتعددة (multiple intelligences، جاردنر 1984) التي تؤكد وجود عدة قدرات فكرية إنسانية مستقلة نسبيا عن بعضها بعض، بحيث يمكن تحديد صورة الفرد الفكرية في وقت مبكر مما يسمح بتعزيز الاختيارات والحظوظ التربوية للفرد أي التنبؤ بمستقبله التربوي.
ومن ثم، نطرح التساؤل التالي:
ما نوع الملكات التي تسم الذكاءات الإنسانية المتعددة؟
لقد ركزت الدراسات الخاصة بقالبية الذهن (modularity of mind) على أهمية الملكات_ القدرات العمودية (Les facultés verticales) التي تسم معمار الذهن البشري بالوظيفية (فودور1983). ذلك أن الملكات الأفقية (Les facultés horizontales) من قبيل الذاكرة والخيال والحكم والانتباه، كما أكد ذلك غال (Gall 1758/1828) هي نسق معرفي تعميمي بل هي " مجرد خيال"، بحيث يجب التركيز على أهمية القدرات العقلية العمودية التي تمثل كفايات خاصة في مجال معرفي خاص كذلك. وهو الأمر الذي يجعلها تتمايز بالنظر إلى طابعها الخاص لأن الإيواليات النفسية والمعرفية لكل قدرة من تلك القدرات - الكفايات تختلف عن غيرها وفق سياقها وشروطها الضرورية. فالإيواليات المعرفية لكفاية تأويل المعجم الشعري ليست هي الإيواليات المعرفية لكفاية تأويل الرمزية الصوتية، بل ليست هي نفسها إيواليات كفاية ضربات الجزاء في مباراة لكرة القدم. فالسياق والوضعية من أهم شروط إنجاز الكفاية. وهذا ما يؤكد ضرورة استبعاد مفهوم "الملكات الأفقية". فعلى سبيل المثال إذا قلنا بوجود "قدرة واحدة للذاكرة" فالشخص الذي يتوفر على ذاكرة جيدة بالنسبة لبعض الأشياء والظواهر يجب أن يتوفر حتما على ذاكرة جيدة بالنسبة لجميع المجالات وهو أمر مستبعد معرفيا .
نستنتج مما سبق، أن الكفاية سياقية مختلفة من فرد لآخر بل وللفرد الواحد كفايات متعددة ومختلفة ليس فقط من مجال إلى آخر لكنها متنوعة من وضعية لأخرى داخل المجال الواحد نفسه. فتلميذ مجتهد ما قد لا يتجاوب مع نشاط ما داخل مجال الرياضيات لأنه لم يستعد بعد معرفيا لإنجازه، بينما هو عنصر نشيط قادر على إنجاز معظم الأنشطة داخل المجال نفسه.
إذن، يمكن استخلاص ثلاثة مبادئ معرفية مميزة للكفايات:
1- مبدأ الاستقلال النسبي للكفايات عن بعضها بعض.
2- تفاعل الكفايات مع بعضها بعض، بحيث يمكن الانتقال من كفاية إلى أخرى ضمن نسق أكبر من المهام والإنجازات.
3 - المجال المعرفي والسياق إضافة إلى "التمثلات التداولية"(Représentations Pragmatiques) ، وهي من أهم الشروط المعرفية المحددة لنوع الكفاية واستراتيجية إنجازها. فعلى سبيل المثال، وفي مجال الذكاء الشعري البلاغي يمكن اعتبار كفاية تأويل الاستعارة كفاية مستقلة نسبيا لأنها تتحين في النشاط الدلالي بواسطة التأويل، لكنها تتفاعل مع كفايات أخرى في مرحلة الإنجاز مثل كفاية شرح المقومات في المعجم، كما أنها تعتمد التمثلات التأويلية لأن رفع التعارض الدلالي بين المقومات يمر عبر اختيار المتلقي للسياق المناسب للتأويل.وهذا ما ينسحب مثلا على استعارة "رحل النهار" .


وفيما يلي جدول تمثيلي لهذه الأسس المعرفية في مجال الذكاء البلاغي الشعري:
المجال المعرفي: الخطاب الشعري
المبادئ المعرفية الكفايات الأنشطة التعلمية_التعليمية

1- الاستقلال النسبي للكفايــة









1- تأويل الاستعارة في الشعر الحـــــــر
1- تحديد الانزياحات_ اللاتشاكلات ونقلها إلى تشاكلات بواسطة التأويل: الانتقال من التنافر الدلالي في العبارة الاستعارية إلى انسجام المعنى، كما هو الشأن بالنسبة لاستعارة رحل النهار، وهو نشاط دلالي.

2_ تفاعل الكفايات

2- كفاية شرح المقومات في المعجم، وفي السياق

2- يحدد التلميذ المقومات المتعارضة بين الكلمات بناء على آليتي المعجم والسياق وهو نشاط معجمي - دلالي وتداولي.

3_التمثلات التداوليـــــة

3- رفع التعارض الدلالي بين المقومات،أي كفاية بناء الانسجام.

3 - يحدد التلميذ السياق المناسب للتأويل بما هو مجموعة من المعارف والافتراضات المساوقة للتلقي مثل سياق الحزن أو سياق اندحار العالم العربي بالنسبة لاستعارة رحل النهار (بدر شاكر السياب).

الشكل (1): تمثيل الأسس المعرفية للكفايات
2_الأسس البيولوجية للكفايات
لقد أكدنا في سياق الحديث عن الأسس المعرفية للكفايات أن كل كفاية مرتبطة بالذكاءات المتعددة للفرد بالنظر إلى تعدد وضعيات النشاط الواحد. وهذا ما يجعل منظور تعدد القدرات الإنسانية يتجاوز المفهوم الأحادي لاختبارات الذكاء بناء على تعدد الإيواليات المعرفية والثقافية والبيولوجية ذاتها. وهو ما يسمح، في نظر جاردنر(1984)، بتوجيه الأنتربولوجيين تربويا نحو صياغة نموذج لكيفية تشييد القدرات الفكرية ضمن أوضاع ثقافية متعددة.
غير أن متغير الثقافة أو المحيط هو في الأساس تحيين للبرامج الوراثية الكامنة في جهازنا العصبي. فنتائج علوم الوراثة والكيمياء الحيوية وفيزيولوجيا الأعصاب تمدنا بمعلومات بيولوجية هامة عن تطوير الذكاءات الإنسانية.
لقد ركزت المباحث البيولوجية على مبدأين أساسيين:
أ) w مرونة النمو الإنساني (flexibility of human developpment) حيث يمكن تغيير القدرات العقلية للإنسان أو لمجموعة بشرية بواسطة عدة تدخلات.
ب) w طبيعة أو هوية القدرات الفكرية الإنسانية التي ترتكز على أجزاء مختلفة من أجهزة الجهاز العصبي والتي بإمكانها تنفيذ وظائف فكرية خاصة لتكون ملائمة لسلسلة من العمليات الفكرية. ومن ثم، يرتبط الاهتمام "بالهوية" بحاجة الباحث البيولوجي إلى العناية بالاختلافات الواردة بين بعض القدرات مثل اللغة التي تتطور في اتجاه درجة عالية لدى أفراد عاديين بينما نجد، في المقابل، قدرات أخرى مثل الموسيقى تؤشر على اختلافات هامة في درجات الإتقان تميز الإنجازات الفردية.
إن أهم نتيجة مترتبة عن هذا المنظور البيولوجي هي أن "المطاوعة" و"المرونة" (Plasticity and Flexibility) تميزان النمو البشري خاصة في بداية حياة الفرد. فهما خاصيتان مقولبتان (Modulated) بواسطة قيود تكوينية خاصة. وبذلك فالوجود البشري من زاوية مفهوم "الهوية" مستعد بشكل مسبق إلى تنفيذ بعض العمليات الفكرية الخاصة التي يمكن لطبيعتها أن تستخلص من الملاحظات والتجارب، مما يعني أن الجهود التربوية يجب أن تبنى بالنظر إلى معرفة هذه النزعات الفكرية ومظاهر " مرونتها ومطاوعتها". وهذا ما يقود إلى ضرورة الانتباه إلى العناصر الوراثية في المكونات البيولوجية للقدرات . فكل عمل ينوي الفرد إنجازه يكون على حد تعبير جاردنر، مشفرا داخل جسدنا التكويني. لكن يجب الانتباه إلى التمييز الوارد بين " البنية الوراثية" أو "الطرازالعرقي" (Genotype) و "الطراز العرقي في المحيط" (Phenotype). فالأول هو عبارة عن بنية وراثية للفرد أو لطبقة من الأفراد تشترك في تركيب وراثي خاص. أما الثاني، فهو مجموعة من الخصائص الوراثية الفردية - الجماعية المطبقة في محيط معين أي المحينة بواسطة قيود وشروط بيئية معينة. فمن شأن هذا التمييز الدقيق بين البنيتين الو راثيتين أن يساعد الباحثين على التحديد الدقيق للثابت والمتغير في حياة الأفراد الفكرية والسلوكية. ذلك أن لبعض الأفراد قابلية أكثر من غيرهم، بحكم طبيعة التأليف الو راثي لديهم للإصابة ببعض الأمراض مما يسمح بالتدخل لتوفير بيئة استشفائية لهم، وهناك آخرون يعدون ببعض المواهب التي لا يمكن أن تتطور وتنمو إلا بوجود شروط بيئية ملائمة. فاللاعب الماهر الموهوب في لعبة الشطرنج لن يكون على الدوام ماهرا بدون المنافسة والاحتكاك البيئي مع الأبطال .
ومن هنا، يمكن الحديث عن قيود وعلامات للذكاء الإنساني تستلزم مجموعة من القدرات الفكرية التي تمكن الإنسان من حل مختلف المشكلات أو الحبسات المحيطة به، بل هي قدرات تمكن كذلك من خلق المسائل وتنشيطها في سياق اكتساب معرفة جديدة مع إمكان تعطل تلك القدرات لسبب من الأسباب. وبذلك يتوفر الذكاء الإنساني، حسب جاردنر، على معايير من قبيل إمكانية عزل الملكة نتيجة عطل أو خلل دماغي، وهو ما يؤشر على الاستقلال النسبي لتلك الملكة عن غيرها من الملكات المحوسبة في نسيج الذكاءات المتعددة.ومن بين تلك المعايير، كذلك، وجود العلماء لبلهاء والعباقرة والأطفال الغارقون في الخيال ، إضافة إلى توفر الذكاء الإنساني على بعض الإيواليات التي تعالج مجموعة من المدخلات. وهو ما يجعل هذا الذكاء عبارة عن إيوالية عصبية أو نسق حاسوبي(Computational System) مبرمج وراثيا بحيث ينشط بواسطة بعض المعلومات الحاضرة داخليا أو خارجيا. ومثال ذلك الحساسية المتعلقة بتحديد درجات النغم والطبقة الصوتية والعلاقات القائمة بينهما، مما يؤشر على أن تلك الحساسية تمثل دخلا للذكاء الموسيقي (جاردنر 1984.ص.64).وينضاف إلى ما سبق، أن الذكاء الإنساني يوسم بتاريخ تطوري، ويمكنه أن يرمز داخل أنساق رمزية تدل عليها أساسا اللغة والصورة والرياضيات.
