منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك "سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـة"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجر"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصور"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزة"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزة"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلود"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجير"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة "سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لنا"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة "سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجب"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخدير"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حب"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصار"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 "سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
appetif
مشرف عام
مشرف عام
appetif

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
1677

نقاط :
2883

تاريخ التسجيل :
15/06/2012

المهنة :
appetif@hotmail.com


"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 Empty
مُساهمةموضوع: "سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1   "سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2012-11-13, 19:31

"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1-2
د. محمد ربيع الغامدي

تستحضر عبارة العنوان أعلاه فور قراءتها حلقات كتبها الدكتور حمزة بن قبلان المزيني على صفحات هذا الملحق مؤخرا . وهي حلقات جهدت في التماس ما به ينتفي تأثر تشومسكي المباشر بكتاب سيبوبه, بمعنى: نفي أن يكون ما جاء به تشومسكي استلابا لعلم سيبويه البثوث في كتابه هذا في حين نبه الباحث على تمثل تشومسكي لعدد من الأنحاء القديمة, وبذلك تكون لديه منها جميعا ما يشبه الخلفية التي اشتركت مع غيرها في تأسيس رؤيته الفكرية. وأنه انطلق بعد معرفتها وهضمها إلى ما عـرف به من دراسات (النحو التحويلي التوليدي) الذي لم يكف تشومسكي نفسه عن تطويره وتعديله. ولم يغفل الدكتور المزيني بحث ما يلحظه كثيرون من نقاط الالتقاء بين علمي سيبويه وتشومسكي. ويسرني هنا أن أنوه بما لتلك الحلقات من أهمية, وبأنها من بين البواعث التي حفزتني على كتابة هذه السطور. وهي سطور تتداخل مع ما أثبته الباحث, وتسير باتجاه التكامل معها, والامتداد لما صرح به أو ألمح إليه. إذ إن ما عـرض في تلك الحلقات يوافق ما أذهب إليه أنا هنا, غير ان الحاجة ماس ة إلى التطرق لبعض الجوانب التي تزيد المسألة وضوحا وجلاء .
ولابد في البدء من التوقف قليلا عند بعض المسلمات التي يعتقدها كثير من اللغويين, والتي أسهمت في ضبابية الرؤية لسير الدرس النحوي العربي, بدءا بانطلاقته الاولى ومرورا بانعطافاته عبر مسيرته وانتهاء بالصورة التي انتهى إليها عند اواخر النحاة. والتبست أمور على الدارسين لولا التباسها لاتضح لهم سبب تلاقي العالمين في بعض جوانب علمهما, دون الحاجة إلى ادعاء أخذ اللاحق عن السابق, حتى في حال ثبوت اطلاع تشومسكي على كتاب سيبويه أو ثبت أنه قرأه في فترة زمنية معينة. وجلاء الأمور الملتبسة لا تقتصر فائدته على نفي التأثر المباشر والاستلاب. بل لذلك أهمية بالغة في الوقوف بوضوح على حقيقة صورة الدرس النحوي عند أوائل النحاة, وإدراك ما آلت إليه هيئته عند متأخريهم. وهي صورة أزعم انها لم تكن في أذهان الدارسين واضحة وما تزال كذلك. وينبني على إيضاحها ما تتجاوز أهميته الكشف عن محاور التقاء الدراسات اللغوية الحديثة ببواكير الدراسة النحوية إلى تحرير بعض المفاهيم التي يكفل تحريرها إزالة الأوهام العالقة بأذهان الدارسين, والمتعلقة من جهة ببعض قضايا النحو الكبرى (كالعوامل, والعلل, والتأويل والتقدير, والاستشهاد النحوي,.. إلخ), وتتعلق من جهة أخرى بتصور التتابع التطوري لدراسة العربية. كما ينبني على ايضاح ذلك أيضا الفصل الدقيق بين نوعين متقابلين من أنواع الدراسة النحوية اختلط أمرهما على أغلب دارسي النحو واللغة إن لم يكن جميعهم, هما: النحو بمعنى (القواعد), وهو النحو الذي يصان اللسان به عن الوقوع في الخطأ واللحن, والنحو بمعنى (التحليل الذهني) الذي يـحلل بموجبه الحدث الكلامي في نماذج الاستعمال المختلفة ويـن سب به كل حدث كلامي إلى نظامه الذهني الذي ينتمي إليه ويتبع له. وسيأتي تفصيل ذلك.
