زيان ليلى .عضو مشارك
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 13 نقاط : 37 تاريخ التسجيل : 21/05/2010 المهنة : أستاذ مكلف بالدروس بجامعة بشار الجزائر
| موضوع: مفهوم اللهجة بين العرب و المُحدَثين 2010-05-29, 15:38 | |
| مفهوم اللّهجـة بين العرب و المحدثين
ورد في معجم العين أنّ اللّهجة تعني : طَرَفُ اللِّسان ، وجَرْسُ الكلام ، ويقـال : فصيح اللّهجة ، وهي لغته التي جبل عليها فاعتادها[1]، واللّهجة هي اللّسان[2] ، ويقصد باللّسان : اللّغة[3]، فقد أطلقت اللهجة على اللسان ، أو طرفه، فهو آلة التحدث.أمّا في الاصطلاح العلمي الحديث ؛ فنعني بها مجموعة من الصفات اللّغوية تنتمي إلى بيئة خاصة ، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة[4]. وقد كان القدماء من علماء العربية يُعبِّرون عمّا نُسمِّيه الآن باللهجة بكلمة " اللغة" حينا ، وبكلمة "اللحن"، حينا آخر ، فقد عقد ابن جني بابًا في كتابه ( الخصائص ) بعنوان : باب اختلاف اللغات وكلُّها حُجَّة[5] ، وأيضاً ابن فارس عقد باباً في كتابه ( الصاحبي في فقه اللغة ) بعنوان : اختلاف لغات العرب[6].وقد ورد أنّ أبا عمرو بن العلاء بعث خلفا الأحمر ويحي إلى الأعرابي أبي المهدي ليُلَقِّناه الرفع في الجملة : ليس الطيب إلا المسك ، فأجابهما : ليس هذا من لحني ولا لحن قومي[7]، أي ليس من لهجتي ولا لهجة قومي. وكثيرا ما يشير أصحاب المعاجم إلى لغة تميم ولغـة طيء ولغة هذيل ، ولا يريدون بمثل هذا التعبير سوى ما نعنيه نحن الآن بكلمة اللهجة[8].وقد يقصد باللهجة حديثا أسلوب النطق الذي يميز شخصا من غيره في التعبير الشفهي أو الأداء الفردي ، وهو ما يطلق عليه بالفرنسية مصطلح : Accent [9] .ويركز أندري مارتيني على صبغة المحلية التي تصطبغ بها اللهجة حيث يقول في هذا الصدد : " ... نلاحظ أن استعمال الأنماط اللغوية المحلية يمتد عبر مناطق واسعة ويسيطر على جميع حالات التفاهم فيها عندما يختص بتنظيم العلاقات مع السلطات الوطنية ( اللغة الرسمية ) ، هكذا نجد أن الناس يستعملون هذه الأنماط في المدن كما في الريف وفي أوساط الطبقة المتوسطة كما في الأوساط الشعبية حتى أنهم قد يستعملونها في الكتابة أيضا . "[10]ويتحدث الأستاذ " روبنز " عن اللهجة على أنها العادات الكلامية لمجموعة قليلة من مجموعة أكبر من الناس تتكلم لغة واحدة[11].وهذه الطريقة أو العادة الكلامية تكون صوتية في غالب الأحيان ، ومن ذلك في لهجات العرب القديمة : العنعنة وهي قلب الهمزة المبدوءة بها عينا وهذه الصفة معروفة عند قيس وتميم يقولون في أَنَّك : عَنَّك ، وفي أُذُن : عُذُن ، على حين أن بقية العرب ينطقون الهمزة دون تغيير[12] في أوائل الكلمات.كذلك : الكشكشة وهي ربيعة ومضر يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شيناً فيقولون : رأيتكِشْ وبِكِش وعليكِشْ ؛ فمنهم من يثبتها حالة الوقف فقط وهو الأشهر ، ومنهم من يثبتها في الوصل أيضا ، ومنهم من يجعلها مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف فيقول : مِنْشِ وعَلَيْشِ[13].