منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارحركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
آمال بن غزي
مدير المنتدى
آمال بن غزي

وسام النشاط :
وسام النشاط

وسام المبدع :
أفضل خاطرة

وسام الإداري المميز

البلد :
ليبيا

عدد المساهمات :
1570

نقاط :
2344

تاريخ التسجيل :
09/01/2010

الموقع :
بنغازي

المهنة :
أستاذ جامعي


حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر Empty
مُساهمةموضوع: حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر   حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2015-03-03, 10:01

حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر

بقلم : الباحثة ليندا كدير
تمخضت عن الحرب العالمية الثانية في الوطن العربي ، خيبة أمل كبيرة ، فكُشف اللثام عن تلك الوعود الكاذبة ، ووجد الشباب العربي نفسه أمام واقع جديد لكن بوعي أكثر ، فاستدعى الوضع المزري ثورة على كل مألوف قديم ، فأخذت التغيرات تصيب كل ميادين الحياة ، و باعتبار الأدب أحد هذه الميادين وكان حرياّ بالشعراء أن يجدوا قالبا جديدا يعبرون به عن وضعهم المستجد ، و يفرغون فيه كل ما يختلج في نفوسهم الجريحة ، من قضايا لطالما شغلت عقولهم ، فكان المفّر الذي لا بد منه هو خلق نمط شعري جديد يروي عطشهم ، و يخدم مطالبهم التي كان أبرزها الحرية ، فالتحرر من كل القيود وعلى جميع الأصعدة بمثابة قطرة غيث لأرض لطالما أنهكها جفاف الاستعمار و القهر . فبزغ فجر شعر جديد يختلف عن الشعر العمودي ، فالتحرر من قيود القافية و الوزن كان مطلبا ضروريا. و العدول عن القالب المألوف للقصيدة العربية كان بداية مولد الشعر الحر ، حيث يعتبر هذا الأخير انعطافا شعريا لم يعرف الشعر العربي له مثيلا من قبل ، ذلك أن التغيير لم يمس المستوى الشكلي فقط بل تعدى ذلك إلى المضمون. وهذا ما لم يستطع الشعر الرومانسي العربي، الوصول إليه وإن مهد له ، فتأثر شعراء الشعر الحر بشعراء المهجر ، وما جاءت به جماعة "أبولو" "كإيليا أبي ماضي" و "خليل مطران" وغيرهم الذين نظموا "مطولاتهم" على شكل مقاطع خالفوا فيها أوزان الخليل ، وابتعدوا عن خاصية القافية الموحدة.


حركة الشعر الحر:
النشأة والتطور
ليندا كدير
تمهيد:
تمخضت عن الحرب العالمية الثانية في الوطن العربي ، خيبة أمل كبيرة ، فكُشف اللثام عن تلك الوعود الكاذبة ، ووجد الشباب العربي نفسه أمام واقع جديد لكن بوعي أكثر ، فاستدعى الوضع المزري ثورة على كل مألوف قديم ، فأخذت التغيرات تصيب كل ميادين الحياة ، و باعتبار الأدب أحد هذه الميادين وكان حرياّ بالشعراء أن يجدوا قالبا جديدا يعبرون به عن وضعهم المستجد ، و يفرغون فيه كل ما يختلج في نفوسهم الجريحة ، من قضايا لطالما شغلت عقولهم ، فكان المفّر الذي لا بد منه هو خلق نمط شعري جديد يروي عطشهم ، و يخدم مطالبهم التي كان أبرزها الحرية ، فالتحرر من كل القيود وعلى جميع الأصعدة بمثابة قطرة غيث لأرض لطالما أنهكها جفاف الاستعمار و القهر . فبزغ فجر شعر جديد يختلف عن الشعر العمودي ، فالتحرر من قيود القافية و الوزن كان مطلبا ضروريا. و العدول عن القالب المألوف للقصيدة العربية كان بداية مولد الشعر الحر ، حيث يعتبر هذا الأخير انعطافا شعريا لم يعرف الشعر العربي له مثيلا من قبل ، ذلك أن التغيير لم يمس المستوى الشكلي فقط بل تعدى ذلك إلى المضمون. وهذا ما لم يستطع الشعر الرومانسي العربي، الوصول إليه وإن مهد له ، فتأثر شعراء الشعر الحر بشعراء المهجر ، وما جاءت به جماعة "أبولو" "كإيليا أبي ماضي" و "خليل مطران" وغيرهم الذين نظموا "مطولاتهم" على شكل مقاطع خالفوا فيها أوزان الخليل ، وابتعدوا عن خاصية القافية الموحدة.
قد اعتبر بعض الباحثين أن الشعر الرومانسي و على الخصوص هذه "المطولات" كانت هي البذور الأولى للشعر الحر، الذي أسس لبناته و نظّر له كل من "نازك الملائكة" و"بدر شاكر السّياب" لكن الإشكالية المطروحة لها علاقة بمفهوم هذا المصطلح المركب ، فالشعر في حد ذاته مفهوم شائك ، لأنه متصل بمختلف المعارف وجوانب الحياة الإنسانية، وهو أيضا " مفهوم خلافي لأنه مرتبط الإبداع و الإبداع في تغير مستمر " (1).مما يعني أن الإبداع مقترن "بالتاريخية"، إذ لكل عصر أعماله الأدبية التي تجسد أحداثه إذا يمكن أن نربط عملية الإبداع بالتطور والتغيّر.