يـخيل إلى كثير من الدارسين أن النحو على صورته التي انتهى إليها في ألفية ابن مالك وكافية ابن الحاجب وشروحهما, ومصنفات ابن هشام والسيوطي, وما إلى ذلك من الشروح والحواشي والتقارير, قد بدأ بداية حقيقية بسيبويه والخليل, بعد أن استثمرا ما جاء به من قبلهما, كأبي الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم وعبدالله بن أبي اسحاق وغيرهم. وأنه بناء واحد لم يصبه اختلال أو تغيير أو تعديل, عدا ما زيد عليه أو امتزج به من اضافات, لم تمس جوهره ولم تبد ل أصوله الثابتة, حتى تلك الإضافات الوافدة من حقول المنطق والفلسفة وعلم الكلام وأصول الفقه لم تستطع ازاحة شيء من علم متقدمي النحاة. ويردد كثيرون مقولة أخرى مفادها: أن النحو عبر مسيرته لم يستطع الانفلات من العوامل والعلل التي قيدها سيبويه في كتابه, وان الخالفين بنوا على ذلك ما أتوا به في عصورهم المتأخرة, وساروا على الخط نفسه في تصور العوامل والعلل النحوية كما وردت عند سيبويه إمام النحاة.
وكما يسل م جمهور الباحثين بوح دة الموضوع الذي يهتم بدراسته علمـ النحو في بدئه وعند منتهى عصوره, يسل مون أيضا بوحدة غرضه الذي نشأ لأجله. ويعم ما يشبه الاجماع على التصديق والتسليم بظروف نشأته, واستمرار تلك الظروف التي تستدعي ايضا دوام وجوده كما استدعت نشأته. وهي ظروف تفشي اللحن والخوف من فساد الألسنة, الأمر الذي يستوجب صيانة اللسان عن الوقوع في الخطأ. أي: أن الدرس النحوي ينحصر في صياغة (القواعد المدرسية). ولعل ما أوهم الباحثين وجرهم إلى هذا الاعتقاد ما يقرؤونه من روايات نشأة النحو كـ "قصة أبي الأسود الدؤلي مع ابنته", ونحو ذلك من القصص التي تروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, كرم الله وجهه, وهي القصص التي يتبادر إلى الذهن منها ـ في ضوء الاعتقاد بوحدة الخط الذي سار عليه النحو ـ أنه أولا وأخيرا صيانة للسان ومن أجل صيانته, لا فرق في ذلك بين جهود سيبويه وبين جهود من تقدم عنه أو تأخر.
ولعل مما أمعن في الإيهام بذلك بقدر كبير أن بعض المتأخرين تصد ى لتعريف النحو ـ كابن جني ـ فجعله (انتحاء سمت العرب) وقصر غرضه على (إلحاق غير العربي بالعرب), تأثرا بغلبة النظر إلى أحد وجهين للنحو, هو الوجه الذي يمكن تسميته بـ (المدرسي). ولعل منه أيضا ما ردده النحاة المتأخرون من عبارات يشعر معظمها بسلطة المنع والإجازة, كقول ابن مالك: (فما أبيح أفعل ودع ما لم يـبح) التي هي أقرب إلى عبارات (المعلمين) منها إلى لغة (العلماء), وذلك يوحي أيضا بغلبة تصور الجانب المدرسي المنو ه عنه سلفا .
وتبعا لغلبة النظر إلى الجانب المدرسي واغفال تصور ما عداه ذهب كثير من دعاة اصلاح النحو إلى الاعتقاد بأن الضرورة تحتم الخلاص من (العامل) و(العلل, ولا سيما الثواني والثوالث) و(التأويل) و(الإعراب التقديري) وما إلى ذلك. بوصف ذلك كل ه لا حاجة للمتعلم بالضرورة إلى معرفته على وجه الوجوب; لأنه مما لا يعيق (انتحاء سمت العرب), ولأن (غير العربي يلحق بالعرب) من غير إلمام به. وبوصفه أيضا مما يزيد في صعوبة النحو وتعقيده. لا فرق في ذلك الاعتقاد بين قدامى المصلحين كـ (ابن مضاء القرطبي) ومحدثيهم كـ (إبراهيم مصطفى, وعباس حسن, وشوقي ضيف, ومهدي المخزومي, وغيرهم); لأنهم لم يروا في نحو سيبويه وغيره إلا الوجه (المدرسي).
ويشيع اليوم أقوال ألفها الناس من كثرة تداولها حتى غدت من المسل مات التي يصعب تحويلهم عن اعتقادها. بدأ بعضها أو جل ها من تصور الباحثين لبعض قضايا (النصوص) المستشهد بها, وانتهت كلها عند تصورات عن (مدارس) النحو و(مذاهب) النحاة. قليل من هذه الأقوال والمسائل والتصورات صحيح وأكثرـها إما مبالغ فيه وإما مغي ر عن واقعه الصحيح. فقد أجمع مؤرخو النحو على أن سيبويه وأستاذه الخليل بن أحمد الفراهيدي يقفان على رأس أعلام مدرسة البصرة, وبذلك يكونان المشر ع ين لما اشتهر عن موقف مدرسة البصرة من قضية (السماع والقياس) المشهورة في مقابل موقف مدرسة الكوفة المناقض له. ومن هنا تـلم س الصلة بين رواج الوهم في هذه المسألة وبين ما يشيع ـ موهوما فيه أيضا ـ من مواقف سيبويه من النصوص المستشهد بها, ولا سيما القراءات القرآنية وتلحين بعض القراءات, وموقفه من اللغات المشهورة المستشهد بها والقبيحة التي لا تـقبل,.. إلخ. وينطبق هذا الأمر أيضا على أستاذه الخليل بوصف سيبويه ناقل علم الخليل والمبلغ عنه من خلال كتابه.