قال ابن جني في ( سر الصناعة ) : « قرأت على أبي بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحي قول بعضهم :علي فيما أبتغي أبغيشِ *** بيضاء تُرضيـني وتُرضيـشِ وتطبِّـي وُدَّ بني أبيشِ *** إذا دنـوت جعلتْ تُنئيـشِ وإن نأيت جعلت تُدنيشِ ***وإن تكلَّمت حَثَتْ في فيشِ حتى تَنِقِّي كنقيقِ الدِّيشِ
فشبّه كاف الدّيك لكسرتها بكاف ضمير المؤنت. »[14] وقد عزا أبو حيان الأندلسي الكشكشة إلى أسد وتميم[15]، وهناك من عزاها أيضا إلى هوازن[16] .أمّا إلحاق السّين بكاف ضمير الخطاب في المؤنث ، وهي ما تسمى الكسكسة ، فنحو : أكرمتكس ، وهي لغة تميم[17]، وعزاها أبو حيان إلى بكر بن وائل المنتسبة إلى ربيعة[18]، وغيره نسبها إلى ربيعة ومضر[19].وقد تكون الطريقة متعلقة ببنية الكلمات ونسجها ، فاسمُ المفعول إذا صيغ من الفعل الثلاثي الأجوف فإن عينه تعل عند الحجازيين سواء أكان واويا أم يائيا مثل : مَقُول ومَدِين ، ولكن التميمين يعلون الواوي ويتممون اليائي فيقولون : مَبْيُوع ومَدْيُون[20].وقد يكون اختلاف الاستعمال من جهة المعاني ، وتذكر كتب اللغة كثيرا من ذلك كلمة ( وثب ) فهي عند ( حمير ) بمعنى ( جلس ) وعند عرب الشمال بمعنى ( قفز) ، و ( السُّدْفَة ) عند تميم ( الظلمة ) وعند قيس ( الضوء )[21].أما تلك الصفات الصوتية التي تميز اللهجات ، فيمكن أن تلخص في النقاط الآتية[22] :1- اختلاف في مخرج بعض الأصوات اللغوية.2- اختلاف في وضع أعضاء النطق مع بعض الأصوات.3- اختلاف في مقياس بعض أصوات اللين.4- تباين في النغمة الموسيقية للكلام.5- اختلاف في قوانين التفاعل بين الأصوات المتجاورة حين يتأثر بعضها ببعض .ولا ننسى أن نتحدث عن مفهوم خاص للهجة ، له علاقة بالطبقات الاجتماعية ومن ثم أطلق عليه مصطلح : اللهجة الطبقية ، تقول الأستاذة " مارجريت شلوخ " : « إن اختلاف أي لغة وطنية وِفقاً للمستويات الاجتماعية يسمى اللهجة الطبقية ؛ فصغار الطبقات الراقية مثلا ، الذين يتعملون في مدارس خاصة لهم " لِغْوَة " خاصة فيما بينهم لا يكاد غيرهم يفهمها ، ومع ذلك فهي – ولاشك - فرع صغير من لهجة الطبقة الراقية التي ينتمي إليها آباؤهم ، وللصغار الفقراء نوع من اللِّغْوة المدرسية القبلية محلية وسرية مثل الأخرى ، وحتى العائلات وغيرها من المجتمعات المحدودة تُكوِّن لنفسها لِغْوات خاصة تخفى على الغريب ، ولكنها أكثر تحديدا ، ومعترف بأنها تنتمي إلى اللهجة الطبقية العامـة التي يتبعـونها »[23] .ويذهب الدكتور علي عبد الواحد وافي إلى أنّ لغة المحادثة قد تتشعب في البلد الواحد أو المنطقة الواحدة إلى لهجات مختلفة تبعًا لاختلاف طبقات الناس وفئاتهم ، فيكون ثَمَّ مثلا لهجة للطبقة الارستقراطية ، وأخرى للجنود ، وثالثة للبحارة ، ورابعة للرياضيين ، وخامسة للنجارين ، وسادسة للنساء فيما بينهن ، وهَلُمَّ جرًّا[24].ومن كل هذه التعاريف والآراء في تحديد اللهجة ، يمكن أن نجمل القول بأن العادات الكلامية تتنوع ، وذلك وفق ما تقتضيه نواميس الحياة في كون أن المجتمع هو مجموعة من الفئات و الطبقات الاجتماعية التي تتلاحم إيجابا و سلبا و لذا تنوعت اللهجات . [1]- معجم العين : الخليل بن أحمد الفراهيدي . تحقيق: د.مهدي المخزومي. د. إبراهيم السامرائي. دار مكتبة الهلال : مادة ( لهج).[2] - القاموس المحيط : الفيروز آبادي. دار الجيل. بيروت: مادة (لهج). مختار الصحاح : أبو بكر الرازي . دار الهدى للطباعةوالنشر.ط4. الجزائر 1990. مادة ( لهج). لسان العرب : ابن منظور مادة ( لهج).[3] - القاموس المحيط : مادة ( لهج ).[4] - معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب : مجدي وهبة وكامل المهندس. مكتبة لبنان. ط2 .بيروت 1984. ص320. المصطلحات اللغوية الحديثة في اللغة العربية :معجم عربي-أعجمي/أعجمي-عربي : د. محمد رشاد الحمزاوي . المؤسسـة الوطنية للكتاب .الجزائــر 1987: ص174. معجم المصطلحات الألسنية فرنسي- انجليزي- عربي. د مبارك دار الفكر اللبناني ط1، بيروت.لبنان 1995.ص 81-82.[5] - الخصائص : ابن جني . دار الكتاب العربي .بيروت لبنان .2/10.[6] - الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها : أحمد بن فارس. مكتبة المعارف .ط1 .بيروت .1973.ص50.[7] - طبقات النحويين واللغويين : الزبيدي. تحقيق : محمد أبو الفضل ابراهيم . دار المعارف بمصر .ص43-44. ينظر : مجالس العلماء : الزجاجي . مكتبة الخانجي. ط3. القاهرة .1999: ص3-4 .[8] - في اللهجات العربية : د. إبراهيم أنيس : مكتبة الأنجلو المصرية ط9. القاهرة 1995 ،ص17.[9] - معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب :ص320.[10] - مبادئ اللسانيات العامة : أندريه مارتيني. ترجمة : د.أحمد الحمو. المطبعة الجديدة.دمشق 1985. ص 155.[11] - مقدمة لدراسة فقه اللغة : د.محمد أحمد أبو الفرج. دار النهضة العربية. بيروت .ص93.[12] - اللهجات العربية نشأة وتطورا : د.عبد الغفارحامد هلال. مكتبة وهبة . ط2 . القاهرة 1993 . ص 33.[13] - تاريخ آداب العرب : الرافعي . دار الكتاب العربي .ط4. بيروت.1974. 1/141.[14] - سر الصناعة الاعراب : ابن جني .تحقيق : د .حسن هنداوي .دار القلم . ط1 . دمشق .1985. 1/207.[15] - ارتشاف الضرب من لسان العرب : أبو حيان الأندلسي. تحقيق: د. مصطفى أحمد النماس. مطبعة النسر الذهبي .ط1 القاهرة 1984 1/141.[16] - تاريخ آداب العرب :1/141.[17] - القاموس المحيط : الفيروز آبادي . مادة ( كسس).[18] - ارتشاف الضرب : 1/406.[19] - تاريخ آداب العرب : 1/141.[20] - اللهجات العربية نشأة وتطورا : د عبد الغفار حامد هلال .ص34. في اللهجات العربية: دار إبراهيم أنيس . ص17.[21] - المزهر في علوم اللغة و أنواعها : 1/188-195.[22] - في اللهجات العربية : د. إبراهيم أنيس . ص19.[23] - مقدمة لدراسة فقه اللغة. ص94.[24] - نشأة اللغة بين الانسان والطفل : د. علي عبد الواحد ص 132. |
|