1 - مفهوم الشعر الجديد:
لكل شاعر مفهومه الخاص به يختلف كثيرا أو قليلا عن غيره ، فليس هناك مقاييس ثابتة تحدد الشعر تحديدا نهائيا ،إذ لكل فترة شعرها الخاص ، ولكل بيئة شعرها المميز ، ويظل مفهوم الشعر نسبيا باختلاف المنطلقات والتصورات ، فبعض الشعراء يعرف الشعر انطلاقا من مصدره و البعض الآخر من وظيفته أو طبيعته و هلم جرا... و يذكر شلوفسكي " أن عملا أدبيا يمكن أن يعتبر نثرا بالنسبة لكاتب ، وبينما هو نص شعري بالنسبة لكاتب آخر"(1). وهذا يظهر مدى اختلاف الآراء و المفاهيم لدى كل شاعر وأديب. ولرواد الشعر العربي الحر مفهومهم الخاص للشعر الذي يختلف عن الذين سبقوهم ، فأتوا بمفهوم جديد للشعر يخالف المفهوم الكلاسيكي والرّومانسي وكلّ حسب منطلقاته وتوجهاته ، فقد أعادوا النظر في المقاييس السابقة للشعر. فيعرف الناقد "أحمد زكي أبو شادي " الشعر الحر بقوله " إن روح الشعر الحر إنما هو التعبير الطليق الفطري كأنما النظم غير نظم ، لأنه يساوي الطبيعة الكلامية ، التي لا تدعو إلى التقيد بمقاييس معينة من الكلام ، وهكذا نجد أن الشعر الحر يجمع أوزانا مختلفة حسب طبيعة الموقف ومناسباته ، فتجيء طبيعته لا أثر للتكلف فيها ، لذلك رأينا أن الشعر الحر مناسب جدا للمسرح خلافا لمن يدعوه إلى التقيد ببحر معين و قافية معينة على لسان كل متكلم ".(2) ويضيف "أبوشادي" أنه دعا إلى هذا النوع من الشعر في مجلة"أبولو" ويقصد به خروج الشاعر عن القواعد التقليدية للكتابة الشعرية ، فلا يتقيد ببحر واحد أو قافية واحدة ، فهو حرّ طليق منبعه الفطرة ، ويرى كذلك "أبو شادي" أن هذا النمط الشعري يجد نفسه أكثر في المسرح ، حيث لكل شخوص المسرحية نظمها الخاص بها من وزن و قافية تختلف بعضها عن بعض - أي من شخصية لأخرى - وهذا ما جاء به "أحمد شوقي" في مسرحياته ، و على سبيل المثال مسرحية " كليوبترا" ، و قبله نجد "أحمد باكثير" في مسرحية "روميو و جولييت" مترجما لها على النمط الشعري الذي أشار إليه الناقد" أبي شادي" .
أما الباحث السوري "نذير العظمة" التفت إلى الخلط الذي وقع بين الشعر الحر و الشعر المنثور الذي وقع من طرف عدة باحثين، فقال: " الشعر المنثور كيفي و لا عروض له ، و الحرّ كميّ يعتمد على عروض التفعيلة المفردة في أنساق غير متساوية ".(3). مضيفا عن "القصيدة المنطلقة" ،أنها : " هي التي ابتكرت أسلوبا حديثا للتعبير ، و انطلقت أوزانها من الوزن القديم ، و ابتكرت لنفسها ثمانية بحور منطلقة حرّة ، كما نوعت في نسق القافية على الوحدة الغالبة في العمود ، وكسرت تناسب البيت الواحد، واستعاضت عنه بنظام الأشطر غير المتناسبة ".(4) ما يعنيه هنا الباحث أن الشعر الحر يقوم على أساس التفعيلة ، فالشاعر حين ينظم القصيدة على نحو- الشعر الحر- ،عليه أن يتبع في بنائه عدة أوزان ، ويكسر وحدة القافية بالاستغناء عن البيت و البديل له هو الشطر ، فالباحث "نذير العظمة" قدم لنا تفسيرا حول شكل القصيدة الحرة و على أي أساس تقوم ؛ إذ حدد الانطلاقة من الأوزان الخليلية - كما أسلف الذكر- فابتكرت لنفسها ثمانية بحور ، و وصفها بالحرة المطلقة بمزج بين عدة بحوركما فعلت "نازك الملائكة" في قصيدتها " الكوليرا" التي جاءت على بحر" الخبب "(1). وهذا المزج بين البحور يعطي للشاعر حق التنويع في القافية .
يعرّف" خليل شيبوب" الشعر الحر :" إنّ كل شطر من القصيدة في الشعر الحر يرجع إلى مثله من بحور الشعر أو مجزوئها أو مشطورها "(2) "فالخليل" هنا منحنا صورة واضحة الملامح حول ماهية بحور الشعر الحر فقال إنّها من بحور "الخليل بن أحمد الفراهدي" سِِواء كانت صحيحة أو مجزوءة أو مشطورة ، و هذا ما نلا حظه في الكتابة العروضية للقصيدة الحرة.
" لخليل شيبوب" تعريف أخر يصب في هذا الصدد : " والشعر الحر هو الذي لا يتقيّد بعدد التفعيلات في البيت الواحد ، فقد يتركّب من تفعيلة واحدة ، وقد يكون تفعيلتين ، وقد تصل تفعيلاته إلى ثمانٍٍٍ أو عشر أوأثني عشر " (3) أي أنّ بيت الشعر الحر وكان يقصد هنا الشطر قد تصل عدد تفعيلاته إلى أثني عشر، كما يمكن أن يكون بتفعيلة واحدة. و يؤيّد هذا التعريف "أحمد العمداوي" فيقول واصفا ما جاء به " شيبوب" أنّه : " أكثر دقة في التعبير عن واقع حال الكتابة بالأسطر المتفاوتة ، لأنّه لم يستثن التشكيلتين الخماسية و التساعية كما فعلت السيدة نازك "(4). وهذا البند الهزجي لعبد الرؤوف الحفصي لما جاء به هذين الباحثين من تعريف للشعر الحر:

" و قلبي كلما دب الصبا الكرخي في البان فحاكى الغصن
منه العرق في النبض
ولا يدع إذا اشتاق إلى أرض
بها الكل وكل العالم البعض
فمن لي إن يداني بي حظي النجف الأشرف كي أقضي به من قبل
إن اقضي ما فات من العرض " (5)