لقد أسهمت هذه الأوهام في حجب الصورة الحقيقية لعلم سيبويه وأستاذه الخليل, كما أسهم عدم الإلمام بالمعرفة الصحيحة لعلميهما من جهته هو أيضا في نشوء هذه الأوهام والاعتقاد الجازم بها. ولهذا يكفي ـ في تقديري ـ أن نتبي ن ملامح ما جاء به عن التطويل في دفع الأوهام السابق ذكرها; لأن في هذا البيان ما يكشف عن نقاط الالتباس التي أوصلت إلى مثل ذلك الاعتقاد, وبانتفاء سبب الإلباس ينتفي اللبس بلا أدنى شك. وبه أيضا يتحقق ما وعدنا به آنفا من تبيان نقاط التقاء نحو سيبويه ونحو تشومسكي, التقاء في الغاية والموضوع لا التقاء تأثر وتأثير.
يختلف نحو سيبويه ـ ومن ثم نحو الخليل ـ عن نحو المتأخرين اختلافا جذريا , لا شبهة في ذلك عندي. وأحسب أن البـعد بين النحو ين هو بالقدر الذي يبعد به نحو (العلماء) عن نحو (المعلمين). والفرق بينهما أن الأخير ينتهي عند القاعدة لا يجاوزها, أما الأول فانه يبدأ منها منتهيا إلى تحليل النظام الذهني الذي تـع د ـ القاعدة وصفا له, بحيث يصف هذا النوع من النحو موقع (الكلام) بالنسبة إلى ذلك النظام الذهني (أي: اللغة) بحسب تعبير دي سوسير. فسيبويه وإن ذ ك ر القاعدة ع ر ضا فإنه ينطلق منها إلى ما دار في ذهن المتكلم. ولذلك تراه دائما يردد في تحليله اللغوي لتراكيب النصوص الشعرية التي يستشهد بها عبارات من مثل: (كأنه قال كذا, توه م أنه قال قبلـ كذا, أراد كذا,... إلخ) إن هو رأى القائل نصب شيئا أو رفعه أو خفضه مما اعتادت أذهان الجماعة اللغوية في تركيب مستوى الخطاب على وجه مغاير للوجه الذي ورد في النص الشعري, مما يعني الاجتهاد في التحليل للتوصل إلى نسبة نماذج القول المستشهد بها إلى نظامها الذي استقر في ذهن القائل, وكذلك السامع الذي يختزن في ذهنه نفس نظام المتكلم. ولا يورد سيبويه ذكر سؤاله لأستاذه الخليل وإجابة الأستاذ على سؤاله إلا في مواضع التحليل لما استقر في ذهن قائل الشاهد الشعري أو النثري مما يحتاج إلى تدقيق في تأمله والولوج إليه. وفي المقابل لا تجد لدى سيبويه مثلا تفصيلا للقواعد المدرسية, مكتفيا بها عن تحليل آخر أعمق منه, اكتفاء ينبئ عن نوع ما من القصد إلى تأليف كتاب تعليمي للغة كما يتصور بعض الناس. ولو أن سيبويه جعل هم ه تأليف كتاب تعليمي من هذا النوع ما استحق ـ في نظري ـ مهما أجاد أن يكون بمنزلة كتابه العظيم هذا, مثلما أن تشومسكي في المقابل لن يشرـف بأن يـنسب إليه أنه ألف كتابا لتعليم الطلبة اللغة الإنجليزية في أحد معاهد التعليم, ولا غيره من علماء اللسانيات. والدراسات الحديثة لعلم اللغة (العام) لا ينصب اهتمامها على مجرد وضع القواعد المدرسية التي تساعد المتعلمين على دراسة اللغة, ولا ينبغي لها ذلك. بل موضوعها الاو لي وغايتها الأساسية الدراسة العلمية التحليلية لـ (ظاهرة) اللغة. ثم يمكن الاستعانة بمعطيات علم اللغة (التطبيقي), وهو فرع من فروع علوم اللغة نشأ حديثا لهذا الغرض.
وبالنظرة السريعة إلى قضيتين من كبرى قضايا البحث البارزة في الدراسات النحوية يمكن تلم ـس بعض أوجه الاستدلال على ما سلف ذكره, هما قضيتا (التقدير) و(العوامل والعلل). أما مسألة (التقدير النحوي) التي يتناولها بعض الدارسين على أنها من عيوب النحو كله أوله وآخره, وأن المسؤول عنها الذي بدأها واختطها هو سيبويه, ويفيضون في الحديث عنها في سياق الدعوة إلى نبذ التقدير لعدم الحاجة إليه كما سبق, وقد يذهبون إلى القول بأن التقدير مما يلجأ له النحوي ـ حين يصطدم بنماذج الاستعمال التي لا تطابق قاعدته المقررة سلفا , إلخ, فإنه يلزم التأكيد مع المؤكدين صحة دعوى أن سيبويه هو الذي اختط التقدير ورسمه لمن بعده بدون أدنى شك. لكن ذلك من أظهر الأمارات وأوضحها على أنه إنما أراد به إظهار ما في ذهن المتكلم; إذ إثبات اخراج المتكلم كلامه على وجه والتقدير فيه على وجه آخر (أي: تقدير اللفظ مؤخرا عن تقديم أو مقدما عن تأخير أو محذوفا مع إرادته والقصد إلى معناه.. الخ) معناه أن المقد ر هو ما سبق إلى ذهنه ومعناه مما لم يقله, ومع ذلك لم يحتج السامع إلى التصريح به, بل استغنى عنه عند المتكلم وعند السامع على السواء. فالنحوي كأنه يظهر للناس بواسطة بيان (المقدر) ما دار في أذهان الجماعة اللغوية وأضمر في النفوس مع نيته والقصد إليه.
