بنفسج ألشمري
بين الصورة الشعرية 00 والإشكال الدلالي
محمود كريم الموسوي
أربعون قصيدة فرشت في (148) صفحة، كونت ديوان (أميــرة البنفسج) للشــاعر حامد خضير ألشمري ، الذي هو الإصدار الخامس ، بعد إصداراته(نقوش على كوفية أبي جهل) ، و(قصائد حب عالمية) ، و(مختارات من الشعر العالمي) ، و(عنـدليب مـن الجنائن المعلقة) 0
من خلال قراءة أولية لقصائد الديوان ، نجد أن الشاعر قد خاض تجربة حب عنيفـة مع حبيبية له في أعظمية بغداد ، فيقول في قصيدة (رحيل البنفسج) :
استودع الرحمنَ أجملَ غادةٍ
في الاعظمية أصلُها والأفرعُ (ص 54)
وفي قصيدة (غادة الاعظمية ) يقول :
في الاعظمية غادةٌ لو أقبلت
فجميعُ دنيا الله منها تسطعُ ( ص76)
ويبدو إن حبيبة ألشمري طالبة معه في كلية الآداب فيقول في قصيدة (فاتنة الزمان)
بغداد قد ألفيتُ كل مليحةٍ
ما أجمل الأزهار في " الآداب " (ص80)
وأرّخ ألشمري تجربته في ( أقداس البنفسج ) فقال :
أقسى البكاء بلا دمعٍ وها أنذا
منذ الثمانين دمعي النارُ مجراه (ص19 )
ويؤكد ذلك في قصيدة ( روض البنفسج ) فيقول :
جرحي ثلاثونَ عاما عمرُه فإذا
مارمت أنساه
جرحٌ فيه ينفجرُ (ص53 )
و الفراق كان نهاية تلك التجربة وذلك الحب فيقول في قصيدة (رحيل البنفسج) :
لعبت بنا الأقدار حتى إنها
بفراقنا وشقائنا تتمتعُ (ص55 )
وعزا ألشمري ســبب الفراق إلى فاتنته فقال في قصيدة (لا تبسمي)
سكين غدرك غار في لحمي
وأدرك أعظمي (ص95)
وهو بعد كل ذلك ، يظهر وفاءا كبيراً حين يقول في نهاية قصيدة (غربة البنفسج ):
إنيّ أقايضُ ما قد ظلّ من عُمُري
بلمحةٍ منكِ فيها أبلغُ الأربا (ص86 )
مما جعله يصــبّ مشاعره وأحاســيسه ومعاناته ، بقوالبه الشـعرية ، بلغة مــرنة ، ومفردة حسيّة مرهفة ، تبعث في نفس القارئ ، أو المتلقي ، بإحساس متعاطف مع ذات الشاعر ومعاناته ، وتدفعـه إلـى مستوى خيال الحدث ، بل إن القارئ ليجــد فــي نفســه القدرة على دخول عالم قصائد الديوان الفني،ليجعلها فصولاً في رواية غرامية مأساوية يبنيها أثناء القراءة في عقله ، ووجدانه ، دون صعوبة ، أو معاناة 0
وإذا كانت عنــونة القصائد ، تمثّـل جــزءا من شـعرية الشاعر ، ومفتاحاً لقصائده ، فالشمري قد أبدع باختيار عناوين قصائده الــدالة على محتواها ، بمفــردات ذات إيقاع موسيقي ، بعد أن اتخذ (البنفسج) رمزية للحبيبة 0
وإذ تتعدد زوايا النظر إلـى النص الشـعري بتعدد وتنوع مسافات القراءات له ، فان قراءتنا تحددت بجمالية الصور الشعرية التي أبدع برسمها الشاعر، حتى اندفع بخيالاته إلى ضربات في ثوابت مازجـت الواقعية بالخيال ، وأحدثت إشـكالات دلالية فــي رؤى موروثة بالفطرة ، وقناعات مرسخة باليقين 0
افتتح ألشمري قصيدة (أقداس البنفسج) (ص17 ) قائلاً :
مالي نبيٌّ عدا عينيكِ أتبعه
ولا اله سواك اليوم أخشاه
ثم ، بالقصيدة نفسها (ص18)
لو ابتغى الله ممن شاء صاحبة
لكنت وحدك بين الخلق أنثاه
لكنه قد رآني ظله ولذا
أضاء حبك في قلبي فأحياه
لولاك ما سجدت يوما ملائكة
لآدم ولما الرحمن سواه
صورة شعرية تعبيرية رائعة ، يصف فيها مكانة فاتنته في قلبه ،وعقله ، ووجدانه، و جمالها روحاً و جسدا ، واستسلم لخياله حتى أشـكل فـي دلالاته التخيلية فـي افتراض اتخاذ الله صاحبة ، واشتراط سـجود الملائكة لأدم ، وخلقــه ، بعـد أن وضع لفاتنته فـي نفسه موضعاً خيالياً غيـر مألوف ، و تكرر الإشـكال الدلالي الأول فـي قصيـدة (فاتنــة الزمان) فيقول :
وجهٌ ملائكةُ السماء تحفّهُ
وبه أريجُ مآذنٍ وقباب
لو شاء صاحبةً له ـ سبحانه ـ
لاختارها من شدة الإعجاب (ص80)
وحين عدل عن أن يكون لله صاحبة فـي قصيدة (شـهد البنفسج ) أشكل في دلالة أن تكون فاتنته ابنة الله فيقول :
الله لم يتخذ ابناً وصاحبة
بل عنده ابنةٌ يُنهى بها الجدل
جاءت إلى الأرض لا أخرى تناظرها
من النساء ولم يوجد لها بدل
فذبت في الله حتى كاد يجعلني
صهراً فأزهد في الدنيا وأعتزل (ص144)
وهنا جاء الإشكال الدلالي على وجــه اليقين ، وليس على وجــه الافتراض ، مؤكداً أنه ممكن أن يكون صهراً لله سبحانه وتعالى 0
وعن أصل خلق فاتنة ألشمري ، الذي نفى أن تكون من تراب كما سيأتي ذكره، أكد في إشكالية أخرى ، في أنها لم تخلق مـن نطفة ، وإنها ثالثة ثلاثة لا نطفـة لخلقهـم ، آدم وعيسى عليهما السلام وفاتنته الثالثة ، إضافة إلى انه ساح في خياله إلى أن جعل لفاتنته قدرة أن تنجي آل فرعون من الغرق ، فيقول في قصيدة (عرش البنفسج)
لو أن كفيك وسط البحر أومأتا
لقوم فرعون لم يدركهم الغرق
ثلاثة : آدم ، عيسى وفاتنتي
من قدرة الله لا من نطفة خلقوا (ص131 )
وفي قصيدة ( قتيل البنفسج ) ، تتصاعــد عنـد ألشـمري انفعالات وصـفية ، تخرجه بافتراضية استحالية، من إطار الخيال المألوف ، إلـى إشـكالية دلالية لا تأويل لها غيــر معناها الظاهر فيقول :
لو صرتُ يوماً شريكَ الله ماعشقت
روحي سواك فأنت الحلم والهدفُ
في وجهك البضّ بعضٌ من جلالته
ومن شذا ثغرك الأسفار والصحفُ
فان عبدتك أعلى الله منزلتي
ولو جحدتك كلّ الفحش أقترفُ
لم يلقِ موسى عصاه لو رآك فقد
يخشى عليها بسحر منك تُلتقف (ص 128)
وفي ذلك ظهرت لنا إشكالية دلالية في شراكة الله سبحانه ، وفي سحر فاتنته الــذي جعله أعظم من آية الله في عصا موسى عليه السلام
وفي قصيدة (أنسام) الذي يفتتح فيها ألشمري ديوانه يقول :
لولا مست شفتاها الخمر ما نزلتْ
آيٌ بتحريمها يوماً وأنباء (ص6)
000000
لم تُخلقي من تراب قطّ يامرأة
وكلّ ما فيك قدسيّ ووضّاء (ص7)
فجعل ألشمري الإشكال الدلالي في تحريم الخمر ، بعدم وجـود فاتنته التي أســرت قلبه وعقله ، كما أشكل في إنها لم تخلق من تراب 0
وحيث نجد في قصة يوسف عليه السلام إن النسوة قطّعن أيديهن لانبهارهـن بجماله عندما خرج اليهن ، جال ألشمري في خياله ، لوصف فاتنته بأوسع من ذلك،عندما جعل يوســف عليه السلام نفسه يقطّع أصابعه ويصبـو إلى تلك الفاتنــة لما تحملـه من جمال، بافتراضية رؤيتها من قبله ، فيقول في قصيدة (أشلاء) :
يحزّ يوسف مبهوراً أصابعه
إذا رآك
ويصبو دون إبطاء (ص15)
وذهب ألشمري إلى أكثر من هذا فجعل افتراضية وجودها قبل إرسال الأنبياء كافياً للاغناء عما انزل الله سبحانه من آيات ، فيقول في القصيدة نفسها :
لو أرسل الله منذ البدء آسرتي
أغنى النبوة
عن آي وآلاء (ص14)
بل نفى بلاغة السور الرحمانية ، وقوة منطقها ، أمام منطق تلك الفاتنـة ، قائلاً فــي (روض البنفسج) :
ولو تناهى إلى الزهّاد منطقها
لأيقنوا ليس في أسفارهم سور (ص52)
وفي القصيدة نفسها ، يرى ألشمري في فاتنته، ما يعطيها قدرة في أن تغفر ضلالة الشرك ، التي استثنيت من عفو الله وغفرانه فيقول :
لهفي على امرأة أنّى مَضَتْ وَمَضَتْ
كأنها الماسُ والياقوتُ والدررُ
تهجّد القلبُ في محرابها فبهِ
كل الضلالات حتى الشرك تُغتفر ( ص 52)
وفي المقطع الأول من قصيدة (حورية البنفسج ) (ص 137) يقول ألشمري :
قد قبل الله خديها وأرسلها
وحيا ليهديَ من ضلوا ومن كفروا
وفي ذلك أشكل في دلالته للوحي ، في أن يكون أنثى
وفي المقطع الأخير من القصيدة نفسها يقول الشمري :
للداء لمستها بِرء ونفحتها
قميص يوسف منها يرجع البصر
يحيي العظام رميماً عزف ضحكتها
فينحني الكون إجلالا وينبهر (ص141)
فأشكل ألشمري في دلالته لقدرة الله في إحياء العظام وهي رميم ،فجعلها في ضحكة فاتنته 0
وفي قصيدة (آخر العشاق) يقول ألشمري :
"إياك أعشق إن مثلك "لم تلد"
وأكاد أجزم أنها "لا تولد" (ص134)
والشمري فـي تنصيصـه لمفردتي : "لم تلد"و"لاتولد" يصرّ على إن يجعـل ثنائيــة وحدانية الله (لم يلد ولم يولد ) في فاتنته فيشكل في أن يجعل قدرات وصفات الله دلالات في خياله الواسع لوصف فاتنته والتغزل بها فيقول في مطلع القصيدة نفسها :
وليّتُ وجهي شطره اتهجدُ
فبكل زاويةٍ بجسمك معبدُ
صلى عليك الله مما فيك من
طهرٍ وأوحى : ياملائكة اسجدوا (ص 133)
إن النصوص الشعرية التي أوردناها آنفاً ، قد سـلطنا عليها أكثـر مـن قراءة ، ومـن زوايا عـدّة ، فـوجدناها نصوصاً صريحـة لا تحتمــل التأويل ، خاضعــة لخيال تجـاوز معطيات الواقع ، سعياً وراء تقديم صور شعرية جديدة، مستخدما لغة مرنة في توصيل الفكرة بسهولة دون تعقيدا ، أو تورية ، أو تمويهاً ، مؤكدا على إن نصوصه عالـم خلـق في ساحة الحرية ، وفضاء الانفتاح