عبدالله بوقصة .عضو فعّال
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 30 نقاط : 66 تاريخ التسجيل : 28/05/2010 الموقع : جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: روافد التداولية 2010-08-13, 23:05 | |
| - روافد التداولية:
إنّ اللغة البشرية هي بمثابة العنوان لكلّ الأنظمة الدلالية الأخرى غير اللغوية التي تتضمن التواصل مثل: الرموز و الإشارات، ذلك أن هذه الأنظمة لا تؤدي إلا بتأويلها إلى اللغة.
فإذا كان سوسير Saussure اعتبر علم اللغة جزءً من علم الإشارات العام أي علم العلامات، فإن بعض اللسانيين و منهم: رولان بارتRoland Berths جعلوا علم العلامات فرعًا من علم اللغة، و ربما يعود ذلك إلى أنّ اللغة هي نظام علم التواصل الوحيد ووظيفته (التعبير و الإبلاغ) من زاويتين مختلفتين هما: الإشارية و الدلالية، بينما لا تملك الأنظمة الأخرى سوى نظام دلالي واحد.(1) غير أن هاتين الصفتين اللتين تختص بهما اللغة البشرية
( الإشارية، الدلالية) تبقيان غير كافيتين لضمان تواصل تام و ناجح بين المتخاطبين، إذا لم يستدعيا عناصر أخرى غير لغوية مما تفرضه الظروف الخارجية من تأويل، وسياق استعمال، و غيرهما..(2)
و يمكن تلخيص مجهودات اللسانيين حديثا في اتجاهين:
1- نظريات لسانية صورية: عدت اللغة أنساقا مجردة، يمكن وصفها بمعزل عن وظيفتها التواصلية، و تناولها تناولاً صوريًا محظاً على المستويين: الدلالي و التركيبي.
2- نظريات لسانية وظيفية: تتجاوز سابقاتها إلى الاهتمام بظروف اللغة في إطار وظيفتها الأساسية أي التواصل.
و من نماذج هذه النظريات: التداولية.
و يستند التفكير التداولي إلى عدّة روافد ذكرها الباحثين، نذكر منها:
1- الفلسفة اللغوية: تشمل أعمال رواد فلسفة اللغة الطبيعية، و الفلسفة التحليلية مثل: فريجFrege و روسلRussel اللذين طورا كثيرًا من القضايا الفلسفية التي أنتجت فيما بعد الفلسفة الأوستنية في اللغة، و التي عالجت الظواهر اللغوية من قبيل الإحالة، و أفعال الكلام و الاستلزام الحواري...(3)
كما ألح مثل هؤلاء العلماء على وصف اللغة في استعمالها دون تجريدها من تداولها العادي، و منهم:
أ- فيتغنشتاين Wittgenstein: و هو من الفلاسفة الأوائل الذين نظروا إلى الجانب الاستعمالي للغة، و اهتم بمدى صحة الملفوظات أو خطئها، و بعد ذلك قال بعدم الانفصال بين اللغة و الفكر، و إن اللغة اجتماعية إذ لا وجود للغة خاصة بالفرد و انتهى إلى استبدال معنى تواصلية اللغة بالتعبيرية، فاللغة في نظره ليست وسيلة لإفهام الناس بقدر ما هي وسيلة للتأثير فيهم.(1) و تطرق في ذلك إلى فكرة ألعاب اللغة، فكشف مفهوم التلاعب بالكلام الذي أصبح فيما بعد أحد دعائم ظهور التداولية. و خلاصة هذا المفهوم أن الأفعال التي نتلفظها ترتبط بأشكال الحياة و الممارسات التي نحياها.
ب- أوستينAustin : عُرف من خلال محاضراته في فلسفة اللغة المنشورة عام 1962م بعنوان " كيف ننجز أفعالاً بالألفاظ How to do things with words " و اللغة في مفهومه تتجاوز وظيفة الاتصال إلى وظيفة التأثير و تغيير السلوك الإنساني من خلال مواقف كلية. و جسد بعد ذلك فكرته القائلة إن كل قول ملفوظ يعد عملا، و ميز بين نوعين من الملفوظات:
- ملفوظات ثابتة تقريرية و تمثل حالات أشياء و تحتمل الصواب و الخطأ.
- ملفوظات إنجازية*، و ترتبط بشروط تحقيقها مثل: أعلن عن افتتاح الجلسة.
ج- بيرسPerce : اهتم بدراسة العلامة انطلاقا من مفاهيمها الفلسفية، إلى حد أنه اعتبر الإنسان علامة، و حين نفكر فنحن علامة. كما ربط فهم اللغة بحال التواصل، و المعنى بظروف الاستعمال، و هو من أهم ما أسهم به في نشأة الدرس التداولي.(2)
و ميز بين كل من العلامة و الرمز و الإشارة و الأيقونة، و قدم شروحا وافية في مفهوم الدليل، حيث يقوم على مبدأ التأويل.
و من خلال حديثه عن التأويل، استخلص الدارسون ما يرتبط بمفهوم التداولية عنده، حيث ميز بين الدلالة باعتبارها دراسة للمؤولات، و بين التداولية التي تدرس بها بقايا هذه المؤولات، و رواسبها.
د- موريسMorris : تصنف جهوده ضمن البحوث الفلسفية التي درست الدليل و تصوراته الواسعة، كما أنّها تعد امتداد لبحوث علم النفس السلوكي المهيمنة على اللغة في فترة سابقة، إضافة إلى أنّه أسهم رفقة بيرس في تأسيس الدرس السيميائي.
و اعتبر التداولية جزءا من السيميائية، يعالج العلاقة بين العلامات و مؤوليها ، و خلص إلى تعريف تداولي للغة بأنها نشاط تواصلي أساسًا ذو طبيعة اجتماعية.(1)
هذا و من أكثر النظريات انتشارًا في الدراسات التداولية المطبقة على مختلف اللغات نظرية الاستلزام الحواري implicature conversationnel التي ترجع نشأتها إلى محاضرات غرايس Grice في جامعة هارفارد سنة 1967م، و تقود هذه النظرية إلى مجموعة من الأسس التي تنظم العلاقة الحوارية بين المتكلمين الذين يبرمون عقدًا حواريا ضمنيا يحدد إسهام كل منهم في تنمية العملية الحوارية، و أطلق غرايس على هذا العقد اسم
" مبدأ التعاونPrincipe de cooperation و من خلال هذا المبدأ يستطيع كل طرف في الحوار أن يتوقع من الآخر أن يلتزم بجملة من المسلمات.(2)
و يمكن أن نجمل مسلماتMaximes غرايس في القدرQuantité ، و الكيف
Qualité ، و الملاءمة Pertinence، و الجهة Modalité.
إن هذا الطرح الغرايسي، يعتبر هذه المسلمات ضوابط تتحكم في استخدام المتكلم للغة أثناء المحادثة.
و من النظريات الشائعة كذلك في الدراسات التداولية:
نظرية الملاءمةTheories de pertinence حيث أرسى معالمها كل من البريطانية ديردر
و يلسنDeider Wilon ، و الفرنسي دان سبربرD. Sberber و حملت هذه النظرية في طياتها رافدين معرفيين:
1- هي نظرية تعالج الظواهر البنيوية للملفوظات في السياقات المختلفة
2- هي نظرية إدراكية لاستفادتها من علم النفس المعرفي، خاصة فكرة القابلية Modularité لفودورFodor .(1)
خلاصة القول أن الخلفية الفكرية و الثقافية التي نشأت فيها البحوث التداولية تنطلق جميعها من الاهتمام بالتواصل، و الاستعمال الفعلي للغة. لأن ذلك يحدد بنيتها التركيبية، إضافة إلى أن المتكلم يبني كلامه وفق ظروف التواصل، و طبيعة المتلقي.. و هكذا قد نشأت التداولية في ظل هذه المكاسب المعرفية اللسانية و الفلسفية و البلاغية مما وسمها بالتنوع
و الثراء.
|
|
د محمد محمد يونس علي عضو شرف
البلد : ليبيا وبلاد العرب: أوطاني عدد المساهمات : 801 نقاط : 1529 تاريخ التسجيل : 25/12/2009 المهنة : أستاذ اللسانيات المشارك
| موضوع: مصطلحات من براغماتية قرايس 2010-08-14, 00:40 | |
| أشكرك أستاذ عبد الله على هذا الموضوع الرائع واسمح لي أن أختلف معك في بعض المصطلحات، ولاسيما منها تلك المرتبطة بفيلسوف اللغة قرايس، وذلك لأسباب تتعلق بالوضوح والدقة والشفافية التي تعد من أهم سمات المصطلح، وإن كنت أتفق مع الرأي الشائع القائل: لا مشاحة في المصطلحات، ومقترحاتي هي مبدأ الكم بدلا من مسلمة القدر مبدأ المناسبة بدلا من مسلمة الملاءمة المفهوم التخاطبي بدلا من الاستلزام الحواري
والأسباب هي 1- مصطلح الكم مصطلح أرسطي معروف في تراثنا الفلسفي والمنطقي وقد اقتبسه قرايس من أرسطو نفسه 2- المناسبة مصطلح معروف عند علماء البلاغة والأصوليين، واستعماله عند قرايس يتفق في جوهره مع مصطلح قرايس 3- مصطلح المفهوم عند علماء الأصول يتفق ماصدقيا مع مصطلح قرايس لهذه الأسباب وغيرها أرى أن الكم والمناسبة والمفهوم أفضل من غيرها مما شاع من ترجمات أخرى.
عدل سابقا من قبل د محمد محمد يونس علي في 2010-08-14, 16:30 عدل 1 مرات |
|
عبدالله بوقصة .عضو فعّال
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 30 نقاط : 66 تاريخ التسجيل : 28/05/2010 الموقع : جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: شكر و تنويه 2010-08-14, 07:45 | |
| إلى الدكتور محمد يونس علي بقدر ما أشكركم على تدخلكم لإثرائي موضوعي ،بقدر ما أنوه بجهودكم الجبارة في سبيل تشييد صرح هذا المنتدى..و إعلاء شأن علوم اللغة و اللسان العربي المبين.
|
|
عبدالله بوقصة .عضو فعّال
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 30 نقاط : 66 تاريخ التسجيل : 28/05/2010 الموقع : جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: شكر و تنويه 2010-08-14, 07:50 | |
| |
|