وأما مصطلحا (العامل) و(العلة) فإنهما تسميتان وضعتا بعناية لتصوير العمل العقلي بدقة عجيبة. فاسم (العامل) أريد له أن يحمل وصفا وتوصيفا لتصور عقلي لنوع من الألفاظ أدى تصوره في ذهن المتكلم إلى نصب كلمة بعده أو رفعها أو جرها أو نحو ذلك, لا على أن العامل هو الكلمة في ذاتها بشكل منقطع عن التصور العقلي. أما (العل ة) فظاهر جدا أن بيان علة مجيء اللفظ والتركيب على حال معينة إنما هو بيان للسبب المتصور في العقل الذي أظهر بموجبه المتكلم كلامه على وجه ما, وبموجبه تقبل السامع ذلك ولم ينكره.
وهما ـ أعني: العامل والعلة ـ من أظهر ما يكشف عن عناية سيبويه بالتحليل العقلي اللغوي لا بالتدريس. وإن من يطالب بحذفهما في الدراسة النحوية من الإصلاحيين مصيب في جانب, مخطئ أشد الخطأ في جانب آخر. مصيب إن إراد استخلاص الجزء المدرسي الذي يـقدم لطلاب المدارس كما يـقدم لمن أراد تعلم اللغة العربية من الأجانب. مخطئ إن أراد الاستبعاد الكامل لأهم أجزاء الدرس النحوي هو جزء التحليل العميق الذي يلتقي مع صلب اهتمامات الدراسات اللسانية, ويـعد ـ اليوم قمة الدراسات اللغوية. إنه الجزء الذي تفخر اللسانيات الحديثة بما أنجزته فيه. وهو الجزء المهم الذي تلقفت كل مدرسة لاحقة ما أنجزته منه سابقتها. وهو الركام المعرفي الذي لم يكن ليبلغ مداه الذي بلغه اليوم لو انقطع اتصال جهود المدارس ببعضها. إن النظام الذهني المفسر لكثير من مظاهر (ظاهرة) اللغة, هو مركز اهتمام المدارس اللغوية الحديثة. وأزعم أن سيبويه واضع لبناته الأولى, ثم حر ف جهوده بعد ذلك نحاة المعلمين إلى وجهة أخرى.
ولعل مسألة افتراض (الأصل) في توجيه العبارات و(تقدير) وجه العبارة المؤدي إلى فهمها ومن ثم تحليلها, وهي مسألة ملازمة للدراسة النحوية منذ ابتدائها على أيدي روادها الأوائل, ولحظها كل من تصد ى لقراءة سيرورة دراسة العربية, وتقضي بتصور أصل افتراضي للفظ مفردا أو مركبا يقول النحاة بموجبه: إن أصل العبارة أن تكون على وجه مع ين, لعل ها تعين هنا على الكشف عن الصورة التي تتكون ملامحها المميزة لها من مجموع القضايا المتعلقة بهذا الافتراض لـ (الأصل) والمتعلقة بالعامل, والعلة, والتقدير, وما يتبع ذلك. وهذه القضايا ليست الواحدة منها بمعزل عن الأخرى, وإن توه م أهل العقول المؤمنة بمجرد القواعد المدرسية أنها قضايا منفصل بعضها عن بعض. وإن تلك الصورة التي تتكون من مجموع ما سبق لهي الصورة الممثلة للدراسة التحليلية للغة كما عني بها النحو العربي في عصوره المبكرة.
والأصل المفترض الذي بـني على التفكير فيه والقول به التصو ـر النحوي عند الأوائل ليس ضربا من ضروب الخيال, وليس كما يزعم كثيرون أنه مما أـلجئ إليه النحاة إلجاء بوصفه بابا للتخريج الاضطراري. بل هو في حقيقة الأمر ترجمة وتبيان لـ (الصورة الذهنية) التي استقرت في عقول الجماعة اللغوية, وبمقتضاها أتى المتكلم بكلامه, إما موافقا لها فلا تقدير حينئذ ولا افتراض لأصل ما, وإما مخالفا لها منزاحا عنها فيلزم إذ ذاك بيان الأصل الذي انزاحت العبارة المتكلمة عنه وقدر (الانزياح). وهذا اللزوم لبيان الأصل لا يفرضه إلا إرادة الفهم العميق لـ (النظام) اللغوي والقصد إلى تفهم وجوه العبارات وتحليلها في ضوء معرفة النظام, أو القصد إلى معرفة النظام في ضوء تحليل العبارات, لا إن الباعث على ذلك وضع القواعد التي يحكم بموجبها بالصحة والخطأ. والصورة الذهنية المذكورة آنفا هي التي عبر عنها (دي سوسير (Ferdinand De Saussure بمصطلح (اللغة) في مقابل (الكلام) الذي يعني النماذج المتحققة على ألسنة المتكلمين, فربما وافقت اللغة نماذج الكلام وربما خالفتها. واللغة على هذا هي الموجود بالقوة في حين أن الكلام موجود بالفعل. ومن هنا ارتبطت محاولة فهم النظام بمحاولة الإجابة على (لماذا؟) و(كيف؟) فجـــاء البحث عن العلل والعوامل والتقدير, وهي أمور ذهنية بلاشك..
وللحديث بقية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
appetif
مشرف عام
مشرف عام
appetif