وبهذا المعنى لايمكن حصر لائحة الذكاءات الممكنة، ولايمكن اعتبار الذكاء معادلا لنسق حسي معين لأنه يتحين داخل أكثر من نسق حسي. كما أنه من الضروري النظر في كل ذكاء على حدة بوصفه عملية خاصة لها أسسها البيولوجية الخاصة.ثم إن كلمة ذكاء لا يجب أن تخضع لحكم القيمة بالحديث دائما عن ذكاء إيجابي بل على العكس من ذلك يمكن لبعض الذكاءات المنطقية _الرياضية أو اللغوية أن توظف لأغراض شنيعة.والذكاء بعد كل ذلك، هو بمثابة إمكان أي قدرة محتملة لأن الفرد المتوفر عليها قد لا يوظفها مما يجعله برنامجا للعمل(Program of Action ) .
إذن، وضع مفهوم الكفاية في سياق الأسس المعرفية والبيولوجية والثقافية يمكننا من التحديد الدقيق لطبيعة الكفايات التي يحتاجها الفرد والجماعة داخل منظومة اجتماعية معينة في فترة تاريخية خاصة. بيد أن استراتيجية التدريس بالكفايات لايمكن عزلها عن المضامين والمعارف التي تتوفر عليها برامج التدريس. ومن ثم، تأتي أهمية البحث في بعض المفاهيم اللسانية والبلاغية وتقديمها بشكل يلائم حاجات التكوين المستمر الذي يعتبر عصب التطور الخاص بالعملية التعليمية.وبذلك يجد القارئ في القسم الموالي دراسة بعض المفاهيم التي سنستثمرها خلال تحديدنا للكفايات البلاغية.
القسم الثاني: الأسس البلاغية
1_الأفعال اللغوية: الاستلزام الحواري
يمكن اعتبار الفعل الإنتاجي اللساني إضافة إلى كونه سلسلة جمل، عملية "تحيين" (Actualisation) لهذه الجمل المتبناة من طرف متكلم معين في ظروف فضائية وزمنية خاصة . وهذا ما يمثل وضعية الخطاب، أو ما يصطلح عليه بالتلفظ. إنه، من وجهة النظر اللسانية، يحيل على بصمات يتركها في الملفوظ. مما يعني أن العناصر المنتمية لشفرة اللسان(Langue) حاملة لمعنى يختلف باختلاف العوامل من تلفظ لآخر. وهكذا فالعناصرالمكونة للتلفظ يمثلها، أولا، المتكلم الذي يتلفظ، والمتلقي الذي يتوجه إليه الملفوظ. وتؤشر عليها، ثانيا، بعض المؤشرات التركيبية مثل: [أنا، أنت، هنا، الآن، البارحة، اليوم،...]، وهي ما يصطلح عليه بالمكونات الإشارية التي تتضمن كل أزمنة الأفعال المنتظمة حول الحاضر، أي حول زمن التلفظ (Temps de L'Enonciation). ونخص بالذكر بعض الأفعال مثل: [أعتقد، أستنتج، أعد، أحكم....] وهي أفعال تنجز الفعل الذي تعينه بمجرد التلفظ بها .
إن هذه الأفعال، هي ما تمت دراسته في فلسفة اللغة ضمن نظرية "الأفعال اللغوية " مع أوستين وسورل وجرايس. لقد أدرجها الأول ضمن مفهوم "الجمل الإنجازية " ( Sentences Performative ) التي تمتاز بعدم احتمالها للصدق أو الكذب، ويتزامن النطق بها مع تحقق مدلولها، وذلك مع وجوب أن يكون فعلها منتميا إلى طبقة الأفعال الإنجازية (قال، سأل، حذر، أوعد...)، وأن يكون فاعل هذا الفعل المتكلم، ثم يجب أن يكون الزمن الحاضر زمن الفعل أساسا. وبالرغم من أن سورل (1972) أعاد تنظيم مقترحات أوستين (1962)، فإنه احتفظ بما نعته " بالفعل الإنجازي " (القوة الإنجازية ). ذلك أن دلالة الجملة تتمثل في محتواها القضوي (الإحالة والحمل) وفي القوة الإنجازية التي ترافقها:
_1 لا تشرب من الماء العكر !
تتكون دلالة هذه الجملة من فعل قضوي يمثله المحتوى القضوي للجملة (أو معناها الحرفي )، ومن فعل إنجازي أو قوة إنجازية ماثلة في النهي الذي يتحقق بمجرد التلفظ بالجملة من لدن متكلم وفي زمن حاضر. وبذلك، نحصل على البنية (2) التي صاغها المتوكل (1989) على النحو التالي:
_2 قو (قض)
حيث إن قو = قوة إنجازية = النهي، وقض = فعل قضوي محتوى الجملة ( النهي عن الشرب من الماء العكر ).
وبهذا المعنى، فالأفعال الإنجازية عند سورل هي ما يتحقق محتواها القضوي زمان التلفظ ذاته.
ينضاف إلى هذه المؤشرات، بعض المقومات التقديرية أو التأثرية التي تتضمن حكما أو حالة " لفاعل التلفظ" (Sujet de l'Enonciation) وهي مؤشرات وردت في "نظرية الأفعال اللغوية " عند سورل (1979) لتمثل على التوالي "الأفعال الحكمية " التي تمثل الواقع إما تمثيلا صادقا أو كاذبا، و "الأفعال التعبيرية " التي تعبر عن حالة نفسية ترتبط بشروط الصدق المحيطة بواقعة معينة يحددها المحتوى القضوي للجملة .
إضافة إلى هذا، نجد مؤشرات تداولية تؤشر على طبيعة التلفظ. من ذلك مثلا، هوية كل من المتكلم والسامع وزمان التلفظ (الحاضر)، ومكانه والعلاقة الممكنة بين المتحاورين وبين الملفوظ .
بيد أن نظرية الأفعال اللغوية لم تقف عند حدود المحتوى القضوي للجملة( معناها الحرفي) والقوة الإنجازية الملازمة للتلفظ، بل تجاوزت ذلك نحو ما ينعت بالاستلزام الحواري.ذلك أن جرايس(1979) لاحظ بأن جمل اللغات الطبيعية يمكن أن تدل، في بعض السياقات، على معان أخرى خفية غير المعنى القضوي.لننظر في السياق التالي:
يقول الأستاذ لتلميذ غير مجد: _3 واصل اجتهادك هذا !
يتوفر تلفظ الأستاذ على حمولة دلالية منشطرة إلى ثلاثة معان: _المعنى الحرفي ( دعوة الأستاذ تلميذه ليزيد من اجتهاده)، _القوة الإنجازية( الأمر)، _المعنى الاستلزامي أي المشيد من السياق ( السخرية أو التحذير).
ويقدم جرايس هذه الدلالة الاستلزامية ضمن تصنيف عام لبعض المعاني التي يمكن أن تدل عليها العبارات اللغوية.فهناك، في نظره، معان صريحة ومعان ضمنية، حيث تشمل المعاني الصريحة:
أ_المحتوى القضوي المتمثل في معاني مفردات الجمل حيث يرتبط بعضها ببعض في سياق تركيبي.
ب_القوة الإنجازية الحرفية والتي تؤشر عليها بعض الصيغ مثل الاستفهام والأمر وغيرهما.
أما المعاني الضمنية فهي صنفان:
أ_معان عرفية مرتبطة بجملها ارتباطا يجعلها لا تتغير بتغير السياقات، وتنشطر إلى الاقتضاء والاستلزام المنطقي.
ب_معان حوارية (أو سياقية) تولد حسب السياقات التي تنجز فيها الجملة، وهي بذلك معان استلزامية حوارية.
ونمثل لهذه المعاني بمايلي:
_4 ألا تراجع درس الرياضيات الصعب؟
تتكون الدلالة الصريحة لهذه الجملة من محتواها القضوي: مراجعة درس الرياضيات الصعب، ومن قوتها الإنجازية الحرفية المؤشر عليها بالهمزة: الاستفهام. غير أن الدلالة الخفية لنفس الجملة تتكون من معنيين عرفيين وهما الاقتضاء (وجود مناسبة للمراجعة كالامتحان مثلا)، والاستلزام المنطقي(كون هناك دروس سهلة وأخرى صعبة)، ومن معنى استلزامي حواري يؤول من السياق: التنبيه أو إنكار حالة تغاضي المرسل إليه عن مراجعة مثل تلك الدروس المركبة.
والجدير بالذكر أن نظرية المعنى في البلاغة العربية تتوفر على مفاهيم موازية لمفهوم الاستلزام الحواري مثل خروج بعض صيغ الإنشاء عن مقتضى الظاهر...
وهكذا، يمكن استثمار مفهوم الأفعال اللغوية في الدرس النحوي _البلاغي أو في درس النصوص قصد التمييز بين مختلف معاني الخطاب خاصة منها المعاني التداولية.وهو ما يقود إلى ضرورة البحث في ظاهرة موازية تعترض محلل الخطاب، هي ظاهرة التعدد المعنوي(Polysémie).
2
_التعدد المعنوي
تتقاسم كل من الدلالة المعرفية والدلالة اللسانية مبحثا دلاليا مركزيا يتعلق بتعدد المعاني المرتبطة بالحالات المختلفة لوحدة دلالية معينة. ومن ثم، نعتبر، في مرحلة أولى، أطروحات الدلالة المعرفية بخصوص هذا المبحث مدخلا أساسيا لتحديد الإطار المعرفي لتعدد المعاني في بعض الأوجه البلاغية الزمنية، ومنها "الجناسات". وبذلك، يمكن إدراج التعدد المعنوي في إطار مقولات المعاني ( Categories of senses )، حيث كلمة واحدة أو كلمات متشابهة في اللفظ تتوفر على أكثر من معنى. فقد لاحظ فيلمور 1982 أ على سبيل المثال، أن الصفة: Long، تتوفر على معنيين؛ واحد فضائي والآخر زمني. لكن المعنى الفضائي يأخذ به عامة باعتباره شاهدا أمثلا، ويرتبط به المعنى الزمني بواسطة الاستعارة. ومن هنا، فمعنى الكلمة في مجالها الأصلي يشكل الأساس، كأن يمثل المجال الفضائي المجال الأصلي لكلمة: UP في اللغة الإنجليزية:
The rocket went up_5
أما ميدانها - الهدف الذي تحول إليه فيتعلق بالمشاعر في الجملة التالية:
I’m feeling up today_6
حيث إن معنى كلمة UP هنا، هو: سعيد .
ونفس التحويل نجده في الجملتين التاليتين:
_7 رحبة رحبة.
_8 فاطمة رحبة الصدر.
ذلك أن الوحدة الدلالية 'رحبة ' انتقلت من المجال الفضائي في الجملة (7) إلى مجال المشاعر في الجملة (8)، إذ شكلت الكناية أداة للربط بين المعنيين بواسطة تعيين المجال الأول للثاني.
وتقوم الأطر بالمعنى الذي قدمناه آنفا، بوظيفة أساسية في تعدد المعنى انطلاقا من تجارب الإنسان المبنية بطريقة ذات معنى. وهكذا تتعدد الأطر وتتعدد المعاني، إذ نجد، مثلا، الإطار - الحاوية الذي يتكون من التمييز الجسمي بين الداخل / الخارج، حيث نعتبر أجسامنا حاويات؛ أي نأخذ الهواء إلى داخل أفواهنا ونخرجه منها، كما ندخل بالأجسام إلى الأغطية، بل يدخل الإنسان زواجا ويخرج منه بالمعنى الاستعاري. ثم هناك الإطار الجزئي-الكلي الذي يحيل على تجاربنا باعتبارها ناتجة عن وجود كلي مع استعمال أجزاء من الجسم الإنساني. وبذلك، نجرب أجسامنا، باعتبارها كليات، مع جزئيات. ولكي نحيط بالعالم لا بد من الوعي بالبنية الجزئية - الكلية للأشياء الأخرى. واستعاريا، ينظر إلى العائلات على أساس أنها كل مع أجزاء، وينظر إلى الزواج باعتباره تكوينا للأسرة: الكل، مع الشريك: الجزء .
ومن الأطر المتعددة التي تتوفر على معان في حياة الإنسان، نجد إطار الطريق - الهدف، وإطار الفوق - الأسفل، وإطار الأمام - الوراء... الخ، فهي أطر تؤكد بأن العقل الإنساني يستند إلى تجارب الإنسان الجسدية، كما يستند إلى الاستعارة التي تضع تلك الأطر في ميادين مجردة. وهذا يعني، في نظرنا، أن تلك الأطر تمثل الأسس الدلالية الكلية لتجارب الإنسان. وبذلك يجوز الحديث عن مقومات(Sèmes) كلية تؤطر التجربة الإنسانية بشكل عام. وهذا ما يجعل أطروحتنا تختلف مع التصور الدلالي اللساني (راستيي 1987) الذي ينفي وجود مثل تلك المقومات.
لقد دافع كل من يلمسليق و ياكبسون عن فكرة وجود بعض المقومات التي تمكن من وصف محتوى كل اللغات. كما أن كاتز (1971)، طرح مسألة وجود مقولات دلالية لكل اللغات من خلال مفهوم الأفكار الفطرية . لكن راستي (1987) قد اعترض على مثل هذه الأطروحات بقوله إن المقومات تحدد العلاقات بين الوحدات المعجمية، وبالتالي فإن اللغات تمعجم التجارب المتبادلة والشائعة، مما يجعل المقومات خاصة بلغة معينة. هذا، إضافة إلى أن المقومات وحدات لغوية بينما الكليات ذات مستوى تجريدي؛ ما فوق لغوي .
يمكن نقد هذا التصور بالنظر إلى الإطار المعرفي الذي اعتمدناه آنفا، الذي يمكن في ضوئه ربط المقومات بالأطر، وبالتالي، بالنماذج المعرفية المؤمثلة. وهذا ما يجعل كل المقومات بمثابة تمثيل ذهني للعالم. ثم إن القول بأن المقومات ذات طابع سياقي لا يعني عدم توفر بعضها على خاصية الكلية بالمعنى الذي يجعلها كليات ناتجة عن التجارب الإنسانية المشتركة.
غير أننا لا نتبنى هذا المفهوم (المقومات الكلية ) بمعنى أصول وكليات النظرية الدلالية ( مارتان 1976 و 1983، وبوتيي 1980 أ ) حيث يفهم المقوم الكلي، في هذا السياق، بمعنى اللغة الواصفة الدلالية التي يتم استدعاؤها بحسب استراتيجية المحلل - القارئ، والتي تشكل كليات المنهج المساعدة على بناء النماذج.
وهكذا، نؤكد على توفر جميع اللغات على كليات دلالية يمكن تحليلها بواسطة المقومات انطلاقا من وجود ثوابت إنسانية، بحيث إن التحليل التشاكلي (( القائم على التحليل بالمقومات يتجاوز مهمة إثبات انسجام الرسالة إلى الكشف عن بعض الثوابت الانتربولوجية مثل ثنائية: الطبيعي / الثقافي الحياة / الموت (....) (و) إذا ما أخذنا بمقترحات الظاهراتية التجربانية فإن فرضية انسجام النص تصبح تحصيل حاصل لأن أي نص يدور حول تلك الثوابت، وهي هي، مهما اختلفت الثقافات والموضوعات، وتبعا لهذا فإن المفردات مترا دفة ومتداخلة ترادفا وتداخلا شاملين. لهذا يمكن تنويع مقولة: الحياة / الممات؛ الطبيعي / الثقافي إلى: الحرب / السلم؛ السيولة / الصلابة؛ الشهوات / الزهادة ؛ الانفعالات / اللا إكثرات ؛ التدين / الإلحاد ؛ التملك / رفع الحيازة .. )) .
ومن هنا، يمكن إعادة بناء تعريف المقومات على النحو الآتي:
- المقومات مجموعة من الخصائص الدلالية المميزة لوحدات دلالية ما، في سياق تواصلي ما، وضمن شروط ضرورية مناسبة لنماذج معرفية مؤمثلة خاصة ببنية اجتماعية معينة. والمقومات بذلك، قد تنتج عن النسق الوظيفي للغة أو عن المعايير الذاتية والاجتماعية أوعن الكليات البشرية(الإنسانية ) مما يسمح بوجود نسق أو أنساق للتعدد المعنوي حتى داخل النسق اللغوي الواحد.
والواضح، كذلك، أن تعدد الأطر، مرتبط بتعدد التجارب الإنسانية وتناظرها، كما أن وجود علاقات طبيعية داخل الصورة - الإطار تكون باعثة على تعدد المعاني، وذلك من حالة إلى أخرى في المعجم إذ يمكن توظيف الكلمة الواحدة بواسطة إطارين؛ إطار الطريق، مثلا، وإطار النهاية، كما هو بين في الجملتين التاليتين:
_9كان خالد يسير فوق الجبل (الطريق).
_10كان خالد يستريح فوق الجبل (النهاية).
ويعرف أصحاب نظرية تحليل المقومات "التعدد المعنوي"، بأنه استعمالا ن (أو أكثر) لنفس الوحدة المعجمية، بحيث يسندان لوحدتين دلاليتين تتقابلان على الأقل بواسطة مقوم واحد . وبذلك، فتكرار الوحدة المعجمية الواحدة لا يعني تكرار الوحدة الدلالية ذاتها، إذ إن شرط التقابل أو الاختلاف في المعنى ضروري للتعدد المعنوي. ويتحقق ذلك بواسطة حذف أو إضافة بعض المقومات كما هو الشأن في العلاقات الكنائية والاستعارية والتجنيسية. وقد تكون هذه المقومات عرضية أو جوهرية.
وهكذا، فكل بروز جديد (تكرار) لوحدة معجمية ما، يقتضي تعديلا في الوحدة الدلالية الأصل، وفق ما يقتضيه السياق (الداخلي والخارجي)، محليا أو اجتماعيا، وبالتالي وفق تعدد الأطر ذاتها على النحو الذي قدمناه آنفا. ولهذا الاعتبار، نجعل من التعدد المعنوي دخلا لبناء التشاكل، وإطارا نظريا عاما يختزل كل ظواهر التكرار المؤثر في المعنى سياقيا.
إن تبني المنظورين الدلاليين؛ اللساني والمعرفي، يقودنا إلى تجاوز الاتجاه البلاغي العربي القديم الذي يعرف الجناس على أساس اختلاف المعنى، ويرفض اعتبار بعض أنماط التكرار جناسات. ذلك أن قصور هذا المفهوم عند بعضهم، ناتج عن نظرة انطباعية. ومن ثم، أغفلوا المعاني السياقية؛ الحوارية لما اعتبروا "التكرار" يحمل نفس المعنى. هذا، ناهيك عن عدم توفر مفهوم الجناس عند أغلبهم، على دائرة أوسع تشمل المجانسة الصوتية على طول السلسلة اللغوية. ولذلك، جدير بنا أن نتجاوز هذا المصطلح، من أجل بناء نظرية الجهة البلاغية التي يؤطرها مفهوم عام، أساسه التعدد المعنوي، وهو التشاكل.
لقد ظل الجناس أو التجنيس عند العرب القدامى محصورا في الوحدة المعجمية دون النظر إلى تكرار الأصوات على طول السلسلة اللغوية إلا في حالة الحديث عن المعاظلة بالمعنى الوارد عند صاحب المثل السائر.
" ومن هنا ارتبط التجنيس بالكلمة، وقامت التقسيمات الأولى على اعتبار الموقع والمعنى كما هو الشأن في التمييز بين التجنيس والتصدير، والتجنيس والاشتقاق. وهذا لا ينفي وجود اهتمام جزئي بالكم، الذي عبر عنه بالمطابق والمماثل، غير أن اعتبار المعنى ظل حاضرا. ولم تظهر النزعة الكمية الصرف إلا مع السكاكي وشراحه، فعند هؤلاء أهمل المعنى في التعريف، وأحيل إلى الهامش في التصنيف.."
بيد أن القائلين أنفسهم بتجنيس الاشتقاق (قدامة والسكاكي مثلا)، لما أهملوا شرط اختلاف المعنى، لم يطوروا بذلك مفهوم الجناس، بل وضعوا نظرية المعنى في البلاغة العربية ضمن مأزق جديد، إذ لا يعقل أن ندعي عدم وجود اختلاف معنوي
بين غالب ومغلوب، مثلا. ذلك أن السياق بنوعيه، والنظر في البنية التركيبية الصرفية للصيغتين كفيلان بتحديد التعدد المعنوي لهما. أما بخصوص الاهتمام بالجناس الصوتي داخل الكلمة الواحدة، فإن بعض الملاحظات الهامة، لم يتم تطويرها، مثل فكرة الخليل حول المجانسة الصوتية في كلمة: دهدق، حيث إن التشاكل الصوتي وارد بين (دهـ) و(دق)، كما أن حديث بعض البلاغيين العرب عن التجانس الصوتي الموزع على طول الملفوظ الشعري ظل مقتصرا على الإشارة إلى المعاظلة كما هو واضح في تعليق ابن الأثير على البيت الشعري)11).

_11
وقبر حرب بمكان قفر *
وليس قرب قبر حرب قبر

بحيث قال: ( فهذه القافات والراءات كأنها في تتابعها سلسلة، ولاخفاء بما في ذلك من الثقل) .
وإذا كان جمهور البلاغيين القدامى (ابن حجة، مثلا) قد اعتبر إعادة الكلمة الواحدة تكرارا لنفس اللفظ والمعنى، فإن الدراسات الشعرية الحديثة تعتبر التكرار الكلي للمعنى في نص فني أمرا مستحيلا . ولهذا، فاختيار مفهوم التشاكل لإعادة قراءة وتقدير الموازنات، أمر استراتيجي، لأن هذا المفهوم يربط بين التكرار والمقصدية والسياق، الشيء الذي يضمن التعدد المعنوي لأي خطاب. إضافة إلى ذلك، يسمح لنا مفهوم التشاكل بتبني جهة الأوضاع ضمن التشاكل الجهي الذي ينسحب على الوحدة المعجمية الواحدة. فمثلا، فعل يلعب في الجملة (12) لا يؤشر على أية مجانسة دلالية بالمعنى البلاغي العربي القديم، لكنه في منظور نموذجنا يتوفر على تكرار نشاط اللعب في فترة زمنية معينة:
_12كان سعيد يلعب في الشارع.
وهكذا، فظواهر التكرار التي لا يؤطرها مصطلح "الجناس" بالمعنى السابق، يعيد تقديرها "التشاكل"، كما هو بين في تحليل المثال الموالي.
يقول الجرجاني: " (...) أتراك استضعفت تجنيس أبي تمام في قوله:
ذهبت بمذهبه السماحة فالتوت فيه الظنون: أمَـذهَـبٌ أم مُـذهَـب
واستحسنت تجنيس القائـــــــل:
" حتى نجا من خوفه وما نجا " وقول المحدث:
ناظراه فيما جنى ناظراه أودعاني أمت بما أودعاني

لأمر يرجع إلى اللفظ ؟ أم لأنك رأيت الفائدة ضعفت عن الأول وقويت في الثاني ؟ ورأيتك لم يزدك بمذهب ومُـذهب على أن أسمعك حروفا مكررة، تروم لها فائدة فلا تجدها إلا مجهولة منكرة ، ورأيت الآخر قد أعاد عليك اللفظة ، كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها ، ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها، فبهذه السريرة صار التجنيس - وخصوصا المستوفى منه المتفق في الصورة - من حلى الشعر ومذكورا في أقسام البديع" .
يحقق التكرار في بيت أبي تمام، الذي استضعفه الجرجاني، وظيفة إيقاعية-دلالية بواسطة التشاكل الصوتي. فقد لعب الشاعر بالنواة: ذهب، إذ راكم الوحدات؛ ذهبت مَـذْهَـب ومُـذهَـب. وهذا ما ترتب عنه تشاكل صوتي وتباين دلالي. وذلك بالنظر إلى المستوى التركيبي لهذه الوحدات؛ الفعل، الجار والمجرور.... ثم بناء على تعددها المعنوي باعتبارها وحدات دلالية (Sémèmes). ذلك أن ' مـَـذْهـب ' تؤشر على 'المعتقد' الذي يُـذهب إليه. أما ' مُـذهَـب '، فتحيل على 'التمويه' و 'الزيف': (وكل ما موه بالذهب فقد أُذهـب، وهو مُـذْهَـب، والفاعل مُـذهِـب. والإذهاب والتذهيب واحد، وهو التمويه بالذهب) . وتتشاكل ' مُـذهِـب '، بهذا المعنى، مع الوحدة ' المُـذهِـب '؛ إسم شيطان ، باعتبارها وحدة دلالية خفية أو مضمرة . ويقوم التشاكل بينهما على أساس المقوم المشترك: [+ خداع] أو [+ تمويه]، في مقابل المقوم [+ اعتقاد راسخ] الذي تحتويه الوحدة الدلالية ' مَـذهب '.
وهكذا، فالتعدد المعنوي للوحدات الدلالية السابقة، يتحدد كذلك بالنظر إلى التحليل المعرفي، انطلاقا من اعتبار "مَـذهب"، تحويلا للمجال الفضائي (الذهاب)، وهو المجال- الأصل (أو الشاهد الأمثل)، إلى المجال - الهدف؛ الفضاء الذهني ( الاعتقادي - الأخلاقي ). أما الوحدة الدلالية " مُـذهَـب " فإن مجالها الأصلي هو الاشتغال بأشياء في الفضاء ( الذهب )، بينما مجالها - الهدف يحيل على الزيف والخداع بوصفهما فضاءين ذهنيين كذلك.
ومن هنا، نجح أبو تمام في وضع دلالة البيت الشعري ضمن مقصدية المدح بواسطة المبالغة وضمن مستويات متعددة لثنائية: التشاكل / اللاتشاكل، نوضحها كما يلي:
التشاكل اللاتشاكل
م. الصوتي - تراكم أصوات  ذ، هــ، ب، م..  - إضافة النون، مثلا، وحذف التاء...
م. التركيبي - تراكم الفعل الماضي: [ذهبت، التوت.]
- تراكم الفاعل: [السماحة ، الظنون] - التقابل التركيبي: - التنكير (مذهب)، والتعريف (السماحة....)
م. الدلالي - مُـذهَب، المُـذهب: [+ تمويه] و[+ شيطان]...
- مَـذهب، مُـذهَب: تحويل من المجال الفضائي إلى المجال الاعتقادي. - مَـذْهَـب: [+ اعتقاد راسخ]،
- مُذهَب: [+ خداع]، [+ تمويه].
الشكل (4) - مستويات التشاكل/اللاتشاكل

غير أن الجرجاني في دلائل الإعجاز، قدم أطروحات أخصب حول 'التكرار' و 'الإعادة'، بالرغم من أنه لم يصرح بانتمائها إلى 'الجناس'، بحيث اكتفى باعتبارها من بين أهم مؤشرات النظم. وبذلك، اهتم بقصد المتكلم أولا، ثم بالنظم ثانيا، لكونهما يضيفان معاني جديدة إلى اللفظة أو العبارة المكررة، كما هو الشأن بالنسبة للاختلاف الدلالي بين الجملتين (13) و (14).
_13 زيد كالأسد.
_14كأن زيدا الأسد.
فالجملة (14) تضيف، في نظره، إضافة جديدة إلى معنى التشبيه لا توجد في الجملة (13)؛ فزيد، هنا، أقرب إلى الأسد من شدة ما يتصف به من خصائص الشجاعة. وقد ساهم في تشكيل هذا المعنى، قصد المتكلم، والنظم المتضمن للتكرار مع تركيب مختلف عن الجملة (13) إذ قدمت الكاف إلى صدر الكلام. ومن ثم ، عبر الجرجاني عن التعدد المعنوي "بالغرض" المضاف إلى المعنى الأصلي .
بيد أن دراسة التعدد المعنوي ضمن نظرية التشاكل العامة، تمكننا من تقديم التفسير والتأويل النسقيين لمثل تلك الأنماط التكرارية، خاصة أن مفهوم "الجناس" في البلاغة العربية، يفتقد إلى البعد الإجرائي وإلى الكفاية الو صفية، والانسجام الاصطلاحي. فقد وظف المصطلح التجنيسي بعدة مفاهيم؛ " فالمطابق"، مثلا، عند ثعلب: التجنيس بجميع أنواعه، وعند قدامة: التجنيس التام (مقابل المجانس)، وعند أبي طاهر: تجنيس الاشتقاق، وعند ابن سنان: الاشتقاق وشبه الاشتقاق... الخ. كما نجد المفهوم الواحد بعدة مصطلحات، فما دعاه ثعلب "مطابقا "، نعته ابن المعتز "بالتجنيس" .
وعليه، نعتبر ما قدمناه من تحديد لمفاهيم لسانية وبلاغية من قبيل الاستلزام الحواري والتعدد المعنوي يدخل في قلب استراتيجية التدريس بالكفايات، حيث تقدم تلك المفاهيم للتلميذ المجال المعرفي لتطوير كفايات التأويل والتقدير والحكم والنظر إلى مكونات الخطاب نظرة تفاعلية نسقية شاملة. غير أن تأويل المعاني الخفية وتقويم التكرار ودلالته يستلزم أيضا البحث في مفهوم المقومات وأنواعها كدخل أساس لتحديد مفاهيم التوازي والتشاكل والجهة البلاغية.
3_مفهوم المقومات: الخصائص والأنماط
يعالج علم دلالة المقومات وحدات المحتوى ذات البعد الأدنى من محتوى المورفيم. وبالرغم من الانتشار الواسع لهذه النظرية بين اتجاهات تحليل الخطاب والشعرية والبيداغوجيا والذكاء الاصطناعي والاتجاهات المعجمية، فإن الاختلافات حول بعض التفريعات النظرية أمر وارد بينها. ومع ذلك، يمكن الانطلاق من وحدة الأهداف والأسس التي تنتظم هذه الاتجاهات بوجه عام.
وهكذا، نميز في البدء، بين &
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 -

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» إستراتيجية التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية ، الجزء 2
» استراتيجيات التدريس الحديثة
» دور أستاذ الفلسفة بين التدريس بالأهداف والتدريس بالكفايات
» في مهارات التدريس: التدريس الهادف وآليات تحليل النص الأدبي - مرحلة التعليم الثانوي أنموذجا -
» استراتيجيات الإقناع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللسانيات التطبيقية :: تطوير المناهج-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


استراتيجيات التدريس بالكفايات: الأسس المعرفية والبلاغية - الجزء 1 - 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
ظاهرة اللسانيات التداولية ننجز مجلة محمد الخيام قواعد الخطاب موقاي النص النقد الحذف العربية اسماعيل العربي الأشياء مبادئ النحو اللغة كتاب مدخل المعاصر البخاري على بلال


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع