التأثيل الجملي للمثل الشعبي الجزائري
تعدّ الأمثال الشعبية فيضًا غزيرًا من المعاني ، التي تُصوّر حياة الفرد داخل مجتمعه ، فَتُجَلِّيه و كأنّه يحيى أمامنا بمختلف صوره الحسنة كانت أم السيّئة ، و هذا أيضًا ما تتطرّق إليه الأمثال العربية القديمة . و هي لا تصغرها شأنًا و وضعًا ، في حياة الفرد الخاصّة ، و في المجتمع عامّة .و سنتصفح بعض الأمثال في كلا النوعين الشعبي و العربي الفصيح ، و ذلك حتى تتضح الرُؤى و تتجلَّى الصور .٭ كِي يَكَّثْرُوا الفِيرانْ فَالغارْ ما يَحفْرُوش يُضرب لفساد الأمر حينما يُسند إلى أكثر من واحد. و يقول الله تعالى : ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا ﴾[1] . و أصول هذا المثل : " من كثرة الملاحين غَرِقت السّفينة "[2] ؛ أي إنّ كثرة الأيدي في الصلاح فساد ، و ذلك لاتّكال بعضهم على بعض ، و لتخالفهم . ٭ الماكْلَة صُورْطُو وَ الخَدْمَة مُورْطُو يضرب هذا المثل للشخص الكسول ، الذي لا يبذل جهدا في معاونة الآخرين و لا حتى في خدمة نفسه ، و هو في الوقت نفسه إنسان جشع لا يرضى بالقليل ، و يسبق الآخرين حين يرى شيئا يعود عليه بالفائدة دون جهد .و نظيره في المثل العربي القديم " الأكلُ سُرَّيط و القضاءُ ضُرّيط "[3]؛ معناه أن الإنسان يأخذ الدَّين فيسرطه ، فإذا طالبه غريمه بدينه ، أضرطه به. و تأويل ذلك ؛ تحب أن تأكل و تكره أن ترد . و المثلان يضربان للشخص الذي يحب أن يأخذ و لا يعطي .٭ عامَلْنِي كِي خُوكْ و حاسَبْنِي كِي عْدُوكْ يُضرب في الشخص الذي يريد انتهاز الصداقة بينه و بين صديقه في حياتهم العملية . و أصول المثل " تعاشروا كالإخوان و تعاملوا كالأجانب "[4] ؛ أي ليس في المعاملة و التجارة محاباة .٭ زادْ الطِّين بَلَّّة ويرد المثل الشعبي الآخر " جا يسعى ودّر تسعه "و يقال في من حاول إصلاح الشيء فزاده تعقيدا ، و أصوله عند العرب قديما " زادَ الطِّينَ بَلة "[5] .٭ كل شاة تتعلق من كْرَاحَّا يقال في تبرئة الرجل من جُرم ارتكبه أحد أقاربه ، و يُقال أيضًا في مسؤولية كل شخص عن أفعاله [6]. و هذا يوافق الآية القرآنية ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [7]، و أصول هذا المثل العامي عند العرب الفصحاء ؛ قولهم " كلُّ شَاةٍ برِجلها معلّقة "[8] .٭ السَّنْ تَضْحَكْ لَلسَّنْ وَ القَلْب فِيهْ خْدِيعَة ويقول عبد الرحمن المجذوب [9]: من يامنك يا كحل الراس ٭٭ مـاشينـك بَطبيعـه
السن تضحـك للسَّـن ٭٭ و القلب فيه خديعـة
و في هذا القول إشارة إلى من يُظهر البشاشة و الضحك ، و يُبطن الغدر و الخديعة . و أصول هذا المثل عند العرب " و تضحك سِنُّ المرءِ و الوجه ُعابِس "، يقول المتنبي :[10]إذا رأيتَ نُيوبَ اللّيثِ بارزةً ٭٭ فلاَ تَظُنَّنَّ أنّ اللَّيث مبتسمُ
٭ عَيْنِي قْبَالْ عَيْنَكْ أصوله عند العرب " التينة تنظر إلى التينة "[11] .٭ يَتْعَلْمُوا الحْفَافَة في رِيصَان لِيتَامَى يقال فيمن يقدم على عمل في ملك غيره لا يحسنه ، و يقال أيضا فيمن يعبث بأموال الضعفاء و من لا مدافع عنهم ؛ فهو كمن أخذ يتعلم الحلاقة في رؤوس الأيتام [12]. و أصوله في كلام العرب " يتعلّم الحجامة في رؤوس اليتامى "[13] ، و قد ضمن المثل ابن أبي حجلة في شعر له فقال : [14]وذي بَغلٍ يـروح المدح منِّي ٭٭ و لا كرَم ٌ لديه و لا كرامه
أُكارمـه بدر بُحـور شِعري ٭٭ و أعرف منه في بحر الملامـه
و كم جرّبت شعري في أناسٍ ٭٭ أحلُّوا منه ما عرفوا حَرامـه
كأنهم اليتـامى حيث شعري ٭٭ تُعلم في رقـابهم الحجامـه
٭ اللّي يزرع السَّدْرَه يَحْصَدْ شُوكْها يُضرب للشخص الذي يفعل الشر ، و يقع فيما لا يحمد عُقباه ، و أصوله في كلام العرب الفصحاء " من يزرع الشوك لا يحصد به عنبًا " [15].٭ ما يَبْكِيك إِلاّشَفْرَك و ما يْحَكَّكَ إلاّ ظَفْرَك يضرب للاعتماد على النفس ، و أصوله عند العرب " ماحكّ جسمي غير ظفري ، و لا سعى في مرامي مثل أقدامي "[16] .٭ ما طَبْتْ مَا نْحْرَكْتْ يضرب في الشخص الذي يقف بين أمرين أحلاهما مرٌّ ؛ أو الشخص الذي يجد نفسه حيال أمرين مستحيلين . و أصوله عند العرب " هو بين حاذِف و قاذِف "[17] ؛ و الحاذفُ بالعصا ، و القاذف بالحصى ؛ و يضرب لمن هو بين الشَّرَّين .٭ إلاَ جَا الضِّيق يْجِي الوْسَعْ مُورَاهيُضرب لترقب زوال المحنة . و هذا يوافق قوله تعالى ﴿ فإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إِنَّ معَ العُسْرِ يُسْرًا ﴾[18]. و أصوله " إذا تضايق أمر فانتظر فرجًا "[19] .[1] - سورة الأنبياء :22.[2] - الأمثال : الخوارزمي . ص157.[3] - كتاب الأمثال : لمؤرج السدوسي . تحقيق .د. رمضان عبد التواب . دار النهضة العربية . بيروت . ص69.[4] - الأمثال : الخوارزمي . ص161. مجمع الأمثال : الميداني . 1/206. [5] - دراسات في المثل العربي المقارن : التكريتي ص194. [6] - أمثال جزائرية : ابن هدوقة .ص170. [7] - سورة الإسراء : 15.[8] - مجمع الأمثال : مختارات .ص12. الأمثال : الخوارزمي . " كل شاة برجلها ستناط " .ص253.[9] - القول المأثور من كلام عبد الرحمن المجذوب .ص10.[10] - الأمثال و الحكم : الرازي . تصحيح وتعليق. د.فيروز حرير جي. منشورات المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق .1987 .ص44.[11] - الأمثال : الخوارزمي ص157.[12] - أمثال جزائرية : ابن هدوقة ص52 [13] - دراسات في المثل العربي المقارن : التكريتي . قسم البحوث والدِّراسات الأدبية واللُّغوية . 1984 ص282.[14] - المرجع نفسه :282.[15] - الأمثال : الخوارزمي . تحقيق محمد حسين الأعرجي . المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية . الجزائر . 1994 ص251.[16] - أساس البلاغة : الزمخشري ص19.[17] - نهاية الأرب في فنون الأدب : النويري .3 /55. مجمع الأمثال : الميداني . تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد . المكتبة العصرية بيروت . 2003 . 2/462.[18] - سورة الانشراح : 5-6.[19] - ألأمثال : الخوارزمي . ص35. البيان و التبين : الجاحظ .تحقيق و شرح عبد السلام محمد هارون . مكتبة الخانجي . القاهرة ط3.2/350.