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
1677

نقاط :
2883

تاريخ التسجيل :
15/06/2012

المهنة :
appetif@hotmail.com


"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1   "سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 I_icon_minitime2012-11-13, 20:58

(سيبويه) في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 2/2
د. محمد ربيع الغامدي

خلصت الحلقة السابقة من هذا الحديث إلى أن سيبويه يعد واضع اللسانيات أكثر من أن يعد واضع القواعد المدرسية التي بها يتعلم المتعلمون اللغة وفي ضوئها يـعمد إلى مجرد التصويب أو التخطئة. وأن القول بـ "الأصل المفترض, والعوامل, والعلل, والتقدير النحوي) يرجع إلى إرادة سيبويه ـ ومن ثم الخليل كما سبق ـ التعبير عن التفسير العقلي لنماذج الاستعمال المختلفة وتحليلها, وان ذلك من مظاهر انصراف سيبويه وأستاذه إلى الدراسة اللسانية التي بها التقيا في عملهما مع عمل بعض أصحاب الدراسات اللغوية الحديثة التقاء تفرضه وحدة الموضوع ووحدة الهدف المشترك. ونزعم انطلاقا من ذلك أن منجزهما اللساني اللغوي الذي أتماه, و(العامل) المتصور في عقول أصحاب اللغة وأذهانهم, ثم ما جاء منه على حال يمكن ـ بمعرفة ما استقر في أذهان الجماعة اللغوية بالطبع ـ (تقدير) انه مقدم مثلا و(الأصل) فيه أن يكون مؤخرا , أو العكس, أو أنه حـذف وهو مراد, أو نحو ذلك. نزعم أنه انحرف بالتدريج على أيدي الأجيال التالية من النحاة إلى العودة به إلى الاقتصار منه على قانون ((قل ولا تقل), واماتة ما عدا ذلك, عوضا عن ان ينهضوا بالجانب التحليلي الذي بدأه الإمامان. وحدث أن وجد الخالفون أحاديث العوامل والعلل والتقدير والتأويل ووجدوا إلى جانب ذلك وصفا للقواعد فخلطوا هذا بذاك, فوصل إلينا من النحو مزيج غريب من القواعد التعليمية ومن الدراسات التحليلية للنظام. ولذلك استغرب المحدثون هذا الخليط العجيب, فلهذا ذهبوا ينادون بتصفيته. لكنهم أخطؤوا حين أرادوا نبذ الجزء التحليلي. اللهم إلا إن ارادوا تصفيته من ذلك عند تقديمه للتعليم فقط.
وكثيرا ما نرى في عصرنا هذا اتجاه الدارسين في فهم علوم الاوائل إلى جعلها علوما تعليمية. ويسيطر هذا الفهم سيطرة تؤدي إلى تحويلها عن مسارها الصحيح, أو يتجاهل على الأقل دور التحليل الذي ما انفك ملازما لها. ويبعد تبعا لذلك تصو ـر أنها دراسات نشأت لغرض استكناه الظاهرة ومحاولة فهمها والوصول إلى كشف أسرار نظامها. ومن ثم يبعد أن يضع اللاحق نفسه موضع السابق في مراجعة ما أثبته السابقون وتوصلوا إليه, ثم القيام على اتمام الجهود والوصول إلى مزيد من المنجزات. فعلم (العروض) مثلا أـخذ على أنه مجموع (القواعد) التي يـتعلم بها الوزن, ويـحكم في ضوئها على أوزان الشعر من حيث موافقة الشعر العربي بالصحة أو الخطأ. لا على انه محاولة من الخليل لتدبر القائم من الشعر حتى زمنه وفهم (نظام) الأوزان الصوتية التي قام عليها. وعلم (البلاغة) فـهم فهما يقربه من أن يكون مجرد (القواعد) التي يحكم في ضوئها بصرامة على العبارة جمالا أو قبحا , لا أنه علم نشأ بغرض الغوص في أعماق العبارة وتحليلها ومحاولة استكشاف بعض أسرار الجمال فيها وفهم نظامه. وهكذا النحو وغيره من علوم الأقدمين. وأظن أن من بين الأسباب القوية المؤدية إلى ذلك أن أغلب الدارسين والكتاب من المثقفين وأشباه المثقفين وجدوا أنفسهم في مقاعد الدراسة يتعلمون هذه العلوم, فرسخ في عقولهم واستقر في اذهانهم تلقائيا الدور التعليمي التربوي, وتـنوسي الجانب التحليلي في المقابل. هذا إلى جانب ما تقدم آنفا من سيطرة فكرة صيانة اللسان عن الوقوع في الخطأ واللحن, تلك الفكرة التي توحي بأن جميع ما كتبه السابقون لم يكن غرضه إلا أن يتلقفه اللاحقون بتعلمه وحفظه عن ظهر قلب لأنه المؤدي إلى صون اللسان عن كل زلل. ولم يؤخذ شيء من ذلك ـ إلا قليلا ـ مأخذا يصوره على أنه محاولة أولية لفهم (النظام) تقتضي محاولات أخرى تتبعها نحو محاولة سبر النظام نفسه بمزيد من التأمل, وانطلاقا إلى مزيد من تطوير فهمه كذلك. ذلك لأن اللاحقين لم يضعوا أنفسهم في مكان السابقين في النظر إلى الظواهر وفهمها وتفسيرها, بل جعلوا من أنفسهم تابعين يرددون ما توصل إليه سابقوهم على أنه الكلمة الاولى والأخيرة وما عليهم إلا تلقيه وحفظه.
إن اشارة الخليل نفسه إلى علمه الذي جاء به كافية في بيان جوهر ما جاء به, وفي تلخيص الغرض الذي قام علمه لأدائه. يقول الخليل رحمه الله: "إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها. وعرفت مواقع كلامها, وقام في عقولها عل له, وإن لم يـنقل ذلك عنها. واعتللت أنا بما عندي أنه عل ة لما عللته منه. فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست, وإن تكن هناك علة له فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء, عجيبة النظم والأقسام, وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق وبالبراهين الواضحة والحجج اللائحة. فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: انما فعل هذا هكذا لعله كذا وكذا, ولسبب كذا وكذا, سنحت له وخطرت بباله, محتملة لذلك. فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار, وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة. إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك. فإن سنح لغيري علة لما عل لته من النحو هو أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت بها). (الإيضاح في علل النحو للزجاجي ص 66). وهذا نص صريح واضح أشد ما تكون الصراحة والوضوح من الخليل في أنه دخل إلى أعماق الظاهرة اللغوية كما يدخل الحكيم إلى داخل الدار, واجتهد في التأمل في لغة العرب حتى عرف (مواقع كلامها) وما (قام في عقولها) من (العلل) داعيا غيره من الحكماء المتأملين إلى مزيد من التأمل والتدبر, حتى إذا سنح لغيره علة هي أليق مما قاله هو فليأت بها. وذلك ما جعل الزجاجي يعقب على كلام الخليل المتقدم بقوله: (وهذا كلام مستقيم, وإنصاف من الخليل ـ رحمة الله عليه).
وتابع سيبويه ما بدأه أستاذه, سائرا على النهج نفسه, متأملا فيما (قام في عقول المتكلمين, مستظهرا (عل ل ه), مسترشدا تارة برؤية الأستاذ وتحليله, ومجتهدا تارات في محاولة الوصول إلى علل أخرى هي (أليق) بها كما قال الأستاذ, وانفاذا لما وصى به.
ولو تأمل متأمل مسرد الموضوعات فقط في فهرس (الكتاب) لرأى ـ بما يدع مجالا للشك ـ أنها عناوين يندرج تحتها كلها أو جل ها موضوعات تـعنى أكثر ما تـعنى بما استقر في الذهن واخـترن في العقل. وتذهب إلى استنباط المعاني المتصورة في أذهان الجماعة اللغوية المنتجين لنماذج الاستعمال المختلفة, والذين شافههم سيبويه وأستاذه من قبله, ومن ثم تحليل نماذج الكلام قياسا بالمتصور في الأذهان.
ولو نظر ناظر ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ إلى عدد محدود جدا من نصوص كبيرة جدا وردت في كتاب سيبويه (تحو ل مضمونها والمراد منها فيما بعد على أيدي متأخري النحاة وأـدرج تحت مصطلح "الاتباع على التوهم أو على المعنى أو على المحل" لرأى انها تفسير توص ل إليه سيبويه وتصد ى لوصفه يظهر به ما استقر في أذهان الجماعة اللغوية وجاء بموجبه اتباع ما لشيء لم يتحقق في العبارة المنطوقة, لكنه تبادر إلى الذهن واستقر في العقل وأضمر في النفس, مقصودا إلى معناه, غير متنبه من قبل المتكلم إلى مخالفة المتحقق بالفعل للموجود بالقوة. وراح سيبويه يعم م هذا التفسير العقلي على جملة من العبارات في نصوص متفرقة, بعضها من القرآن الكريم وبعضها الآخر من شعر العرب ونثرهم. قلل في شأن تأويل ما يلحظ في بعض صور ما تقدم ذكره: "واعلم أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون: (إنهم أجمعون ذاهبون) و (إنك وزيد ذاهبان) وذاك أن معناه معنى الابتداء, فيرى أنه قال: (هم) كما قال:
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
على ما ذكرت لك. (الكتاب 2/155 ـ 156 ط هارون). وقال أيضا : "وقال الخليل رحمه الله: لا يقولون إلا (هذان جحرا ضب خربان) من قبل أن الضب واحد والجحر جحران. وإنما يغلطون إذا كان الآخر بعد ة الأول, وكان مذكرا مثله أو مؤنثا . وقالوا: (هذه جحرة ضباب خربة) لأن الضباب مؤنثة, ولأن الجحرة مؤنثة, والعد ة واحدة, فغلطوا". (الكتاب 1/437). وقال في باب ما ينتصب فيه المصدر المشبه به: "وذلك قولك: (مررت به فإذا له صوت صوت حمار) و(مررت به فإذا له صراخ صراخ الثكلى). وقال الشاعر, وهو النابغة الذبياني:
مقذوفة بدخيس النحض بازلـها
له صريف صريف القعو بالمسد
وقال:
لها بعد إسناد الكليم وهدئه
ورن ة من يبكي إذا كان باكيا
هدير هدير الثور ينفض رأسه
يذب ـ بروقيه الكلاب الضواريا
فإنما انتصب هذا لأنك مررت به في حال تصويت, ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول, ولا بدلا منه. ولكنك لما قلت : (له صوت ) عـلم أنه قد كان ثم عمل , فصار قولك: (له صوت) بمنزلة قولك: (فإذا هو يصو ت) فحملت الثاني على المعنى. وهذا شبيه في النصب, لا في المعنى, بقوله تبارك وتعالى: وجاعلـ الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا لأنه حين قال: جاعلـ الليل فقد علم القارئ انه على معنى (ج ع ل), فصار كأنه قال: وجعل الليل سكنا , وحمل الثاني على المعنى. فكذلك (له صوت ) فكأنه قال: (فإذا هو يصوت) فحمله على المعنى, فنصبه, كأنه توهم بعد قوله (له صوت): يصو ت صوت الحمار, أو يبديه, أو يخرجه صوت حمار, ولكنه حذف هذا; لأنه صار (له صوت) بدلا منه". (الكتاب 1/355 ـ 356). وقال: "سألت الخليل عن قول الأعشى:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتن
أو تنزلون فإنا معشر نزل
فقال: الكلام ههنا على قولك: يكون كذا, ل ما كان موضعها لو قال: (أتركبون؟) لم ينقض المعنى, فصار بمنزلة قولك: ولا سابق شيئا (يقصد البيت المذكور آنفا )" (الكتاب 3/50 ـ 51).