للتوضيح أكثر سنورد التعريف الذي جاءت به " نازك الملائكة"، فتقول "نازك" عن الشعر الحر أنه " ظاهرة عروضية قبل كلّ شيء ، ذلك أنّه يتناول الشكل الموسيقي للقصيدة و يتعلّق بعدد التفعيلات في الشطر، ويعنى بترتيب الأشطر و القوافي ، و أسلوب استعمال التدوير والزحاف و الوتد وغير ذلك مما هو قضية عروضية بحتة."(1) تعني توزيع أوزان الخليل بمقتضى الحال ، أي إذا اكتمل المعني تمت التفعيلة ، فالشاعر يتوقف حيثما يتم المعنى. واعتبرت "نازك الملائكة" القافية بمثابة الحجر الذي يعيق الشاعر ويكبل جموح إبداعه ، و ربما يؤدي بهذا الأخير خارج الموضوع ، إذ أكدت أن التلاعب بالقافية ،والخروج عن الأوزان التقليدية ما هو إلا تطوّر طبيعي للعروض وتعديل لهذه الأوزان ، وهذا ما يبدو من خلال قولها هذا: " الشكل الجديد إنما هو تطوّر طبيعي للعروض العربي التقليدي ، الذي يشمل على تغيّرات بسيطة كاستخدام الأبيات بأطوال متفاوتة دون تقسيم كلّ منها إلى شطرين". (2)
بما أنّ الشعر الحر زائر حديث طرق باب الأدب العربي بصيغته غير المألوفة ، التي تمنح للشاعر المعاصر التعبير عن شخصيته الحديثة ، وما يشغل فكره من قضايا يستوحيها من عصره ، فوجّهت الأضواء إلى هذا الزاّئر الجديد ، وسخّرت له عقول النقاد و الباحثين ،و الشعراء المعاصرين ، فراح كلّ واحد يعطيه مفهوما حسب خلفياته الثقافية والأدبية ، و يربطونه بكلّ ما هو جديد ، كما فعل كل ّمن " "البياتي " و" أدونيس " وغيرهم من روّاد الشعر الحر المعاصرين ، الذين أرجعوا مفهوم الشعر الحر إلى مفهوم الحداثة ، فيعرّف المفكّر السوري " أدونيس" باعتبار الحداثة أنّها " ليست أن يكتب الشاعر قصيدة ذات شكل مستحدث ، شكل لم يعرفه الماضي ، بل الحداثة موقف و عقلية،إنّها طريقة نظر و طريقة فهم ، وهي فوق كلّ ذلك وقبله ممارسة و معاناة "(3).
أصبح مفهوم الشعر الحر لدى هؤلاء المحدثين ليس محصورا فقط في التغيير الذي طرأ على القصيدة العربية عاى صعيد الشكل و البناء بل تعدّى الأمر إلى غير ذلك ، فهو حسب رأيهم وجهة نظر ومواقف قٌدّمت به ، التي يترجمها الشاعر، و تركت لديه بصمة في حياته وتأثر بها ، و هذا أيضا ما جاء به "البياتي" في تصوّره " للشعر الحر" فيقول أنّ : " الشعر ليس ذلك الانتقال من البحر إلى التفعيلة أو من البيت إلى السطر ، و التحرر من القافية الموحدة بل موقف من أحداث العصر و رؤية جديدة للعالم شكلا ومضمونا "(4).
نلاحظ أنّ النقاد يجمعون على ربط مفهوم " الشعر الحر " بالفكر والتحوّل في العقلية العربية عموما، كيلا يبقى الشعر مجرّد شكل خاوي وفارغ من المضامين الفكرية، فتحوّل الشعر يجب أن يتأسس بين تحول الفكر عموما.
2- إشكالية تحديد المصطلح :
لقد تعددت الأسماء التي أطلقت على هذا الشعر ، كلّ حسب مشاربه الثقافية ومدى فهمهه لدلالة هذا المولود الجديد للأدب العربي ، و أوّل تسمية لاحت في الأفق هي " الشعر الحر" ، لكن واجهت تيّار مضاد لها من طرف كثير من النقّاد ، فاختلفوا مع هذا المصطلح . يقول الدكتور"عبد الواحد لؤلؤة" : " بأنّ هذه التسمية أطلقت لأوّل مرة على ديوان "أوراق العشب" للشاعر الأمريكي "ولت ويتمان" عام 1855."(1). ثمّ قلّده ثلّة من الشعراء من مختلف بقاع أوروبا وأمريكا ، وهذا اللون الشعري لا يعتمد على الوزن والقافية الموحدة ، لما جيء في هذا الشعر الجديد من قصائد على هذا السبيل ، راح بعض النقاد والشعراء يستخدمون المصطلح الغربي لدراسة هذه الظاهرة الشعرية الجديدة ، يرى" جبرا خليل جبرا " أنّ : "الشعر الحر ترجمة حرفية لمصطلح غربي إذ يقول أنّ :" الشعر الحر ترجمة حرفية للمصطلح غربي هو " Free Vers" بالإنجليزية و " VERS LIBRES" بالفرنسية " .(2) . لكن هذا لم يلق استقبالا من طرف عدّة شعراء و نقاد ، فيقول أحدهم أنّ تسمية "الحر" توحي بأنّ هناك "المستعبد" . فاقترحوا تسميات أخرى لهذا الأنموذج الشعري مثل " العمود المطوّر" ، " الشعر المطلق " (3) و هذه الأخيرة لم تجد استحسان في نفس الباحث "عبد الصبور" إذ يرفض إطلاق مصطلح " الشعر المطلق " لأنّ "المطلق" توحي بأنّ هناك المقيّد (4) ، و سمّاه آخرون "بالشعر الحديث" و " الشعر الجديد" ، وهاتين التسميتين غير دقيقيتين ،فالحداثة من منظور" صلاح عبد الصبور" مفهوم شائك في حدّ ذاته ، فالخلط قائم بين الحديث بمفهومه الفني ، وبين الحديث بمفهومه التاريخي الذي قد يعني حقبة زمانية معينة دون أيّ اعتبار للخصوصيات الإبداع . (5)
أما الحديث عن مصطلح "الشعر الجديد " الذي أطلقه "محمد مندور" في كتابه " قضايا جديدة في أدبنا العربي " (6) ، فيعتبره بأنّه تسمية غير دقيقة . يقول :" والواقع أنّ لغة الشعر الجديد وموسيقاه تحتاج منا محاولات مخلصة لفهمها و استنباط مواضع الجمال فيها و قوّة التصوير "(7) .اقتصر حديث مندور عن الجدة في اللغة و الموسيقى ، و القارئ لخصائص الشعر الحر الفنية يجدها لا تقتصر على هذين المستويين بل يتعدّاهما إلى قضايا أخرى .
إنّ الحديث عن الأزمة التي أحدثها هذا النمط الشعري من تحديد مصطلح ينطبق عليه ، الذي لا يزال قائما ، جاء كل من" بد ر شاكر السياب " و "نازك الملائكة" فاطلقوا عليه تسمية " شعر التفعيلة " إذ يرى "سعد دعبيس" أنّ : " أصدق تسمية للشعر الحر هي " شعر التفعيلة " ، و يكاد يكون ذلك الرأي منطقيا ، و يبرر "دعبيس" هذه التسمية كونها الظاهرة الوحيدة التي لا يمكن أن توجد في الشعر العمودي ، بينما هي موجودة في الشعر الحر، ظاهرة قيام موسيقاه على أساس التفعيلة ، لا على أساس البيت ، بينما خصائصه الأخرى موجودة في الشعر العمودي من تعبير بالصورة ، إلى بناء درامي ..."(1). وربما هذه التسمية لقيت إقبالا من عدد كثير من النقاد و الشعراء ، حيث قالوا عنها أنّها أقرب للصواب في تحديد ماهية هذا الشعر . لكن تبقى التسمية الشائعة على كلّ لسان هي "الشعر الحر " برغم الاختلافات القائمة حولها .
3- إرهاصات الشعر الحر :
إنّ الشعر لم يكن وليد اللحظة ، بل وجد أرضا خصبة ترعرع فيها ، ليبلغ ذروته أو كماله فيما بعد على يد رواده . تعود إرهاصات هذا الشعر إلى شعراء المهجر، بفظل دعوتهم إلى التجديد و التحرر من قيود الماضي و الخروج من بوتقة التقليد، كانت سمات الشعر الحر تلوح في أفق الشعر العربي ، فمشاعل التجديد التي أضرمتها " جماعة الديوان " و " أبولو" في ثلاثينيات و أربعينيات القرن الماضي ، ساهموا في نهضة الشعر العربي وفي هذا يقول " جبران" حانقا علي رسومنا العتيقة و تقاليدنا البالية : " لكم لغتكم و لي لغتي ..." (2). ويعني به النفور من الأشكال القديمة للشعر ، سواء في المضمون أو الشكل ، بالخروج عن تلك الأغراض القديمة من رثاء ، مديح و فخر ... هو مقصد مذهبه ، فالابتعاد عن التكلف والصنعة في اللفظ ، وزخرف البيان و البديع ، و الدنو من لغة سلسة بسيطة ، تعبّر عما يجول في خاطر الشاعر من مشاعر وأحاسيس ، ليصوّر دمعة في جفن المشتاق ، أو إبتسامة على ثغر المؤمن ، أو نظرة في عين المغلوب ." فإيليا أبو ماضي" ، و "ميخائيل نعيمة" ، و "جبران "، بالإضافة إلى "أبي شادي"، و غيرهم من المهجريين ، دعوا جميعهم إلى تمزيق كل عتيق بال ، إذ يتجلّى ذلك في شعرهم ومقالاتهم و كتبهم النقدية.
يعتبر الأدب المهجري ثورة عارمة على اللغة و أساليبها القديمة ،مردها إلى ذوق جديد في الفن والأدب ، و سعيا وراء فكر جديد يتماشى و يواكب العصر آنذاك ، لينعش الشعر العربي خاصة ويعني الأدب عامة .
هب كل واحد من هؤلاء المهجريين ، ينظم قصائد ذات شكل ومضمون جديدين مخالفين فيها الأوزان الخليلية ، و النفور من القافية .ها هو "ميخائيل نعيمة" في كتابه النقدي " الغربال" يهاجم دون هوادة شعراء الصنعة و الرنين الموسيقي ، وأمّا "إيليا أبي ماضي" نطق بهذه الثورة على القديم في فاتحة ديوانه " الجداول " إذ يقول :
لست مني إن حسبت الشــــ عر ألفاظا و وزنـــــــــــا
خالفتْ دربك دربــــــــــــي وانقضى ما كــــــــان منا
فانطلق منّا لئــــــــــــــــــلا تقتنــــي همــــا و خزنا
واتخذ غيري رفيـــــــــــق و سـوى دنياي مغنــــىّ(1)
من هنا نستطيع أن نسمع بوضوح ، نبرة هؤلاء الشعراء الثائرين على كلّ قديم وعتيق ،من لفظ وصورة و وزن .
إن هذا التحوّل في الفكر لم يطرأ فجأة على الأدب المهجري ، بل بمزاولة روّاده الأدب الغربي والنهضة الأوروبية ، فتأُثّر شعرائنا المهجريين بالشعر الغربي ، سواءً كان مترجما أو مقروءا ، ومدى وعيهم و انفتاحهم على الأداب الغربية كان عاملا هاما في الدعوة إلى التحررمن القافية الموحدّة و الأوزان الخليلية في شعرهم ، فتبلور على يد جماعة " الديوان " وجماعة " أبولو" شعر معماريته تخالف السائد و الذين أرسوا قواعد جديدة للشعر العربي أمثال : أبو شادي ، شيبوب ، أحمد علي بالكثير...، حيث أدخلوا روحا جديدا إلى فهمنا للشعر ، و فًَُتحت العيون على آداب الأمم الأخرى ، فأٌدخلت مذاهب جديدة إلى الأدب العربي عامة و الشعر خاصة لم تكن معروفة من قبل .
نخص بالذكر أهم هذه التيارات التي أثّرت بشكل كبير في الشعر العربي : "الرومانسية " ، التي تدعو إلى التغنّي بوجدان الشاعر و ربط القصيدة بقائلها ، كما نجد عندهم تفكيرا فلسفيا يكمن في الصراع الدّائم بين الخير و الشر ، إذ تدعو الرومانسية إلى بساطة اللّغة التي هي أقرب إلى الهمس . علينا الإشارة إلى ظهور التيار الواقعي الذي تجاوز عيوب الرومانسية ، و انشغل برصد الواقع وعلاج أحداثه .
كما لا ينبغي أن تفوتنا المدرسة الرّمزية ، التي بدأت أثارها تدبّ في الشعر العربي ـ تأثرا بالمذهب الرّمزي - الذي ظهر في أوروبا في القرن التاسع عشر ، فتأثّر شعرائنا بهذا التيّار أمثال " فاليري " و"مالارميه" (2) وغيرهم . كان نتاج هذا التأثر بالمذاهب الغربية ، ثورة على القديم والتقليد .و تمخض عن هذه الثورة استنباط قوالب جديدة للشعر، فظهر ما يسمى بــ " الشعر المرسل " و " الشعر المنثور " ، المعاديان لأوزان الخليل ، اللذان يجتنبان وحدة القافية ، وينأيان عن المواضيع التقليدية السائدة .
*الشعر المرسل : "هو الذي يراعي الوزن ، ولكن لا يلتزم بالقافية " . (3)
"أحمد فارس الشدياق " هو رائد هذا اللّون من التحرر الشكلي في القصيدة العربية ، وكان "عبد الرّحمان شكري" الشاعر المجدد الذي تبنّى محاولة التحرر من القافية التقليدية في بعض شعره ، فكتب نماذج كثيرة . وتبعه "المازني" و" أبو شادي" الذي أيّد هذه الخطوة وساعد على انتشارها، (1) و هذا النّموذج "لأحمد فارس الشدياق " الذي نشره في كتابه " الساق على الساق في ما هو الفارياق " وهذا ، وهو عبارة عن أربعة أبيات مختلفة القافية ومنتظمة في ثلاثة أوزان :

ســـــــــــاعة البعد عنــك شــهر وعام الوصل يمضي كأنّما هو ساعة
أتنجم الليل الطـــــــويل صبـــابة وتنجمي لنجـــــوم ذي تفـــــــلـــيك
ويخفق منّي القلب إن هبت الصبا ويذكرني البدر المنـــــير محيّـــــــاك
ألا ليت شعري كم يقاسي من النوى و أنحــــائه قـــــــلب يذوب تجــــــلّدا (2)

هذا النمط الثاني الذي جاء به شعراء المهجر ، الموسوم بالشعر المنثور و معناه : " هو التحرر من الوزن والقافية الذي ظهر في القرن الماضي تأثرا خاصة بالشاعر الأمريكي " ولت ويتمان " الذي عالج هذا اللّون كثير من الشعراء ، و يصعب أن نحدد اسما بعينيه ، إذ يختلف النقّاد حول أوّل من كتب في "الشعر المنثور" ، وقد ظهر مؤخّرا ما يسمى بــــ " قصيدة النّثر" ، و يبدو أنّها تأثرا بهذا اللون من الشعر لكنّها واجهت هجوما من النّقاد في مقدّّّمتهم "نازك الملائكة " (3) .هذا النمط الشعري كان ذا تأثير – بطريقة أو بأخرى – على الشعراء المحدثين ، الذين جددوا في بناء القصيدة الحديثة ؛ ومن هنا أثمرت محاولات في الشعر الحر ، قبل إرساء قواعده الأساسية على يد الشاعرة " نازك الملائكة " و " بدر شاكر السيّاب " هذه المحاولات كانت على يد " جماعة أبولو" التي دعت للتجديد – كما ذكرناه آنفا – وإن كانت هذه المحاولة أقرب إلى الشعر المرسل منها إلى الشعر الحر ، فعثرنا على قصيدة "الشراع " التي تمثل هذا اللون للشاعر" خليل شيبوب" " التي يشبه بناءها بناء الشعر الحر ، و تحتوي على مائة بيت و بيت ، و فيها مقطوعة حافظت على وزن واحد معتمدة على التفعيلة المكررة ، و ليس الشطر الشعري المحدد التفعيلات".(4) هذا مقطع منها :

هدأ البحر رحيبـــــــا يملأ العين جـــلالا
وصف الأفق ، ومـــــــالت شمسه ترنو دلالا
وبدا فيه شراع
كخيـــــــال من بعيد يتمشى
في بســـاط مـــــــائج من نسج عتب
أو حمـــــــــام لم يجد في الرّوض عشــــــــا
فهو في خـــــــوف و رعــــــــــــب (1)

لا سيما المحاولات التي جاءت من طرف " علي أحمد باكثير " و " لويس عوض" ، التي كان لها الدور الفعّال في حياة الشعر الحر .فكان "باكثير" " أوّل من استخدم الشعر الحر في ترجمته لـ " روميو وجولييت " لشكسبير سنة 1947 ، إذ فرض عليه النموذج الشعري الإنجليزي " النظم المرسل المنطلق" "Running Blank vers ". فالإرسال و الإطلاق اللّذان مارسهما "باكثير" مرتبطان بالوحدة النغمية لإيقاع العروض العربي و موسيقاه الشعرية " .(2)
أما محاولة " لويس عوض " التي تتمثل من خلال ترجمته لـــــ " بلوتولاند " ، وتجربته هذه كانت ميدان البحث الذي أضاف من خلاله الجديد . فهو يدعو إلى توسيع نظرية الأنواع الشعرية ، يعترف "عوض" أنّه تأثر بــ " إليوت ". (3)
يمكن الإستنتاج أنّ الإلتماس بالغرب والـتأثر به ، لم يؤد وحده إلى تبنّي صيغة الشعر الحر في الشعر العربي ، بل رافقته عودة إلى الأصل والجذور لإستنباط الجديد منه ، ما يمنح التطور والديناميكية فتتولّد عنها صيغ شعرية جديدة ،هي الشعر الحر العربي الخالص الذي استمد صيغته بناءً و محتوىً من العروض العربي وموسيقاه ، بالإضافة إلى الأحداث العربية التي تلهم شعرائنا العرب رغم هجرتهم وتواجدهم خارج حدود بلادهم .

4- مرحلة التأصيل للشعر الحر :
تبلور الشعر الحر ، و بلغ أوجه ، باكتماله على يد رواده العراقيين" نازك الملائكة" و"بدر شاكر السيّاب" اللذان قاما بتأسيس درب الشعر الحر خاصة ما جاءت به "نازك" ، فقد كانت لها الأسبقية للتنظير لهذا الشعر و أبدعت فيه ، و أوّل قصيدة تحمل في طياّتها سمات مطابقة للشعر الحر هي "لنازك الملائكة" تحت عنوان " الكوليرا " ، التي نظمتها ( 1947.10.27 ) . وهي من الوزن "المتدارك الخبب " ، وفيها صورت المأساة التي حدثت في مصر بسبب وباء " الكوليرا " ، فتقول "نازك" : " وقد حاولت فيها التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجرّ عرابات الموتى من ضحايا الوباء في ريف مصر وقد ساقني ضرورة التعبير لاكتشاف الشعر الحر "(1) . هذا مقطع منها :

سكــــــن الليـــــــــــــــــــل
أصغ إلــــى وقـــــع صدى الأنــــــــــــات
فـــي عمق الظلمة ، تحــــت الصمــــت ، على الأصــــــــــــوات
صرخـــــــات تعلـو ، تضطـــرب
حزن يدفــق ، يلتهــــــــب
يتعثّر فيه صدى الآهـــــــات
في كــــــــلّ فؤاد ، غليـــان
في الكــــوخ الســـــــــــــاكن أحزن (2)

على نفس الوتيرة و في نفس السنة ، ومن النصف الشهر نفسه من صدور " الكوليرا " ، برز الرّائد الثاني للشعر و هو " بدر شاكر السيّاب " ، صدر له ديوانه المعنون : "أزهار ذابلة " فيه قصيدة حرّة الوزن تحمل عنوان "هل كان حبا " و قد علّق عليها في الحاشية أنّها من الشعر المختلف الأوزان و القوافي ".(3) التي نشرت 1960 ، تتكون من أربعة مقاطع من بحر الرمل كاملا و مجزوءا دون نظام معين (4).هذا مقطع منها :

هل تسمين الذي ألقى هياما ؟
أم جنونا بالأماني ؟ أم غراما ؟
ما يكون الحب ؟ نوحا و ابتساما ؟
أم خفوق الأضلع حرّى ، إذا حان التلاقي (1)

تعتبر قصيدتيه "أساطير" و أنشودة المطر" قفزة إلى الأمام في مجال التخلص من عمود الشعر التقليدي .
تقول "نازك الملائكة" في كتابها النقدي " قضايا الشعر المعاصر " : " و مضت سنتان صامتتان لم تنشر خلالها الصحف شعرا حرا على الإطلاق " . (2) إلى غاية صدورديوانها " شظايا و رماد" الذي أقام الدنيا ولم يقعدها ، لِما جاء في مقدمته من شرح وافٍ لأوجه التجديد في الشعر العربي ، وقطعت قول كل مناهض ومخالف لحركة الشعر ، بتبيانها مواضع الاختلاف بين القصيدة الحرة والقصيدة التقليدية وقامت بتحديد البحور الخليلية التي تصلح لهذا الشعر .
هذا الأنموذج الذي قدّمته "نازك الملائكة" في مقدّمة ديوانها تشرح من خلاله طريقة النظم في الشعر الحر. تقول :

يداك للمــــــــــس النجــــــــوم
ونسج الغيـــــــــــــوم
يداك لجمع الظــــــــلال
وتشييد يوتوبيا٭ في الرّمـــــــــــال (3)

جاءت هذه المقطوعة على وزن المتقارب ذو التفعيلة ( فعولن ) ـ وهذا يعني أنّه من الأبحر الصافية – يلاحظ من خلال التقطيع العروضي لهذا المقطع أنّ الشاعرة " تلاعبت في استخدامها للتفعيلة حسب الأشطر ، وهذا حسب ما أتاحته لها الطريقة الجديدة من حرية " (4) . تعلل "نازك" على سبب هذه الفسحة في النظم فتقول : " أتراني لو كنت استعملت أسلوب الخليل ، كنت أستطيع التعبير بهذا الإيجاز والسهولة ، ألف لا..." (5). ثم أعادت تشكيل المقطوعة على نظام البيت الكلاسيكي ، فكانت الصورة التالية :
يداك للمس النجوم الوضاء و نسج الغمائم ملء السماء

الملاحظ أنّ "نازك الملائكة" أضافت لفظة " الوضاء " لــ " النجوم " دونما حاجة إليها حسب رأيها كما أنّها ترى في كلمة " الغمائم " ثقلا بالمقارنة مع نظيرتها " الغيوم " ، أما عبارة " ملء السماء " فتعتبرها الشاعرة طائشة ، وما إضافتها إلاّ لحاجة ضرورية لابدّ منها ، وهي ترفيع المعنى و اتمام الوزن و بهذا تخلص "نازك" إلى أنّ الطريقة القديمة تفضي بالشاعر إلى الحشو اللفظي ، كما تبيّن معها في هذا الأنموذج ، و الذي عدّته عيبا من عيوب الشعر الحر .
ترجع "نازك الملائكة" السبب الآخر الذي يتمحور حول إمكانية نظم " شعر التفعيلة " إلى نظام الشطرين ، و على هذا تؤكد في قولها : " أنّ الشعر الحر يعد شعر شطرين ـ ما عدا أنّه أوسع من أسلوب الشطرين ، و أرحب أفقا و ما موسيقى الشعر الحر إلا أنّه من عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي ،وقائم على أساسه ، بحيث يمكن أن نستخرج من كلّ قصيدة حرّة مجموعة قصائد خليلية وافية ، مجزوءة و مشطورة " .(1) هذان الأمران قد يكونان رد فعل لكل من يقول أنّ الشعر الحر ليس منطلقه عربي بل غربي وهو كفيل بأن يقنع كل المتزمتين و المتعصبين للشعر التقليدي ، وما الشعر الحر إلاّ توأم للشعر العمودي فكلاهما طفل يلثغ بالأغاني الحلوة وليس لشاعر أن يفرض أو يتعصب لأياّ منهما .
لقد نظّرت "نازك الملائكة" للشعر الحر في كتابها " قضايا الشعر المعاصر" ، الذي قدمت فيه حوصلة شاملة عن كلّ ما يخص اللّون الشعري الجديد ، حيث أصبح هذا المؤلَّف قبلة كل دارس و باحث . ومتتبع لمسيرة شعر التفعيلة ، منذ أن أرست أسسه الشاعرة ، التي بيّنت فيه السر الذي يكمن فيه ، وما الشيء الذي يميّزه عن الشعر العمودي ، و أوضحت الأسس التي يقوم عليها و العيوب التي فيه . يمكن أن نلخص كلّ هذا في أنّ الشعر الحر هو : " مشروعية الإنتقال من الأبحر الصافية إلى الأبحر الممزوجة ، وأنّ هذا الشعر عبارة عن ظاهرة عروضية قبل كل شيء ، ذلك أنّه يتناول الشكل الموسيقي للقصيدة ويتعلّق بعدد التفعيلات في الشطر ، ويعنى بترتيب الأشطر و القوافي ، و أسلوب استعمال التدوير و الزحاف و الوتد ، وغير ذلك مما هو قضايا عروضية بحتة " (2) وبعد الضجة التي اقامها ديوان "نازك" " شظايا ورماد " فليتنافس المتنافسون من الشعراء في نظم قصائد من هذا الشعر ، و بدأت الدّعوة تنمو و تتسع ، فصدرت دواوين تحمل قصائد حرّة منها : ديوان " ملائكة و شياطين " لعبد الوهّاب البيّاتي" سنة 1950 . وتلا ذلك ديوان " المساء الاخير " "لشاذل طافة" في نفس السنة ثم صدر ديوان " أساطير " "لبدر شاكر السياب" سنة 1950." (3)

خـــــاتمة:
بعد أن توهجت شرارة الشعر الحر و التي كانت من بلاد الرافدين، بلغ شعاعه إلى أقطار عربية عدة ، حيث زحفت الحركة الشعرية الجديدة ، و امتدت حتى غمرت الوطن العربي كله ، إذ لقي ترحيبا من قبل كل شاعر عربي تتوق روحه للتغيير . فما حركة الشعر الحر إلا انعكاسا لحركة الواقع التي أدت دورا فعالا و بارزا في مجال هذا الشعر الذي دفعه إلى الرسوخ في الأذهان بتشجع العديد من الشعراء من جميع أقطاب الوطن العربي ، والجزائر بشعرائها واحدة من البلدان العربية التي سعت إلى الخوض في ميدانه لأنّ " حركة الشعر الحر حركة اجتماعية في الدرجة الأولى هيأت لها ظروف شتى سياسية و تاريخية واجتماعية و نفسية و أدبية / فنية حتى استقامت ، و تصالحت كل هذه الظروف و العوامل لولادة الحركة وإنضاجها ".(1) وهذا الحديث يترجم بالفعل ما حدث في الجزائر ، و كيف تصالحت الظروف وتعاضدت العوامل لولادة الشعر الحر في الأدب الجزائري .
من أهم العوامل التي قادت بشعراء الجزائر إلى نظم قصائد حرة ، أولها وصول صدى هذا الشعر و تأثر الشعراء الجزائريين بالحركة الشعرية الجديدة في المشرق ، و كذا عامل آخر مهم لا يجب إهماله ؛ فالظروف التي كانت تسود الجزائر من استدمار طال أمده و تدهور أحوال الشعب الجزائري ، و الروح الثورية المنتفضة التي كانت على أهبة الاستعداد لإرغام المستدمر على الخروج و استرجاع السيادة الوطنية و الحقوق الشرعية للشعب الجزائري. فكان قالب الشعر الحر المناسب الذي يتماشى مع الثورة ومطالبها ،إذ رواد الشعر الحر الجزائريين كانوا بالمرصاد في وجه الاستدمار بقصائدهم الحماسية و التي تمتاز بأسلوب حر يعكس تطلّعاتهم ألا و هي الحرية . أمثال "أبو القاسم سعد الله" ،"أحمد الغوالمي" وغيرهم ممن استقبلوا هذا الضيف - " الشعر الحر "- ، فكان بمثابة الشجرة الطيّبة التي تنمو ، لتصل أفنانها أعالي سماء الأدب الجزائري لتقطف ثمارا في قمّة الروعة و الإبداع . تلك القصائد الرائعة التي كانت في المستوى لتنافس قصائد الشعراء المشارقة. بهذه القصائد الحرة تم تحرير الشعر من براثن وحدة القافية و الأوزان الخليلية .بفضل الجهود التي بٌذلت في هذا النحو، استطاع الشعر الحر أن يبلغ أوجه ليكون شعلة تنير معلم هذا الأدب .

التهميشات:

(1) - فاتح علاق : مفهوم الشعر عند رواد الشعر العربي الحر.إتحاد كتاب العرب.ط1 .سوريا.2005.ص8
(1)- فاتح علاق : مفهوم الشعر عند رواد الشعر العربي الحر. ص8
(2)– كمل نشأت : أبو شادي و حركة التجديد في الشعر العربي الحديث .دار الكاتب العربي لطباعة و المنشر .القاهرة 1967.ص 398.
(3)– نذير العظمة :حركة الشعر الحر- المصطلح و النشأة . مجلة الثقافة . 1987. ص 52 .
(4) - المرجع نفسه .ص 55.
(1)- ينظر : نازك الملائكة : شظايا ورماد. مج2. دار العودة.ط2. بيروت. 1979 ص20
- لوناس شعباني: موقف النقد من حركة الشعر الحر. أطروحة دكتوراه : جامعة تيزي وزو . 2007 :ص13. (2)
- المرجع نفسه . ص 13. (3)
(4)- ينظر:نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر.دار العلم للملايين،لبنان،الطبعة.2000.11.ص 127-123: حيث قدمت توضيحا حول التشكيلتين الخماسية والتساعية .
- لوناس شعباني:موقف النقد من حركة الشعر الحر .ص13 . (5)
- ينظر :نازك الملائكة : قضايا الشعر العربي المعاصر .ص 69(1)
- المرجع نفسه .ص 51-71 .(2)
- فاتح علاق :مفهوم الشعر عند رواد الشعر الحر , ص 24(3)
- المرجع نفسه ، ص 21(4)
(1) - شلتاغ عبود شرّاد : حركة الشعر الحرّ في الجزائر . المؤسسة الوطنية للكتاب. الجزائر ,د.ط , 1985.ص 45
(2)- ينظر : سعد دعبيس : حوار مع الشعر الحر.دار بور سعيد .1971. ص15 .
(3)- شلتاغ عبود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر . ص 46.
(4)- ينظر: شعباني لونّاس : موقف النّقد من حركة الشعر الحر . ص 17.
(5)- ينظر: سعد دعبيس : حوار مع الشعر الحر . ص 11-12 .
(6)- لوناس شعباني : موقف النقد من حركة الشعر الحر .ص 10 - 11.
(7) - المرجع نفسه . ص 11- 12.
-سعد دعبيس : حوار مع الشعر الحر .ص 13.(1)
(2)- شوقي ضيف : دراسات في الشعر العربي المعاصر . مكتبة الدراسات الأدبية . دار المعارف بمصر ، ط 6 . ص 246.
(1) - شوقي ضيف : دراسات في الشعر العربي المعاصر. ص 247-248.
(2) - شلتاغ عبود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر. ص37
(3) - عبد اللّه الركيبي : الأوراس في الشعر العربي ودراسات أخرى .الشركة الوطنية للنشر و التوزيع .الجزائر.د،ط. 1982ص 66.

(1) - كمال نشأت : أبو شادي وحركة التجديد في الشعرالعربي الحديث .ص 397.
(2) - شلتاغ عبّود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر . ص 37. ( ينظر كذلك نموذج آخر لأبي شادي في : كمال نشأت أبو شادي و حركة التجديد في الشعر العربي الحديث . ص 397 ، 398.
(3) - عبد اللّه الركيبي : الأوراس في الشعر العربي ، ودراسات أخرى ص 66.
(4) - شلتاغ عبّود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر . ص 39.
(1) - شلتاغ عبّود شرّاد : حركة الشعر الحر في الجزائر . ص 40.
(2) - أحلام حلّوم : النقد المعاصر و حركة الشعر الحر .مركز الإمناء الحضري . ط 1 . حلب ، سوريا . 2000. ص 20
(3) - المرجع نفسه . ص 22.

(1) - نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر ، ص 35 .
(2) - نازك الملائكة : ديوان شظايا و رماد ، المجلّد الثاني ، دار العودة ، بيروت ، ط2 ، 1979 . ص 138.
(3) - نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر . ص 36.
(4) - ينظر. ناجي علوش . ديوان بدر شاكر السياب .دار العودة .بيروت .د.ط .1971.ع .ف.ص.
(1) - ناجي علوش . ديوان بدر شاكر السياب .ديوان أزهار و أساطير ص 101.
(2) - نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر ص 37.
(3) - ينظر : نازك الملائكة : شظايا و رماد . ص 13 - 14 .
(4) - ينظر : لوناس شعباني : موقف النقد من حركة الشعر الحر .ص 16
(5) - نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر، ص 13.

(1) - نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر . ص 7.
(2) - أحلام حلّوم : النقد المعاصر و حركة الشعر الحر . ص 28.
(3) - نازك الملائكة قضايا الشعر المعاصر . ص 37 .
(1) - أحلام حلوم : التقد المعاصر و حركة الشعر الحر . ص 30 . نقلا عن اليافي نعيم : نازك الملائكة و قضية الشعر الحر . الأسبوع الأدبي ، ع 267 _ 1995
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خالدلطفى
عضو شرف
عضو شرف
خالدلطفى

القيمة الأصلية

البلد :
ليبيا

عدد المساهمات :
403

نقاط :
659

تاريخ التسجيل :
10/12/2012


حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر Empty
مُساهمةموضوع: رد: حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر   حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر I_icon_minitime2015-03-04, 00:11

حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر 976116 حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر 976116
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» تعريف الشعر الحر وخصائصه
» مساعدة في الشعر الحديث
» التداولية بين النشأة و المفهوم
» السياق: النشأة والمفهوم والتطور
» حركة التأليف المعجمي فـي مفردات القرآن أحمد حسن الخميسي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  الدراسات العليا :: طلبات المساعدة-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


حركة الشعر الحر : النشأة والتطوّر 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
محمد النقد قواعد ظاهرة مجلة البخاري التداولية النحو العربي الحذف اللسانيات ننجز العربية مدخل مبادئ الأشياء كتاب اسماعيل موقاي المعاصر الخيام الخطاب على النص بلال اللغة


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع