معنى الحكمة في القرآن
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى آياته البينات لرسله ليطهروهم من الشرك ويوحدوا الله ثم يعلمونهم ما في الكتاب وما في الحكمة كما أوضحته كثير من الآيات منها الآية: (رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ) 129 البقرة
فاتفق جميع العلماء في أن الكتاب هو القرآن واختلفوا في معنى الحكمة .وبالرغم من اختلافهم هذا إلا أن أن أراءهم متشابه ومتقاربة. ومن أجل استنباط معنى الحكمة وترجيح أحد المعاني يتم أولاً عرض ما أورده المفسرون في معنى قوله تعالى: { وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ}. وثانياً: استنتاج معنى الحكمة من تحليل بعض الآيات والأحاديث والقصص والأمثال
أولاً: أراء المفسرين
لقد عرض الطبري أراء كثير من العلماء في معنى:{ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } في الآية 129 البقرة كما يلي: قال قتادة والحكمة: هي السُنَّة. وقال بعض العلماء منهم مالك: الحكمة هي المعرفة بالدين والفقه فيه والاتباع له. وقال ابن زيد: الحكمة هي الدين الذي لا يعرفونه إلا به صلى الله عليه وسلم يعلمهم إياها. قال: والحكمة هي العقل في الدين. وبعد أن عرض الطبري رأي العلماء جاء رأيه هو كالآتي
الصواب من القول عندنا فـي الـحكمة، أنها العلـم بأحكام الله التـي لا يدرك علـمها إلا ببـيان الرسول صلى الله عليه وسلم والـمعرفة بها، وما دلّ علـيه ذلك من نظائره. وهو عندي مأخوذ من «الـحُكْمِ» الذي بـمعنى الفصل بـين الـحقّ والبـاطل بـمنزلة «الـجِلسة والقِعدة» من «الـجلوس والقعود»، يقال منه: إن فلانا لـحكيـم بـيِّنُ الـحكمة، يعنـي به أنه لبـيِّن الإصابة فـي القول والفعل. وإذ كان ذلك كذلك، فتأويـل الآية: ربنا وابعث فـيهم رسولاً منهم يتلو علـيهم آياتك، ويعلـمهم كتابك الذي تنزله علـيهم، وفصل قضائك، وأحكامك التـي تعلـمه إياها.) وكان رأي الزمخشري: {وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ} القرآن { وَٱلْحِكْـمَةَ } الشريعة وبيان الأحكام. أما رأي الرازي فهو: واعلم أن الحكمة هي: الإصابة في القول والعمل، ولا يسمى حكيماً إلا من اجتمع له الأمران وقيل: أصلها من أحكمت الشيء أي رددته، فكأن الحكمة هي التي ترد عن الجهل والخطأ. وجاء رأي مالك وٱبن زيد كما أورده القرطبي كالآتي: «الكتاب»: القرآن. و«الحكمة»: المعرفة بالدِّين، والفقه في التأويل، والفهم الذي هو سجّية ونور من الله تعالى. وقال قتادة: «الحكمة» السُّنة وبيان الشرائع.
وقيل: الحُكْم والقضاء خاصّةً؛ والمعنى متقارب.
وقد ذكرت كلمة الحكمة بدون ذكر الكتاب في ثلاث آيات أخر. الآية الأولى: ) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ) 269 البقرة.
فعرض ابن كثير أراء العلماء في معنى الحكمة في هذه الآية وقد توسع ابن عباس في توضيحه لمعنى الحكمة بقوله هي: المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله. كما روي عنه الحديث التالي مرفوعاً وهو: " الحكمة القرآن ".وبناءً على هذا الحديث نفى مجاهد أن يكون معنى الحكمة هو النبوة بقوله:{ يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ }: ليست بالنبوة، ولكنها العلم والفقه والقرآن. وقال أبو العالية: الحكمة خشية الله، فإن خشية الله رأس كل حكمة. لحديث ابن مسعود مرفوعاً: " رأس الحكمة مخافة الله. "وفي حديث لابن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: " لاحسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها."
والآية الثانية التي وردت فيها كلمة الحكمة من دون الكتاب ولكن وردت معها الموعظة الحسنة هي: (ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ) 125 النحل
وقد جاء تفسيرها في تفسير ابن كثير كالآتي
يقول تعالى آمراً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله بالحكمة. قال ابن جرير: وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة {وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ}، أي: بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس، ذكرهم بها؛ ليحذروا بأس الله تعالى، وقوله:
{ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب؛ )
أما الآية الثالثة وهي{إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
فقد بين معناها التفسير التالي: (يقول تعالـى ذكره: إن هذا القرآن الذي أنزلناه علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم يرشد ويسدّد من اهتدى به { للَّتِـي هِيَ أقْوَمُ } يقول: للسبـيـل التـي هي أقوم من غيرها من السبل، وذلك دين الله الذي بعث به أنبـياءه وهو الإسلام. يقول جلّ ثناؤه: فهذا القرآن يهدي عبـاد الله الـمهتدين به إلـى قصد السبـيـل التـي ضلّ عنها سائر أهل الـملل الـمكذّبـين به)
إذاً السبيل التي هي أقوم هي الصراط المستقيم أي اتباع التعليمات التي يصل بها المؤمن إلى مرضاة ربه وجنته. والتعليمات أي الإرشادات هي أحكام الله ومنهجه. وقد خاطب الله سبحانه وتعالى رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام بالآتي: )ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً ) 39 الإسراء.