وليس ما ذـكر من النصوص غير غيض من فيض مما أورده الإمام في كتابه, لو تتبعناه ما اتسعت هذه العجالة للتطويل بسرده. لكن ما ينبغي التأكيد عليه أن إمام النحاة عني أشد العناية بالعودة مرارا وتكرارا إلى مقارنة التصورات الذهنية التي أدت إلى وجود علامات اعرابية بعينها في النصوص أعلاه بما يتأمله ويصل إليه في تحليل النصوص الأخرى التي انحرفت عن المفترض نظريا بحسب المعتاد في لغة القوم. ويغني عن الإطالة في هذا المقام بنقل النصوص الإشارة إلى مواضع بعضها في (الكتاب) اختصارا . انظر مثلا مقارنة سيبويه نصب لفظ (الجماعة) في قول الشاعر: (أزمان قومي والجماعة كالذي) بقول الآخر: (ولا سابق شيئا ). ومثله: (ونهنهت نفسي بعد ما كدتـ أفعل ه) بنصب (أفعله). (الكتاب 1/305 ـ 307). ووجوه المشابهة بين قولهم: (ليس زيد بجبان ولا بخيلا ), و(ما زيدـ بأخيك ولا صاحب ك) بجر الأول ونصب الثاني, وبين (هذا جحر ضب خرب) بجر الصفة, ومثله قول الشاعر: ) (فلسنا بالجبال ولا الحديدا), وقول الآخر: (فإن لم تجد من دون عدنان والدا ,,, ودون معد فلتزعك العواذل) بجر (دون) الأولى ونصب الثانية. (الكتاب 1/66 ـ 68). ومشابهة ما سمي فيما بعد بعطف المصدر من (أن) المضمرة والفعل بعد الفاء السببية على المصدر المتصي د قبله بقول الشاعر: (مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة,,, ولا ناعب إلا ببين غرابها) بجر (بين), وقوله: (وما زرت سلمى أن تكون حبيبة,, إلى ولا د ي ن بها أنا طالبه) بجر (دين). مع تأكيد سيبويه الشديد أن ذلك يشبه قول الشاعر: (ولا سابق شيئا ) المتقدم. (الكتاب 3/28 ـ 29). وانظر نحوا من هذا تحليله الدقيق لأسباب وجود ظاهرة نصب المصادر لمفاعيلها, ثم إن ما يضمر في النفس من معنى الفعل حينئذ يجعل المتكلم ينصب المعطوف على المفعول الذي أضيف إليه المصدر نحو (هذا ضارب زيد وعمرا ) و(عجبت له من ضرب زيد وعمرا ), واستشهد بأبيات لرؤبة. (الكتاب 1/189 ـ 192). (وينظر أيضا 1/169 ـ 170, 171 ـ 174 ـ 94, 2/344). وانظر أيضا تفسيره هو وأستاذه لإتباع المنادى المبني على الضم بالرفع, وتعليلهما ذلك بأن المتكلم لم يفصل في تصوره الذهني بين حركتي البناء والإعراب; لأن الحركة في الحالين سواء; إذ إنها الضمة. (الكتاب 2/183). وهو ما عـرف فيما بعد بعلة اطراد البناء على الضم. ومثل ذلك الاتباع جرى على تابع اسم (لا) النافية للجنس. (الكتاب 2/291 ـ 295). ومثل الذي تقدم ما ذهب إليه سيبويه في تعليل ورود كلمة (سراويل) غير مصروفة في لغة العرب; لأن ذهن المتكلم تصورها شبيهة بصيغ الجمع التي اعتاد منع صرفها مع أنها مفرد. (الكتاب 3/229). وإلى نحو هذا التحليل ينحو في كسر العين من (ادع ه) عند بعض العرب فيما يرويه عن أبي الخطاب الأخفش, ثم يعود إلى مقارنة هذه الظاهرة بما جاء في قوله: (ولا سابق شيئا ) المتقدم. (الكتاب 4/160). وسيبويه هنا يعمد بهذا النوع من التحليل العقلي لما دار في الذهن وما تحقق في العبارة المنطوقة إلى بيان قدر (الانزياح) بين المجرد المتصو ر ذهنيا والمتحقق المنطوق لسانيا .
ويشير سيبويه إلى أن تصو ر العقل ما يعرف بـ (العامل) وجودا وعدما , تقديما وتأخيرا , وانبناء العبارة إما على أساس تصو ـر وجوده أو على تصو ـر سقوطه وعدمه وانمحائه, هو الفيصل في تحت م وجود العلامة الإعرابية التي يقتضييها ذلك التصور للعامل, أو اقتضاء حذفها واستبدالها تبعا لما يحل في التصور مكان العامل المفترض نظريا . والعامل بذلك ليس غير تصو ـر عقلي, إن ثبت في الذهن أعمل المتكلم ذلك التصو ـر في العبارة إن لم يوجد التصو ـر لم يوجد الإعمال. ولذلك تجد سيبويه يفسر ـ سر عدم نصب المفعول أحيانا إذا تأخر عنه أو عن الفاعل فعلـ القلب, نحو (ظن), مؤكدا أن اعتياد الذهن على نصبه إذا ابتدأت الجملة بفعل القلب, وجز م المتكلم بهذا الإعمال في كل حال, يختل حين التأخر, فيبني المتكلم كلامه على الابتداء بالجملة من غير تصور سابق لمقتضي النصب, فكأن المتكلم حينئذ بنى كلامه على اليقين ثم تداركه وأتبعه بالشك فيما بعد لما جاءت (ظن) متأخرة لم يبتدئ بها الكلام, فلذلك أمضى المتكلم عبارته على وفق ما انبنى في ذهنه أولا . (الكتاب 1/120). وسيبويه يحمل نصب الاسم المتقدم على فعل لا يصل إلى المفعول بنفسه على هذا المحمل, فإنه إنما انتصب لأن المتكلم حين نطق بالفعل لم يدقق فيما نطق أهو مما يتعدى بنفسه أم أنه لا يتعدى إلا بالحرف, فالمتكلم يسيطر على عقله حين نطقه بالفعل دلالة ذلك الفعل على الحدث وأن هذا الحدث يقع على الاسم الذي فاه به, فهو كأنه تصور أن الفعل إذ ذاك متعد . ثم يزيد ذلك الأمر ثابتا وتأكيدا في نفسه إن هو ابتدأ بالفعل, فيجري كلامه بعد ذلك على أن الحدث واقع على الاسم. ولا يغفل سيبويه التنبيه على أن هذا الذي ينقله في المسألة هو قول الخليل. (الكتاب 1/92, 93). وهو ما أخذه متأخرو النحاة بعد ذلك ليضعوه قانونا ينص على ترجيح النصب في باب الاشتغال إن كان عطف الاسم على جملة فعلية قبله, بخلاف إن كان المتقدم جملة اسمية.
ولا نمضي إلى أكثر من هذا في استقصاء نصوص الكتاب أو الإشارة إلى مواضعها; إذ فيما سبق وفيما ذكر في الحلقة السابقة كفاية في الدلالة على اتجاه الدراسات اللغوية المبكرة على يد إمام النحاة وأستاذه إلى استكناه الظاهرة اللغوية في المقام الأول, ولاسيما في ضوء التيقن من أن فكرة (التقدير) والقول بـ (الأصل) المفترض إنما نشأت في ظروف نوع التحليل اللغوي المنو ه عنه وملازمة له. وهذه الأمور مجتمعة تشكل منها ما أعده أنا ـ دون تردد ـ نظرة إلى اللغة سبق بها سيبويه إمام المتقدمين نظرة إمام المحدثين سوسير إلى مستويين لها, أحدهما: المستوى المتصور في أذهان الجماعة اللغوية الواحدة, وهو ما عب ر عنه بمصطلح (اللغة). والآخر: المستوى المنطوق, وهو المعبر عنه بمصطلح (الكلام). أول هذين المستويين مثالي موجود بالقوة والأخير متحقق بالفعل. وقد يوافق المتصو ر المتحقق, وربما خالفه. وفي المقابل ليس في الكتاب تفصيل ملحوظ يفهم منه ما ينبىء عن القصد إلى الاكتفاء بتعليم اللغة, كما سبق في الحلقة السابقة.
وإذا كانت الصلة واضحة بين التصور النحوي لمستويين للغة, مثالي ومتحقق, مجرد متصو ر في الذهن ومنطوق باللسان, وبين ما يفيده مصطلحا سوسير (اللغة, والكلام) بوصف الأول دالا على المتصو ر والأخير دالا على المتحقق, فقد لحظ بعض الباحثين المعاصرين صلة مباشرة وشبها بين تصور النحاة ذاك وتصور أصحاب النحو التوليدي التحويلي فيما عرف عنهم بـ (البنية العميقة) و(البنية السطحية). يقول الدكتور عبدالحكيم راضي: "لم يتخل النحو العربي أو علم اللغة بصفة عامة عن التمسك بتصوره للغة في مستواها المثالي. ومن أجل إثبات هذه المثالية والمحافظة عليها قام النحو العربي بما يشبه صنيع المحدثين من أصحاب النحو التوليدي التحويلي في تصورهم لوجود بنية عميقة مثالية كامنة وراء كل بنية سطحية". (نظرية اللغة في النقد العربي ص 204). وليس بمستغرب أن يكون بين تصور الدرس النحوي لهذا الجانب وبين كلا التصورين السوسريين, لأن المصطلحين الشهيرين لكل منهما لا يمكن أن يقال: إن اللاحق منبت الصلة عن سابقه. ذلك لأن الدراسات اللغوية بعد سوسير نمت وترعرعت في ظل ما حرره من المفاهيم اللغوية التي كانت ملتبسة قبله, وظلت تسير على هدى ذلك التحرير. وأجزم بأن الدراسات بعد أن أحدث سوسير ما يشبه الثورة على المفاهيم القديمة عادت لتسير في ضوء التحليل العقلي لظاهرة اللغة. وليس مصطلح (الكفاءة اللغوية Competence) الذي ابتدعه تشومسكي إلا شيئا مطورا مبني ا على تمثل الفرق الجوهري الذي توصل إليه سوسير بين (اللغة) في مستواها المجرد و(الكلام) في صورته المادية. لاسيما أنه مصطلح مرتبط ارتباطا عضويا بالبنيتين (العميقة) و(السطحية) المتحد ث عنهما سلفا . وليس تناول سيبويه لقضايا اللغة ببعيد أو منبت الصلة عن أن يكون حديثا في الكفاءة والمقدرة اللغوية, قريب الشبه في المضمون بما عني به وتحدث عنه تشومسكي ومن قبله سوسير. والقاعدة إن أوردها سيبويه فليس لإيضاح وجه الصحة أو الخطأ, بل من باب بيان (أصل الوضع) الذي هو ترجمة أخرى لما يفترض أن يكون عليه التركيب نظريا , ومن ثم تحليل (نماذج الاستعمال) على ضوء ذلك الأصل ونسبة كل نموذج إلى موقعه من نظام ذهني ما, مطابقا له, أو منزاحا عنه, أو متخذا مكانا ما من نظام ذهني آخر لا يتبين إلا بالتحليل.
لقد سار القريبون من عصر سيبويه ممن أتى بعده ـ كالمبرد وابن السراج ـ في خط لم يبعد كثيرا عن خط سيبويه, تارة بترداد عباراته وتارات بإضافات جيدة يسير بعضها في الاتجاه الصحيح الذي كان ينبغي أن تسير عليه الدراسات اللغوية في العصور المتتابعة التالية. وشاع في تعاليم مدرسة البصرة بعض الملاحظات التي امتزجت بروح سيبويه وفكره. وشابها قدر من مضمون أحاديث سيبويه التي يفهم منها أنها تتجه إلى (أصل الوضع) المفترض نظريا , ومن ثم تحليل نماذج الكلام المسموع عن العرب شعرا ونثرا في ضوء المجرد المتصو ر, وهو ما عرف عند أهل البصرة بـ (القياس), في مقابل (السماع) الذي ينصرف في معناه إلى نماذج الاستعمال, ومنها بالطبع (الشواهد النحوية) من الكلام العربي الفصيح. لكن الأمر تحو ل تدريجيا إلى سوء فهم لقضية القياس والسماع, وحدث في مسيرة النحو العربي تغيرات أدت إلى أن يكون شيئا آخر غير الذي بدأ أول الأمر. ولا أدل على هذه التغيرات من تحو ل نماذج التحليل التي بدأها سيبويه وذكرت آنفا إلى قواعد جامدة غير قابلة للبحث والتطوير على أيدي الخالفين من النجاة المتأخرين, ولا يرجى منها غير التصويب والتخطئة. وقد ورد في صدر هاتين الحلقتين الإلماح إلى بعض ما اعترى النحو المتأخر من اتجاه به إلى أن يكون تعليميا خاليا من روح التحليل, ومازال بعض وجوه التغيير التي مرت بالنحو في تطوره التتابعي عبر العصور والمراحل الزمنية في حاجة إلى الوقوف على مزيد من التفصيل. وبتفصيله يمكن إزالة بعض الأوهام العالقة بسيرورة الدرس النحوي. وبه أيضا يمكن تحرير بعض المفاهيم التي تحتاج إلى تحرير. وهو الأمر الذي أرجو أن تتاح لي العودة إلى إفراده بحديث مستقل; فهو حديث يطول.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» هدية ميلاد أحمد
» البعد التداولي عند سيبويه
» نحو سيبويه ونحو المتأخرين
» الكفاءة عند تشومسكي
» بطيف ذكرى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللسانيات النظرية :: اللسانيات العامة-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


"سيبويه" في ذكرى ميلاد (تشومسكي) 1 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
مبادئ مجلة بلال العربي موقاي الأشياء اللغة على النص محمد البخاري الخيام اللسانيات مدخل الخطاب التداولية الحذف ظاهرة المعاصر كتاب اسماعيل ننجز النقد قواعد النحو العربية


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع