المجالس الثقافية الحلية
محمود كريم الموسوي
لم تكن المجالس الثقافية أو (المجالس الأدبية ) كما يحلو للبعض تسميتها ، وليدة مدة زمنية قليلة ، فالتاريخ يحدثنا أنها عرفت ما قبل ظهور الإسلام ، ومنها على سبيل المثال سوق عكاظ الذي كان يستمر لمدة (20) يوما ، اعتبارا من بداية شهر ذي القعدة من كل عام 0
وفي عهد الدولة الأموية انتشرت المجالس الثقافية بتجمعات اقل سعة من سابقاتها الأسواق الأدبية ونشطت وازدهرت في عهد الخلافة العباسية ، حتى صارت سمة من سمات التطور الثقافي آنذاك ، فكانت تعقد في قصور الخلفاء ، والوزراء ، والولاة ، ووجوه المجتمع ، وكانت هذه المجالس تستقبل العلماء ، وأهل الفكر ، والأدباء ، والشعراء ، والخطباء ، وتشهد أحدث النتاجات الأدبية ، والعلمية ، والفكرية ، وتجري فيها نقاشات ، وسجالات ثقافية ، ومطارحات شعرية 0
وكان للمرأة نصيب في هذه المجالس ، ومشاركة فاعلة ، بل كانت هنالك مجالس تعقد من خلالهن مثل المجلس الثقافي للشاعرة ولادة بنت المستكفي فيقول الدكتور حسين علي محفوظ في وصفه للمجالس الثقافية : ( كانت المجالس تزين البيوت والمنازل في الليالي والأماسي وفي الجمعات ، كانت مجامع تجمع الأفاضل والأماثل ، وتضطم على العلماء والأدباء والشعراء والظرفاء ، يرتادها الأعالي والاخابر ، وينتجعها السراة والأكابر ويلتقي فيها الكبراء والأعزة يؤلف بينهم الأدب وتشدهم الثقافة ويربطهم الفكر، على اختلاف الأديان والمذاهب والمشارب والمعتقدات ) 0
إن المجالس الثقافية في العراق على وجه العموم ، وفي محافظة بابل على الأخص كانت ولا زالت امتدادا طبيعيا حيويا لتلك المجالس التي نقرأ عنها في بطون الكتب ، ولكن نشاطها وفعالياتها تتأثر بالوضع السياسي في العراق ، فالمدة التي سبقت تغيير عام 2003م شهدت تلك المجالس الخمول والانغلاق ، خوفا من عيون الرقباء الذين ربما يعدونها تجمعات معادية أو خارج المسموح به 0
أما بعد التغيير فقد انتعشت تلك المجالس ، وتناسلت وعادت تزهو بجلاسها ، والموضوعات التي تطرح فيها ، وقد عمد البعض إلى توثيق بعض فعالياتها 0
وإذا كانت هنالك ما يسمى سلبيات المجالس الثقافية ، ففوائدها قد طغت بما لا يقبل الشك ومن تلك الفوائد :
01 يقول عنها المحفوظ : ( من أسباب التعارف والتآلف ومن مظاهر الوفاق والاتفاق ) 0
02 عدّها الدكتور عدنان البلداوي أنها ( من ابرز معالم ديمومة الازدهار الثقافي ) 0
03 إضافة إلى ما يتداول فيها من موضوعات ثقافية شتى ، فإنها عبارة عن تجمعات اجتماعية تقوّي الروابط بين روادها الذين يطلق عليهم في كثير من الأحيان ( الطبقة المثقفة) 0
04 الاطلاع على جديد ميادين المعرفة ، وعلى الأخص الأدبية ، من خلال تبادل المعلومات بين روادها 0
05 إثراء للفكر وتواصل لما يستجد من موضوعات وإصدارات في الساحة الثقافية 0
06 كثيرا ما تشهد هذه المجالس تكريم المبدعين والرواد ، وحفلات توقيع إصدارات جديدة من خلال الاحتفاء بمؤلفيها ، وتصفية أجواء العلاقات بين روادها
وإذ نشهد حيوية مجالس ثقافية عدة في مدينتنا الحلة الفيحاء نتمنى إن تتوسع هذه المجالس لدورها الكبير في تعميق المشهد الثقافي البابلي ، كما نأمل توثيقها كما تم توثيق المجالس الثقافية في بغداد بمؤلفات عدة منها (من حديث المجالس الأدبية والمنتديات الثقافية في بغداد ) لمؤلفه الدكتور سلمان عبد الجليل القيسي ) الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 2009م ، راجين من الجهات الثقافية الحكومية أن تلتفت إلى أهمية هذه المجالس ودورها في إشاعة الثقافة في مختلف ميادينها وذلك بدعم هذه المجالس ماديا ومعنويا 0
وارى إني وضعت لبنة للتوثيق عندما أشرت إلى مجالس ثقافية في الحلة بشيء من الإيجاز بالجزء الأول من كتابي ( الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك : حياته ومساراته التربوية والثقافية ) الذي هو قيد الطبع الان