يبدو ان الرواية ، حقا هي الوجه الأكثر بروزا في الخارطة الأدبية العربية، ليس على الصعيد الإبداعي الذي حقق نجاحات هامة وإنما أيضا على الصعيد النقدي المصاحب للعملية الروائية و"المنظر" لها. فعلى صعيد العملية النقدية المتهمة أساسا بأنها أضعف حلقات الأدب العربي صدرت العديد من الدراسات حول الرواية العربية على مستويات البنى والمكونات ، الحكاية والخطاب .
ومن هذه الدراسات والكتب النقدية الهامة التي حللت وساءلت تجارب روائية عربية بأدوات التحليل والمساءلة النقدية الصارمة، كتاب الناقد المغربي سعيد يقطين (تحليل الخطاب الروائي "الزمن - السرد - التبئير) والذي صدرت مؤخرا طبعته الثانية .
يستهل الكتاب مشروعه النقدي المستفيد أساسا مما أنجز في مجال تحليل الخطاب الروائي في الغرب بطرح غدد من الأسئلة التي تبدو ضرورية في سياق ما تضمنه الكتاب من نقاشات ، أسئلة سنرى انها تنفرش على أرضية الكتاب وتشكل أطروحته الأساسية، وهي على النحو التالي :
- كيف يمكننا تحليل الرواية العربية بدون تصور نظري للرواية؟ - ما في هذه النظرية ؟ - ما هو موضوعها ؟ - ما هي أدواتها وأسئلتها ؟
- كيف يمكننا اقامتها وتطويرها ؟
ويوضح الناقد بدءا ان الموضوع الأساسي "تحليل الخطاب الروائي " لا يبحث في الرواية بوصفها فنا أدبيا ولكنه بحث فيما حول الرواية، في الخطاب الذي ينبني عليه النسيج الروائي وتقوم عليه المادة الحكائية في الرواية والذي يحدده الكاتب عبر اشتغالاته فكرة ولغة. وفي هذا السياق يرى الكاتب ان فكرة التفرد والصوت الخاص في العمل الروائي يبرزها على وجه التحديد الخطاب الذي يحدده الروائي ويختاره وسيطا لمادة الحكي :
"أننا لو أعطينا لمجموعة من الكتاب الروائيين مادة قابلة لأن تحكي ، وحددنا لهم سلفا شخصياتها وأحداثها المركزية وزمانها وفضاءها لوجدناهم يقدمون لنا خطابات تختلف باختلاف اتجاهاتهم ومواقفهم ، وان كانت القصة التي يعالجون واحدة" .
اختار الناقد سعيد يقطين في تحليله للخطاب الروائي السرديات البنيوية كما جسدها الإتجاه البويطيقي وعبر تتبع دقيق للعديد من وجهات النظر داخل هذا الاتجاه ، وعبر مزاوجة صارمة بين عمل البويطيقي وهو يبحث عن الكليات التجريدة وعمل الناقد وهو يدقق كلياته ويبلورها من خلال تجربة محددة . تلك التجربة التي قادت يقطين الى الاشتغال في دراسته هذه على ثلاثة مكونات أساسية، تشكل الفضاء الكلي للخطاب الروائي ومكوناته المركزية . اذ يقوم الخطاب عليها من خلال طرفيه المتقاطعين : الراوي والمروي له. وهي الزمن - الصيغة - الرؤية السردية والدراسة باعتمادها هذه المكونات الثلاثة تقف عند حدود ما يعرف بالمظهر النحوي أو البنيوي . غير ان الناقد الذي وجد ان هذا الوقوف هو إجراء أساس فرضته عليه اليات التحليل السردي تمكن بصيغة ما، صيغة (انفتاح النص الروائي " تحديدا
من الإنتقال في تحليله العميق والمتأني للخطاب الروائي من لازمة المظهر النحوي أو البنيوي الى المظهر الدلالي أو الوظيفي في محاولة جادة لتطوير وتطويع آليات النقد التحليلي في الغرب ومقاربته والخطاب الروائي العربي مع المحافظة على الشروط الأساسية لآليات النقد التحليل المنجزة أساسا في الغرب . إن هذا الكتاب صياغة وتمييز "تنظيري " متميز بين القصة "الرواية" كمادة حكائية وبين الخطاب كطريقة لتقديم هذه المادة عبر المكونات الثلاثة المركزية التي ذكرنا. وهو، يمكن وصفه ، تحليلا "تقنيا" لما تضمنه من تخطيطات نقدية توخي الناقد كما يبدو الصرامة والصبر والتأفي خيارات لعمل نقدي متميز، يمكن عده إضافة حقيقية للشروع النقدي العربي.