لنقد النسوي الأدبي... خصائصه وأهدافه
د. حلمي محمد القاعود
المصدر: مجلة الأدب الإسلامي – العدد (66) 1431هـ/2010م.
يدخل النقد النسوي تحت المظلة الواسعة للنقد الثقافي، أو هو جزء من مصطلح ما بعد الحداثة المتأثرة بفلسفة التفكيك، ويُعد كتاب "الجنس الآخر" لسيمون دي بوفوار الصادر عام 1949م، أول محالة للحديث عن قضايا المرأة وتاريخها، التي غابت عن الواقع الثقافي فيما تتصور المؤلفة.
لكن البداية الفعالة للحديث عن أدب المرأة أو الأدب النسائي، كانت في الستينيات نتيجة لحركات تحرير المرأة في الغرب ومطالباتها بالمساواة والحرية الاجتماعية والاقتصادية.
لقد اتهمت "فرجينيا وولف" و"سيمون دي بوفوار" الغرب بأنه مجتمع أبوي يحرم المرأة من طموحاتها وحقوقها، وأن تعريف المرأة مرتبط بالرجل، فهو ذات مهيمنة، وهي "آخر" هامشي وسلبي(1)
تعريفات:
وهناك تعريفات متعددة للأدب النسوي، أشهرها:
ـ الأعمال التي تتحدث عن المرأة، وتلك التي تكتب من قبل مؤلفات.
ـ جميع الأعمال الأدبية التي تكتبها النساء سواء كانت مواضيعها عن المرأة أم لا.
ـ الأدب الذي يكتب عن المرأة سواء كان كاتبه رجل أو امرأة(2)
وأيا كان المقصود بالأدب النسوي، فإن هذا النقد الذي يهتم به يركز على الاختلاف الجنسي في إنتاج الأعمال الأدبية شكلا ومحتوى، وتحليلا وتقويما، ولا يتبع نظرية واحدة أو إجراءات محددة، فهو يستفيد من النظرية النفسية والماركسية، ونظريات ما بعد البنيوية عموما، لذا فهو متعدد الاتجاهات(3)
مجال النقد النسائي:
وغاية النقد النسائي إنصاف المرأة وجعلها على وعي بحيل الكاتب الرجل، وإبراز طريقة تحيزه "ضد المرأة وتهميشها بسبب أنوثتها"
ولذا يهتم النقد بالإنتاج الأدبي للنساء من كافة الوجوه (gynocricism)، الحوافز النفسية السيكولوجية والتحليل والتأويل والأشكال الأدبية بما فيها الرسائل والمذكرات اليومية(4)
ومن ثم فإن النقد النسوي يتحرك بصفة عامة على محورين:
الأول: دراسة صورة المرأة في الأدب الذي أنتجه الرجال.
والآخر دراسة النصوص التي أنتجها النساء.
ويلتقي المحوران في الواقع عند نقطة واحدة هي هوية المرأة أو ذاتها(5).
وجوهر فكرة النقد الأدبي أو فلسفته؛ عند الحركة النسائية، هو ما لقيته المرأة من ظلم ـ حسب اعتقاد الحركة ـ على امتداد تاريخها الطويل، سواء في مجال النقد إذا لم تتح لها الفرصة للتعبير عن آرائها النقدية التي قد تكون مخالفة لوجهة نظر الرجل أم فيما أدى إليه الأدب والنقد من ترسيخ الأوضاع القديمة للمرأة في المجتمع(6).
ويتعلق بفكرة الإحساس بالظلم التاريخي للمرأة، ما تقدمه الحركة النسائية من تصور يفصح عن رفضها الجنس بصورته التقليدية، أي مفهوم المرأة مصدر متعة أو جمال أو فتنة، فذلك في رأي بعض زعيمات الحركة مثل "نعومي وولف" مؤلفة كتاب "أسطورة الجمال"، كان من ذرائع خداع الرجل للمرأة، واستغلالها على مدى العصور(7).
وكان هذا من وراء فكرة التشكيك في الأدب والنقد من حيث إنها نظرية، بهدف الانطلاق نحو التحرر الحقيقي للمرأة، وتلخص ذلك "ماري إيجيلتون" في كتابها "النقد الأدبي النسائي" الصادر عام 1992، حيث ترى أن المرأة خضعت طويلا للنظريات الأبوية التي يضعها الرجال، وتثبت أن المرأة أدنى من الرجل(8).
الأديبات العربيات:
وقد تأثرت الحركة الأدبية في العالم العربي بحركة الأدب النسوي الغربية إلى حد كبير، مع اختلاف البيئة والثقافة والمعتقدات، ولكن عددا كبيرا من النساء العربيات انسقن في تيار الحركة النسائية الغربية، فرأينا من تتطرف أكثر من الأديبات الغربيات، وترى أن مصطلح الأدب النسوي نفسه، جاء لتهميش المرأة وإبداعها؛ لأنه يفصل بينها وبين الرجل، ويكرس الفوارق بينهما، ومنهن من ذهبت إلى حد أبعد في هجاء المنطقة العربية الموبوءة بالحروب الديكتاتورية والتخلف الاجتماعي، وغلبة العقلية الدينية المتخلفة(!) الداعية إلى طمس شخصية المرأة خلف جدران سميكة من التابوهات والممنوعات والعيب.. وغيرها، فضلا عن شيوع الإرهاب الأسري، وإرهاب الشارع، والإرهاب الفكري والسياسي، والديني والإنساني على كل الأصعدة. ثم إن تاريخ المنطقة من وجهة نظرهن؛ مذكر وخشن وذو شعر كثيف(!!).
ولم يقتصر الاتهام على تاريخ المنطقة وعقيدتها الدينية ورجالها أو ذكورها، بل يتعداه إلى النساء أنفسهن بصفة عامة، حيث أسهم ـ وفقا للاتهام ـ في ترسيخ العقلية الرجولية وطمس المعالم النسوية وسمات الأنوثة، وخاصة مع ظهور ما يسمينه "المد الديني المتخلف" الذي يتغذى من السياسة ويتقوى بالإرهاب، فالتهميش والتجاهل لأدب المرأة والنتاج الأدبي النسوي جزء من القاموس الفكري الرجولي.
وتلح هؤلاء النسوة على ضرورة الاندماج في عالم الأدب النسائي الواسع(!) وترك الانعزالية تحت مسمى "الأدب النسوي"(9).
المرأة الغربية:
ولا ريب في تأثر الحركة النسائية أو الأديبات العربيات بالحركة النسائية الغربية، التي نتجت عن سحق المرأة الغربية في مجالات الإنتاج والعمل والتسويق التجاري، والنظر إليها نظرة قاصرة تضعها في سياق استعمالي وليس سياقا إنسانيا، ورفع الكفالة عنها من جانب الوالدين والإخوة، والزوج في أحيان كثيرة، فهي مطالبة بالعمل والكسب من أجل أن تعيش، وأن توفر مطالبها الخاصة وأشد من ذلك، هو تسويقها بوصفها سلعة تدر دخلا على الشركات الصناعية والمؤسسات التجارية والإعلامية، فهي ملكة جمال، وهي فتاة إعلان، وهي مذيعة، وهي لعبة بيد "المافيا".
من حق المرأة الغربية أديبة أو غير أديبة أن تثور على واقعها، وأن تتطرف في هذه الثورة إلى الحد الذي يجعل الصراع بينها وبين الرجل بديلا للصراع الطبقي. ولكن ما الدوافع التي تقذف بالمرأة إلى أتون معاداة الرجل، والدين أيضا؟
لقد جعلها الإسلام جزءا من نفس الرجل، ومكملا له ومحورا لأسرة، وألزم الرجل برعايتها وحمايتها وتربيتها وتنشئتها والحفاظ على كرامتها وإنسانيتها.
قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"سورة النساء.
وقال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"سورة الحجرات.
وفي الآيتين الكريمتين تأكيد واضح على تكريم المرأة، ينبع من التأكيد على أن التقوى مناط المفاضلة بين البشر جميعا، وليس الرجل والمرأة وحدهما.
ثم إن الحديث الشريف يتحدث عن ضرورة الإحسان إلى المرأة و تكريمها: "استوصوا بالنساء خيرا" متفق عليه، ثم هناك ما ورد في من قول مأثور"المرأة التي تهز المهد بيمينها؛ تهز العالم بشمالها". ثم هناك ما هو أكثر من ذلك في الكتاب والسنة والتاريخ، ويدل دلالة لا لبس فيها على كرامة المرأة وتكريمها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1ـ دليل الناقد الأدبي ص 222.
2ـ حوار مع حاتم الصكر تحت عنوان (انفجار الصمت ـ الكتابة النسوية في اليمن) مجلة المدى19/10/2006
3ـ دليل الناقد الأدبي ص 222
4ـ السابق ص 224
5ـ الخروج من التيه ص 296
6ـ محمد عناني ـ المصطلحات الأدبية الحديثة، الشركة لمصرية العالمية للنشر(لونجمان)، القاهرة 1996، ص 187
7ـ السابق ص 186
8ـ نفسه 188
9ـ انظر على سبيل المثال مقالا كتبه: فينوس فائق، الأدب النسوي مصطلح لتهميش إبداع المرأة، موقع دروب، 5 يناير 2006.