من هنا يبرز لنا السؤال التالي: إلى أي شيء تشير كلمة "ذلك" في بداية الآية؟ وما هو الذي أوحى الله به لرسوله من الحكمة؟ أحسب أن المقصود بذلك هو ما تقدم مما أوحي إليك. وما أوحي إليه هو مجموعة من التعليمات والإرشادات وهي
لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً) )وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) ) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ) (وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ((وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً) (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً) (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ) (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً)( وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً) (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) 22-38 الإسراء
وبالتالي تكون هذه التعليمات هي جزء فقط من الحكمة لقول الله تعالى: (مِنَ ٱلْحِكْمَةِ) فمن تفيد
التبعيض. وذلك لأن سورة الاسراء من السور التي أنزلت في مكة. ولهذا تمثل التعليمات فيها جزء يسير من منهج الله في الكون. كما بيَّن الله في هذه الأحكام أن كل ما نهى عنه فيها هو عمل سوء وهو مكروه عند رب العزة. ولهذا كان جزاء عدم العمل بالنواهي وعدم العمل بالأوامر بهذه
التعليمات هو الطرد من رحمة الله.
الآية الرابعة ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) 12 لقمان
قد جاء تفسير ها كالآتي: (وقوله: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } أي: الفهم والعلم والتعبير { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } أي: أمرناه أن يشكر الله عز وجل على ما آتاه الله، ومنحه ووهبه من الفضل الذي خصصه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه، ثم قال تعالى: {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي: إنما يعود نفع ذلك وثوابه على الشاكرين.
لقد أوضح الله الحكمة في هذه الآية بقوله تعالى: {أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ} أي أن شكر الله هو الحكمة
فما هو إذاً الشكر ؟ وهل الحكمة في هذه الآية تتناقض مع الحكمة التي أوضحتها آيات الإسراء؟
إن الاجابة عن السؤال الأول: ما هو الشكر نجدها تكمن في الآيتين الآتيتين اللتان تتحدثان عن الإنسان. الأولى هي: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) 3 الانسان والثانية هي: (هوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) 2 التغابن
فقد أوضح الله في الآية 3 الانسان أن الناس سينقسمون حيال الدعوة لتوحيده بعد أن اتضح لهم سبيل الخير وسبيل الشر إلى فريقين لا ثالث لهما وهما : إما أن يكون الانسان من الشاكرين أو من الكافرين. أي أن الشكر هو الإيمان والسير في سبيل الخير. وسبيل الخير هو العمل بالمنهج الرباني وبسنة رسوله. وجاءت الآية 2 التغابن تحمل نفس معنى الآية 3 الانسان ولكن الشكر فيها قد أوقع موقع الإيمان. وبالتالي يكون الشكر هو الإيمان. ونهاية الآية 12 لقمان وهي
وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) تؤكد أن الشكر هو الإيمان لأنه ضد الكفر.
كما أن قصة أبينا آدم وإبليس هي أكثر القصص هدىً للناس. حيث وعظ الله بها بني آدم بأن يحافظوا على لباس تقواهم الذي هو خير بمعنى أنه أهم من اللباس الخارجي لأن لباس التقوى هو بطاقة الدخول للجنة والاقامة فيها. فأوضح لنا رب العباد أن إبليس قد توعده بإثنين: أولاً أن يقعد لبني آدم صراطهم المستقيم بمعنى أن لا يطيعوا ربهم فلا يعملوا بأوامره ونواهيه ويطيعوه هو ويشركوه بربهم. وثانياً أن لا يجد أكثرهم شاكرين. أي يجد معظمهم جاحدين لنعم الله وبالتالي يشركوا ربهم بإبليس الملعون.
لذا كانت الحكمة أولها ورأسها مخافة الله كما أوضحه الصادق الأمين لأن مخافة الله هي التي تجعل المرء يطيع ربه ويطيع رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبناءً على الحكمة التي أوتيت للقمان وعظ لقمان إبنه بالآتي (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ) (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) (وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ) 12-19 لقمان
فالوعظ يعني تعليم المنهج وبالتالي يكون معنى (الموعظة الحسنة) التي ذكرت في الآية 125 النحل هو الحكمة وهو المنهج والآيتان التاليتان تؤيدان هذا المعنى: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) 57-58 يونس
الخاتمة
لقد أكد تحليل آيات سورتي الاسراء ولقمان أراء العلماء في معنى الحكمة بأنها التفقه في الدين والعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وحلاله وحرامه وأوامره ونواهيه والعمل بكل الأحكام وبسنة رسوله الكريم توكيداً لتوحيد الله وتقواه. كما أوضح التحليل أن السنة جزء لا يتجزأ من الحكمة لأنها أحكام قد جعلها الله مكملة لأحكامه.
وتوصل البحث والتحليل إلى أن الكتاب المذكور في قوله تعالى: (يعلمهم الكتاب والحكمة) هو كتاب جزئي وهو الجزء من القرآن الذي فيه كل المعلومات عن وحدانية الله أي أخبارها. وأن الحكمة هي الجزء المكمل للقرآن أي الكتاب وهو المنهج القضائي أي القوانين والأحكام التي يجب على المؤمنين العمل بها لتوكيد ما جاء في الكتاب من أخبار الوحدانية التي تشمل ملكية الله للأقدار خيرها وشرها ولهذا يكون شكر الله هو الاعتراف الكامل بوحدانيته أي بملكيته للكتب والرسل واليوم الآخر والأقدار خيرها وشرها. ومعنى قوله تعالى: (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) كما جاء في رأي ابن عباس هو: من فقه في الدين أي في المنهج القضائي فعلم محكمه ومتشابهه وحرامه وحلاله وأوامره ونواهيه وعمل بها فقد أوتي خيراً كثيراً ويؤكد هذه المعاني قول الله سبحانه وتعالى